البرلمان السويدي يصوِّت لصالح خيار الانضمام إلى الناتو فاتحًا المجال أمام البلاد للانضمام إلى الحلف مستقبلًا 

نشر موقع «بوليتيكو» الأمريكي تقريرًا لمراسله في العاصمة السويدية ستوكهولم، تشارلي دوكسبيري، تناول فيه مسألة انضمام الدولة الإسكندنافية الواقعة في شمال أوروبا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ إذ يبدو أن هذه المسألة أصبحت خيارًا قريبًا بعد تصويت البرلمان السويدي مؤخرًا لصالحه.

استهل المراسل تقريره بالإشارة إلى أن السويد تعيد التفكير في مسألة أمنِها، وما إذا كانت بالفعل أكثر أمنًا وأمانًا، وهي خارج حلف الناتو. وتقف السويد على مسافة عامين من الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويتصاعد الجدل حول الانضمام إلى تحالف الدفاع الغربي في تمهيدٍ لصِدام متوقع بين الأحزاب اليمينية واليسارية حول هذه المسألة في عام 2022.

معارضات ومواقف متقلّبة تشهدها ساحة السويد السياسية

يشير التقرير إلى أن حكومة الأقلية الحالية المكوَّنة من حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الخضر، بالإضافة إلى مؤيديهم من حزب اليسار، لم تزل تعارض بشدة الانضمام إلى التحالف، مؤكدين على أهمية الحياد فيما يرونه عالَمًا مُستقطِبًا. وعلى الجانب الآخر تؤيد أحزاب يمين الوسط الأربعة المتحالفة تقليديًّا (مثَّلت هذه الأحزاب حكومة يمين الوسط، أو حكومة التحالف من أجل السويد بعد الفوز في الانتخابات البرلمانية لعام 2006)، وهي: حزب التجمع المعتدل، والليبراليون، وحزب الوسط، والديمقراطيون المسيحيين، الانضمام إلى الحلف انطلاقًا من أن السويد بحاجة إلى الأمن الدفاعي الذي تقدمه عضوية الناتو.

Embed from Getty Images

وحقق الطرف المؤيد لحلف شمال الأطلسي فوزًا كبيرًا الأسبوع الماضي عندما غيَّر الحزب اليميني المتطرف «ديمقراطيو السويد» – الذي يتطلع إلى تعاون أوثق مع كتلة يمين الوسط في عدد من المجالات السياسية – موقفه السابق المعارض للانضمام للحلف، ودعم اقتراحًا للسويد يتبنى ما يسمى «خيار الناتو» الذي يسمح للبلاد بالانضمام للحلف في وقت ما مستقبلًا. وكان البرلمان قد صوَّت لصالح القرار بأغلبية 204 أصوات مقابل 145 صوتًا. 

وقال آلان ويدمان، النائب عن الحزب الليبرالي والمتحدث باسم السياسة الدفاعية: إن «قضايا الدفاع لا تحتل عادةً مكانة كبيرة في أجندة الانتخابات هنا، ولكن بعد أن غيَّر حزب ديمقراطيي السويد موقفه الآن، يمكننا أن نرى مزيدًا من الاهتمام».

قرار ينهي سنوات الحياد العسكري السويدي

ويوضح التقرير أن تبني خيار الناتو لا يُعد التزامًا بالانضمام إلى الحلف؛ إذ تبنَّت فنلندا مثل هذا الخيار منذ عام 1995، ومع ذلك لم تزل خارج الحلف، ولكن يُنظر إلى هذا القرار على أنه خطوة في ذلك الاتجاه. وأقرَّت الحكومة هذا المعنى برفضها اتخاذ قرار بهذا الشأن حتى الآن. 

ووصفت وزيرة الخارجية، آن ليندي، دعم البرلمان لهذه الخطوة بأنه «حدث سلبي كبير للأمن السويدي». وبالنسبة للسويد، سيكون الانضمام إلى حلف الناتو تحوُّلًا كبيرًا في سياستها ينهي 200 سنة من الحياد العسكري الرسمي؛ إذ لم تنحز البلاد إلى أي طرف منذ أن كان نابليون يتقدم عابرًا أوروبا.

دولي

منذ سنتين
ما الذي كشفته الحرب الليبية عن الناتو؟

وقد سعَت البلاد على مدى السنوات الأخيرة إلى لعب دورٍ دبلوماسي بصفتها حكمًا دوليًّا حياديًّا، وسعَت في الوقت نفسه إلى توثيق شراكتها مع الناتو. كما ستؤدِّي عضوية السويد في الناتو أيضًا إلى زعزعة التوازن الدقيق للقوى في منطقة بحر البلطيق المضطربة؛ إذ تواجه السويد وفنلندا المحايدتان على المستوى الرسمي، ودولٌ أخرى، أعضاء في الناتو، وهي الدنمارك، وألمانيا، وبولندا، ودول البلطيق، وستكون في صراع دائم معها بشأن روسيا.

