نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي تقريرًا أعدَّه إسحاق سكرومن، أستاذ مساعد في علم الأحياء، بجامعة ريتشموند الأمريكية، يتناول فيه الإجابة عن سؤال تلقته سلسلة «الأطفال الفضوليون (Curious Kids)» التي يوفرها الموقع، والذي طرحه أحد الأطفال ويُدعى جوش، 11 عامًا، من مدينة إفراتا بولاية بنسلفانيا، حول كيفية اكتشاف العلماء لتوقيت ظهور أول سمكة على كوكب الأرض في ضوء مرور مئات الملايين من السنين.

كيف كانت تبدو؟

يشير الكاتب في مطلع تقريره إلى أن أقدم حفريات الحيوانات التي تشبه الأسماك تعود إلى ما بين 518 و530 مليون سنة مضت. وقد اكتُشفت هذه الحيوانات في الصين، وتسمى هايكويشثيس (Haikouichthys)، وكان يبلغ طولها حوالي بوصة واحدة (2.5 سم) ورأسها من سبعة إلى ثمانية شقوق في أسفلها تشبه الخياشيم. وكان لديهم أيضًا عمود فقري مميز محاط بالعضلات.

Embed from Getty Images

لكن وحسب ما يستدرك الكاتب هناك طرقًا لم تشبه بها هايكويشثيس أي سمكة حديثة. فعلى سبيل المثال لم يكن لدى تلك الحيوانات فك. وبدلًا عن ذلك كانت أفواهها عبارة عن فتحة تشبه المخروط كتلك التي شوهدت في أسماك الهاج واللامبري الحديثة. ويبدو كذلك أنها لم يكن لديها زعانف جانبية.

ويتابع الكاتب قائلًا: وعلى الرغم من أن العلماء مثلي لم يكونوا موجودين ليروا بأنفسهم ما كان يحدث على الأرض منذ أمد بعيد، فإننا نستخدم أدلة جيولوجية لمعرفة متى بدأت حياة الحيوانات. وفيما يلي كيفية فرز الجداول الزمنية القديمة للغاية وحتى وضع التواريخ على الحفريات من أمتال هايكويشثيس. 

القياس بالملايين

يوضح الكاتب أنه للوقوف على توقيت ظهور الأسماك لأول مرة على الأرض، نحتاج إلى طريقة لقياس فترات زمنية طويلة للغاية، لافتًا إلى أن الساعات مثلًا تقيس فترات زمنية قصيرة، مثل الثواني والدقائق والساعات، في حين تقيس التقويمات فترات زمنية أطول، مثل الأيام، والشهور، والسنوات. ويتساءل: فما الذي يمكنك استخدامه لقياس ملايين السنين؟

ويجيب الكاتب موضحًا أن التأريخ الإشعاعي هو الطريقة التي يستخدمها العلماء لحساب مرور الوقت بملايين السنين. ولتحديد عمر الصخور والحفريات، يقيس العلماء نوع الذرات التي تتكون منها تلك الصخور والحفريات.

علوم

منذ سنة واحدة
مترجم: كيف تتواصل الأسماك فيما بينها؟

ويضيف الكاتب أن الذرات، كما قد يعلم بعض الأطفال، هي اللبنات الأساسية للجزيئات، والتي تشكل كل شيء من حولنا، العشب والأسمنت وحتى الهواء. وفي حين أن معظم الذرات مستقرة للغاية، فإن بعضها، يسمى الذرات المشعة، وهي غير مستقرة. وعلى مدى فترات طويلة من الزمان، تتحلل تلقائيًّا إلى ذرات أكثر استقرارًا.

اليورانيوم هو أحد هذه الذرات المشعة، ويتحلل ببطء شديد إلى رصاص. ويمكن العثور على كل من ذرات اليورانيوم والرصاص بصورة طبيعية في الصخور والمعادن بكميات قليلة للغاية. ولفت الكاتب إلى أن علماء الفيزياء النووية قدَّروا أن رطلًا واحدًا من اليورانيوم سيستغرق 700 مليون سنة ليتحلل إلى نصف رطل من الرصاص. ويحدث معدل الانحلال هذا بمعدل يمكن التنبؤ به بحيث يمكن للعلماء استخدامه لحساب مدى عمر الصخور والحفريات بدقة إلى حد ما.

فكرة التأريخ الإشعاعي

ونوَّه الكاتب إلى أن فكرة التأريخ الإشعاعي بدرت لأول مرة على يد عالم نيوزيلندي يُدعى إرنست رذرفورد في عام 1904. وكانت فكرته تتمثل في قياس عدد ذرات اليورانيوم وذرات الرصاص في صخرة ومقارنتها. وتوقَّع ذلك العالم أن الصخور الأقدم ستحتوي على قدر أكبر من الرصاص وعلى قدر أقل من اليورانيوم من الصخور الأحدث. ومن بعده جاء العالم الأمريكي بيرترام بولتوود ليضع فكرة رذرفورد قيد الاختبار؛ إذ قاسَ كمية اليورانيوم والرصاص في الصخور المختلفة التي جُمعَت من جميع أنحاء العالم.

Embed from Getty Images

إرنست رذرفورد 

وبمجرد تَكوُّن الصخرة، لا تُضاف عناصر جديدة إليها. لذلك يمكن للعلماء حساب كمية اليورانيوم التي بدأت بها الصخرة عن طريق إضافة ما تبقى إلى كمية الرصاص الموجودة الآن، وذلك بفضل عملية التحلل الإشعاعي. بعد ذلك، ولأنهم يعرفون بالضبط كم من الوقت يستغرق تحلل اليورانيوم إلى الرصاص، يمكنهم معرفة عمر الصخرة. وأثبت بولتوود أن فكرة رذرفورد نجحت، مؤسسًا بذلك مجال التأريخ الإشعاعي في عام 1907.

تكوُّن حفريات هايكويشثيس

وتطرَّق الكاتب إلى تكوًّن حفريات هايكويشثيس موضحًا أن الحفريات عبارة عن صخور. ولذلك يمكن للعلماء استخدام التأريخ الإشعاعي لتقدير المدة التي عاشت فيها الكائنات الحية التي تركت بصمة الحفريات على الأرض.

ولفت الكاتب إلى أن الحيوانات لا تترك آثارًا أحفورية إلا في ظل ظروف خاصة. ولكي يترك الهايكويشثيس حفريات، كان على جثثهم أن تغرق في قاع الماء وتُغطى بالرواسب قبل أن تتمكن الكائنات الحية الدقيقة من تحليلها. وبعد ذلك تتمكن المعادن الموجودة في الرواسب من التسرب إلى هايكويشثيس حتى تتحجر بقاياها.

ويقول الكاتب إن التأريخ الإشعاعي لأحفوريات هايكويشثيس يشير إلى أن هذه الحيوانات كانت تسبح في مياه الأرض منذ ما بين 518 مليون و530 مليون سنة – وربما لفترة أطول.

عمر الأرض

وبحسب الكاتب يقدِّر العلماء، باستخدام التأريخ الإشعاعي، أن عمر الأرض نفسها يبلغ 4.5 مليار سنة. ولفترة طويلة على الأرض، لم تكن هناك حياة على الإطلاق. ثم ظهرت كائنات دقيقة مثل البكتيريا. ولم تبدأ حياة النباتات والحيوانات على الأرض إلا في الآونة الأخيرة نسبيًّا.

علوم

منذ سنة واحدة
داروين لم يكن لديه الصورة الكاملة! دراسة جديدة قد تغيِّر مفهوم التكيف والتطور

والواقع أنك إذا نظرت إلى عمر الأرض حتى الآن من منظور يوم به 24 ساعة، فقد تبين أن هايكويشثيس عاش ساعتين و45 دقيقة قبل نهاية اليوم. وظهرت الحيوانات الشبيهة بالبشر مؤخرًا على الأرض – منذ حوالي 5 ملايين إلى 7 ملايين سنة – قبل دقائق قليلة فقط من نهاية اليوم الافتراضي الذي نقرب به المعنى.

وينوِّه الكاتب في ختام تقريره إلى أن مسألة كون أسماك الهايكويشثيس هي السمكة الأولى أم لا تظل موضوعًا مثيرًا للجدل. وهناك عدد قليل جدًّا من الحفريات الشبيهة بالسمك من الفترة الزمنية نفسها. ولكن علماء الحفريات يواصلون البحث. ومن يدري فربما في غضون سنوات قليلة سوف يكتشفون حيوانًا شبيهًا بالسمكة أقدم عمرًا، والذي سيحل محل الهايكويشثيس باعتباره أقدمَ مخلوقٍ شبيه بالسمكة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد