كان من المتوقع أن تطالب الولايات المتحدة السودان بالانتقال إلى حكومة بقيادة مدنية قبل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب

نشر موقع «ميدل إيست آي» الإخباري تقريرًا لشيرين خليل، الصحافية المهتمة بتغطية حقوق الإنسان وقضايا اللاجئين والصراعات، تناولت فيه تداعيات القرار الأمريكي المتعلق برفع اسم السودان من قائمة «الدول الراعية للإرهاب» على انتقال البلاد إلى حُكمٍ مدني.

وفي مستهل تقريرها أوضحت الكاتبة أنه منذ عامٍ واحدٍ مضى بدا أن رفْع اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب أثناء المدة الرئاسية الأولى للرئيس دونالد ترامب أمر غير مرجح في ضوء سعي البلاد الدؤوب من أجل التعافي من آثار الانقلاب الذي وقع في أبريل (نيسان) 2019 ضد حكم البشير بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية.

هدف طال انتظاره

وبعد مرور زِهَاء عامين على الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير الذي حكم البلاد لمدة طويلة (30 عامًا)، لم تزال أمور البلاد تُدار على يد حكومة انتقالية تتألف من تحالفٍ بين القيادات العسكرية وزعماء الاحتجاجات، وقد نشبت بينهم الخلافات على نحوٍ متزايدٍ في الأسابيع الأخيرة.

Embed from Getty Images

وفي أروقة الدوائر الدبلوماسية، تشير الحكمة التقليدية إلى أنه كان يجب على القيادة الانتقالية تشكيل حكومة مدنية قبل أن ترفع الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي ظلَّت مُدرجَة فيها على مدار آخر 27 عامًا، نظرًا للدعم الذي قدَّمه البشير للقاعدة وقائدها السابق أسامة بن لادن في الماضي.

ولكنَّ إدارة ترامب أعلنت يوم الاثنين رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومن ثمَّ رفع جميع القيود المفروضة على الأفراد والكيانات التي تسعى إلى التعامل التجاري مع ذلك البلد الواقع في شمال أفريقيا بعد عقود من العزلة.

وفي الوقت الذي وضع فيه الكونجرس تشريعًا مؤقتًا يسعى إلى المساعدة في تشجيع انتقال السودان إلى بلد يخضع للسيطرة المدنية، بات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سببًا في ضياع أداة ضغط أمريكية فاعلة.

مشكلات من نوع خاص

وفي تصريح لـ«ميدل آيست آي» أعرب جايسون بلازاكيس، المدير السابق لمكتب وزارة الخارجية الأمريكية لتصنيف الإرهاب ومكافحة تمويله (في المدة من 2008 إلى 2018)، عن خيبة أمله بسبب تلك الخطوة؛ لأنها أولًا تقلل من نفوذ الولايات المتحدة في تشجيع عملية الانتقال السلس إلى القيادة المدنية، وثانيًا لأنها أُجريَت أيضًا بطريقة «نفعية» للغاية وقبل أسابيع فقط من تولي إدارة بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض.

وأضاف بلازاكيس، الذي يشغل الآن منصب مدير «مركز الإرهاب والتطرف ومكافحة الإرهاب» التابع لمعهد ميدلبوري للدراسات الدولية: «إن رفع اسم السودان من القائمة قبل ما يقارب شهرًا من بداية حكم إدارة جديدة، تصرُّف سيئ بكل تأكيد».

Embed from Getty Images

وتابع: «إن اتخاذ قرار مهم يتعلق بالسياسات الخارجية في عهد إدارة تقضي أيامها الأخيرة في البيت الأبيض أمرٌ يثير إشكالية من نوعٍ خاص. وأعتقد أنه ينبغي إعطاء فريق بايدن المعني بالسياسات الخارجية الفرصة لإعادة النظر في ملف المعلومات المتعلقة بالسودان واتخاذ قراره الخاص».

وأشارت الكاتبة إلى أن قائمة الدول الراعية للإرهاب التابعة للولايات المتحدة تأسست عام 1979 لتضم البلدان التي «قدَّمت الدعم مرارًا وتكرارًا لأعمال الإرهاب الدولي». وتمنع العقوبات تلك البلدان من الدخول إلى الأسواق المالية والتداول فيها؛ ما يؤدي إلى تدمير اقتصاداتها. كما تضع العقوبات حدًّا لنوعية الأسلحة التي يمكن لهذه البلدان حيازتها والبضائع التي يمكن تصديرها.

وبعد رفع اسم السودان من القائمة لم تزل هناك ثلاثة بلدان فقط مدرجة على القائمة الأمريكية في الوقت الحالي: كوريا الشمالية، وإيران، وسوريا.

سياسة العصا والجزرة

جرت العادة أن إضافة بلدٍ ما إلى القائمة تشكِّل صعوبة مماثلة تمامًا لرفعها من هذه القائمة؛ إذ تصبح البلاد مُطالبَة باستيفاء سلسلة من المعايير المنصوص عليها في خطة عمل مُتَّفق عليها من أجل رفع اسمها من القائمة. وقبل التغيُّر المفاجئ في سياسات إدارة ترامب تضمَّن جزء من خطة العمل الخاصة بالسودان انتقالها إلى قيادة مدنية.

