أعلن البنتاجون الجمعة الماضية أن إدارة ترامب ستسحب القوات الأمريكية البالغ عددها 700 جندي تقريبًا من الصومال، وذلك قبل خمسة أيام فقط من تولي الرئيس المنتخب جو بايدن لمنصبه الجديد رسميًّا.
يبيِّن الكاتب السياسي البارز زيشان عليم في تقرير نشره موقع «ڤوكس» الأمريكي أن هذا الانسحاب يمثِّل محاولة ترامب الأخيرة لتقليص الوجود الأمريكي في الخارج، والذي وصفه بالعمليات العسكرية المُكلِّفة وغير الفعَّالة التي تجري في مناطق مثل الشرق الأوسط.
ويلفت التقرير إلى أن القائم بأعمال وزير الدفاع، كريستوفر ميلر، أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) أن الولايات المتحدة تخطط لخفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان من 4500 إلى 2500 جندي، ومن 3 آلاف إلى 2500 جندي في العراق، إلا أن التحوُّل الاستراتيجي في الصومال يبدو مختلفًا بعض الشيء. إذ بدلًا من إعادة القوات المنسحبة إلى البلاد، سيُنقل عديدٌ منها إلى كينيا المجاورة، وفقًا لمسؤول في وزارة الدفاع، إلا أنه لم يتضح حتى الآن ما نسبة القوات المتمركزة في الصومال التي سيُعاد نشرها في كينيا.
وقال البنتاجون في بيانه الذي أصدره يوم الجمعة: «إنه نتيجة لهذا القرار، قد يُعاد نشر بعض القوات خارج شرق أفريقيا». وأضاف البيان: «ولكن سيُعاد تمركز القوات المتبقية ونقلها من الصومال إلى البلدان المجاورة من أجل السماح بتنفيذ العمليات العسكرية عبر الحدود والتي تُجريها القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها».
ما الذي تفعله القوات الأمريكية في الصومال؟
يشير الكاتب إلى أن القوات الأمريكية المتمركزة في الصومال كُلِّفت إلى حد كبير بالمهام المختصة بمكافحة الإرهاب، مع التركيز على نحو خاص على محاربة وجود حركة الشباب، الجماعة الإسلامية المتشددة المرتبطة بالقاعدة. وإضافةً إلى ذلك، درَّبت القواتُ الأمريكية قواتٍ صومالية على شن الغارات واعتقال قادة حركة الشباب.
ووفقًا للبنتاجون، لن تنتهي المهمة ضد حركة الشباب؛ إذ ستواصل القوات التي كانت متمركزة في البلاد «الضغط على منظمات العنف المتطرفة في الصومال» من خلال القواعد الأمريكية في كينيا وأماكن أخرى. وقال البنتاجون أيضًا إن «الجيش سيحتفظ بقدرته على تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب المستهدَفة في الصومال، وكذلك جمع الإنذارات المبكرة والمؤشرات المتعلقة بالتهديدات التي تتعرض لها البلاد».
وعن مدى نجاح مهمة الولايات المتحدة في الصومال، يقول الكاتب إن الأمر ليس واضحًا تمامًا. وأضاف أن الأساليب التي اتخذتها الولايات المتحدة لإنجاز عملها ضد حركة الشباب قوبلت بانتقاداتٍ واسعة من الهيئات الرقابية، التي رأت أن عمليات مكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا جرت دون المستوى المناسب من المساءلة.
وإحدى الطرق الأساسية التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد حركة الشباب كانت ضربات الطائرات من دون طيار التي تشنَّها على الصومال منذ 2007. وقد زادت وتيرة هذه الضربات على نحو كبير خلال مدة حكم إدارة ترامب؛ إذ نفَّذت القوات الأمريكية 47 غارة في 2018، و63 غارة في 2019، وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز». ووفقًا لتحليل أجرته شركة «نيو أمريكا»، نفَّذت إدارة ترامب ما لا يقل عن 192 ضربة بالطائرات من دون طيار في الصومال. وفي عهد ترامب أيضًا، خُفِّفت الإرشادات الرقابية على الضربات في الصومال، والتي يهدف بعضها إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
ويوضح التقرير أنه خلال الأشهر السبعة الأولى فقط من إدارة ترامب، أشرفَ ترامب على عددٍ من الضربات الجوية للطائرات من دون طيار التي زاد عددها عن تلك الضربات التي شُنَّت في عهد جورج دبليو بوش وباراك أوباما مجتمعَيْن. واتَّهمت جماعات حقوق الإنسان المسؤولين الأمريكيين بأنهم اعترفوا بجزء بسيط من الخسائر التي وقعت في صفوف المدنيين من جرَّاء تلك الضربات. واتَّهمت منظمة العفو الدولية الإدارة أيضًا بإعلان مقتل المدنيين على أنها غارات ناجحة ضد حركة الشباب، واتَّهمت المنظمة الإدارة الأمريكية أيضًا برفض تقديم تعويضات عندما يُقتل الأبرياء عن طريق الخطأ في هذه العمليات.
الشباب ومقاومة التدخل الأمريكي
أما بالنسبة لحركة الشباب، فقد أبدت صمودًا في مواجهة التدخل الأمريكي، وفقًا للكاتب. وخلص تقرير للمفتش العام في وزارة الدفاع هذا العام إلى أن الجماعات المتشددة ما زالت تستحوذ على قوات الأمن الصومالية.
وعلى الرغم من سنوات الضغط المستمرة التي بذلتها الصومال والولايات المتحدة والقوى الدولية لمكافحة الإرهاب، فإن التهديد الإرهابي في شرق أفريقيا لم يتراجع؛ إذ يذكر التقرير أن حركة الشباب ما تزال تحتفظ بحرية الحركة في أجزاءٍ كبيرةٍ من جنوب الصومال، وأظهرت قدرتها على تنفيذ هجمات خارج البلاد، وأفصحت عن نيتها لفعل ذلك، لا سيما استهداف المصالح الأمريكية.
وظهرت هذه القدرة مؤخرًا؛ إذ قُتل متعاقد مع وكالة المخابرات المركزية أثناء القتال في الصومال. وشنَّت كذلك حركة الشباب هجومًا في يناير (كانون الثاني) على منشأة أمريكية في كينيا أسفر عن مقتل جندي أمريكي ومتعاقدَيْن اثنين، ودُمِّرت معدات عسكرية باهظة الثمن، بما فيها طائرة استطلاع أمريكية.
وفي أعقاب هجوم يناير، ذكرت تقارير أن المسؤولين الأمريكيين في شرق أفريقيا بدأوا بالضغط من أجل الحصول على مرونة أكبر لشن غارات جوية من كينيا. وذُكِر أيضًا أن الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، طلب من ترامب تأمين مساعدة أكبر لمواجهة حركة الشباب في وقت سابق هذا العام. ومن هنا، يبدو أن إعادة انتشار القوات تحقق كلا الهدفين.
ويختتم الكاتب تقريره مؤكدًا أن هذا هو ما سيحدث بالفعل، ففي حين أنه من المتوقع أن ينتهي التدريب الذي تقدمه القوات الأمريكية لقوات الأمن الصومالية، ستستمر الضربات الجوية على المسلحين في الصومال حيث إن القواعد الأمريكية التي تضم الطائرات من دون طيار التي تُنفذ الهجمات في الصومال تتمركز حاليًا خارج البلاد.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».