وفي أغسطس (آب) نشرت السويد قواتٍ عسكرية في جزيرة جوتلاند في البلطيق بعد أن أثارت سفن حربية روسية ذعرًا أمنيًّا بإبحارها بالقرب من الجزيرة. وتخترق الطائرات العسكرية الروسية المجال الجوّي السويدي بانتظام دون إذن، ووجه كثيرون أصابع الاتهام إلى روسيا عندما اكتُشفت غوَّاصة غامضة في المياه القريبة من العاصمة السويدية إستوكهولم عام 2014. 

طريق ممهدة للعضوية الكاملة في الناتو

ويذكر المراسل ما قاله المحللون إن تصويت الأسبوع الماضي في البرلمان على خيار الناتو يشير على الأرجح إلى بدء مرحلة جديدة من الجدل حول الانضمام الكامل إلى الحلف. 

يقول كالي هاكانسون، المحلل في مركز أبحاث المعهد السويدي للشؤون الدولية، لتلفزيون الخدمة العامة: «يمكننا الآن توقُّع نقاش سياسي أكثر تفصيلًا حول عضوية حلف الناتو التي ربما تحدث في نهاية المطاف». وفيما يتعلق بحجج كلا الطرفين فهي واضحة بالفعل؛ إذ يستند اعتراض حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي إلى اعتقاد راسخ بأن «التحرر من التحالفات»، كما يسميها الحزب، خدم البلاد على نحو جيد.

Embed from Getty Images

أما وزير الدفاع بيتر هولتكفيست فقد صمَّم مجموعة من التدريبات المشتركة مع حلف الناتو مثل التدريبات على الطقس البارد «الرياح الشمالية/Northern Wind» (مناورة حربية شديدة الكثافة في ظروف الطقس البارد أُقِيمت في شمال شرق السويد) في مارس (أذار) الماضي، إلا أنّه أكَّد في كل مناسبة على استقلالية السويد.

ويقول «حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي»: إن الانضمام إلى حلف الناتو يمثل عداءً غير ضروري لروسيا، ومخاطرة تزعزع استقرار الوضع الأمني المتوتر بالفعل على طول جانب أوروبا الشرقي. وكتب هولتكفيست في افتتاحية صحيفة «أخبار اليوم» السويدية في أغسطس: «لا نريد السير في طريق تجارب السياسة الأمنية أو المخاطرة بذلك». 

وفي الوقت نفسه قال ويدمان، من حزب الليبراليين الداعم للانضمام إلى الناتو، إن إستراتيجية السويد جعلتها في «المنطقة الحرام» من الناحية الأمنية التي تعُدُّها روسيا جزءًا من «نظام الأمن الأوروبي»، إلا أنها تفتقر إلى ضمان التزام أعضاء الناتو بالدفاع المتبادل. وأضاف: «هذا وضع خطير للغاية».

دعم شعبي متزايد يرجح فرصة انتقال السويد الوشيك من مربع الحيادية

يلمح التقرير إلى أن الدعم الشعبي لانضمام فنلندا إلى حلف الناتو ظل منخفضًا وثابتًا، إلا أنه يتزايد في السويد. ويظهر البحث الذي أجراه معهد جامعة جوتنبرج (SOM) دعمًا شعبيًّا متساويًا (حوالي 30%) للانضمام إلى الحلف، وكذلك لمعارضيه. بينما في عام 1994 عندما بدأ معهد (SOM) بالبحث عن هذه المسألة، قال 48%: إن الانضمام للحلف فكرة سيئة، وأيَّد 15% فقط هذه الفكرة. 

اقتصاد الناس

منذ 3 سنوات
كيف حققت السويد «المعادلة الصعبة» للتوفيق بين العمل والحياة الاجتماعية؟

إلا أن الكيفية التي ستتطور فيها المسألة ستعتمد على قدرات الأطراف المتنافسة على إقناع الناخبين قبل التصويت في الانتخابات البرلمانية في 2022. ويقول الخبراء إنه إذا أدَّى الجانب المؤيد للانضمام إلى الحلف أداءً جيدًا في الانتخابات، وأقصى أقلية يسار الوسط الحالية من السلطة، فسوف يصبح بإمكانهم الضغط من أجل إجراء استفتاء على المسألة. 

وختم المراسل تقريره مع زعيم الحزب المعتدل، أولف كريسترسون، الذي كان قد ذكَر سابقًا أنه يعتقد أن السويد ستكون عضوًا في الناتو قبل انتهاء هذا العقد، ووصف التصويت على خيار الناتو بأنه «تاريخي». وذكَر في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن ذلك سيسمح للسويد «بتجديد» موقفها الأمني وتحديثه، وسيُخبر العالم أيضًا أن السويد مستعدة للانضمام إلى حلف الناتو في أية لحظة مستقبلية تختارها. وأضاف: «لا يمكن للحكومة أن تغض الطرف عن وجهة نظر الأغلبية البرلمانية حول السياسة الخارجية، أو مسألة الأمن. ونتوقع من الحكومة أن تدعم خط السياسة الأمنية للبرلمان».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد