قال برونو مايس في تقرير لمجلة «فورين بوليسي» إننا نعلم من كل فيلم عن الكوارث أن الوقت لا يقف ساكنًا خلال الكارثة. وإذا كان قد طُلب منا رسم سيناريو قبل أشهر لجائحة كورونا الحالية، لتصور معظمنا لحظات من الفوضى والاضطراب، كالتي شهدتها فلورنسا خلال تفشي الطاعون كما وصفها بوكاتشيو في كتابه في القرن الرابع عشر (الديكاميرون): «كل الاحترام لقوانين الله والإنسان…ينهار».

ولكن بدا أن الصمت يسود بعد أسابيع من تفشي كورونا – يستدرك مايس. توقفت عجلة الاقتصادات بخلاف كل التوقعات. وللمرة الأولى، لم تكن الأزمة ناتجة عن فقدان السيطرة على العمليات الاقتصادية ولكن من قرار جماعي بإغلاق قطاعات كبيرة من الاقتصاد.

الأوبئة ظاهرة متكررة في تاريخ البشرية. عند تقييم الأهمية التاريخية للوباء، قد تكون الطريقة التي اخترناها للاستجابة له كاشفة أكثر من الحدث نفسه. فمن المفارقات أن المجتمعات الحديثة التي تحكمها حركة مستمرة استجابت للأزمة من خلال إيقاف جزء كبير من النشاط الاجتماعي والاقتصادي. خيارًا للسياسة العامة، ربما لم يكن ثمة مفر من ذلك. ولكن كتجربة، كان عملا غير مسبوق.

صحة

منذ سنتين
«نيويورك تايمز»: سيناريوهات الخلاص.. كيف انتهت الأوبئة على مدار التاريخ؟

عند تفشي الأنفلونزا الإسبانية قبل قرن – يشير مايس – قام الناس بتكييف سلوكهم الفردي، لكن الحياة الاجتماعية استمرت إلى حد ما. جرى إغلاق المتنزهات العامة، لكن الأعمال لم تتأثر بشدة. ولكن قضى العديد من العمال نحبهم في المصانع والمناجم. أما في الولايات المتحدة، نما الناتج القومي الإجمالي الحقيقي في عام 1919، وإن كان بنسبة 1% فقط. بالكاد تأثر قطاع التجزئة، ولم تعلن الشركات إفلاسها بمعدلات غير عادية.

أما مع جائحة كورونا، كانت الاستجابة مختلفة تمامًا. توقف الاقتصاد فجأة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن لدينا الآن الأدوات اللازمة للعمل عن بعد: الإنترنت وغيرها من تقنيات المعلومات والخدمات اللوجستية للحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية، وتنشيط البنوك المركزية والحكومات لإدارة الصدمة الاقتصادية الناتجة. وهكذا، تبدد الوهم بأن الوقت الاقتصادي لا يمكن إيقافه، وأن الاقتصاد كيان عضوي خارج عن السيطرة الاجتماعية.

أوضح أحد مسؤولي الصحة في المملكة المتحدة مؤخرًا أنه في البداية، لم يتم اتخاذ أي إجراءات تقييدية لأنه لم يكن أحد يتخيل أنه من الممكن فرض حظر على المجتمع الحديث. بدون الوباء – يضيف مايس – ربما لم نكن سنكتشف ذلك أبدًا. مثل أبطال روايات التشكيل، كان علينا أن ننتظر أزمة غير متوقعة لاكتشاف المدى الحقيقي لسلطاتنا. ربما ستترك الأزمة ندوبًا ولكن أيضًا ستوقظ قوى جديدة وغير متوقعة. إن انفجار الاحتجاجات العامة على العنصرية في الأسابيع الأخيرة هو مجرد مثال واحد ينذر بحركات أخرى قادمة.

قال أحدهم ذات مرة إن تخيل نهاية العالم أسهل من تخيل نهاية الرأسمالية. إنها صيغة معقولة، حتى في تأثيرها الهزلي. ومع ذلك، أثبتت الأزمة الحالية عكس ذلك. كان من السهل إيقاف الرأسمالية – أو على الأقل مقاطعتها. كل ما نحتاجه هو أزمة بيئية حقيقية؛ أزمة أزيلت فيها الظروف الخارجية للاقتصاد الرأسمالي فجأة.

