كيف وصل شاب إندونيسي بمشروعه بالدراجات النارية لبصبح قصة نجاح كبرى؟
البناء والتأسيس
وُلد السيد نديم مَكْرِيم لأسرة أندونيسية غنية، وفرت له حياة كريمة وتعليمًا ممتازًا في أفضل المدارس والجامعات في سنغافورة والولايات المتحدة، وهو ما وفر له وظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى بجاكرتا، وقد حاول نديم أن يستفيد جيدا من سنواته الثلاث في هذه الشركة وينمي خبراته العملية ويصقلها، وفي خلال هذه الفترة تطوع كمُدرب في مبادرة لتدريب نخبة من الشباب المتميز في أندونيسيا ليصبحوا قادة أعمال في كافة المجالات، ويصف نديم هذه المبادرة بأنها من أفضل إنجازاته، وهو ما فتح أمامه أبواب جامعة هارفارد العريقة ليلتحق ببرنامجها للدراسات العليا في إدارة الأعمال.
سعيًا للتغلب على الازدحام المروري، وخاصة في ساعات الذروة، وفي ظل غياب منظومة متكاملة للنقل والمواصلات في أندونيسيا كحال الكثير من الدول النامية، فقد لجأ الناس في جاكرتا عاصمة أندونيسيا وأكبر مدنها إلى الاعتماد على الدارجات النارية كبديل فعال لسيارات الأجرة، حيث تمتلك قدرة أكبر على المناورة والحركة في مساحات محدودة للنفاذ من الاختناقات المرورية والوصول بركابها إلى وجهاتهم وتعرف هذه الخدمة محليا باسم Ojek.
في أحد الأيام، وقبل فترة من رحيل نديم لجامعة هارفارد، وفي أثناء تنقله في جاكرتا على إحدى الدراجات النارية؛ تحدث نديم مع السائق مستفسرًا عن تفاصيل عمله، وقال له السائق بأنه يعمل لأكثر من أربع عشرة ساعة يوميا ويقوم بأربع أو خمس رحلات في اليوم، وهو ما يعني أنه يقضي أكثر من 75% في الانتظار بحثا عن زبائن محتملين، فأدرك نديم أن هناك خللا في تنظيم العرض والطلب على الدراجات النارية، وهو ما يشكل فجوة في التواصل بين الرُكاب وسائقي الدراجات النارية، فشرع بعد دراسة سريعة في تكوين مركز للاتصال يعمل من تحته عشرون دراجة نارية، ويستطيع الراكب الاتصال بالمركز لطلب سائق يوصله من مكانه إلى حيث يريد، وقد بدأ نديم مع رفاقه بتسويق خدمات مركز الاتصال في نطاق الأصدقاء والأقارب، وقد اختاروا لهذا المشروع والمولود الجديد اسم Go-Jek، وبعد رحيل نديم إلى هارفارد لاستكمال دراسته استمر عمل مركز الاتصال واستمر رفاقه في إدارته كعمل إضافي وثانوي بجانب عملهم الأساسي، وحتى بعد عودة نديم من هارفارد استمر الأمر على ما هو عليه، وكان من حسن حظهم استمرار هذه الشركة الناشئة بالرغم من غياب الاهتمام الكافي والذي لم تنله من صاحب الفكرة ورفاقه، ويعلق نديم “أن احتمالية نجاح شركة ناشئة هي واحد من عشرة، وإذا لم يُوجّه لها كل الجهد والاهتمام تتلاشى احتمالات النجاح نهائيا، ولذا فقد كان من حسن حظنا بقاء مشروعنا على قيد الحياة، حتى إن لم ينمُ بأي شكل من الأشكال”.
بعد عودته من هارفارد وإنهائه لدراسته بنجاح، استمر مشروع نديم الذي بدأه من أكثر من عامين يعمل في الخلفية وبالدفع الذاتي وبالحد الأدنى من جهده هو وزملائه، وفي هذه الفترة تنقل نديم بين أكثر من شركة وساهم بشكل كبير في وضعها على طريق النجاح، وفي هذه الفترة أيضا جرّب نديم في مشاريع وأفكار ناشئة مختلفة، وللأسف فقد فشل معظمها، ويعلق نديم على هذه الفترة “لقد كنت محظوظا للانتقال بين هذه الشركات والأفكار المتنوعة في هذه الفترة القصيرة، وهو ما أمدني بخبرات ثمينة، لعلها هي أحد أهم أسباب نجاحي ونجاح Go-Jek اليوم”.
ميلاد جديد
في غمار هذا كله وفي منتصف عام 2014 وجد نديم في نفسه شيئا يدفعه تجاه مشروعه الذي أنشأه منذ سنوات، وأنه قد حان الوقت ليستدعيه من الخلفية ليتصدر واجهة حياته العملية، على أن يعطيه كل جهده، ويوفر له كل أسباب النجاح التي غابت عن هذا المشروع لسنوات، وخاصة أنه توصل لاستثمارت معقولة يمكن أن يضخها في مشروعه لتدب فيه الحياة من جديد.
عكف نديم مجددًا على مشروعه، وعلى التفاصيل التي سيخرجه بها إلى النور ليولد من جديد، وتوصل بعد دراسة إلى أنه قد حان الوقت لعمل تطبيق ذكي على الهواتف المحمولة، ليتصل بقاعدة بيانات مركزية للسائقين المسجلين لديهم، ويستطيع الرُكاب باستخدام التطبيق استئجار دراجة نارية، ليأخذه السائق من مكانه إلى حيث يرغب، ولكي يزيد من ثقة الركاب في استخدام التطبيق، فإنه من الضروري أن يتيح التطبيق للركاب حساب المسافة الإجمالية إلى وجهاتهم، والتكلفة الفعلية للرحلة بناء على تعريفة عادلة وثابتة لكل كيلومتر، وللتغلب على مشكلة أن طلبات الركاب على الدراجات النارية ليست ثابتة على مدار اليوم حيث تتركز هذه الطلبات في ساعات الذروة، فقد توصل إلى أن حل هذه المشكلة يكمن في استغلال هذا الأسطول من الدراجات النارية لتوصيل الطلبات للزبائن من خلال التعاقد مع الشركات والمطاعم التي تحتاج هذه الخدمة لزبائنها، أو حتى من أجل التسوق للزبائن وتوصيل طلباتهم إليهم، وهنا ظهر Go-Food مساندا وظهيرا مع Go-Jek، وهو ما يمكن أن يوفر موردا جديدًا لسائقي الدراجات النارية، ويوفر لهم طلبا متوازنًا على مدار اليوم.
لم يقف نديم طويلا أمام الوظيفة المستقرة، وما يمكن أن تقدمه من دخل ثابت وممتاز، وخاصة لشاب في مقتبل حياته وفي طريقه للزواج، فبعد أن اكتملت ملامح فكرته وشرع في إطلاقها من جديد، وبعد فترة ليست طويلة من العمل الشاق أخذ الحلم يؤتي أكله، فمنذ بداية هذا العام جرى تحميل التطبيق أكثر من نصف مليون مرة، وهو رقم غير مسبوق لتطبيقات الهواتف المحمولة في أندونيسيا، وحاليا يوجد حوالي ثلاثين ألف سائق مسجل لدى قاعدة بيانات Go-Jek، وتقوم الشركة بتدريب المسجلين لديها، وتسليمهم زيًّا موحدًا وخوذات للحماية، وهاتفًا محمولا لمتابعة مهامهم من خلال التطبيق، فضلا عن أن الشركة توفر لهم تأمينًا شاملا لدى إحدى شركات التأمين، ويقوم المشروع بتحقيق أرباحه من خلال 20% يخصمها كعمولة من كل رحلة يجري تنفيذها من خلال النظام.
الاستثمار في بناء الثقة
لم ينتشر استخدام التطبيق من خلال الإنفاق التقليدي على الإعلانات كأي فكرة ناشئة، ولكن من خلال الاستثمار في بناء الثقة المتبادلة بين الركاب والفكرة أو المشروع، والسائقين الذين يقدمون الخدمة من خلال دراجاتهم النارية. ولعل الحدث الضخم الذي نظمته الشركة مؤخرًا يؤكد الثقة الغالية التي حصلت عليها الشركة، فقد اصطف الآلاف في طوابير طويلة بالصالة الرياضية بغرب مدينة جاكرتا، والتي استأجرتها الشركة لاستقبال السائقين الجدد الذين يرغبون في الانضمام للمشروع، وكان مشهدًا يبعث على الفخر، أن ترى كل هذه الأعداد من السائقين وهم يغادرون الصالة، وكل منهم يرتدي الزي الأخضر المميز للشركة ويحمل في يديه خوذته بلونها الأخضر الزاهي، وقد كُتب عليها بحروف ظاهرة Go-Jek، وقد حضر هذا الحدث عشرات الصحفيين والمراسلين والذين قدموا لمحاولة البحث في أسرار هذا النجاح الذي حققته الشركة الوليدة في وقت قياسي، والحصول على بعض التصريحات الصحفية من نديم تجيبهم عن عشرات الأسئلة التي تدور في رؤوسهم وتبحث عن إجابات، وفي مشهد آخر عبرت فيه عن سعادتها ورضاها إحدى مستخدمات التطبيق التي كانت في زيارة لأندونيسيا، ولم تجد حلا فعالا للوصول إلى المطار في الميعاد سوى أن تُحمّل التطبيق، لتؤجر من خلاله دراجة نارية، وتستطيع اللحاق بطائرتها إلى ألمانيا.
المال والأثر الطيب
يواجه نديم وشركته منافسة عنيفة من تطبيقات ومشروعات مشابهة، ولكنه يتحرك بثبات، ويقول عن هذه المنافسة أنها حافز قوي للتطوير والإبداع، ويخطط نديم الآن وبعد أن حصل على استثمارت إضافية لشركته، أن يُطلق تطبيقا جديدا ينظم عمل الشاحنات في أندونيسيا، ويساعد على إدارتها بكفاءة.
يُعلق نديم على تجربته “الإنسان يعيش مرة واحدة، والأمر بالنسبة لي ليس مجرد عمل أجني من خلاله المال، ولكني أريد أن أترك أثرًا طيبًا يتحدث عني بالخير، بعد أن يتوقف لساني عن الكلام بموتي”
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».