نُشر هذا المقال بواسطة معهد ستراتفور، وتُرجم بإذن منه، وهو مؤسسة بحثية استشارية عالمية رائدة، مقرها أوستين، تكساس
ملخص
في أعقاب أي حدث كارثي، دائمًا ما يدعو المسؤولون المحليون والحكومات بدول الاتحاد إلى مزيدٍ من التعاون بين الدول الأعضاء لمنع أحداث مشابهة قد تحدث في المستقبل. ولم يختلف رد الفعل في الثاني والعشرين من مارس حيال هجمات بروكسل الإرهابية عن هذه الدعوات.
فبعد هذه الهجمات، طالبت حكومات ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وأعضاء المفوضية الأوروبية برد فعلٍ عالمي لمواجهة التهديد الإرهابي. وقد اقترح رئيس المفوضية «جان كلود يونكر» إنشاء «اتحاد أمن» لمحاربة الإرهاب على مستوى القارة. وشدد الوزراء في لقاء الرابع والعشرين من مارس في مجلس العدالة والشؤون الداخلية للاتحاد على ضرورة نشر المعلومات بين الدول الأعضاء لمحاربة الإرهاب. وعلى الرغم من الدعوات لتعاون كبيرٍ بين دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن المصالح المحلية لبعض الدول الأعضاء ستخيم على هذه الدعوات على المدى البعيد، مما يقلل إمكانية التكامل بين دول الاتحاد فيما يتعلق بالأمور الأمنية.
تحليل
لدى الاتحاد الأوروبي الكثير من الهياكل الأمنية على مستوى القارة. فالمكتب الأوروبي للشرطة «اليوروبول» يتولى الاستخبارات الجنائية ومكافحة الجرائم الدولية المنظمة، بينما تدير وكالة حماية الحدود الأوروبية «فرونتيكس» عمليات التعاون بين حراس الحدود المحليين، والتي تحمى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وبدورها تقوم هيئة مكافحة الجريمة بالمنظمة الأوروبية «يوروجاست» بتنسيق التحقيقات والمحاكمات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا الجرائم العابرة للحدود. ونظرًا إلى أن مهامهم بالأساس هي مهام لوجستية، متمثلة في تنسيق الجهود والموارد بين الدول، فهذه الوكالات لديها طواقم ومعدات قليلة.
ويواجه الاتحاد الأوروبي كثيرًا من عقبات تأسيس شبكة أمن موحدة. وإحدى هذه العقبات، أن الأعضاء الثمانية والعشرين لديهم أولويات مختلفة، وموارد، ومستويات خبرة مختلفة، فعندما يتعلق الأمر بمحاربة الجريمة الدولية والإرهاب، فلدى دول كبيرة مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب، وكذلك موارد بشرية ومادية للإبقاء على وكالات مكافحة الإرهاب والاستخبارات المعقدة. أما بالنسبة للدول الأصغر، وذات الخبرات والميزانيات الأقل، أو حتى الأقل خلال الأزمات الاقتصادية فإن هذا لا ينطبق عليها، لذا فعلى هذه الدول الأصغر أن توازن في تمويل أجهزة أمنها ضد العجز المالي المسيطر عليها.
وقد كشفت هجمات بروكسل نقاط الضعف في مؤسسة الأمن البلجيكي، والتي تعتبر صغيرة نسبيًّا مقارنة بالأعداد المتزايدة للجهاديين العائدين من الخارج، والتي على السلطات أن تراقبها الآن، وكذلك العدد الكبير للإرهابين المحتملين ذوي الأصول المحلية. وبالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن التهديد الإرهابي يُبرر عودة الإنفاق العام بعد أعوام من التقشف. وحتى الدول الغنية تتخذ إجراءات بمصادر محدود، ففي الثالث والعشرين من مارس، أعلنت الحكومة الألمانية خطةً لزيادة ميزانية الأمن المحلي بنحو 2.1 مليار يورو (حوالي 2.3 مليار دولار) بحلول 2020، ولكن حذر نائب رئيس الشرطة الفيدرالية الألمانية من أن التمويلات الإضافية لم تكن ملائمةً.
أعباء التنسيق
وبالإضافة إلى أن مشاكل الميزانيات -التي تمثل تحديًا لمعظم وكالات الأمن في العالم- فإن أعضاء الاتحاد الأوروبي أيضًا في صراع مع الطبيعة البيئية، حيث إن شعوبهم تتحرك بحرية بين الدول، وحتى الآن لم تقم استخبارات الحكومات بأي شيء في هذا الصدد. فيما قد عبرت العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي في الساعات والأيام التي أعقبت هجمات بروكسل عن أنه يتوجب على الدول الأعضاء مشاركة معلومات أكثر عن التهديدات الأمنية المحتملة، كما فعلوا في أعقاب هجمات باريس. في حين صرح وزير الداخلية الألماني «توماس دي ميزير» إن حكومات الاتحاد الأوروبي لا تريد مشاركة كل ما لديها من معلومات مع نظائرهم في الاتحاد، بالإضافة إلى تلويحه بأن الاتحاد الأوروبي والحكومات المحلية تجزئ البيانات التجارية.
وقد أبرزت حقيقية إلقاء القبض على أحد الانتحاريين في التفجير البلجيكي في تركيا وترحيله إلى هولندا، -حيث أطلق سراحه- حالة الفشل في التنسيق بين دول الاتحاد. كما أن مشكلات الترجمة بين حكومات الاتحاد الأوروبي وحدها قد فاقمت هذه الأزمة، فاستخدام دول الاتحاد الأوروبي أنظمة مختلفة لكتابة الأسماء العربية، أدى إلى أخطاء كتابية كثيرة.
مشكلة السيادة
ظاهريًّا، يعتبر تعزيز عمليات مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين الدول ذات أهمية كبيرة، في قارة بالفعل يُسمح فيها بتداول البضائع وانتقال الأفراد والخدمات بحرية من بلد لأخرى. لذا فإن التبادل الحر للمعلومات هو خطوة منطقية. ورغم أن الدول الأعضاء لديها مرونة للتخلي عن السيادة في أمور مثل التجارة والعمل، لكن لديها مشكلة في تقديم تنازلات بخصوص الأمور الأكثر حساسية مثل الأمن القومي. وتُعرف معاهدات الاتحاد الأوروبي هذا الأمر، حيث تشرح لماذا يصوت على المشكلات المتعلقة بالاتحاد النقدي أو منطقة التجارة الحرة الأغلبية المستحقة للتصويت، بينما في شؤون الأمن أو مشكلات السياسة الخارجية يتم اتخاذ القرار فيها بالإجماع؛ مما يعطي حق «الفيتو» لكل عضو.
وهناك حجة بأن التهديدات العالمية -بداية من الإرهاب حتى التنافس التجاري- تحتاج إلى استجابة عالمية. في حين أن الاتحاد الأوروبي وصل إلى نقطة سيتطلب فيها المزيد من الاندماج بين دول الاتحاد التخلي عن الامتيازات الشائكة بين الدول. وبينما تتفاقم الأزمة إلى أبعد من المشكلات الأمنية فأعضاء الاتحاد يكافحون من أجل إنشاء نظام يُعاد فيه توزيع ثروات أوروبا الشمالية على الجنوب، وكذلك تتخلى فيه الدول الأعضاء عن التحكم في السياسة النقدية. وبما أن الاتحاد الأوروبي من غير المحتمل أن يتحول إلى «الولايات الأوروبية المتحدة»، وأن القارة من غير المحتمل أيضًا أن يكون لديها مكتب أوروبي فيدرالي للاستخبارات، فان الاتحاد العسكري سيكون بمفرده. (فمعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي مشاركون في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لكن هذه القوات لا تقارن بما قد ينتج من اندماج قواتهم العسكرية المحلية لتصبح قوة عسكرية للاتحاد. وفي سبيل إنشاء هياكل على مستوى القارة فإن ذلك يتطلب تغيير المعاهدة، وهذا القرار -الذي من شأنه أن يرفع المشاعر القومية في أوروبا- من المستبعد أن تتخذه الدول الأعضاء.
سرعان ما تطورت الأزمة الاقتصادية إلى أزمة بطالة، ومن ثم أزمة سياسية. ليست الهجرة والإرهاب هما الأمر الذي رفع مستوى التشتت السياسي لأوروبا، فالدول الأعضاء لديهم الكثير والكثير من الصعوبات التي ستواجه أي استجابات متماسكة. وفى هذا السياق، فإن القرارات القومية تحل محل سياسة الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، تعارض بعض الدول تحديد حصص من اللاجئين للدول، وكذلك تحارب من أجل الحفاظ على إغلاق الحدود. وفيما ما تزال الأحزاب السياسية المعتدلة تدافع عن أخلاقيات اتفاقية «شنجن» والانتقال الحر للعمال في أوروبا، فإن إحدى حركات المعارضة القومية الإنمائية طالبت باستعادة الحدود القومية والقوانين الصارمة على الهجرة. وحيث إن الإرهاب والهجرة جعلا الناخبين يخافون على وظائفهم وأمنهم الشخصي، فإن أصواتهم سوف ترتفع أكثر فأكثر في المستقبل.
وعلى الرغم من الاختلافات بين الدول، إلا أن التعاون الإضافيّ في المشكلات الأمنية ليس بالأمر المستحيل بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وفي الشهور القادمة، فإن وكالات مثل «يوروبول» و«فرونتكس» من المحتمل أن تحصل على مزيدٍ من المصادر اللازمة لعملها، وكذلك سيناقش الاتحاد الأوروبي خططًا لجعل حدود القارة أقوى، وكذلك حرس الشواطئ. وستدفع المفوضية الأوروبية أيضًا بالمزيد من التنسيق في قواعد بيانات الأمن، وزيادة إجراءات الحماية في المطارات. ولكن الاتحاد سيستمر في الوقوع في مشكلات أمنية كثيرة. فى الحقيقة، قد تختار الحكومات المستقبلية الاحتفاظ ببعض جوانب التكامل القاري لتحسين الوضع المحلي للأمن.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».