ولفت بلازاكيس إلى أن تداعيات عملية رفع اسم السودان السابقة لأوانها يمكن أن تؤدي إلى أحد اتجاهين: يمكن أن تضفي أهمية على الجهات المدنية الفاعلة، وهو ما يُبرِز أهمية القيادة المدنية من خلال تثبيت دعائم نفوذها داخل المجتمع الدولي؛ ويمكن في الوقت نفسه أن تثبِّط بعض المحفِّزات التي تدفع القوى العسكرية في السودان إلى التنحى جانبًا عن قيادة البلاد.

ومضى بلازاكيس يقول: «آمل أن يكون ذلك الانتقال سلسًا لأن المكافأة الموعودة (الجزرة) لم تعد مطروحة على الطاولة (حصلت عليها السودان بالفعل) لضمان نجاح هذه العملية».

Embed from Getty Images

وأوضح قائلًا: «(إن رفع اسم السودان) قد يؤدي إلى ترسيخ أقدام الأطراف الفاعلة غير المعنية وتشجيعها، والآن لم تعُد لدى (الولايات المتحدة) مكافأة موعودة. «والعصا (الشق الآخر من سياسة العصا والجزرة)، في إشارة إلى فرض عقوبات على نطاق واسع، أو إعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب، «سيصعب استخدامها ما لم تكن الولايات المتحدة قادرة على أن تُثبِت بما لا يدع مجالًا للشك أن السودان ترعى أعمالًا إرهابية».

وتشير الكاتبة إلى أنه في الأسبوع الماضي فقط ازدادت المخاوف المتعلقة بحدوث انقلاب عسكري في السودان في خِضمِّ نشوب نزاعات بين العناصر المدنية والعسكرية في الحكومة الانتقالية بعد أن أنشأ القائد العسكري والزعيم الحالي (الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، أعلى هيئة تنفيذية في السودان، والتي تدير المرحلة الانتقالية) هيئة جديدة ذات صلاحيات عسكرية واسعة النطاق (تُسمَّى هذه الهيئة «مجلس شركاء الفترة الانتقالية»، وقد أثارت غضب رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك).

ومن المقرر أن يكون هذا المجلس ذو القيادة العسكرية وتعارضه القيادة المدنية «مسؤولًا عن قيادة الفترة الانتقالية، وتسوية الخلافات (بين الجهات الموجودة في السُلطة) وسيتمتَّع بجميع الصلاحيات اللازمة لممارسة أعماله».

كما يشكل نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى داخل السودان (بسبب القتال الدائر في إقليم تيغراي)، منذ أن شنَّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هجومًا عسكريًّا في أقصى شمال البلاد في الشهر الماضي، تهديدًا على استقرار البلد الذي يعاني من تداعيات أزمته الاقتصادية.

الكونجرس يضع شروطًا

ومع ذلك حظي رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بدعمٍ كبيرٍ من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونجرس، إذ لم يعارض كلا المجلسين في غضون المدة التي تبلغ 45 يومًا والمُخصَّصة للكونجرس للاعتراض على الخطوة التي أقدمت عليها إدارة ترامب ومَنْعها. ولكن لم يزل يساور كلا الحزبين قلقٌ بشأن النفوذ العسكري السوداني في البلاد.

وبينما يشارك تحالفٌ مدنيُّ الجيشَ السوداني حكم البلاد، إلا أن الجيش يتحكم في الوقت الحالي في كثيرٍ من الأعمال التجارية في قطاعات الزراعة والتعدين والطاقة. ويتضمن قانون إقرار الدفاع الوطني الذي مُرِّرَ مؤخرًا في هذا العام مشروع قانون يطالب بالشفافية المالية والسيطرة المدنية على المشروعات التابعة للحكومة السودانية باعتبارهما شرطًا للحصول على المساعدة الأمريكية.

Embed from Getty Images

ويجيز مشروع القانون الذي قدَّمه مجلس النواب أول مرة في مارس (أذار) فرض عقوبات ضد أي شخص يُرَى أنه يقوِّض الانتقال السياسي في السودان، فضلًا عن أي شخص في البلاد يرتكب انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان أو يشارك «في الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية»، ضمن تدابير أخرى.

وعند سؤاله عن مشروع القانون في مؤتمر صحافي عُقِد يوم الاثنين وافق رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك على أنه «من غير المقبول» أن يسيطر الجيش على كبرى المشروعات، ودعا إلى الانتقال إلى شركات مساهمة مفتوحة يمكن أن يستثمر الشعب فيها.

واستدرك حمدوك قائلًا: «جميع الجيوش في العالم تشارك في الاستثمارات، مثل المشاركة الصناعات العسكرية، ولكن من غير المقبول أن يستثمر الجيش في القطاع الإنتاجي ليحل محل القطاع الخاص». وأكَّد حمدوك أن شرط الكونجرس للحصول على المساعدة الأمريكية «سيساعد في الانتقال الديمقراطي بالتأكيد»، ولكنه لم يزل مترددًا فيما إذا كان الضغط على الجيش سيكون كافيًا لتخليه عن السيطرة على تلك المشروعات. وأضاف: «الأقوال أسهل من الأفعال، ولكننا سنعمل على ذلك لنرى ما يمكننا تحقيقه».

وتؤكد الكاتبة أن ترامب لم يوقِّع بعد على قانون إقرار الدفاع الوطني الذي تبلغ قيمته 740 مليار دولار، ذلك أنه هدد في وقت سابق باستخدام حق الفيتو ضد القانون لأنه يتضمن بندًا يسمح بإمكانية إزالة أسماء قادة الحقبة الكونفدرالية من القواعد العسكرية ولم يلغِ حماية شركات وسائل التواصل الاجتماعي، التي ليس لها علاقة بالشؤون الدفاعية. ومع ذلك مُرِّرَ القانون بأغلبية الثلثين اللازمة لتجاوز حق الفيتو، ولذلك يُعد من غير المُتوقَّع أن يحاول ترامب إلغاء القانون قبل الموعد النهائي في 23 ديسمبر (كانون الأول).

تبادل المنفعة: تطبيع العلاقات مع إسرائيل

في الوقت ذاته، يُنظَر إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب باعتباره هدفًا رئيسًا في السياسات الخارجية بالنسبة لإدارة ترامب. وفي مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، دفعت الحكومة الانتقالية في السودان 335 مليون دولار في صورة تعويضات إلى الضحايا الأمريكيين في التفجيرات القاتلة التي وقعت عام 1998، ووافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي البداية رفضت السودان الطلب الأمريكي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أثناء الزيارة الإقليمية لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في أغسطس (آب)؛ إذ زار عدَّة بلدان عربية بهدف تعزيز اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وفي الوقت ذاته أوضح الجانب المدني في الحكومة الانتقالية السودانية أنه ليس مُخوَّلًا باتخاذ هذه الخطوة الخطيرة، نظرًا لأن البلاد لم يكن لديها علاقات مع إسرائيل طوال تاريخها.

Embed from Getty Images

لم يكن الأمر كذلك حتى أصبحت الولايات المتحدة جادة فيما يتعلق برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إذ بدا أن الجانب العسكري في الحكومة الانتقالية يستحسن هذه الفكرة؛ ما أثار توترات بين القيادة المدنية والعسكرية؛ ذلك أن الجيش، الذي تربطه علاقات وثيقة بالسعودية، والإمارات، ومصر، ضغط من أجل المُضيِّ قدمًا في هذه الخطوة، في حين عارضها رئيس الوزراء حمدوك.

وعلى الرغم من أن الخرطوم سَعَت إلى التقليل من أهمية الربط بين اتفاق التطبيع والرفع من قوائم الإرهاب، اتضحت سياسة «تبادل المنفعة» في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر عندما أصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان، زعيم البلاد الحالي، إنذارًا أخيرًا إلى الولايات المتحدة: ارفعوا اسم السودان من القائمة قبل نهاية هذا العام، وإلا خسرتم اتفاق تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل.

يقول بلازاكيس: «إن الطريقة التي طُرح بها التصميم على رفع اسم السودان من القائمة كانت مريبة، ومن نوعية اتخاذ القرار الذي لا ينظر إلا إلى المصلحة الخالصة فحسب».

عربي

منذ سنتين
«بلومبرج»: وعد بشطبه من قائمة الإرهاب.. كيف يعرقل ترامب نهوض السودان؟

ونظرًا لإدارته للمكتب المسؤول عن مراقبة قائمة الدول الراعية للإرهاب على مدى 10 سنوات، أوضح بلازاكيس أنه على الرغم من دعمه لاتفاق تطبيع السودان مع إسرائيل، إلا أن الطريقة التي تحقق بها هذا الأمر بَدَت «دنيئة بعض الشيء». «هناك أمور كثيرة تُؤخَذ في الحسبان في سياق هذه القضايا ذات النطاق الأكبر المتعلقة بالدول الراعية للإرهاب»، على حد قوله.

وأضاف بلازاكيس: «ولكن النقطتين المرجعيتين الحقيقيتين هما ما إذا كان هناك غياب للنشاط الإرهابي خلال الأشهر الستة الماضية، وما إذا كان السودان قدَّم ضمانات على أنه لم يعد متورِّطًا في الإرهاب»، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن الإجابة عن هذين السؤالين من المرجح أن تكون: نعم، لا يمكن أن تكون هاتان النقطتان واضحتين تمامًا في وقت تمر فيه الحكومة بمرحلة انتقالية.

واختتمت التقرير بقول بلازاكيس: «جوهريًا، حتى يرفع السودان اسمه من القائمة، يجب أن يفعل أمرين… لا علاقة لهما حقيقةً بوضعها كدولة راعية للإرهاب».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد