من المتبقي للكفاح من أجل الديموقراطية؟

إذا كنت تصدق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن مصر ستتخذ خطوة أخيرة في طريق الديموقراطية بنهاية هذا الشهر عندما يبدأ الناخبون عملية اختيار برلمان جديد. في عام 2012، حلّت المحكمة الدستورية البرلمان السابق المنتخب بحرية والذي حصل الإسلاميون على أغلبيته. وقد شهدت تلك الفترة التي غاب فيها البرلمان إطاحة السيسي -الجنرال السابق- برئيس منتخب، والفوز بالانتخابات الرئاسية، وسحق معارضيه بالعنف وبالقوانين المشددة التي يُقرّها.

وعلى عكس خطاباته، فإن الرئيس السيسي قد سبّب تراجع الديموقراطية إلى الوراء. فالقوى الثورية التي شاركت في ثورة 25 يناير -التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك في ثورة شعبية- أظهروا في مواقف عديدة عدم قدرتهم على إبقاء البلاد على مسار ديموقراطي.

أيّد معظم من يُسمّون بالليبراليين في مصر الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في عام 2013 بحجة أن جماعة الإخوان المسلمين تقوّض الديموقراطية في البلاد، بينما ظل أغلبهم صامتين عندما قامت قوات السيسي بذبح المعارضين الإسلاميين. الآن وبعد أن شوههم التاريخ، أصبح الليبراليون عاجزين عن منع مصر من العودة للنظام الاستبدادي مرة أخرى، فالسيسي الذي قام بانقلاب من أجل الحفاظ على الديموقراطية، قام بخنق أصواتهم فيما بعد.

في الواقع، تعرّض النشطاء والسياسيون الليبراليون للملاحقة من قبل أجهزة الأمن، كما تعرضوا للهجوم الإعلامي، ووُضعت قيود من قِبَل الحكومة على الاحتجاجات والمنظمات غير الحكومية. غالبًا ما يبرر النظام القمع لأسباب أمنية، كما يقوم ببعض المبادرات لتحسين صورته مثلما قام بالإفراج عن 100 معتقل في الشهر الماضي، في ظل وجود آلاف آخرين في السجون.

معظم السجناء السياسيين هم أعضاء لجماعة الإخوان المسلمين، والتي قام السيسي بحظرها، ولكن هذا لا يفيد الليبراليين في الانتخابات، والذين يتوقع أن يكون تواجدهم ضعيفًا. يرجع السبب في ذلك إلى القانون الذي ينظم عملية التصويت، فثلاثة أرباع المقاعد ستنتخب بنظام الدوائر الفردية والتي غالبًا ما يفوز بها المرشحون الأثرياء والموالون للنظام، الذين يقومون بشراء الأصوات. بالإضافة إلى انتخاب 20% أخرى من المقاعد بنظام القوائم الحزبية وهي نفس طريقة انتخاب البرلمان السابق. كما سيقوم السيسي باختيار 5% من الأعضاء بنفسه.

والنتيجة المتوقعة أن يكون برلمانًا صوريًّا مثلما كان في عهد حسني مبارك.

ليس خطأ السيسي وحده

ولكن حتى تحت القوانين الأكثر مواتية خلال الانتخابات البرلمانية في عامي 2011-2012، لم يستطع العلمانيون المؤيدون للديموقراطية الفوز سوى بأقل من ثلث الأصوات، وذلك لخبرتهم القليلة أمام الإخوان الذين لهم خبرة طويلة والقادرين على تقديم الخدمات وحشد الناخبين.

يقول خالد داود المتحدث باسم حزب الدستور الليبرالي: “لم يكن هناك أحزاب سياسية حقيقية في هذه الدولة لمدة 60 عامًا، لذا فنحن لا نزال نتعلم كيفية بنائها”.

في حين نجاح الليبراليين المصريين في المعارضة، إلا إنهم يفشلون في التوحد خلف زعيم أو مشروع. في الانتخابات التي جاءت بمحمد مرسي إلى السلطة، تفتتت أصواتهم بين مجموعة من المرشحين ذوي اتجاهات سياسية مختلفة، ولم يصل أي منهم للجولة الثانية للتصويت. هذا النتيجة أظهرت الانقسامات الكبيرة داخل الحركة الثورية.

كان من بين الذين خرجوا للإطاحة بمبارك، الطلاب وأعضاء الاتحادات والإسلاميون، كل وفق أجندته. الأحزاب التي ظهرت بعد ذلك لم تختلف في الحماس الديني فحسب، بل اختلفوا أيضًا في النظرة الاقتصادية وحماس كل منهم للديموقراطية.

غالبًا ما تستخدم كلمة الليبرالية لوصف المعارضة العلمانية، ولكن الأحزاب تحولت من الاشتراكية إلى السوق الحرة. يبدو أن الآمال بتوحد القوى الثورية تحت ائتلاف انتخابي واحد لخوض الانتخابات المقبلة لن تسفر عن أي شيء.

الأحزاب الليبرالية لديها من المشاكل ما يكفي لتمزيقها بسبب الخلافات الداخلية. ففي أغسطس الماضي، استقالت هالة شكر الله رئيسة حزب الدستور من منصبها مشيرة إلى وجود “دائرة مفرغة من الخلافات والتعقيدات”. الحزب الذي أسسه محمد البرادعي في عام 2012، خاض خلافات حول بشأن توقيت وهيكل الانتخابات الداخلية، وحول مشاركتهم في الانتخابات المقبلة أم لا (وسوف يشاركون)، وأيضًا بشأن موقفهم من السيسي.

مؤخرًا، حاول محمد أبو الغار أن يستقيل من منصبه كرئيس للحزب الديموقراطي الاشتراكي بسبب “الاستقطاب والعديد من المشاكل الأخرى” ولكنه تم إقناعه بالبقاء، بينما اتهم أعضاء قياديون في حزب الوفد -أقدم حزب مصري والذي احتل المركز الثالث في انتخابات 2011-2012- رئيسهم السيد البدوي بإساءة استخدام سلطته. “الليبراليون أفسدوا نفسهم بسبب غرورهم” كما يقول ديفيد أوتاواي الباحث في مركز ويلسون الأمريكي.

لدى هذه الأحزاب شيء آخر مشترك: المشاكل المالية. اعترف قيادي في حزب الدستور بأن الحزب لا يستطيع تحقيق التوازن في سجلاته المالية، كما ألمح أبو الغار إلى صعوبات مماثلة. في حين أن رجال الأعمال يشاركون بثرواتهم في الأحزاب من بعد الثورة، إلا إنهم فضّلوا البقاء على مسافة بعيدة تجنبًا لإغضاب النظام. هناك حزبان ممن يُتوقَع استحواذهما على عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة تم تأسيسهما من جانب كبار رجال الأعمال.

ولكن المال وحده لا يعطي سببًا مقنعًا لفشل الليبرالية في إيصال رسالتها. فالعديد من النخبة الليبرالية المتحضرين والمتعلمين يتحدثون بلغة تختلف من حيث السياسة والاقتصاد عن أغلب الناخبين.

لم تقم هذه الأحزاب بالجهد الكافي للوصول إلى الناخبين في المناطق الريفية ومعالجة مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والتي كانت السبب الرئيسي في خروج الناس إلى الشارع في يناير 2011.

مناداة الليبراليين بالديموقراطية تبدو الآن ليس لها معنى، إذ إن معظم المصريين يشعرون بالارتياح تحت حكم الرئيس السيسي، والذي جلب الشعور بالاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات. بعد أن ألغى السيسي وجود المعارضة، يطالبه أنصاره الآن بتعديل الدستور للحد من صلاحيات البرلمان، بينما لا يملك الليبراليون شيئًا لفعله حيال ذلك.

يقول خالد داود: نحن نناضل من أجل البقاء، وإذا نجحنا في أن نبقى متحدين، سيكون ذلك إنجازًا في حد ذاته.

 

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد