نشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرًا أعدَّه داني مكِّي، المهتم بتغطية ديناميات الصراع الداخلية في سوريا، عن دور سلطنة عمان البارز في تحسين العلاقات بين نظام الأسد في دمشق والبلدان العربية. وخلُص الكاتب إلى أن مسقط راهنت على الأسد وانتصرت من خلال الحفاظ على علاقاتها مع نظامه طوال مدة الحرب السورية. وتحمل عُمان الآن لواء العلاقات مع النظام السوري بعد أن أعادت البلدان العربية تقويم علاقاتها معه.

يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه في ظِل تحسُّن العلاقات بين نظام الأسد وجيرانه مرةً أخرى بعد مرور عقد على اندلاع الحرب السورية لأول مرة، أصبحت دمشق قِبْلة مشهورة لأبرز الشخصيات العربية. ولم يكن السيد بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العُماني، آخر مسؤول بارز يلتقي رئيس النظام السوري بشَّار الأسد في يناير (كانون الثاني) فحسب، بل مثَّلت هذه الزيارة الدور الرائد الذي تضطلع به بلاده في ملف التطبيع العربي مع نظام الأسد.

عربي

منذ 3 سنوات
«التغريد خارج السرب».. ما سر العلاقة المميزة بين سلطنة عمان والنظام السوري؟

ويرى الكاتب أن ضباب أيام العزلة الطويلة والاستياء الإقليمي بدأ يتلاشى عن نظام الأسد، ولو تدريجيًّا، ويعود جزء كبير من عملية إعادة الاندماج هذه إلى الدور المحوري الذي تضطلع به مسقط ورهانها على الحفاظ على خطوط اتصال وعلاقات واضحة مع الأسد في أحلك الأوقات.

وفي إطار تنفيذ عُمان سياسة خارجية تقضي بعدم التدخُّل، والتي مكَّنتها من الاضطلاع بدور بارز على الساحة الدبلوماسية مع النظام السوري، من المُرجَّح أن تجني السلطنة ثمار هذه السياسة في المستقبل في ظِل عودة مزيد من الدول العربية إلى إقامة علاقات مع النظام السوري، مهما طالت مدة هذه العملية أو صعُبَت.

غير أن التقارب الإقليمي على نطاق أوسع مع الأسد يُعد عملية مُعقَّدة للغاية، وهذا يرجع لأسباب ليس أقلَّها التحذيرات الأمريكية والأوروبية. ويؤدي رفض السعودية الالتزام بالمشاركة في هذا التقارب في ظل الظروف الحالية إلى زيادة تعقيد الأوضاع. ويستدرك التقرير بالإشارة إلى جهود عمان ودورها الأساسي فيما حققه نظام الأسد من تقدُّم كبير في مجال إعادة الاندماج بعد الحرب التي جعلته منبوذًا في المنطقة وفي معظم أرجاء العالم. ومن المؤكَّد أن النظام يشعر بالامتنان حيال ذلك.

وفي تصريح لموقع «ميدل إيست آي»، قال مصدر دبلوماسي في حكومة الأسد: «لا يخفى على أحد أن علاقاتنا الثنائية مع عُمان علاقات طيبة للغاية ولطالما كانت كذلك، وستستمر على هذا النحو في المستقبل القريب».

مسقط تحمل لواء الريادة

ويضيف التقرير: لطالما اشتهرت عُمان بأنها نادرًا ما تجادل أو تنحاز إلى أحد الجوانب عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدبلوماسية والخلافات السياسية، وتفضِّل السلطنة أن تؤدي دور صانع السلام بدلًا من المواجهة.

Embed from Getty Images

وينبع جزء كبير من هذه الحيادية، التي تشبه الحيادية التي تتَّبِعها سويسرا، من المبادئ السياسة الأساسية التي وضعها الزعيم العُماني الراحل السلطان قابوس، الذي لطالما سعى إلى اتباع عقيدة براجماتية أثناء التعامل مع الدول المجاورة المتقلِّبَة والمتشاحنة في إحدى المناطق المضطربة.

وينوِّه الكاتب إلى أن عُمان رفضت الانضمام إلى المجموعة التي تقودها السعودية وتسعى إلى تغيير النظام في سوريا والتي ظهرت عام 2011. وفي الحقيقة، سارت السلطنة في الاتجاه المعاكس، بل وأرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق عام 2015 في ذروة الصراع العسكري هناك.

وقال يوسف بن علوي، وزير الخارجية العُماني آنذاك الذي كان يخطط لعودة سوريا بقيادة الأسد إلى جامعة الدول العربية، قبل سبع سنوات إنه يبحث عن «أفكار مطروحة على الصعيدين الإقليمي والدولي للمساعدة في إيجاد حل للأزمة القائمة في سوريا».

ونقل التقرير تصريح آرون لوند، وهو مُحلِّل في مؤسسة سينشري فونديشن، لموقع «ميدل إيست آي»، إذ أوضح لوند أن «عُمان تتبنى موقف التحدُّث مع الجميع في مجال الدبلوماسية، كما تتعمَّد أن تنأى بنفسها نوعًا ما عن مواقف الدول المجاورة لها التابعة لمجلس التعاون الخليجي»، مضيفًا أن العُمانيين «حافظوا على بقاء العلاقات مع دمشق وسعوا إلى الحصول على فرص وساطة (بين سوريا وغيرها من البلدان العربية)»، ويشير التقرير إلى أن عمان لطالما حملت لواء التطبيع العربي.

وكان السلطان هيثم بن طارق أول زعيم خليجي يهنئ رئيس النظام السوري بمناسبة إعادة انتخابه (رئيسًا لسوريا) عام 2021، وأعرب ابن طارق في برقية تهنئته عن «خالص تمنياته للرئيس الأسد بالتوفيـق والنجاح في مواصلة قيادة الشعب السوري لتحقيـق تطلُّعاته نحو الاستقرار والتقدُّم والازدهار».

الربيع العربي

منذ سنة واحدة
«ستراتفور»: ماذا يعني «انتصار» نظام الأسد بالنسبة للقادة المستبدين في المنطقة؟

وبحسب التقرير، كانت السلطنة أيضًا أول دولة خليجية تعيد سفيرها في سوريا، واستقبلت مسقط وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في رحلة استغرقت ثلاثة أيام إلى عُمان في مارس (آذار)، وأعرب الوفد السوري عن أمله المتجدِّد في إعادة انضمام دمشق إلى جامعة الدول العربية.

وفي إطار تمهيد الطريق أمام بلدان أخرى مثل الإمارات، التي سعَت مؤخرًا إلى تطبيع العلاقات مع الأسد سعيًا حثيثًا، اضطلعت عمان بدورٍ رائدٍ في تحسين العلاقات بين دمشق وأبوظبي. ووصف حمودة الصباغ، رئيس مجلس النواب السوري، خلال زيارة حمود البوسعيدي إلى دمشق في يناير الماضي، عُمان بأنها حليف مهم، مؤكدًا أن «السلطنة الشقيقة وقفت إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب». وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الإطراء عادةً ما يقتصر على إيران أو روسيا، بوصفهما أكبر داعمين للأسد.

خارطة طريق للمستقبل

ووفقًا للتقرير، تسعى عُمان منذ ذلك الحين إلى مزيد من التعاون مع سوريا بقيادة الأسد. وألمح البوسعيدي إلى أن الزيارات المتبادلة بين البلدين ستتضاعف في ظِل نمو العلاقات بين مسقط ودمشق. ومع أن بلدانًا أخرى تحذو حذو عُمان، لا تزال هناك قيود يجب التغلُّب عليها، بحسب التقرير.

Embed from Getty Images

ولا تزال بلدان كثيرة في العالم العربي تشعر بالقلق إزاء علاقات النظام السوري الوثيقة مع إيران، مشيرين إلى أن دمشق لا تمتلك شيئًا اقتصاديًّا حتى تقدمه إلى طهران، فضلًا عن العقوبات الشديدة المفروضة عليها. وقد يُمثِّل إعادة اندماج سوريا بقيادة الأسد في جامعة الدول العربية إنجازًا مهمًّا، ولكنه يعتمد حقًا على إقامة علاقة أفضل مع السعودية، التي لم تقتنع بهذا الإجراء حتى الآن.

ويستدرك الكاتب: لكنَّ هذا الأمر لم يمنع دولًا مثل مصر من أن تسعى جاهدة لتسهيل عودة سوريا بقيادة الأسد إلى جامعة الدول العربية. وفي الشهر الماضي، قال وزير الخارجية المصري: «نتطلع أن تتوافر الظروف لعودة سوريا للنطاق العربي وتكون عنصرًا داعمًا للأمن القومي العربي، وسوف نستمر بالتواصل مع الأشقاء العرب، لتحقيق هذا الغرض». وليس من قبيل المصادفة إدلاء وزير الخارجية المصري بهذا التصريح وهو يقف إلى جانب السيد البوسعيدي في مسقط.

وفي نهاية المطاف، راهنت عُمان على الأوضاع في سوريا وانتصرت، بحسب التقرير. ويوضح لوند أنه «على الرغم من حفاظ عِدَّة بلدان عربية على استمرار عمل سفاراتها في دمشق، فإن عُمان سبقت باقي الدول في العمل على مستويات عالية مع الحكومة السورية».

ولكن في ظِل دمار سوريا اقتصاديًّا وعدم توحُّدها حتى الآن، ما الشيء الذي يمكن أن يقدمه هذا البلد الذي مزَّقه الحرب لعُمان؟

يجيب الكاتب: لا يرى لوند كثيرًا من الفوائد الحالية، ولكنه يقول إن «سوريا نفسها يبدو أنها لا تمتلك شيئًا لتقدمه إلى عمان في الوقت الحالي. وإذا رُفِعَت العقوبات الغربية المفروضة أو خُفِّفَت إلى حدٍ كبير، وإذا بدأت سوريا في التعافي اقتصاديًّا، فربما يتضح أن المستثمرين العُمانيين ستكون لهم الأفضلية في المنافسة». وأضاف: «ولكنَّ هذا الأمر يُعد افتراضيًّا في هذه المرحلة، وأشك في أن عمان اتَّبعت هذه السياسة انطلاقًا من اعتقادها بأنها يمكن أن تحقق نتائج كبيرة من الناحية الاقتصادية».

وعلاوةً على ذلك، لا يُعد إعادة عضوية سوريا بقيادة الأسد في جامعة الدول العربية أمرًا مؤكدًا في هذه المرحلة، إذ سيتطلَّب بعض التنازلات من جانب النظام في دمشق، فضلًا عن موافقة السعودية، هذا وعارضت بلدان أخرى مثل قطر والمغرب عودة سوريا إلى الجامعة العربية معارضةً شديدة. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مؤخرًا إن «الإجراءات اللازمة» لعودة سوريا إلى الجامعة لم تتوفَّر بعد، ولم يمنع يمنع موجة من الحماس تجاه نظام الأسد.

عربي

منذ سنة واحدة
«فورين أفيرز»: كيف يجب على العالم التعامل مع حقيقة بقاء الأسد في السلطة؟

على سبيل المثال، أعاد الأردن فتح معبر نصيب الحدودي الرئيس مع سوريا بالكامل في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ تسهم هذه الخطوة في تعزيز الاقتصاد الأردني واقتصاد النظام السوري، ناهيك عن كونها إشارة إلى إعادة دمج الأخير في الاقتصاد العربي. كما سارت البحرين على المسار ذاته وعيَّنت أول سفير لها في سوريا منذ نحو عقْد من الزمان.

وفي نهاية المطاف، تمثَّل دور عُمان في مجال إقامة علاقة إيجابية مع سوريا بقيادة الأسد في رؤية مسقط التي أثبتها انتصار الأسد في الحرب، بحسب التقرير.

ويقول الكاتب في نهاية تقريره إنه في ظِل إقامة هذه العلاقات بالفعل، يمكن أن تنال مسقط قدرًا كبيرًا من الفضل في إعادة دمج سوريا بقيادة الأسد مرةً أخرى في جامعة الدول العربية، وستحصل مسقط في المقابل على قدر كبير من الامتنان من النظام في دمشق، وليس أقله أن تضطلع بدور بارز في التوسُّط في العلاقات بين نظام الأسد والدول الخليجية في المستقبل.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد