بدأ ديفيد لاباري، أستاذ التربية بجامعة ستانفورد، ومؤلف كتاب «الفوضى المثالية: الصعود غير الواضح للتعليم العالي الأمريكي»، مقاله المنشور في موقع «بروجيكت سنديكيت»، يشرح فيه لماذا لا يمكن تكرار نظام الكليات والجامعات الأمريكية، فالنموذج الأمريكي يعكس عوامل تاريخية وسياسية ومالية فريدة، وهذا من سوء حظ أولئك الذين يسعون إلى محاكاة النظام التعليمي الأمريكي.

برزت الجامعات والكليات الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين، باعتبارهما لاعبين مهيمنين في البيئة العالمية للتعليم العالي، وهي هيمنة مستمرة حتى يومنا هذا، إذ توجد ثماني جامعات من أفضل 10 جامعات في العالم في الولايات المتحدة من حيث عدد الحائزين على جائزة نوبل، وتوجد في أمريكا 42 من أكبر 50 جامعة في العالم، وبحسب تصنيف الناتج البحثي يوجد 15 من أفضل 20 مؤسسة في الولايات المتحدة.

لا يستطيع سوى عدد قليل مناقضة أن النموذج الأمريكي للتعليم العالي هو الأكثر نجاحًا في العالم بالنظر إلى هذه المقاييس، السؤال هو لماذا؟ وما إذا كان يمكن تصدير النهج الأمريكي؟

يكمل الكاتب أن النظام الأمريكي للتعليم العالي قد تبلور في أوائل القرن التاسع عشر، في ظل الظروف التي كانت فيها السوق قوية والدولة ضعيفة وتقسيم الكنيسة، على الرغم من أن أقدم جامعات أمريكا تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر. نشأ مفهوم «الجامعة» لأول مرة في أوروبا في العصور الوسطى، بدعم قوي من الملوك والكنيسة الكاثوليكية، لكن في الولايات المتحدة، وباستثناء الأكاديميات العسكرية الأمريكية، لم تنجح الحكومة الفيدرالية في إنشاء نظام للتعليم العالي، وكانت الدولة فقيرة للغاية بحيث لم توفر الكثير من الدعم للكليات داخل حدودها.

في ظل هذه الظروف، كانت الكليات الأمريكية المبكرة عبارة عن شركات غير ربحية لديها مواثيق حكومية، ولكن تمتلك القليل من المال الحكومي، وبدلًا عن ذلك اعتمدوا على الرسوم الدراسية للطلاب، فضلًا عن التبرعات من النخب المحلية، ومعظمهم كانوا أكثر اهتمامًا بكيفية زيادة الكلية لقيمة ممتلكاتهم المجاورة مما كانوا عليه في دعم التعليم.

ونتيجة لذلك تم بناء معظم الكليات الأمريكية على الحدود وليس في المدن، حيث تم استخدام المؤسسات لجذب المستوطنين لشراء الأراضي، وبهذه الطريقة كانت المدن الجامعية الأولى تعادل تطورات أراضي الغولف اليوم، في الوقت نفسه تنافست الطوائف الدينية لرعاية الكليات من أجل زرع أعلامها في مناطق جديدة.

إن ما أنتجته هذه المنافسة هو سلسلة من الكليات الصغيرة الريفية التي تعاني نقصاً في التمويل، والتي قادها إداريون اضطروا إلى البقاء في بيئة شديدة التنافسية، حيث كان العرض طويلًا قبل الطلب، ونتيجة لذلك تم وضع المدارس للاستفادة من المزايا المتواضعة التي لديهم، كان معظمها سهل الوصول، وغير مكلف، وغالبًا ما أصبحت الكليات تجسّد المدن التي أخذت أسمائها، الجدير بالذكر أن عدد الجامعات والكليات في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح خمسة أضعاف العدد في كل أوروبا بحلول عام 1880.

يذكر كاتب المقال الأستاذ ديفيد أن النتيجة كانت غير المقصودة لهذا التشبع المبكر الذي عزز درجة عالية من الاستقلالية، كان الرئيس التنفيذي هو رئيس الكلية على الرغم من أنه عادة رجل دين لمؤسسة تكافح لجذب الطلاب والمتبرعين والاحتفاظ بهم، ولم يكن التمويل الحكومي كبيرًا، ولا موثوقًا به، على الرغم من أن رؤساء الجامعات غالبًا ما كانوا يتوسلون للحصول على أموال الدولة.

كان على هؤلاء المديرين التنفيذيين التربويين أن يقوموا بثورة في ظل غياب الأمن المالي، كانوا جيدين أيضًا في بناء علاقات طويلة الأمد مع الوجهاء المحليين والطلاب الذين يدفعون الرسوم الدراسية. تكيفت المؤسسات الجديدة مع النظام القائم بمجرد أن بدأت الولايات في فتح الكليات العامة في منتصف القرن التاسع عشر، كان تمويل الدولة لا يزال غير كاف، لذا كان على قادة الكليات العامة اجتذاب الرسوم الدراسية من الطلاب والتبرعات من الخريجين.

عندما بدأت معدلات التسجيل في الارتفاع استجابة للطلب المتنامي على العمال ذوي الياقات البيضاء مع بداية القرن العشرين، كان من المتوقع أن يتوسع النظام المختلط بين القطاعين العام والخاص، حيث منح الحكم الذاتي المحلي للمؤسسات  بتأسيس علامة تجارية في السوق، وواصل قادة الجامعات مؤسساتهم للبحث عن الفرص والتكيف مع الظروف المتغيرة في غياب سيطرة الدولة القوية، وبدأ مديرو الكليات بالتنافس بقوة على مصادر الدعم الجديدة مع نمو التمويل للأبحاث بعد الحرب العالمية الثانية.

وصل نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة إلى مرحلة النضج بحلول منتصف القرن العشرين، إذ استفادت الكليات من هياكل الحكم اللامركزية والحكم الذاتي للاستفادة من فرص النمو التي نشأت إبان الحرب الباردة. كانت الكليات قادرة على الاستفادة من الدعم العام الذي طورته خلال السنوات الطويلة العجاف، عندما كان من الرخيص والسهل الحصول على درجة جامعية، لم تطوّر الجامعات الأمريكية أبدًا هالة النخبة من مؤسسات العالم القديم، مثل أكسفورد وكامبريدج، وبدلًا عن ذلك احتفظوا بروح الشعبوية – المتجسدة في كرة القدم والمعايير الأكاديمية المرنة – التي لا تزال تخدمهم سياسيًا بشكل جيد.

يتساءل لاباري: هل تستطيع أنظمة التعليم العالي الأخرى تكييف النموذج الأمريكي للتميز التعليمي مع الظروف المحلية؟ ويجيب بأنه من الواضح لا.

في القرن الحادي والعشرين، من غير الممكن أن تظهر الكليات بنفس الدرجة من الاستقلالية التي تمتعت بها الكليات الأمريكية منذ حوالي 200 عام، قبل تطور دولة قومية قوية. معظم المؤسسات غير الأمريكية اليوم هي شركات تابعة مملوكة بالكامل للدولة. بحيث تضع الحكومات الأولويات، ويتابعها الإداريون من الأعلى إلى الأسفل. على النقيض من ذلك، احتفظت الجامعات الأمريكية بروح الاستقلال، وكثيرًا ما يتم منح أعضاء هيئة التدريس مجالًا لتوجيه أفكار ريادة الأعمال إلى برامج ومعاهد ومدارس وأبحاث جديدة، ويختتم ديفيد لاباري مقاله أن هذا الهيكل من القاعدة إلى القمة يجعل نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة مكلفًا ومدارًا من قبل المستهلكين، ومستوعبًا إلى حد كبير، ولكن هذا هو ما يعطيه ميزة عالمية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد