إن الحملة العسكرية المتوقعة في الإقليم الشمالي الغربي السوري، والتي
يعتقد الخبراء أنها ستشمل ضربات جوية وربما أسلحة كيميائية، من المحتمل أن
تتحول إلى كارثة إنسانية ضخمة.

من المحتمل أن تكون الحكومة السورية على وشك شن هجوم دموي للاستيلاء على آخر معقل للمعارضة في البلاد: إدلب. وإذا نجحت قوات الرئيس السوري بشار الأسد، فإنها ستؤكد فقط انتصار النظام في حرب تدور رحاها منذ سبع سنوات، وفق تقرير نشره موقع «ڤوكس» الأمريكي.

إن الحملة العسكرية المتوقعة في الإقليم الشمالي الغربي السوري، والتي يعتقد الخبراء أنها ستشمل ضربات جوية وربما أسلحة كيميائية، من المحتمل أن تتحول إلى كارثة إنسانية ضخمة. يعيش ما يقرب من 3 ملايين شخص في الإقليم، أكثر من نصفهم نزحوا من مناطق أخرى من البلاد بسبب الحرب. والإقليم هو موطن للعشرات من المدنيين وقوات المعارضة ومنظمة إرهابية قوية، حسبما وصف التقرير، وليس لديهم أي مكان آخر للانتقال إليه.

أحد الأسباب التي تجعل الأسد راغبًا في شن هجوم عسكري واسع النطاق الآن هو أنه يأمل في هزيمة قوات المعارضة قبل توطيد السلطة في إدلب، كما يقول خبراء. ونقل التقرير عن فيصل عيتاني، الخبير في شؤون سوريا في مركز التفكير الأطلنطي في واشنطن، قوله إن «إدلب هي المنطقة الوحيدة المتبقية خارج سيطرة الحكومة ويمكن أن يتم استعادتها بسهولة دون أن تبدأ حربًا دولية».

بدأ جيش الأسد الاستعدادات للهجوم، بما في ذلك نقل آلاف الجنود ووحدات المدرعات والمروحيات القريبة من المحافظة خلال الأسابيع القليلة الماضية. وقامت روسيا، الداعم الرئيسي للأسد، خارج المنطقة بنشر العديد من السفن الحاملة للقذائف ونحو 30 طائرة حربية في البحر المتوسط​، وهو ما يمكن أن يردع التدخل الغربي. ويشعر المجتمع الدولي بالقلق من أن المقاتلين في إدلب قد يستخدمون الأسلحة الكيماوية.

وبدأت اللهجة بالفعل تتصاعد. يوم الأربعاء الماضي، وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف القوات المناهضة للحكومة في إدلب بـ«الإرهابيين» و«الخرّاج المتقيح» الذي يحتاج إلى «تطهير». لكن أحد الأطراف الفاعلة في إدلب هي جماعة إرهابية، وهي «هيئة تحرير الشام»، التي تخلت عن انتمائها السابق للقاعدة.

وقد أدت التعليقات – والحشد العسكري – بكبار المسؤولين الدوليين إلى القلق بشأن مأساة قادمة. وقال ستافان دي ميستورا كبير مبعوثي الأمم المتحدة في سوريا للصحفيين يوم الخميس الماضي: «هناك عاصفة عاتية قد تظهر أمام أعيننا». كما أعرب الرئيس دونالد ترامب عن مخاوفه يوم الاثنين، محذرًا من أن هجومًا على إدلب يعني «أن مئات الآلاف من الناس يمكن أن يُقتلوا».

والسؤال الآن هو ما إذا كانت الدول المشاركة في الصراع السوري – خاصة روسيا وتركيا – تستطيع أن تفعل أي شيء لوقف الهجوم. يعتقد معظم الخبراء أن ذلك غير محتمل، بحسب ما ذكر التقرير.

وقالت شانا كيرشنر، الخبيرة في الشؤون السورية في كلية أليغني الأمريكية: «لا أحد يملك القدرة على وقف النظام عما يخطط له بالفعل». وهذا يعني أنه من المرجح أن تشهد سوريا زيادة جديدة في المعاناة الإنسانية، في الوقت الذي يحاول فيه الأسد القضاء على الجماعات المتمردة وفوزه بالحرب.

فيما قالت ليولندا جاكميت، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر: «إن زيادة الأعمال العدائية ستحول اليأس المتصاعد إلى بؤس».

المزيد من استراتيجية حصار.. تجويع.. استسلام؟

تدمر قوات الأسد المستشفيات والمدارس والأسواق وحتى المساجد، لذلك من
المستحيل تقريبًا على غير المقاتلين تناول وجبات منتظمة أو تلقي الرعاية
الطبية أو الصلاة في المكان الذي يريدون.

لقد ولدت الحرب الأهلية السورية من رحم الربيع العربي في عام 2011، إذ احتج المواطنون على نظام الأسد. قام الأخير بقمع المعارضين، مما أدى إلى اندلاع معركة شاملة دمرت منذ ذلك الحين سوريا والمنطقة لمدة سبع سنوات. وتستمر الحرب بينما تقاتل سوريا – المدعومة أساسًا من روسيا وإيران – قوات المعارضة المناهضة للحكومة بدعم من تركيا وآخرين.

وتشير آخر التقديرات الموثوقة لعام 2016 إلى أن عدد القتلى يبلغ حوالي 400 ألف شخص، لكن العدد بالتأكيد أعلى بكثير الآن، خاصة منذ اندلاع الحرب خلال العامين الماضيين.

في الواقع، لم تكن مهاجمة إدلب هي المرة الأولى التي يشن فيها نظام الأسد هجومًا كبيرًا ضد معقل للمعارضة. في فبراير (شباط)، على سبيل المثال، هاجمت قوات النظام – وغادرت في النهاية – الغوطة الشرقية، وهي إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق.

سيطرت الحكومة السورية على المنطقة من خلال توظيف استراتيجية تستخدم في معظم أوقات الحرب. وقالت جنيفر كافاريلا، الخبيرة في شؤون سوريا في معهد دراسات الحرب الأمريكي: «لقد كان النظام يقود حملة (الحصار والتجويع والاستسلام) لسنوات».

هذا يعني أن حكومة الأسد تسحق عن عمد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بهجمات لجعل الحياة بالنسبة للسكان المدنيين غير قابلة للعيش. تدمر قوات الأسد المستشفيات والمدارس والأسواق وحتى المساجد، لذلك من المستحيل تقريبًا على غير المقاتلين تناول وجبات منتظمة أو تلقي الرعاية الطبية أو الصلاة في المكان الذي يريدون.

استخدم الأسد هذا التكتيك وغيره – مثل عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب – عندما هاجم إدلب خلال هجوم استمر أسبوعين في عام 2012. ومن المحتمل أن يرتكب النظام فظائع مشابهة إذا أطلق حملة في الأيام أو الأسابيع المقبلة. قامت قوات الأسد بالفعل بقصف وقتل العشرات من الأشخاص في إدلب في أوائل أغسطس (آب)، لكن من غير الواضح بالضبط متى يخطط النظام لبدء الهجوم الشامل. ومع ذلك، هناك احتمال ضئيل بألا يمضي الأسد في هجومه إذا اختارت روسيا أو تركيا محاولة ثنيه.

هل يمكن لروسيا وتركيا وقف الهجوم؟

لا تريد روسيا أو تركيا من إدلب أن تصبح كارثة إنسانية كبرى.

يقول خبراء إن موسكو لا تريد أن يكون القتال في شمال غرب سوريا حملة طويلة للغاية. ولا تريد أنقرة أن تخاطر حتى بالمزيد من اللاجئين السوريين الذين يتدفقون شمالاً للانضمام إلى 3.5 مليون لاجئ تستضيفهم بالفعل.

وهذا، على نحو غير متوقع، يضعهم على نفس الجانب من هذا الجزء الخاص من الصراع. ويقول محللون إنه من المحتمل أن تحاول الدولتان التوصل إلى اتفاق لإجلاء المدنيين من المنطقة قبل بدء القتال العنيف.

ونقل التقرير عن فريد هوف، المستشار الخاص للرئيس أوباما للعملية الانتقالية في سوريا: «بالنظر إلى المدى الذي ستحاول فيه روسيا إشراك تركيا، فإنَّ ذلك ربما يكون لتشجيع الأتراك على الدفع بخروج المدنيين من المناطق كثيفة السكان بطريقة استباقية».

يمكن لهذا أن يخفف بعض المعاناة الإنسانية حتى في الوقت الذي تستعر فيه الحرب، ولكن من غير الواضح أين قد يذهب المدنيون أو من يخرجهم من إدلب. في الماضي، تم إرسال السوريين الذين يعيشون في المناطق التي مزقتها الحرب في البلاد إلى إدلب باعتبار ذلك جزءًا من صفقات الاستسلام للحكومة. ومع وجود معظم البلد الواقع غرب نهر الفرات تحت سيطرة الحكومة، يبدو أن المدنيين في المحافظة ليس لديهم خيار سوى البقاء في المنطقة المحاصرة قريبًا.

يمكن لروسيا وإيران، الداعم الرئيسي الآخر لسوريا، منع الأسد من مهاجمة إدلب بالتعهد بعدم مساعدة قواته. لا يستطيع الأسد خوض هذا الهجوم بنفسه. ولكن استنادًا إلى تعليقات لافروف وتأييد موسكو السابق للفظائع الأخرى للحكومة السورية، مثل إنكار مسؤولية النظام عن الهجمات الكيماوية، من المرجح أن يقاتل الكرملين مع الأسد في إدلب.

في غضون ذلك، تريد تركيا من السوريين في إدلب رفض الجماعة الإرهابية والتفاوض على صفقة مع النظام. من شأن ذلك أن يعيد إدلب بفعالية إلى الأسد – وهي نتيجة محتملة على أي حال – مع قتال أقل.

فيما يتعلق بالولايات المتحدة، ليس لها تأثير يذكر في هذا الأمر. إن قوات الولايات المتحدة البالغ عددها 2000 جندي في سوريا ليست في الجزء الغربي من البلاد أو في الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام، حسبما قالت القيادة المركزية الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الأمريكية موجودة في سوريا والعراق لمحاربة داعش – وليس للمشاركة في الحرب الأهلية السورية. الآن تقضي القوات الأمريكية معظم وقتها في العمل مع القوات الكردية لهزيمة داعش في سوريا.

لذا، وباختصار، فإن أي فرصة للتخلص من الهجوم قد تأتي من قبل كل من روسيا وتركيا. سيجتمع قادة هذه الدول مع إيران في أستانا، كازاخستان، في 7 سبتمبر (أيلول) لمناقشة الصراع، وربما للمرة الأخيرة قبل الهجوم. من المحتمل أنهم سيعقدون نوعًا من الصفقة الإنسانية هناك قبل بدء الهجوم بشكل جدي. ولكن إذا لم يكن هناك اتفاق، فإن ملايين الأرواح ستصبح في خطر قريبًا.

لماذا قد تكون المعاناة الإنسانية في إدلب «كارثية»؟

في مقابلات متعددة، رسم مسؤولو المنظمات الإنسانية الذين يساعدون المدنيين في إدلب صورة قاتمة عن المعاناة المتزايدة المحتملة في المستقبل.

وقالت ليولندا جاكميت، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر :«يعيش الناس بالفعل في ظروف صعبة، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة، ولا يحصلون إلا على القليل من الضروريات الأساسية بما في ذلك الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية».

أولئك الذين يحتاجون إلى عناية طبية سيصارعون. وتقول جاكميت إن ثمانيًا من أصل 28 منشأة طبية في إدلب قد خرجت كليًا من الخدمة. وتعمل منشآت طبية أخرى فقط بقدرات جزئية لأنهم قد يكون لديهم القليل من الأدوية أو الطاقم الطبي.

وهذا يعني أن العديد من السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية يحتاجون إلى السفر أبعد للعثور على طبيب يعمل في منشأة دائمة – وهو مسعى خطير للغاية في وسط منطقة حرب نشطة.

ومن المحتمل أيضًا أن تقوم الطائرات الحربية السورية والروسية بقصف المزيد من المرافق الطبية، مما يزيد من صعوبة حصول المواطنين على العلاج اللازم. يقول محمد قطوب، وهو مدير الدعوة بالجمعية الطبية الأمريكية السورية: «في حالة وقوع هجمات في جنوب المحافظة، سنفقد المستشفيات الكبرى، والمستشفيات القريبة من الحدود لن تكون قادرة على الاستجابة».

لا توفر الحكومة أيضًا الكهرباء للمحافظة، مما يعني أن ملايين الأشخاص يجب أن يعتمدوا على المولدات الكهربائية للحصول على الكهرباء. ولكن من الصعب تثبيت المولدات الكهربائية أثناء القتال – كما أنه من الأصعب توفير خدمة موثوقة للكثيرين.

تتفاقم المشكلة لأن الناس في إدلب لا يستطيعون المغادرة حقًا. الحدود التركية إلى الشمال مغلقة، ونظام الأسد يسيطر على المناطق إلى الشرق والجنوب والغرب. والطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الخروج من المقاطعة بشكل موثوق هي أن تتوصل روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاق وأن تقدم لهم سبيلاً للخروج. لكن التقرير لا يتوقع أن يكون ذلك مرجحًا الآن، وهو ما يعني أن الكثيرين عليهم توقع المزيد من الصراع في سوريا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد