النكهة، وصلة الذوق والرائحة، ليست إحساسًا يمكن تحليله بسهولة. على عكس المشاهد والأصوات، والتي يمكن التقاطها بواسطة الكاميرات والميكروفونات، لا توجد طريقة واسعة لقياس النكهة. ما يشعر به الناس عندما يأكلون لا يزال إلى حد كبير لا يوصف وغير قابل للحساب. هكذا بدأ أموس زيبرغ مقاله الذي نشره موقع «ذي أتلانتيك».

تقول تاريني نارافان، طالبة دكتوراة في جامعة كاليفورنيا في ديفيس والتي تدرس النكهات: «إذا ذهبت إلى سوق للمزارعين، يمكنني التقاط صورة لفطر جميل، لكنني لا أستطيع أخذ صورة نكهة دقيقة وإظهارها لشخص ما وجعلهم يفهمونها». وهذا يعود بنا إلى السؤال الفلسفي القديم. تقول تاريني: «كيف أعرف أن ما أسميه أحمر هو ما تسمونه باللون الأحمر؟ هذا يحدث في النكهات أكثر بكثير مما يحدث في العالم المرئي. فالنكهة أكثر تعقيدًا بكثير».

قياس المذاق

Embed from Getty Images

يذكر الكاتب تطبيق ذكاء اصطناعي يسمى (Gastrograph) والذي يهدف إلى تقديم وسيلة موثوقة لقياس النكهة. إذا نجح، فسيعطي الشركة القبضة الرقمية على الطعام. وكما هو الحال مع كل شيء آخر، بمجرد أن يتم ترقيم النكهة، سيكون الفهم والتحكم في الأطعمة أسهل بكثير.

أُطلق تطبيق (Gastrograph) في عام 2016 ويعمل على جذب الناس إلى تذوق الأطعمة – عادةً ما يكونون ذوّاقين محترفين تستأجرهم شركات الأغذية والمشروبات، ولكن يمكن لأي شخص لديه هاتف ذكي تنزيل التطبيق – وتحليل مدخلاته من خلال الذكاء الاصطناعي للحصول على المزيد من الإحصاءات. عندما يجرب الناس طعامًا أو شرابًا جديدًا، فإنهم يدخلون انطباعاتهم عن النكهة في واجهة (Gastrograph)، حيث يتحدث كل منهم عن فئة النكهة. بعد قيام المستخدمين باختيار قيمة لكل فئة، يقومون بأخذ خطوة أعمق، وهي اختيار وصفات محددة؛ إذا كان الطعام فاكهي، هل هو أكثر مثل التفاح الأخضر؟ أم المندرين؟ أم التوت البري؟ باستخدام البيانات التي تم إدخالها من قبل العديد من المستخدمين، طور النظام تمثيله الخاص حول كيفية ظهور كل طعام وشراب في مساحة النكهة التفصيلية للتطبيق، والتي تحتوي على أكثر من 600 بُعد.

عندما يُدخل شخص ما مراجعة جديدة، يقارن (Gastrograph) التقرير مع مجموعة بيانات التطبيق. بعد ذلك يحدد الذكاء الاصطناعي النكهات في الطعام حتى أفضل من الشخص الذي قدم المراجعة بعد تحليل النتائج؛ وفقا لجيسون كوهين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أنظمة النكهات التحليلية (AFS)، الشركة وراء التطبيق. البشر يعانون باستمرار من النكهات التي لا يمكننا تحديدها، يقول كوهين: «لكلنا مررنا بذلك الشعور: أنا أعرف هذه النكهة، لكن ما هذا؟».

تطبيق يعرف كل الأطعمة؟

علاوة على ذلك، يقول الكاتب أننا لا نلاحظ بوعي الكثير من النكهات التي نتصورها، على الرغم من أنها قد أن تكون مكونات مهمة في التجربة الذوقية. وكمثال على ذلك، يقول كوهن إنه إذا أضفت كميات ضئيلة من الفانيلا إلى الحليب، فإن الناس عادة ما يذكرون أن طعمه حلو وكريمي ولذيذ، دون تحديد اسم الفانيلا. إذا حاول شخص ما تذوق فاكهة الليتشي للمرة الأولى ولم يقدم سوى النكهات المختلفة التي لديه دراية بها، فقد يكون التطبيق قادرًا على إدراك أنه يتذوق حقاً فاكهة الليتشي، كما يقول كوهين.

في كل عينات الطعام والشراب، يحاول (Gastrograph) صنع نموذج شامل عن طريق التقاط جميع النكهات الخاصة بها، بما في ذلك تلك المخفية. يقول كوهين: إن التطبيق «حرفيًا يقرأ عقل المستخدم»، ولكنه يصحح نفسه بسرعة بعد ذلك. «لا، لو كنا نقرأ عقولهم لعرفنا ما كانوا يتذوقونه. نحن نقرأ اللاواعي».

تقوم (AFS) بتسويق (Gastrograph) كطريقة لمصنعي المواد الغذائية للحصول على فهم أفضل لما ينتجونه ومدى ارتباطه بذوق العملاء. كان واحدًا من عملاء الشركة الأوائل مصنع للبيرة وأرادوا التأكد من أن البيرة احتفظت بنفس النكهة بمرور الوقت. تعتمد عملية التخمير على المنتجات الزراعية التي تختلف بشكل طبيعي من سنة إلى أخرى، والتي تتعارض مع حاجة الخمور إلى الاتساق.

تستخدم شركة (Yards Brewing) في فيلادلفيا -وهي شركة تعمل لدى AFS- الأداة بشكل روتيني. يقول فرانك وينسلو، مدير مراقبة الجودة في ياردز برووينغ: «نحن فقط نسجل مستخدمًا ويجلس مع نادل ويخرج هاتفه ويتذوق. ومن خلال القيام بذلك مرارًا وتكرارًا، يمكننا معاملته على أنها ذوّاق». نظرًا لأن التطبيق يعرف ما يجب أن يكون طعم الجعة في كل مرحلة، يمكن استخدام المتذوقين للتحقق من أن المنتج على الطريق الصحيح. يقول وينسلو: «إن وجود هذه الأنواع من التحذيرات في مرحلة مبكرة من هذه العملية هو خطوة كبيرة».

بعد أن تقوم نماذج (Gastrograph) بتجربة طعام أو شراب، يمكن عندئذ محاولة محاكاة ما سيحدث عند تغيير نكهة الطعام أو الشراب أو إدخال عليه تركيبة جديدة. التطبيق يفعل ذلك باستخدام تقنية من مجال اللغويات الحاسوبية. يستخدم باحثو اللغات التعلم الآلي لتحليل أكوام ضخمة من النصوص وإنشاء نماذج متعددة الأبعاد لمعاني الكلمات. يمكن أن تجد النماذج أيضًا العلاقات بين الكلمات باستخدام عمليات مثل «الملك + رجل + امرأة = الملكة». يستخدم (Gastrograph) عمليات مماثلة في فضاء النكهة الخاصة به لمحاولة التنبؤ باحتمالية أن تحب الديموغرافيات الجديدة الأطعمة التي لم تجربها.

منافع رأس مالية ام خدمة للبشرية؟

Embed from Getty Images

أحد عملاء AFS الجدد هي شركة (Acelerada)، والتي تتبع لشركة صناعة الخبز( Grupo Bimbo) التي يقع مقرها في المكسيك. تعمل  (Bimbo) حاليا على جلب منتج لها، وهو أحد أكثر المكسرات شعبية في المكسيك، إلى الولايات المتحدة. قبل الإطلاق، أدارت (Acelerada) برنامجًا تجريبيًا باستخدام (Gastrograph) لاختبار كيفية شعور المستهلكين الأمريكيين تجاه المنتج. تخطط (Bimbo) لإنشاء نسخة مختلفة من المكسرات مع رش المزيد من ملح البحر في الأعلى، واختباره باستخدام التطبيق، وربما تعديل وصفة المكسرات التي تباع للسوق. (Acelerada) تأمل في استخدام التطبيق في المستقبل للمساعدة في تشكيل مجالس تذوق صغيرة وجعل المزيد من المنتجات متخصصة لجذب ديموغرافيات محددة جديدة. تقول أليسيا روساس، مديرة (Acelerada): «قد تكون هذه الطريقة التي سيستخدمها الجميع في المستقبل».

في الوقت الذي يأمل فيه عملاء( AFS) الأوائل في استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على نكهة منتجاتهم أو لإجراء تغييرات تدريجية، فمن العدل أن نتساءل عن مدى تأثير (Gastrograph) إذا أثبتت التكنولوجيا أنها مفيدة للتنبؤ بتفضيلات الأشخاص اللاواعية. إلى اي حد نريد لتطبيقٍ أن يدور في أفكارنا السرية؟ لقد بدأ العالم للتو في فهم كيف يمكن لمنصات وسائل التواصل الاجتماعية والشاشات المنتشرة في جميع أنحاء العالم أن تخترق عملياتنا العقلية بطرق مدمرة، مما يجعلنا مدمنين جالسين لننتظر الإعجاب القادم. إذا استطاع الذكاء الإصطناعي الاستفادة حقًا من النكهات في العقل الباطن، هل سيتم استخدامه للمساعدة في جعل الأطعمة تسبب الإدمان؟ هل ستلتزم التطبيقات بالمكونات الصحية والمستدامة، أو تنجذب إلى أي شيء سيساعد في التغلب على المنافسين؟

يقول كوهين، أحد عشاق الطعام، إن المستقبل الذي سنصله بفضل الذكاء الاصطناعي سيكون طيب المذاق أكثر من كونه مثيرًا للقلق. بحسب كوهين، سيكون هناك دائمًا بيرة تحبها أكثر، ولن تكون هي نفسها المفضلة بالنسبة لي. «سيكون هناك منتجات أفضل للجميع».

بحسب الكاتب، يعتبر الذكاء الاصطناعي هو أحد الأدوات الأكثر قوة التي ابتكرها البشر، ومثلها مثل جميع الأدوات، تعتمد آثارها على استخدامها. يبدو أن عملاء كوهين و(AFS) الحاليين يهتمون بصنع الطعام والشراب بشكل أفضل، وليس مجرد نقل وصناعة المزيد من المنتجات. وختم الكاتب قائلا: «هنا نأمل أن يظل مستخدمو الذكاء الاصطناعي على نفس الفكرة عندما يستخدمون التقنية لإعادة تصميم ما نأكله».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد