سلطت مجلة «فورين بوليسي» الضوء على الأوضاع المأساوية للاجئين السوريين في لبنان، بعد أن ضاق ذرعًا بهم اللبنانيون وباتوا يطالبونهم بالرحيل.

ففي مقال لبارنابي بابادوبلوس، نقلت المجلة عن اللاجئة فاطمة قولها: «كيف نعود وهم يقتلون الجميع، حتى الأطفال؟»، وسخرت من فكرة عودتها هي وأطفالها الخمسة إلى وطنهم الذي مزقته الحرب حين أضافت: «ذات يوم، كان لدينا بيت ومزرعة. أما الآن، ضاع كل شيء». كانت تجلس في خيمتها المحاطة بأشجار الزيتون في محافظة عكار شمالي لبنان.

ومع ذلك، فإن القرار الذي اتخذته السلطات اللبنانية، إلى جانب العداء المتزايد للاجئين في كل من الدوائر الإعلامية والسياسية، قد يجبرها على العودة. في ربيع هذا العام، أصدر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان قرارًا بترحيل أي سوري يدخل البلاد دون وثائق مناسبة بعد 24 أبريل (نيسان). كان التأثير فوريًا: ففي 26 أبريل، وفقًا لـ«هيومن رايتس ووتش»، تم ترحيل ما لا يقل عن 16 سوريًا فورًا بعد وصولهم إلى مطار بيروت، على الرغم من أن معظمهم أعربوا عن مخاوفهم من التعذيب والاضطهاد في حالة عودتهم إلى ديارهم. إجمالاً، وفقًا لوكالة الأنباء الوطنية اللبنانية التي تديرها الدولة، تم ترحيل 301 سوري من البلاد في شهر مايو (أيار).

أفاد مركز وصول لحقوق الإنسان في بيروت بأن عمليات التهجير القسري شهدت حدوث انتهاكات لإعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، والذي يلتزم به لبنان دستوريًا. وتشمل الشهادات الأخرى مزاعم تعرض اللاجئين للتعذيب والضرب على أيدي قوات الأمن اللبنانية، ومنعهم من الحصول على المشورة القانونية، وإعادتهم إلى سوريا، على الرغم من الخطر الذي قد يشكله عليهم. في إحدى الروايات – تشير المجلة – ورد أنه جرى تسليم لاجئ إلى السلطات السورية من قبل قوات الأمن اللبنانية، ونقله إلى دمشق، ولم يُسمع منه منذ ذلك الحين.

إن التهديد بالترحيل القسري يلوح في الأفق في مجتمعات اللاجئين. قال محمد، زوج فاطمة: «يتعرض العائدون للسجن أو القتل. يمكن تجنيدي في الجيش إذا عدت إلى سوريا».

لاجئ سوري ينتظر حافلة تقله للعودة إلى سوريا

نعمة، ناشطة سورية وصحفية شابة من حمص، سُجنت بسبب معارضتها لنظام بشار الأسد في عام 2014. تعيش الآن في مدينة طرابلس اللبنانية، وهو تعرف مصيرها الذي ينتظرها إذا عادت إلى سوريا. قالت: «عندما أعود إلى سوريا، سوف يأخذوني إلى السجن». وتؤكد أن مصيرًا مشابهًا ينتظر الكثير من السوريين العائدين، خاصة النشطاء والصحفيين.

إلى جانب عمليات الترحيل القسري – تنوه المجلة – تضيق السلطات اللبنانية أيضًا الخناق على اللاجئين لدفعهم إلى المغادرة. فقد شددت قوانين العمل الجديدة لتجعل من الصعب على السوريين العيش في لبنان بشكل مستدام. في يونيو (حزيران)، أعلن وزير العمل، كامل أبو سليمان، عن خطة حكومية لفرض عقوبات مالية قاسية على أي شركات توظف عمالاً أجانب دون تصاريح عمل، وهي خطة أدت إلى طرد العمال في جميع أنحاء البلاد. نظرًا لأن تكلفة التصريح قد تصل إلى 1200 دولار، فإن العمل ببساطة بعيد عن متناول العديد من اللاجئين السوريين. وهذا سيزيد الضغط عليهم للمغادرة.

وفقًا لمنظمة العفو الدولية، يوجد أكثر من 900 ألف سوري لاجئ نظامي في لبنان. تضيف الحكومة اللبنانية إليهم 500 ألف آخرين غير نظاميين. وقد جادل السياسيون اللبنانيون بأن هذا التدفق الهائل للاجئين يضع ضغوطًا على الاقتصاد وأن اللبنانيين يخسرون وظائفهم أمام السوريين. سلط بحث جديد من مركز وصول الضوء على العديد من الأمثلة من السياسيين اللبنانيين الذين يستخدمون خطابًا معاديًا للاجئين لقلب الرأي العام ضد السوريين.

في يونيو، قال وزير الخارجية جبران باسيل إن «اللبنانيين فوق كل شيء». وأكد بأن التمييز الجيني بين اللبنانيين يجعلهم أفضل من نظرائهم السوريين. ووفقًا أسوشيتيد برس، فإنه خلال مظاهرة نظمها حزب الحركة الوطنية الحرة تحت شعار «وظف اللبناني»، شوهد المتظاهرون وهم يخربون متجرًا مملوكًا لسوري ويهتفون «سوريا برة»، باعتبار ذلك جزءًا من حملة أوسع من قبل الحزب لإغلاق الشركات التي توظف العمال السوريين.

مخيم للاجئين السوريين في وادي البقاع

لكن بحسب نعمة، فإن السوريين يستخدمون كبش فداء: «لا يوجد عمل أو وظائف للبناني أو السوري». وتقول إن البطالة تؤدي إلى الإحباط، ويشجع المسؤولون المواطنين على التعبير عن غضبهم على السوريين. وأضافت «عندما ترى كل التغريدات على تويتر من رجال السياسة، تجد أنهم يتلاعبون بمشاعر الناس. لذا فإن الناس العاديين يعتقدون أن السوريين يقطعون أرزاقهم. لكن هذا ليس صحيحًا». وفقًا لإحصاءات منظمة العمل الدولية، فإن 92% من العمال السوريين ليس لديهم عقد عمل رسمي، وأقل من ربعهم يحصلون على أجر شهري منتظم. يعمل معظمهم في الخدمات الزراعية أو المنزلية، وفي الوظائف التي يؤكد كثيرون منهم أن معظم اللبنانيين لا يريدونها.

تنقل المجلة نتائج استطلاع حديث أجراه مركز كارنيجي للشرق الأوسط وأشار إلى أن 96% من اللاجئين فروا من سوريا بسبب الوضع الأمني المتدهور هناك وليس لأسباب اقتصادية. يرغب الكثيرون في العودة إلى ديارهم عندما يعود الأمن. بعض السوريين، مثل معتصم، وهو لاجئ آخر في لبنان، يتفهمون ضيق المجتمع اللبناني. يؤدي الاكتظاظ في المجتمعات المضيفة إلى زيادة الطلب على الخدمات العامة، مما يؤثر على إمكانية الوصول ونوعية الرعاية الصحية والتعليم، كما ارتفعت أسعار الإيجارات زيادة كبيرة استجابة للطلب المتزايد. كما أضر قرب لبنان من النزاع السوري بصناعة السياحة، حيث تنتشر مئات المخيمات عبرها.

من منزل أسرته المتهالك، يدرك معتصم كيف يمكن للعديد من اللبنانيين أن ينظروا إليه. لكنه قال إنه ليس لديه خيار: «إذا عدت إلى سوريا، فسوف أموت. أما إذا حصلت على المال، فسوف أذهب إلى أوروبا. لكنني لن أعود أبدًا إلى سوريا».

ليس من الصعب فهم السبب – تستدرك المجلة – فقد عرض مقطع فيديو تلقاه مؤخرًا على هاتفه في شارعه القديم في حلب. في المدينة، لا توجد كهرباء ولا مياه. ودُمرت كل المباني. ولا توجد طرق ولا أشخاص.

مثل الكثير من الناس هنا، يدرك معتصم جهود الحكومة اللبنانية لطرد السوريين من البلاد. قُتل شقيقه في غارة جوية روسية في مكان ما في إدلب، وهو يخطط لتحدي الحكومة اللبنانية. «لقد سمعت ذلك. لكن لا يمكنني تعريض عائلتي للخطر. لا يمكنني العودة».

مع استمرار القتال في أجزاء من البلاد، يظل السلام في سوريا بعيد المنال. ومن الخطير إعادة اللاجئين إلى وطنهم، لكن هذا ما يحدث، مع تزايد الضغوط على اللاجئين السوريين في لبنان يومًا بعد يوم.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد