بينما أعلنت تركيا والولايات المتحدة التوصل لاتفاق بشأن منطقة آمنة تُقام على الحدود السورية الشمالية، يرى الأكراد في المساعي التركية رغبة في إعادة رسم ديموغرافية سوريا، بما يعزلهم عن إخوانهم في الجنوب التركي.
في هذا المقال، الذي نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، يفند مارتن تشولوف وجوليان بورغر مآلات الاتفاق الأمريكي التركي، وما إذا كان سينجح على أرض الواقع أم لا يعدو مجرد أمنيات.
يبدد إعلان تركيا والولايات المتحدة بإنشاء منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا، الذي يسيطر عليه الأكراد، المخاوف من توغل تركي وشيك في سوريا، لكن الكاتبين يريان أن الاتفاق سيؤدي إلى توتر علاقات واشنطن مع قوة ساعدت في هزيمة الدولة الإسلامية.
ويشير المقال إلى أن هذا الإعلان جاء في وقت كانت فيه أنقرة تنتهي من حشد قوات لها على طول حدودها الجنوبية، التي تشترك فيها مع الأكراد السوريين. وفي يوم الأحد الماضي، 4 أغسطس (آب)، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغزو خلال الأسبوعين المقبلين، مسببًا معضلة لواشنطن، التي تعتبر كلًا من الأتراك والأكراد حلفاءً لها، وتكافح بشكل متزايد لمنعهم من الصراع.
يعتقد الكاتبان أنه رغم الاطلاع على التفاصيل، يشير الاتفاق إلى أن المنطقة الآمنة داخل الشمال الشرقي الكردي ستُدار بشكل مشترك من قبل القوات التركية والأمريكية. لم تُقدم تفاصيل حول المسار الذي ربما تأخذه هذا المنطقة، أو إلى أي مدى ستمتد داخل سوريا. لكن المقال يؤكد أن عدم الوضوح دفع بعض المراقبين إلى الادعاء بأن الولايات المتحدة كانت تكسب الوقت، ولم تلتزم بخطة يمكن أن تختبر بجدية روابطها المتعثرة بالفعل مع أكراد المنطقة.
يشير الكاتبان إلى ما صرح به مسؤول أمريكي سابق، إذ قال: «إنه اتفاق في الأساس على مواصلة المحادثات. هذه نتيجة جيدة، لكن مع عدم التزام ترامب تجاه سوريا، وتقليص أعداد قواتنا، هناك القليل الذي يمكننا بالفعل تقديمه لدعم المنطقة الآمنة، وعليه فهذه ليست إلا أمنيات كثيرة».
كانت تركيا قد أشارت إلى أنها ستستخدم المنطقة التي أُسست حديثًا لإعادة اللاجئين السوريين داخل الحدود، التي بدأ المسؤولون بالتجمع عندها والعودة إلى سوريا في الأسابيع الأخيرة. وقال مسؤولون أكراد رفيعو المستوى أن هذه التحركات ستكون بمثابة إعادة تشكيل ديموغرافي للحدود التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تريد أنقرة تحويلها إلى معقل عربي.
ويشير الكاتبان إلى ما قاله جهاد عمر، الرئيس المشارك لمكتب العلاقات الدبلوماسية في المجلس الديمقراطي السوري: «ندرك نية الحكومة التركية، وهي تغيير ديموغرافية سوريا، كما فعل نظام البعث في الستينيات من خلال حملة الحزام العربي، وهو ما نعارضه لأنه يمثل إبادة جماعية للأكراد».
وأضاف عمر: «تحاول تركيا تكرار نفس سيناريو عفرين (بلدة تقع في شمال غربي سوريا، كانت معقلًا كرديًا، حتى بدأ التوغل التركي في يناير (كانون الثاني) العام الماضي)، إذ أن كراهية الأكراد متأصلة في صلب سياسات الحكومة التركية».
ويؤكد المقال أن الإعلان فشل في تسليط الضوء على أي تداعيات على معسكرين كبيرين للاعتقال، وسجنين يحتجزان أكثر من 130 ألف من أعضاء داعش أو أنصارهم المشتبه بهم -بقايا ما يسمى بـ«الخلافة» المنهارة التي اعتبرت شمال شرقي سوريا مركزًا لها، حتى هزيمتها هذا العام.
يرى الكاتبان أن مصير المنشآت كان مثار جدل عميق للدول الإقليمية والغربية أثناء التوغل التركي، وتكهنت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى أن الصفقة الثنائية ربما عُقدت للحد من هذه المخاوف.
ورغم أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد يسيطر على الأرض، هناك مخاوف قوية ومتنامية من أن التنظيم يستخدم معسكرات لإعادة جمع صفوفه وتنظيمها. ويؤكد الكاتبان أن كبار المسؤولين الغربيين كانوا قلقين من أن أعضاء داعش ربما يحاولون تحقيق انطلاقة للتنظيم، في حال تتشتت القوات الكردية التي تراقبهم بسبب الحرب مع الأتراك.
يلفت الكاتبان إلى أنه خلال الجزء الأكبر من الحرب السورية، كانت تركيا مؤيدة تمامًا للمعارضة المناهضة للأسد، وقامت بتسليح بعض الجماعات المعارضة، وإيواء ما يصل إلى 4 مليون سوري فروا من الحرب. ومع ذلك، ضاقت مصالحها على مدار الـ18 شهرًا الماضية، وصارت تهدف الآن إلى تشكيل مرحلة احتضار الصراع، المستمر منذ ثمانِية أعوام، على أسس قومية.
يرى الكاتبان أن الأولوية الأولى لأنقرة تتمثل في محاولة ضمان منع دعم وتعضيد الجماعات الكردية، المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني، والتي تواصل تمردها منذ أربعة عقود داخل حدودها. ويؤكدان أن تركيا تصر على أن الزعماء الأكراد الذين تحالفت معهم الولايات المتحدة لقتال داعش، تحت لواء القوات الديمقراطية السورية، متحالفون أيديولوجيًا وعسكريًا مع حزب العمال الكردستاني.
وفي هذا السياق، يقتبس الكاتبان مما قاله آرون ستين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية: «القضية الأساسية هي أن الولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية، وهي جماعة تعتبرها تركيا منظمة إرهابية. لا يحل البيان هذه القضية الأساسية، كما لا يعالج اختلافًا أساسيًا حول مدى عمق أي منطقة. لا يزال يتعين حل هذه الأمور، وبصراحة تامة، لا أعرف كيفية القيام بذلك».
وبحسب الكاتبين، فإن القضية الثانية بالنسبة لأنقرة هي اللاجئون السوريون، الذين أصبح مصيرهم مثارًا للجدل بين القادة السياسيين على كلا الجانبين من الطيف السياسي التركي المنقسم. ويشيران إلى ما قاله سونر كاجابتاي، مدير البرنامج التركي في معهد واشنطن: «تقترب قضية اللاجئين بسرعة من الداخل التركي»، وقال إنه لا يمكن المبالغة في تقدير تأثير اللاجئين على المجتمع التركي، مضيفًا: «إنه التحول الديموغرافي الأهم منذ التبادل اليوناني التركي في العشرينيات».
ويلفت الكاتبان إلى أن السوريين صاروا يشكلون 10 إلى 15% من سكان الجنوب التركي، ومع تباطؤ الاقتصاد يتزايد الاستياء تجاه اللاجئين.
ويستشهدان بما قاله كاجابتاي: «أردوغان بالتالي حريص جدًا على حل هذه القضية، ويضغط بشدة لأجل المنطقة الآمنة، ليس فقط لتقويض وحدات حماية الشعب وإنشاء دولة متحالفة مع حزب العمال الكردستاني هناك، لكن أيضًا لإرجاع عدد كبير من اللاجئين إلى سوريا. البيان الصادر من السفارة الأمريكية مهم: يبدو أن كلا الجانبين مجمعين على ذلك».
يشير الكاتبان كذلك إلى ما اقترحه ستين، إذ قال: «الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي يمكن أن تعرقل تنفيذ» أي عمليات عودة قسرية للاجئين. وأشارا إلى ما قاله عمر، من المجلس الديمقراطي السوري، إن أي تدفق للسوريين العرب لن يُقابل بالتسامح.
إذ قال عمر: «كان موقفنا واضحًا من اليوم الأول: أي تقدم من القوات التركية والجماعات المسلحة المتحالفة معها إلى سوريا، غير مقبول، والاتفاق الأخير بين أمريكا وتركيا لإنشاء منطقة آمنة جديدة لن يغير موقفنا».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أردوغان, الأسد, الاتفاق الأمريكي التركي, الجارديان, المنطقة الآمنة, ترجمات, تركيا, سوريا, شرق الفرات