نجح كورونا فيما أخفق فيه القوميون

بسبب الفيروس التاجي، جرى تهميش المصالح الاقتصادية القوية، واضطرت صناعات بأكملها إلى الإغلاق مؤقتًا، وانخفض استهلاك النفط، وأغلقت الحدود الوطنية، وفرض حظر على التصدير. لقد كانت تجربة مذلة – ينوه مايس – إذ تضاءلت تموجات السياسة بالمقارنة مع الموجة الطبيعية العملاقة للوباء. لكنها كانت أيضًا لحظة تحول، إذ يمكن للمرء في النهاية رؤية النظام الاجتماعي والاقتصادي على حقيقته. كشف «التوقف العظيم» حقيقة خفية لا يمكن نسيانها.

من بين المعتقدات التي لم نشك فيها قط، التي قد تأخذ معنى جديدًا الآن، هي فكرة الاقتصاد باعتباره كائنًا حيًا. إنها ليست فكرة تافهة. لقد اعتمد الاقتصاد الحديث على مفهوم المجال الاقتصادي المستقل – أسواق قادرة على خلق الابتكار من خلال قوتها الذاتية ومقاومة التلاعب الخارجي. بدون هذا المفهوم، لما كانت المجتمعات الغربية قادرة على إنتاج الديناميكية الاقتصادية التي تمتعت بها في القرن الماضي أو مدى التوافق السياسي الذي سمح بها.

من وجهة النظر الموروثة، فإن الاقتصاد معقد للغاية بحيث لا يمكن هندسته. المعرفة ليست متاحة بشكل كامل. بل مخفية داخل مليارات أو تريليونات من الوحدات المتفاعلة الغامضة للغاية بحيث لا يمكن توضيحها. تمامًا مثلما تحتفظ الأنظمة الحية بحالة توازن ديناميكي ثابت أو توازن، يمكن للسوق أيضًا أن ينظم نفسه من خلال ردود الفعل السلبية والآليات المماثلة. إنها طريقة أخرى للنظر إلى الاقتصاد تشير إلى بداية جديدة في تاريخ الرأسمالية الحديثة.

حتى أن أقطاب الجدل الاقتصادي الغربي في القرن العشرين تقاسموا نفس الاستعارة الأساسية، على الرغم من اختلاف طفيف في التأكيد. عندما قارن الرمز المحافظ فريدريش هايك الاقتصاد الحديث بالكائن الحي – يؤكد مايس – أراد إثارة نوع من الاحترام أو التساؤل الموجه نحو نظام السوق، وبالتالي وضع المعرفة الاقتصادية خارج السيطرة البشرية. كما أوضح في إحدى المرات، أن افتراض حتمية السيطرة على النظام الاقتصادي القائم هو آخر ما تبقى من العقل البدائي. بدلاً من ذلك، يجب أن نفكر في الاقتصاد على أنه «كائن حي يؤدي فيه كل جزء وظيفة ضرورية لاستمرارية الكل، دون أن يبتكره أي عقل بشري».

لم يعترض الاقتصادي اليساري المعاصر، جون كينز، على هذا. فهو أيضًا نظر إلى الاقتصاد الصناعي الحديث على أنه كائن حي وتأثر بشدة بالفكر الدارويني في كتاباته المبكرة. يتوقف خلافه مع الاقتصاد الكلاسيكي على مسألة ما إذا كان يمكن الاعتماد على الاقتصاد للحفاظ على نفسه في حالة جيدة، أو ما إذا كان بعض التدخل العرضي من قبل السلطات العامة قد يكون ضروريًا. لم يكن السؤال ما إذا كان ينبغي اعتبار الاقتصاد كائنًا حيًا، ولكن ما إذا كان هذا الكائن قد يحتاج أحيانًا إلى طبيب.

يعتقد كينز أن التقلبات في الطلب الكلي يجب إدارتها، لأنها تحدد الحالة العامة للاقتصاد، بما في ذلك الناتج الإجمالي، وبالتالي حجم العمالة. وهكذا، شدد كينز فقط على الطبيعة الدائرية للاقتصاد الحديث: إن تأجيل الإنفاق أو الاستثمار يمثل خسارة فورية في الإيرادات والدخل للصناعة المنتجة للسلعة أو المعدات. إذا توقف أحد عناصر الاقتصاد، سينهار كل شيء.

ولكن – يستطرد مايس – إذا كان هايك وكينز كلاهما ينظران إلى الاقتصاد باعتباره كائنًا حيًا أو ذكاءً طبيعيًا، فنحن على أعتاب رؤيته على أنه شيء يشبه برنامج كمبيوتر، ذكاء اصطناعي. بعد ما شهدناه خلال الوباء، من المنطقي مقارنة الاقتصاد بأكواد الكمبيوتر. كان «التوقف العظيم» الذي تفرضه السلطات مماثلاً لمبرمج كمبيوتر يزيل عددًا قليلاً من الأسطر من التعليمات البرمجية ويسمح بتشغيل الباقي دون تعديل إلى حد كبير. مع فرض الحظر في مارس (أذار)، توقف ما لا يقل عن ربع الاقتصاد الأمريكي – لم يعد بالإمكان العمل بأمان في البيئة الجديدة، من المطاعم إلى الصالات الرياضية إلى دور السينما – في حين أن الباقي استمر في العمل مع اضطراب محدود.

من بين المفاجآت التي شهدناها أن هذا قد ينجح. في بداية الوباء في أوروبا وأمريكا الشمالية، دفع الخوف الواسع النطاق من أن تتلف الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل لا يمكن إصلاحه العديد من المستهلكين إلى تخزين السلع الأساسية. أظهرت الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي صفوفًا طويلة خارج المتاجر وأرففًا فارغة في الداخل. بصفتنا خبراء اقتصاد هواة، كنا نعرف شيئًا واحدًا: نظرًا لصدمة خارجية عميقة، يمكن للاقتصاد أن ينهار تمامًا مثل بيت من ورق.

في الواقع، لقد تكيفت سلاسل التوريد بسرعة استثنائية. بدأت سلسلة ولمارت في شحن طلبات التجارة الإلكترونية من 2500 متجر لمواكبة طفرة في الطلب عبر الإنترنت الناجم عن الوباء. نمت مبيعات التجارة الإلكترونية 74% على أساس سنوي في الربع الأول. كان الشحن المباشر من المتاجر جزءًا من استراتيجية ولمارت، لكن الشركة سرعان ما استأجرت أكثر من 235 ألف عامل جديد من أجل التكيف مع الطلب المتغير أثناء الجائحة. أوضح الرئيس التنفيذي دوج ماكميلون: «إن أحد عناصر الابتكار التي قد تمر دون أن يلاحظها أحد هنا هو أن فريقنا اكتشف كيفية توظيف الأشخاص في فترة زمنية أقصر بكثير. ما كان سيستغرقنا أيامًا وأسابيع استغرق ساعات وأيامًا فقط».

في إيطاليا – يواصل مايس كلامه – عندما أمرت الحكومة بإغلاق ممتد للشركات غير الأساسية، تقدمت حوالي 100 ألف شركة بطلب للحصول على إعفاء قانوني على أساس أنها كانت جزءًا من سلسلة توريد للشركات الضرورية. وبالتالي، قد يُسمح للشركة التي تصنع أنظمة توليد الطاقة بالبقاء مفتوحة لأن عملاءها هم ضمن سلاسل التوريد الأساسية. سترسل الشركة بريدًا إلكترونيًا معتمدًا إلى السلطات، وسيتم التحقق من المعلومات التي قدمتها مقابل السجلات والمعلومات المتاحة المقدمة من الشركات الأخرى. أفادت شركة صناعة الإطارات بايريلي في مارس أن الإنتاج في إيطاليا لم يتأثر على الإطلاق، مع السماح بالسفر على الطرق بين مناطق العزل. وقالت الشركة إنها تلقت معلومات في الوقت الحقيقي لإدارة الخدمات اللوجستية. كان هذا المستوى من التحليل الديناميكي لسلسلة التوريد مستحيلاً قبل التطورات الأخيرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي نفس التطورات التي تسهل نمو سلاسل القيمة المعقدة.

وقد انفجر الطلب على الروبوتات، خاصة في سلسلة الإمداد الغذائي. إذا بقي العمال في المنزل أو غير قادرين على السفر عبر الحدود بسبب الوباء، فإن الآلات التي يمكنها حصاد وتوصيل الطعام هي حل واضح. في حالات أخرى، كان هناك ارتفاع في الطلب على روبوتات التطهير، المجهزة بأدوات مثل الأشعة فوق البنفسجية لقتل الفيروسات. وهناك العديد من الأمثلة حيث تساعد أحدث التقنيات في ضمان تواصل العمل في سلاسل التوريد.

لا علاقة لأي من هذا بالتفاعل العفوي للوحدات الاقتصادية الفردية التي يحب الاقتصاديون الحديث عنها. في الواقع، إنه يشبه بشكل ملحوظ ما أطلق عليه هايك منظمة، وهو ما يشبه العقل الجماعي. في بعض الحالات، تولت الحكومة مهمة إعادة تنظيم النشاط الاقتصادي. وفي حالات أخرى، قامت المنصات المهيمنة الكبيرة بهذه المهمة. جمع الإنترنت بين الجهات الفاعلة الرائدة وساعدهم على تنسيق وجهات نظرهم وأساليبهم. وجرى تجاوز تعارض المصالح.

لا يزال من غير الواضح كم من الناتج سيُفقد أكثر إذا حدث ارتفاع في البطالة وفقدان ثروة الأسرة والإنفاق التجاري؛ وعجزت برامج التحفيز الحكومية عن سد الفجوة. ولكن يجب أن يوضع في الاعتبار أن الإغلاق قد أعاد تشكيل أنماط الاستهلاك – يقول مايس – إذ حوّل الأموال إلى تلك القطاعات التي لا تزال تعمل بكامل طاقتها. حوالي 35% من نفقات الطعام – أكثر من 2.5 تريليون دولار على مستوى العالم – في متناول اليد مع تحول المستهلكين إلى تناول الطعام في المنزل وتجربة قنوات شراء جديدة. في شركة أمازون، نما صافي مبيعات الربع الأول عبر الإنترنت بنسبة 24% على أساس سنوي. ونما في مارس وحده بمعدل حوالي 40%. قبل الجائحة، كان الشراء من البقالة عبر الإنترنت يمثل أقل من 5% من سوق البقالة الأمريكي. ومن المتوقع الآن أن تتجاوز هذه الحصة 10% هذا العام.

ظهرت الكثير من التكهنات حول ما إذا كانت هذه التغييرات ستصبح دائمة. ولكن من شبه المؤكد أنها لن تظل هكذا. سيكون هناك تراجع كبير في المتوسط ​​بمجرد انتهاء أسوأ جائحة. وليس هذا هو السؤال الأكثر إثارة للاهتمام. ما يجب أن يذهلنا ليس ظهور اتجاه تاريخي لا يقاوم أو آخر – العمل عن بعد، نهاية العولمة، نظام عالمي تتزعمه الصين – ولكن الصحوة المفاجئة لقوة جماعية جديدة تدفع المجتمع نحو اتجاهات جديدة.

من المقلق للغاية أن تجد نفسك تعيش في اقتصاد قابل للبرمجة. وفجأة، لم يتحقق ما أكده لنا كل اقتصادي وسياسي – بناء اقتصاد من أجل أغراض اجتماعية عالية التخصص. لقد بدأنا بفهم المعنى الكامل للتجربة الآن فقط.

هل ستسيطر الآلة على العالم؟

قبل بضع سنوات – يقول مايس – جادل مارك أندريسن بأن البرمجيات تأكل العالم. ووصف تحولًا تكنولوجيا واقتصاديًا كبيرًا وواسعًا تسيطر فيه شركات البرمجيات على مساحات كبيرة من الاقتصاد. بل إن البرمجيات تبتلع الكثير من سلسلة القيمة للصناعات التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها موجودة بشكل أساسي في العالم المادي.

قد تكون هذه العملية الآن متقدمة جدًا بحيث إن أفضل طريقة للتفكير في الاقتصاد هي أطول برنامج كمبيوتر في العالم، يتألف من أسطر برمجية تتطور باستمرار ويمكن التحكم فيها. لا ينبغي أن يُفهم ذلك على أنه ترخيص لاتباع رغباتنا. هذه الأسطر من التعليمات البرمجية مترابطة، وحتى أصغر خطأ، إذا تُرك بدون اكتشاف، يمكن أن يؤدي إلى تعطل النظام. في نهاية المطاف، نحن نقف خارج النظام الاقتصادي، ويمكن تغييره بطرق جديدة لافتة للنظر. على عكس الكائن الحي، فإن برنامج الكمبيوتر ليس شيئًا ينمو، ولكن يمكن أن يكون موجودًا في إصدارات مختلفة لانهائية.

في ذروة عمليات الإغلاق، جرى إيقاف ما يقرب من ربع إلى ثلث اقتصاداتنا مؤقتًا. ليس هناك شك في أن الكثير من الأشياء سيتعين عليها المضي قدمًا: تقدر دراسة حديثة أن 42% من حالات التسريح الأخيرة بسبب الجائحة ستؤدي إلى فقدان دائم للوظائف. وجرى تحديد قطاعات كاملة ستغلق إلى الأبد، وستحل أخرى مكانها. بالنسبة للكثيرين من اليسار المتطرف واليمين الراديكالي، هذه هي العقيدة التي كانوا يبشرون بها. إذا كان من الممكن إعادة برمجة الاقتصاد بأكمله للقضاء على الفيروس، فمن الممكن القيام بنفس الشيء من أجل أغراض اجتماعية أخرى مرغوبة. عندما ضرب الفيروس، وجدت السلطات الموارد لإيواء المعوزين، التي لطالما ادعت أنه لا يمكن فعل شيء لهم. باختصار: أوقف الساعة التاريخية وأعد توجيه النشاط الاقتصادي في اتجاهات جديدة، مع الحفاظ على جوهر النظام الاجتماعي والاقتصادي.

يأخذنا هذا إلى الاحتجاجات الأخيرة على العنصرية – يؤكد مايس – التي سرعان ما انتشرت في الولايات المتحدة. عندما قُتل جورج فلويد على يد الشرطة خنقًا، تجاهلت الأمة أزمة الفيروس وحولت جهودها نحو الكفاح من أجل المساواة العرقية. لقد كانت لحظة عظيمة، إذ نزل المتظاهرون إلى الشوارع مرتدين أقنعة لكنهم انضموا معًا في مجموعات كبيرة، ضاربين بجميع النصائح الصحية السابقة عرض الحائط.

لم يحدث الأمر صدفة – يشير مايس. كان «التوقف العظيم» في حد ذاته حركة اجتماعية، هي الأكبر في الذاكرة وعالمية في طبيعتها. في غضون أيام أو أسابيع، تمكن الفيروس من إعادة تنظيم المجتمع حول غرض واحد، في حين تم تطوير مجموعة من الأدوات القوية وإتقانها. لقد تعلم المتظاهرون من هذا الجهد الجماعي، سواء بوعي أو بغير وعي. وفوق كل شيء، علموا أن التغيير ممكن. لقد علمنا الفيروس أنه يمكن إعادة برمجة الحياة الاجتماعية. ولكن يبقى السؤال المعلق: ما هي التغييرات المطلوبة؟

استند «التوقف العظيم» إلى أطروحة مفادها أن الهندسة الاجتماعية تعمل، أو على الأقل يمكن أن تعمل. بمجرد قبول هذه الرسالة، يصبح من الصعب مقاومة جميع أنواع الحسابات الاجتماعية. وهكذا، جرى التوقيع على رسالة بواسطة عشرات من خبراء الصحة العامة والأمراض الأمريكية قائلين إن تفوق العرق الأبيض قضية مميتة للصحة العامة تسبق وتساهم في تأجيج فيروس كوفيد-19. كتب أحد علماء الأوبئة أن مخاطر عدم الاحتجاج على العنصرية «تتجاوز إلى حد كبير أضرار الفيروس». يكشف مايس أنه رأى متظاهرًا يحمل لافتة بهذه الرسالة البسيطة: «تعامل مع العنصرية وكأنك مصاب بكوفيد-19، واستمع إلى نصائح الأطباء، وغيّر كل شيء في حياتك حتى تبرأ». كيف يتم إجراء هذه الحسابات – حول مدى التغيير الاجتماعي والاقتصادي اللازم؟ لا توجد إجابة موضوعية بالطبع.

تحب المجتمعات الغربية الحديثة التفكير في نفسها على أنها جزء من حركة التاريخ المتسارعة – التقدم المفهوم على نطاق واسع. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، يسود شعور في هذه المجتمعات بأننا فقدنا السيطرة على كل الحركة أو الإثارة التي تحدث من حولنا: الاقتصاد له منطقه الخاص ويجب تركه لعملياته الخاصة. المجتمع لديه اتجاه محدد مقدمًا، يمكننا أن نشيد به ولكن لا نشكله. لقد تم تحديد القيم الفائزة، ومهمتنا هي فقط تحقيقها. إن الشعور بالسير على طريق التقدم يبدو وكأنك مدفوع بقوى خارجة عن سيطرتنا. كان التوقف المؤقت شيئًا لا يجرؤ أحد على تخيله، حتى مع أنه يمثل الخطوة الأولى التي لا غنى عنها في المجتمع الذي يقرر مستقبله. كان من المستحيل أن تتوقف الساعة التاريخية بأي شكل من الأشكال.

وصلت الاستحالة في شكل كارثة عالمية. هل تبين أن الوقت مجرد وهم؟ ربما ليس في الأشكال البسيطة التي يتخذها في حياتنا الفردية، ولكن الوقت باعتباره واقعًا تاريخيًا اكتسب بالفعل معنى جذريًا جديدًا. المستقبل لا يعطى، بل قابل للبرمجة. لن يُذكر الوباء على أنه جائحة بل ثورة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد