بحسب ما أوردت «واشنطن بوست»، تعلن السعودية – خلال الشهر القادم – عن الشركات المتنافسة على عقود بمليارات الدولارات لإنشاء مفاعلين للطاقة النووية في صحراء الربع الخالي المقفرة، على امتداد شواطئ الخليج العربي. ويتناول التقرير الأسباب التي قد تجعل الولايات المتحدة تعدل من قواعدها في الاتفاقات النووية لتزيد من فرص العرض الذي يقدمه تحالف شركات أمريكية.
بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تتمثل أهمية المفاعلات في تعزيز قوة المملكة ومكانتها الدولية. خطوة تضاهي بها «غريمتها الشيعية» إيران، بينما توفر بعض احتياجاتها المحلية من الطاقة. أما بالنسبة لترامب، فيرى التقرير أنه أمام خيارين شائكين، إما مساندة الشركات الأمريكية، وإما مكافحة الانتشار النووي؛ فإذا كانت إدارته ستدعم تحالف الشركات الأمريكية الذي تقوده «وستنجهاوس»، فإنها ستحتاج إلى التحايل على بعض القواعد التي صممت لتحد من انتشار السلاح النووي في الأجزاء غير المستقرة من العالم؛ وهو ما قد يزيد من المخاطر الأمنية، ويشجع الدول الأخرى في المنطقة على سلك المسار نفسه.
يقول جون ولفستال للصحيفة: «إن نال السعوديون اتفاقًا بلا قيود فسيكون حدثًا جللًا في المنطقة، وخرقًا شديدًا للسياسة النووية الأمريكية طوال الخمسين عامًا السابقة». يعمل ولفستال مستشارًا في مجال الأسلحة النووية، وكان مديرًا لقسم التحكم في الأسلحة ومكافحة انتشارها – التابع لوكالة الأمن القومي – خلال عهد أوباما.
هو اختبار هام لسياسة ترامب الخارجية ومهاراته – التي يتباهي بها – في التفاوض؛ إذ تضيف الصحيفة أن الشركات الأمريكية لم تنل سوى القليل من زيارات ترامب أو صهره جاريد كوشنر أو وزير الطاقة ريك باري إلى الرياض، والتي حاولوا فيها التقرب من ولي العهد السعودي وجلب عقود ضخمة للشركات الأمريكية.
يستعد محمد بن سلمان لزيارة الولايات المتحدة خلال شهر مارس (آذار)، في حين يلوح الموعد النهائي لتقديم الطلبات الذي وضعته السعودية أمام «وستنجهاوس»، التي تحاول تجنب الإفلاس، وتسعى لإيجاد مشترين لتصميمها – حسن السمعة – «AP1000». لكن إن لم يوجد اتفاق دبلوماسي، قد تنحّى وستنجهاوس ومجموعة أخرى من كوريا الجنوبية، والتي تخصع لنفس القوانين لاستخدامها منتجات أمريكية، لصالح شركات تتبع الحكومات الروسية والصينية.
عرض توضيحي للمفاعل النووي AP1000، الذي تراهن عليه شركة «وستنجهاوس» الأمريكية.
ترد أهم تلك القوانين، التي تتعلق بالمبيعات النووية للسعودية، ضمن اتفاق 123، الذي سمي على اسم فقرة في معاهدة الطاقة النووية لعام 1954. تعقد بموجبه الولايات المتحدة 123 اتفاقًا مع 23 دولة، بالإضافة إلى تايوان والوكالة الأوروبية للطاقة الذرية «أوراتوم» ومجموعة أخرى تضم 27 دولة. يفرض هذا الاتفاق قيودًا على السعودية في عمليتي تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي، واللتين قد تستخدمان في إنتاج مواد القنابل النووية. وتطالب السعودية بحرية استخراج وتخصيب اليورانيوم، ما دامت ملتزمة بـالمعاهدة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية، التي تمنع استخدام المواد في برامج التسليح.
وقعت السعودية مذكرة تعاون مع المؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية، للكشف عن اليورانيوم في تسع مناطق يحتمل وجوده فيها. كما قال رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل أنها «لها نفس الحق مثل باقي أعضاء المعاهدة، بما فيهم إيران»، في لقاء مع رويترز في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كما تضيف الصحيفة أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يطمح لتقوية الاقتصاد السعودي وجعله أكثر تنوعًا، قد دعا الشركات لتقديم عروضها في الخريف الماضي، وتقدم المدراء التنفيذيون لخمس شركات – من بين الأبرز في العالم – في تصميم وبناء المفاعلات النووية بعروض للمسؤولين السعوديين منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وبحسب حديث وزير الطاقة السعودي خالد الفالح لوكالة رويترز في ديسمبر الماضي، من المخطط أن توقع العقود بنهاية العام الحالي.
إنفوجراف: من بينها السعودية! 10 دول أعلنت أمريكا أنها «تشكل قلقًا خاصًّا» لها
انقسمت آراء صناع القرار الأمريكيين إزاء توفير الطاقة النووية للسعودية. إذ يقول هنري سوكلسكي لـ«واشنطن بوست»: «كيف نقدر استقرار المملكة؟ ستبقى هذه المفاعلات لـ40 عامًا على الأقل ولـ80 عامًا على الأكثر، هذا وقت كاف لأن يتغير العالم كله». بينما يقول آخرون: إن الولايات المتحدة إن تخلت عن بناء المفاعلات فستبنيها شركة «روساتوم» الروسية أو شركة الهندسة النووية الصينية، لتقل المحاذير ضد الانتشار النووي وتتراجع قوة الولايات المتحدة الدبلوماسية في المنطقة.
يقول الباحث بمعهد بروكنجز روبرت آينهورن: «أفضل وجود الصناعة النووية الأمريكية في السعودية على أن تكون روسية أو صينية، لذا أعتقد أن إعاد توطيد علاقاتنا مع السعوديين أمر مفيد. يجب أن نحاول الحصول على أفضل قيود على التخصيب وإعاد المعالجة، بما في ذلك حظر يدوم لمدة زمنية معينة، 20 أو 25 عامًا على سبيل المثال. يجب أن نكون مرنين قليلًا».
لماذا يريد السعوديون المزيد من الطاقة؟
يتساءل التقرير عن سبب احتياج السعودية لبناء مفاعلات نووية بينما لديها أكبر احتياطي من المواد النفطية في العالم. تقول المملكة: إنها تريد تخصيص النفط لتوليد الكهرباء للمنازل؛ فتسمح بزيادة الصادرات النفطية، التي تعد مصدر الدخل الأساسي لها.
تضاعف استهلاك الكهرباء في السعودية بين عامي 2005 و2015، فأصبحت المملكة تحرق ما يقارب 700 ألف برميل من النفط على مكيفات الهواء عندما ترتفع الحرارة في فصول الصيف الحامية لتصل 50 درجة مئوية وأكثر. وبإضافة الاستخدامات الأخرى في الصناعة والنقل تصل حصة المملكة من الاستهلاك لثلاثة ملايين برميل من النفط يوميًا، أي أكثر من ربع إنتاجها الكلي من النفط. ويشير الكاتب إلى أن الطاقة الشمسية تظل خيارًا متاحًا، كما توجد أيضًا مصادر الغاز الطبيعي، الذي يحترق أغلبه ويضيع.
«المعيار الذهبي» الإماراتي
يضيف التقرير سببًا آخر يغري السعودية، وهو المكانة المرموقة، مثل جارتها الأصغر الإمارات – الغنية بالنفط أيضًا – التي اشترت أربع مفاعلات نووية من كوريا الجنوبية لا تزال تحت الإنشاء. يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تكساس جريجوري جوس: «لو كان هناك أي مكان على الأرض يمكن أن يوفي احتياجاته من الطاقة دون استخدام النووي فهي الإمارات، أظن أن الأمر صار يرتبط بالمكانة المرموقة، مثل المطارات الدولية».

مفاعل «بركة» النووي، أول مفاعل نووي في الإمارات. المصدر: موقع وكالة الطاقة النووية.
لكن الإمارات أيضًا وقعت اتفاق 123 في يناير (كانون الثاني) 2009، وسمّي «المعيار الذهبي»، إذ إنها وافقت على ألا تخصب أو تعالج اليورانيوم، مع وجود فقرة تسمح لها بتغيير الوضع إن قامت دول أخرى في المنطقة بذلك. تخطط الإمارات لشراء اليورانيوم من الولايات المتحدة وشحن الوقود المستنفد لمعالجته في بريطانيا وفرنسا.
صعّب «المعيار الذهبي» الإماراتي الأمور على السعودية، بحسب الصحيفة؛ إذ يقول جاري سامور: «كنا في مأزق خلال إدارة أوباما. أردنا أن يلتزموا بما التزمت به أبوظبي. لكننا لم نجتز تلك النقطة في مفاوضاتنا أبدًا». عمل سامور منسقًا للحد من الأسلحة في البيت الأبيض، ويدرّس الآن بكلية كنيدي للدراسات الحكومية التابعة لجامعة هارفارد.
أصبح الآن لدى السعودية سبب آخر للضغط من أجل تقديم التنازلات، بعد الاتفاق النووي الذي عقده أوباما وحلفاء آخرون مع إيران ليسمح لها بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، مع تحديد قيود صارمة ليستخدم تجاريًا وفرض رقابة كثيبة. سماه ترامب «أسوأ اتفاق في التاريخ». كما ذكرت الحكومة السعودية أن بعض البنود ستنتهي بعد 15 عامًا.
بينما يشير خبراء مختصون بالشأن السعودي إلى أن المملكة تريد برنامجًا نوويًا خاصًا بها لتردع به إيران وتوازن الكفة أمامها. ويضيف جاوس للصحيفة: «أظن أن جزءًا من الأمر يرجع إلى مجابهة إيران ومحاولة بناء بنية تحتية نووية يمكنها إنتاج الأسلحة». كان مساعد وزير الخارجية للأمن الدولي كريستوفر فورد قد قال خلال شهادته حول الاتفاق النووي إنه «جعل من الصعب بشكل كبير طلب اتفاقات مثل (المعيار الذهبي)».
حلفاء وأعداء للرياض في الولايات المتحدة
تعد اتفاقية التعاون النووي هذه اختبارًا لجهود إدارة ترامب في توطيد العلاقات مع ولي العهد السعودي؛ فبالإضافة لرحلة ترامب التجارية والدبلوماسية في مايو (أيار)، كان كوشنر قد زار السعودية قبل أسبوع من حملة ولي العهد ضد خصومه. وبعد أسبوع من أدائه اليمين وزيرًا للطاقة، استقبل ريك بيري نظيره السعودي خالد الفالح، الذي أهداه صقرًا فضيًا بمنقار ذهبي. كما رد بري الزيارة في نوفمبر، وأظهرته الصور وهو حافي القدمين مرتديًا الزي السعودي، بينما يحمل سيفًا.
لكن الكونجرس هو العقبة الأكبر أمام ترامب والسعوديين، بحسب التقرير. فإن غيرت الإدارة اتفاق 123، يجب عليها أن تُعلم الكونجرس، الذي يملك 60 يومًا لمنعها. يقول السيناتور إدوارد ماركي من الكتلة الديمقراطية: «نميل إلى استخدام النووي وسيلةً للتقرب من الدول حول العالم، ثم نتفاوض حول المحاذير إن كانت موجودة أم لا. أعتقد أن الأمر سينقلب علينا في النهاية».
قد تؤدي مراجعة الاتفاق إلى بعض الاعتراضات المتعلقة بالهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر (أيلول). كما قد يعترض أصدقاء إسرائيل على توفير التكنولوجيا النووية للسعوديين. يقول المستشار الاقتصادي جون فرانسوا سيزنيك: «أظن أن السعوديين أذكياء بما يكفي ليدركوا أنهم سيواجهون عواصف كبيرة جدًا في الكونجرس».
«مشروع مارشال» الطاقة النووية
بحسب التقرير، بدت إدارة ترامب وكأنها ستزيل كل العوائق أمام الشركات النووية الأمريكية، لبعض الوقت. كان الجنرال المتقاعد مايكل فلين يعمل على الضغط لصالح «مشروع مارشال» مع شراكة «إيه سي يو»، بهدف بناء مفاعلات نووية في الشرق الأوسط. عمل بعدها مستشارًا لشركة «آي بي ثري/ آيرن بريدج» التي كانت تسعى للأمر نفسه. وفور تعيينه مستشارًا للأمن بعد انتخاب ترامب، وجه مساعديه بأن يحولوا مذكرة أصدرتها الشركة لتصبح مذكرة تنفيذية رسمية، وهي خطوة غير معتادة. لكنه أجبر على الاستقالة فيما بعد، بينما يتعاون الآن مع المحقق روبرت مولر في التحقيق حول التدخل الروسي في حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016.
أما «مشروع مارشال» الطاقة النووية، فقد كان وهمًا منذ البداية. انهارت أسعار النفط في 2014، وزادت فواتير الغذاء والمشتقات النفطية والحرب في اليمن من العبء على الميزانية السعودية. عاد النفط ليرتفع، لكن الاحتياطي السعودي وصل إلى أقل من 500 مليار دولار اليوم، بعد أن كان 755 مليار في 2013، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.
ما هي «وستنجهاوس»؟
عند تقديم عرض نووي، تضع الولايات المتحدة ضعف الشركات النووية التجارية الأمريكية نصب عينيها. أفلست شركة «وستنجهاوس»، التابعة لشركة «توشيبا» سابقًا، بعد خسارتها لمليارات الدولارات في تعاقدها على إنشاء 4 مفاعلات في الولايات المتحدة. توقف مفاعلان منهما، في ساوث كارولينا، ويظل اثنان آخران في ولاية جورجيا تحت الإنشاء بضعف التكلفة الأصلية، وتولت إدراتهما شركة «ساوذرن».
قدمت مجموعة كندية تدعى «بروكفيلد لإدارة الأصول»، عرضًا بـ4.6 مليار دولار لشراء «وستنجهاس»، كان أكثر ما جذبهم لتلك الصفقة خدمات الصيانة، وإعادة تموين المحطات، اللتين تنفذهما الشركة في مفاعلات موجودة بالفعل، وتدر ربحًا منهما.
قد تصبح عملية بيع مفاعلات جديدة فرصة إضافيةـ، لكنها ليست الفرصة التي تعتمد عليها مجموعة «بروكفيلد»، بحسب التقرير، فالشركة لن تخاطر بالبناء مجددًا تحت إدارة هذه المجموعة. لذا ستكون «فلور» الشركة المسؤولة عن البناء في التحالف الأمريكي، بينما تدرب «إكسلون» عمال المفاعل، بحسب مصادر التقت بمسؤولي «وستنجهاوس».
يختم التقرير بأن مصير العرض الأمريكي سيظل معتمدًا على الجهود السياسية والدبلوماسية لتعديل اتفاق 123. ويقول النائب الديمقراطي براد شرمان: إن السعودية «تريد منا التنازل بشكل ما عن بعض أجزاء اتفاق 123». لكنه عاد واستدرك: «الأفضل أن تبقى الدول التي تملك الأسلحة النووية في الشرق الأوسط قليلة، والأفضل أن تكون الدول غير الديمقراطية قليلة، والأفضل أن تظل الدول التي لا يمكن توقع مسارها وسلوكها تجاه الولايات المتحدة بعد 10 سنوات دولًا قليلةً».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أمريكا, اتفاق, اقتصاد, السعودية, الطاقة النووية, النووي, الولايات المتحدة, دولي, طاقة, مفاعل نووي