نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالًا للصحافي جاي ماثيوز عن هوس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمسألة طول القامة، وتأثير تلك المسألة على نجاح المرشحين في الانتخابات الرئاسية.

في مستهل مقاله يشير الكاتب إلى أن ترامب من السياسيين النادرين الذين يدركون أهمية طول القامة، بالرغم من تجاهلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل أصبح أول رئيس يستخدمها سلاحًا انتخابيَّا.

يضيف ماثيوز أنه ظل طيلة 32 عامًا يعدّ موضوعات في صحيفة «واشنطن بوست» عن تأثير طول القامة على الفوز في الانتخابات، لكن لا يوجد أي صحافي أو محلل سياسي استرعى انتباهه الأبحاث التي يقوم بها. لكن ترامب يعترف بهذه الحقيقة المؤسفة، وهي أن طول القامة هو قدر، وفي أغلب الأحيان من يفوز في الانتخابات هو المرشح الأطول.

ترامب يستخدم طول القامة لإهانة خصومه

يضيف الكاتب أن افتتان ترامب بمسألة طول القامة كان ظاهرًا للعيان طيلة الأعوام الأربعة الماضية، بينما كان يوبخ بشدة خصومه – حتى أولئك الذين لم يكونوا قصار القامة – واصفًا إياهم بالضآلة وعدم البراعة.

Embed from Getty Images

أقدم ترامب على توجيه إهانات لخصومه، واصفًا إياهم بـ«ماركو الصغير»، في إشارة منه إلى ماركو روبيو مرشح الرئاسة في الانتخابات الماضية، و«كاثي الصغيرة»، في إشارة إلى الصحافية بشبكة «إن بي سي» الإخبارية الأمريكية كاتي تور التي كانت مكلفة بتغطية الحملة الانتخابية لترامب.

أيضًا استخدم ترامب وصف «رجل الصواريخ الصغير»، في إشارة إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، و«بوب كوركر الصغير»، في إشارة منه إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر.

وآخر تلك الإهانات كانت موجهة إلى آدم شيف، النائب الديمقراطي الذي يقود محاكمة عزل ترامب، والذي وصفه بآدم شيف «الصغير»، والذي تقول تقارير إخبارية إن طوله يبلغ 5 أقدام و11 بوصة.

يقول ماثيوز: إن تلك الأوصاف لها وقع أشبه بالإهانات المتبادلة بين الأطفال الصغار في ساحة اللعب، غير أن ترامب يوسع استخدامها لتصل إلى التوبيخ الشديد؛ إذ أثار خلال الشهر الجاري مسألة طول القامة بصفتها أحد العوامل الأساسية للقيادة السياسية.

وفي مقابلة أجريت مع ترامب قبل السوبر بول (المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأمريكية)، وجه شين هانيتي، مقدّم البرامج في «فوكس نيوز»، سؤالًا لترامب حول رأيه في المرشح مايكل بلومبرج.

ورد ترامب على هانيتي قائلًا: «ضئيل للغاية. إنني أفكر فقط في الضآلة. أنت تعلم، (بلومبرج) يطلب صندوقًا ليقف عليه أثناء المناظرات الديمقراطية.. حسنًا. لا عيب في ذلك قد تكون قصيرًا. لكن لماذا ينبغي أن يحضِر صندوقًا ليقف عليه خلال المناظرات؟ هو يريد صندوقًا للمناظرات! لماذا يحق له ذلك؟ حقًا؟ هل هذا يعني أن كل شخص آخر ينبغي أن يحصل على صندوق أيضًا؟».

يوضح ماثيوز أن طول بلومبرج عمدة نيويورك السابق خمسة أقدام وثماني بوصات، ونفت حملته الانتخابية أن يكون بلومبرج طلب صندوقًا ليقف عليه خلال المناظرات. لكن يوم الثلاثاء الماضي شدد ترامب مجددًا على مسألة طول القائمة من خلال إعادة نشر تغريدة موحية عبر حسابه على «تويتر» مرفقة بصورة قديمة تجمعه ببلومبرج خلال مباراة جولف.

وجاء في التغريدة: «مايك الصغير هو أقصر ضارب كرة. إنه رئيس نادي قصار القامة. حافظوا على أمريكا عظيمة».

الفرق في الطول بين ترامب وهيلاري

يقول ماثيوز إنه بدأ الكتابة عن مسألة طول القامة، وتأثيرها في الانتخابات الرئاسية عام 1988، في ذلك العام الذي كان يواجه فيه جورج بوش الأب (الذي كان يبلغ طوله ستة أقدام وبوصتين)، مايكل دوكاكيس (الذي كان يبلغ طوله خمسة أقدام وثماني بوصات)، لكنه في ذلك الحين كان يعتقد أنه من الخطأ الحكم على المرشحين من خلال قامتهم.

Embed from Getty Images

ويضيف أنه لم يتخيل قط أن أي شخص يمكنه استغلال أبحاثه الصادقة في التقليل من شأن المعارضين. أما الآن فهو يشعر برغبة أقل في فضح ذلك الخطأ الموجود في نظامنا معربًا عن خشيته مما سيحدث لاحقًا.

يرى ماثيوز أنه من الصعب تحديد الطول الدقيق لهذه الشخصيات التي لديها حساسية شديدة تجاه صورتها العامة. مشيرًا إلى أن ترامب سبق وأن صرح أن طوله ستة أقدام وثلاث بوصات، وهو رقم لا يزال منتشرًا في نتائج البحث عبر الإنترنت، لكن خلال المناظرات الأولية المتلفزة قبل أربعة أعوام كان ترامب يبدو بوضوح أقصر من جيب بوش، الذي يبلغ طوله ستة أقدام وثلاث بوصات، حين كان يقف إلى جواره.

ينوه ماثيوز عن أن مجلة «بوليتيكو» الأمريكية حصلت على أدلة، عبارة عن رخصة القيادة الخاصة بترامب والتي تعود للعام 2012، كان مسجلا بها أن طوله ستة أقدام وبوصتين. ورغم أن المتحدثة باسم هيلاري كلينتون صرحت أن طولها خمسة أقدام وخمس بوصات خلال عام 2008، فإن الأرقام المنشورة على «جوجل» بحلول عام 2016، تقول إن طولها يبلغ خمسة أقدام وسبع بوصات.

لذا، فإن ترامب كانت لديه أفضلية (من سبع إلى تسع بوصات) على منافسته، وهو الفارق الأكبر منذ عام 1864، عندما حقق إبراهام لنكولن الفوز على مكليلان، الذي كان أقصر منه بـ10 بوصات.

وزعم بعض النقاد أن قرار ترامب الاستثنائي بالمرور على المنصة خلف كلينتون خلال المناظرة الرئاسية التي جرت فعالياتها في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016 كانت محاولة منه للترهيب الجسدي. ويعلق ماثيوز على ذلك قائلًا: إنه هراء، إذ كان ترامب يرغب فقط في أن يظهِر بوضوح أفضليته من حيث طول القامة.

الانحياز الانتخابي ضد قصار القامة

يقول ماثيوز إنه منذ العام 1952، عندما أتيحت الفرصة للعديد من الناخبين لمشاهدة مرشحي الرئاسة عبر شاشة التلفاز، فاز 12 من أصل 17 متنافسًا بلقب الشخص الأطول ولم ينجح أي مرشح أقصر في تجاوز قصر قامته بأكثر من خمس بوصات، وهو الفارق بين جورج بوش الابن وجون كيري في العام 2004.

يتابع ماثيوز: الانحياز الانتخابي ضدنا نحن قِصار القامة ينبغي أن يفضح وتوضع له نهاية. ليس لدي حل حتى الآن، وأفضل في ذلك الصدد فكرة الصناديق التي توضع خلف منابر المناظرات الانتخابية، لكن ترامب أفسدها الآن.

دولي

منذ 3 سنوات
خصوم ترامب داخل بيته.. ماذا نعرف عن المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأمريكية؟

ويكمل قائلًا: إن أصحاب القامات الفارعة ربما يزعمون أن الأشخاص الأطول يكونون رؤساء أفضل، ويشيرون في ذلك الصدد إلى لنكولن الرئيس الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.

بيد أن ماثيوز يشير إلى أن أسوأ رئيسين للبلاد، جيمس بيوكانان ووارن جي هاردينج (كلاهما كان يبلغ طوله ستة أقدام)، كانا من بين الرجال الأكثر طولًا، ما يطعن في الحجة السابقة.

ويوضح أن هذا الانحياز للأشخاص الأطول قامة إنما يعود إلى العصور التي كانت تسوى فيها الصراعات المتعلقة بنظام التسلسل الاجتماعي من خلال المعارك التي يفوز فيها الأشخاص الأضخم جسديًا، وهكذا غدت مسألة طول القامة مرادفًا للقوة والكفاءة.

ويرى الكاتب أن ذلك قد يكون السبب في أن الأشخاص الأطول قد تكون فرصهم أكبر في الحصول على العروض الترويجية الكبيرة، مضيفًا بلهجة ساخرة: بينما يقع الاختيار على أمثالنا، ممن يعانون من تحديات تتعلق بالطول، للقيام بمهام أخرى، مثل: حفر الأنفاق خارج السجون أو العمل كدوبليرات للممثل داني ديفيتو.

Embed from Getty Images

يقول ماثيوز إنه خلال الأعوام الأولى من إعداده تقارير حول تلك المسألة، كان يجد صعوبة في إقناع الناس بأن طول القامة كانت تمثل مشكلة فعلية. وكان بعض المتحدثين باسم الحملات الانتخابية يسخرون منه عندما كان يسألهم عن أطوال قامات مرشحيهم.

ويؤكد الكاتب أن إصراره القديم أكسب مسألة تحليل طول القامة مزيدًا من الاحترام، حتى أصبح مسؤولو الحملات الانتخابية يردون على أسئلته بسهولة، رغم أنهم ربما يضحكون بطريقة سخيفة أثناء كتابتهم الرد عبر البريد الإلكتروني.

ويقول إن المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة تتقارب أطوال قاماتهم؛ إذ يبلغ طول قامة جو بايدن (ستة أقدام) وبيرني ساندرز (ستة أقدام) وتوم ستاير (خمسة أقدام و10 بوصات) وبيت بوتجيج (خمسة أقدام وتسعة بوصات) وإليزابيث وارين (خمسة أقدام وثماني بوصات) وإيمي كلوبوشار (خمسة أقدام وثماني بوصات) وكما ذكر آنفًا مايكل بلومبرج (خمسة أقدام وثماني بوصات).

في غضون ذلك، يواجه ترامب تحديًا من جانب الحزب الجمهوري، ومرشحه بيل ويلد (الذي يبلغ طوله ثلاثة أقدام وثلاث بوصات) وحتى المرشح الذي أعلن انسحابه من السباق الرئاسي الجمعة الماضية، جو وولش (يبلغ طوله ستة أقدام).

ويرجح الكاتب ألا يدخل ترامب في مناظرة مع ويلد؛ لأن طوله الحقيقي سيظهر في حال وقف جنبًا إلى جنب مع وولش الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس.

يقول ماثيوز إن إيمي كلوبوشار ألمحت في مناظرة الحزب الديمقراطي بولاية آيوا إلى عدم أهمية مسألة طول القامة وقالت: «لا ينبغي أن تكون الشخص الأطول داخل الغرفة». لكن ماثيوز يرى أن إيمي ليست محقة في ذلك الأمر؛ إذ ينبغي علينا أن نقبل بهذه الحقيقة قبل أن نتمكن من حل المشكلة.

الطول ليس عائقًا دائمًا

يعترف ماثيوز بأن قصر القامة ليس عائقًا لتحقيق النجاح، مدللًا على ذلك بأن جيف بيزوس المالك الحالي لصحيفة «واشنطن بوست» – الذي يعترف الكاتب بتقديره له – يبلغ طوله خمسة أقدام وسبع بوصات.

ويستدرك قائلًا: إنه دائمًا ما يكون الشخص الأقصر داخل الغرفة، والأمر يزداد سوءًا. وفي العام 1988 عندما بدأ الكتابة عن مسألة طول القامة، كان طوله خمسة أقدام وخمس بوصات. مضيفًا أنه لم يتحقق من طوله منذ سنوات عديدة، لذلك أحضر شريط قياس الأطوال، ووجد أنه طوله انخفض ليصبح خمسة أقدام وأربع بوصات.

يتابع ماثيوز: «ربما ينبغي أن أشعر بالارتياح لأن ثلاثة من الانتخابات الرئاسية الخمسة الماضية (2000 – 2004 – 2012) فاز بها المرشح الأقصر، وهو الأمر الذي ربما يتلاشى عنده الشعور اللاواعي بالظلم».

لكن حتى مع طول ستة أقدام وبوصتين، فإن ترامب يكون أطول من أي من خصومه المحتملين، لكن الكاتب غير متيقن من بعض الحقائق الخاصة به، والتي ربما تؤذيه، إذن أن اثنين من الأشخاص بقائمته لقصار القامة، آدم شيف والمقدم التليفزيوني دوني ديوتش (الذي يبلغ طوله خمسة أقدام و10 بوصات)، في الواقع هما في أو أعلى من متوسط الطول الطبيعي للذكور البالغين في أمريكا (خمسة أقدام و10 بوصات).

يكشف ماثيوز أنه يشعر بالانزعاج عندما يهين ترامب الأشخاص الأصغر حجمًا، لكنه يتعاطف معه أيضًا. ومع القلق الذي يدفعه للتظاهر بأنه أطول مما هو عليه، ومع قدومه من برامج تلفزيون الواقع لصناعة الترفيه، فإنه يدرك مدى أهمية طول القامة.

وذهب بعض من زملائه المشاهير إلى أبعد الحدود لإخفاء أطوالهم الحقيقية. ودفع ذلك الأمر مجلة Men’s Health (صحة الرجل) الأمريكية للتحقق من أطوال هؤلاء المشاهير لتجد أن الممثل تشارلز برونسون يبلغ طوله خمسة أقدام وسبع بوصات وليس خمسة أقدام و11 بوصة.

ويتابع إن طول الممثل بيرت رينولدز كان خمسة أقدام وثماني بوصات وليس خمسة أقدام و11 بوصة أما الممثل القدير وحاكم كاليفورنيا الأسبق أرنولد شوارزنيجر فقد كان طوله خمسة أقدام و10 بوصات وليس ستة أقدام وبوصتين.

ربما تساعد الاستعانة بتغريدة نشرها ترامب حول ذلك الأمر؛ إذ يبدو أنه ملتزم بما يفعله، لكن الكاتب يعرب عن أمله في أن يدرك الرئيس الأمريكي حقيقة الأمر. قائلًا: ليس عليك أن تعترف بشيء سيدي الرئيس. فقط ضع حدًا للوقفات الاستعراضية وعقد المقارنات. هذا الأمر سيكون بمثابة هبة لأولئك الذين لا تزال أحجامهم تتضاءل، مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق لهذا التضاؤل.

دولي

منذ 3 سنوات
لماذا حاكم الديمقراطيون ترامب رغم علمهم المُسبق بفشل هذه الخطوة؟

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد