في تقريره لمجلة «فوربس» الأمريكية، تناول الكاتب إيثان سيجان موضوعًا علميًا أثار الكثير من النقاشات والجدل في الأوساط العلمية، وهو  نظرية الانفجار العظيم، وما كان ذلك الانفجار قد حدث أم لا، وإذا كان قد حدث، فهل هذه هي نقطة بداية الكون؟

الانفجار العظيم ونشأة الكون

يؤمن الكثيرون أن الكون الذي نعيش فيه بدأ في لحظة حدوث ما يعرف بـ«الانفجار العظيم»، وأن المكان والزمان والمادة والطاقة قد بدؤوا من نقطة واحدة، قبل أن يتمدد الكون، ثم يبرُد بما يكفي لمليارات السنين لتكوين الذرات، والنجوم، والمجرات، ومجموعات المجرات التي تنتشر على بعد آلاف السنين الضوئية عن بعضها البعض، لتشكل جميعًا ما يمكن أن نسميه بـ«الكون المرئي» بالنسبة لنا.

تبدو هذه النظرية كصورة جميلة ومقنعة تشرح الكثير مما نراه حولنا، ذلك الكون العملاق، والمجرات التي تصل إلى تريليوني مجرة، ولكن لسوء الحظ، هذا التفسير ليس صحيحًا بالكلية، وهو ما يعرفه العلماء منذ 40 عامًا مضت.

ملاحظة العالم فيستو سليفر، والتي تقول إنه كلما كان بُعد مجرة ما عنا، بدت وكأنها تبتعد بسرعة أكبر، وهو ما لم يُفهم حتى جاء العالم هابل ليفسر الأمر بأنه ناجم عن تمدد الكون.

ظهرت نظرية الانفجار العظيم لأول مرة في الفترة بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. عندما نظرنا للمجرات البعيدة، وجدنا شيئًا غريبًا: كلما كانت تلك المجرات أكثر بعدًا عنا، بدت وكأنها تبتعد بسرعة أكبر. ووفقًا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين، لن يكون الكون مستقرًا إذا ما كان ثابتًا، أي لابد أن تظل مكونات ذلك الكون في حالة ابتعاد دائم عن بعضها البعض، أو اقتراب.

ما يمكن استنتاجه من هذه الملاحظة أن الكون في حالة تمدد حاليًا، وإذا كانت مكونات الكون تبتعد عن بعضها البعض حاليًا، فذلك يعني أنها كانت أقرب في الماضي.

كلما نظرنا إلى ما هو أبعد منا في الكون، يعني ذلك أننا ننظر أيضًا إلى الماضي، وكلما رجعنا بالزمن، كان الكون أكثر سخونة وكثافة وأقل تطورًا.

بحسب التقرير، لا يعني تمدد الكون أن مكوناته تتباعد عن بعضها البعض بمرور الوقت فحسب، بل يعني أيضًا أن الطول الموجي للضوء الموجود في الكون يتمدد كلما سافرنا أكثر عبر الزمن، وبما أن الطول الموجي مسئول بالأساس عن الطاقة (كلما كان أقصر ازدادت الطاقة)، يعني ذلك أن الكون يزداد برودة بمرور الوقت، وهو ما يعني أيضًا أن الكون كان أكثر حرارة في الماضي.

النقاش العلمي حول النظرية

تباين الكثافة الذي كان سببًا في تكون البنية الكونية التي نراها حاليًا ومن بينها النجوم والمجرات.

إذا تعقبنا ذلك الخيط بتركيز، فسنصل إلى أن حرارة الكون كانت مرتفعة للغاية في مرحلة ما، بشكل لا يسمح بتكوين ذرات متعادلة، ناهيك عن كونها مشحونة من الأساس. إذا كانت نظرية الانفجار صحيحة أيضًا، فمن المفترض أن نرى بقايا ذلك الإشعاع في صورة ضوء في كل الاتجاهات التي بردت إلى درجة حرارة فوق الصفر المطلق بمقدار بسيط.

في عام 1964، كان اكتشاف ما يعرف بـ«إشعاع الخلفية الكونية الميكروي» على يد العالمين أرنو بينزياس وبوب ويلسون بمثابة طفرة علمية كبرى في اتجاه تأكيد نظرية الانفجار العظيم.

بحسب الملاحظات الأصلية لبنزياس وويلسون، ينبعث من المستوى المِجَري بعض مصادر الإشعاع.

تحاول النظرية قراءة ما حدث في الكون في الماضي والرجوع إلى الوقت الذي كان فيه الكون أكثر حرارة وكثافة وانضغاطًا. إذا واصلنا الرجوع بالزمن، فسنجد أنه:

  • في ذلك الوقت كان الكون أكثر حرارة ويستحيل تكون الذرات، إذ إن الإشعاع الكوني له حرارة وطاقة عالية، تؤدي بالضرورة لانفجار أي بروتونات أو نيوترونات تتكون.
  • كان من المستحيل أن تتشكل المادة من تلقاء نفسها بسبب طبيعة الطاقة الكونية.
  • كانت البروتونات والنيوترونات لتتفتت إلى ما يعرف بـ«بلازما كوارك-جلوونية» بسبب ارتفاع الحرارة والكثافة الكونية، بدرجة تكون فيها كثافة الكون أكبر من الكثافة داخل نواة الذرة.
  • في ذلك الوقت، من المفترض أن درجات الحرارة والكثافة تزداد إلى قيم لانهائية، إذ إن المادة والطاقة الموجودة في الكون بأكملها كانت مركزة في نقطة واحدة (ما تسميه النظرية بالتفرد).

يقول الكاتب إنه عند تلك النقطة، تنهار قوانين الفيزياء، ويفترض أيضًا أنها تمثل نقطة الأصل بالنسبة للزمان والمكان، وهذا هو جوهر نظرية الانفجار العظيم.

كلما رجعنا إلى الماضي، كانت حالة الكون أكثر سخونة وكثافة، هل يعني ذلك صحة فكرة التفرد، والتي تنهار عندها قوانين الفيزياء؟

بالتأكيد، كل النقاط التي ذكرناها في الفقرة السابقة هي صحيحة ومثبتة علميًا، باستثناء النقطة الأخيرة! إذ تمكن العلماء من إثبات وعمل الحسابات اللازمة لتكون الضوء، وغيرها، وهو ما يتطابق مع ما جاءت به نظرية الانفجار العظيم، كما أن هناك تطابقًا تامًا بين النظرية والملاحظات العلمية التي عمل عليها العلماء عبر السنين، ما يجعل النظرية تبدو لوهلة في موضع «المنتصر».

ومع ذلك، هناك ثلاثة استثناءات هامة، يقول العلم إنها لم تحدث، بينما تعتبرها النظرية جزءًا من نشأة الكون، وهي:

  • لا توجد درجات حرارة مختلفة في الكون باختلاف الاتجاهات.
  • ليس للكون انحناء مكاني قابل للقياس يحيد عن الصفر.
  • ليس هناك أية آثار باقية لطاقة فائقة من العصور الفائتة، على الرغم من تواجد درجات الحرارة التي من شأنها أن تخلق تلك الآثار.

هنا، بدأ العلماء والمنظرون التفكير في هذه المشاكل وإيجاد بدائل لفكرة «التفرد» التي تنص عليها نظرية الانفجار العظيم، وعما يمكن أن يكون قد تسبب في هذا التمدد والكثافة والبرودة وغيرها، إلى أن وصل العالم آلان جوث إلى حل جديد في عام 1979.

في الكون المتضخم الذي وصفه العلماء، توجد الطاقة ضمن الفضاء نفسه، متسببةً في تمدده بشكل هائل. علامة إكس الحمراء تعني أن هناك احتمالية غير صفرية لنهاية التضخم الكوني في أي وقت.

بدلًا من افتراض أن الكون بدأ في حالة أكثر كثافة وحرارة، من الممكن أن يكون الكون قد بدأ من حالة اللامادة، وبلا إشعاع أو نيوترونات أو جزيئات على الإطلاق، وأن كل الطاقة الموجودة في الكون من الممكن أن تكون موجودة في نسيج الفضاء نفسه، وهي ما يؤدي إلى توسع الكون بمعدل أُسِي.

في هذه الحالة الكونية، ستظل الترددات الكمية موجودة أيضًا، ومع تمدد المكان، ستتمدد تلك الترددات أيضًا عبر الكون، لتخلق بعض المناطق ذات كثافات طاقة مختلفة، وفي نهاية هذه المرحلة من التمدد، تتحول الطاقة إلى مادة وإشعاع، ثم ما جاءت به نظرية الانفجار العظيم من تفاصيل.

كانت هذه الفكرة مقنعة بدرجة كبيرة، إلا أنه كان من الواجب اختبارها، وكان هناك طريقة بالفعل للتأكد من صحتها، وهي قياس الترددات في بقايا توهج الانفجار الكبير، مع وضع شروط ومعادلات تصف التغير في حالة الكون بحسب توقعات العلماء. في الفترة بين تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، ومؤخرًا أيضًا في السنوات الأخيرة تمكن العلماء من إجراء تلك الاختبارات بدقة، والتأكد من صحة الفكرة.

القياسات التي أجراها العلماء والتي تؤكد أن الكون لم يبدأ من حالة أكثر كثافة وحرارة من الوضع الحالي، وهو ما ينفي فكرة التفرد.

ملخص ما توصل له العلماء هو تأكيد وقوع الانفجار الكبير بشكل قطعي، ولكن مع عدم صحة فكرة أن العودة بالزمن تعني أن الكون كان أكثر حرارة وكثافة، وأن الصورة الأولى للكون في مراحله المبكرة تضمنت فترة كانت فيها الطاقة (الموجودة حاليًا في صورة المادة والإشعاع) مدمجة في نسيج الفضاء ذاته.

سُمِّيت تلك الفترة بفترة التضخم الكوني، والتي انتهت بحدوث الانفجار العظيم، وهو ما ينفي فكرة التفرد التي طُرِحت في البداية جزءًا من نظرية الانفجار العظيم. ومع ذلك، يظل ما حدث قبل ذلك التضخم الكوني بمثابة سؤال مفتوح أمام العلماء، وهو ما يضعنا أمام حقيقة واحدة مؤكدة: الانفجار العظيم لم يكن بداية الكون!

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد