ما يزال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مُستمرًا منذ «المُؤتمر الصهيوني الأول» في عام 1897، بعد فشل الجهود التي بُذِلَت على مُختلف المستويات والأصعدة. ولكن ترامب يعتقد أنَّه سيكون قادرًا على وضع حدٍ لذلك الصراع في ما يعرف بـ«خطة ترامب» لحل الصراع أو «صفقة القرن». ويرى شاي فيلدمان، خبير الشؤون الإسرائيلية في جامعة برانديز وزميل جامعة هارفارد، إن الانتخابات الإسرائيلية المُقبلة تُمثِّل فُرصةً مثالية أمام الرئيس الأمريكي للدفع بحل الدولتين.
وتناول ترامب المسألة خلال مؤتمرٍ صحفي عُقِد في ختام قمة مجموعة العشرين في اليابان، بعد أيامٍ قليلةٍ من كشف جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، عن خطة ترامب للسلام الاقتصادي في البحرين. إذ أشار فيلدمان، في مقاله الذي نشرته مجلة «ناشيونال إنترست»، إلى قول الرئيس بأنَّه لن تكون هناك أيّ اتفاقيات سلام فلسطينية-إسرائيلية في حال لم يجر التفاوض عليها خلال فترة رئاسته. وارتأى كذلك أنَّ هناك «فرصةً قوية» لنجاح اقتراحه في حل الصراع الذي دام عقودًا.
وأفاد فيلدمان بأن مؤتمر البحرين نال استهجان جميع خبراء الشرق الأوسط تقريبًا. إلا أنَّه مع مرور الوقت، ربما يُثبت ذلك اللقاء أنه خدم غرضًا مفيدًا؛ وذلك لأنَّ التحضير للمؤتمر قدم درسين مهمين. وسيكون هناك في أعقاب ذلك اللقاء تطورٌ واحدٌ مُنفصل -ومُهم- على الأقل من شأنه أن يُحسِّن الأوضاع، حتى ولو بدرجة قليلة، مما يزيد فُرص حصول «خطة ترامب» على جلسة استماعٍ في حال إطلاقها قريبًا.
الدرس الأول من مؤتمر البحرين حسبما ذكر فيلدمان، هو أنَّ المال وحده لن يحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مهما كانت الصفقة المعروضة مجزية. وذكر فيلدمان أن تلك النقطة أُوضِحَت قبل المؤتمر وبعده وفي أثنائه، حتى من قِبل أكبر الداعمين لهذه الصفقة، مثل خالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني.
وأشار المشاركون العرب مرارًا وتكرارًا إلى حل الدولتين، ولا سيما «مبادرة السلام العربية» لعام 2002، باعتباره من مقتضيات تطبيق الحوافز الاقتصادية بنجاح. وكانت الإشارة لذلك ضروريةً في حال كانت الدائرة المقربة من ترامب ما تزال تأمل في رشوة الفلسطينيين للموافقة على صفقةٍ تتجاهل طموحاتهم الوطنية، إذ وضع مؤتمر البحرين حدًا لتلك الأوهام.
أما الدرس المُستفاد الثاني من وجهة نظر فيلدمان، فهو أنَّ الفلسطينيين لن يُجبَروا على القبول بعملية يرون أنها تُخِلُّ بقضيتهم. وفي الواقع، مثَّلت فترة الإعداد للمؤتمر إثباتًا قاطعًا على أنَّه في ظل غياب خطةٍ سياسية تفي بالحدّ الأدني من المطالب الفلسطينيين –وهي بناء دولةٍ مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها في القدس الشرقية، ومقايضة الأراضي مع إسرائيل-؛ فلن تكفي الجهود المتضافرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لإقناع الفلسطينيين بحضور المؤتمر، ناهيك عن قبول الصفقة الاقتصادية المُقترحة هناك.
ولاحظ فيلدمان أنَّ التطورات والاعتبارات السابق ذكرها لا يبدو أنَّها قلَّلت طموح ترامب لإثبات قدرته على النجاح فيما فشل فيه كل من سبقوه؛ وبهذا لن يكون مُفاجِئًا إذا اتضح لاحقًا أنَّ مؤتمر البحرين كان بمثابة نقطة تحولٍ بالنسبة لترامب وكوشنر معًا. إذ يرى الكاتب أنَّهما ربما سيكونان قد أدركا أنَّ السبيل الوحيد لحماية جهودهم الرامية إلى السلام من الفشل الذريع، هو وضع خطةٍ سياسية ترمي لحل الصراع. علاوةً على أنَّ خطة ترامب من أجل السلام ينبغي أن تكون عادلةً بما يكفي للفلسطينيين، حتى لا ينظُر الناس إلى القادة العرب الذين يُحاولون إقناعهم بالمشاركة على أنَّهم خونةٌ للقضية.
وذكر فيلدمان ضرورة أن يكشف ترامب عن خطته هذه قبل الانتخابات الإسرائيلية في 17 سبتمبر (أيلول). والسبب حسبما يرى هو أن إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أعلن أنَّه سيدخل السباق الانتخابي للإطاحة ببنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي. ويُعتبر باراك من جهته مؤيدًا قويًا لحل الدولتين، وهو مؤمنٌ بأن غيابه سيفرض واقع الدولة الواحدة، مما سيُقوِّض الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية ديمقراطية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ جهود باراك لتشكيل تحالفٍ مُوحَّد ونَشِط يجمع الوسط والوسط اليساري، من أجل التصدي لتحالف نتنياهو اليميني بقيادة «حزب الليكود»، ستُمنى بالفشل في حال افتقارها للإطار السياسي الواقعي. وأوضح فيلدمان أنَّ نشر خطة ترامب سيمنح باراك فرصةً لتحويل الانتخابات إلى استفتاءٍ على الخطة، باعتبارها الطريق الوحيد لإعادة إحياء حل الدولتين، وإيقاف ذلك الانزلاق المُستمر نحو كابوس حل الدولة الواحدة.
ولا شك أنَّ هذا الأمر يتطلب ألّا تكون «خطة ترامب» شديدة الانحياز حتى لا يرفضها الفلسطينيون مباشرةً، وحتى لا تسلب القادة العرب من النقاط الحوارية المُقنِعة التي يُمكنهم استخدامها في إقناع الجانب الفلسطيني بعد الرفض.
وتساءل فيلدمان في نهاية مقاله حول ما إذا كان ترامب سيُشجع على إقامة مثل ذلك الاستفتاء. ويرى الخبير الإسرائيلي أنَّ الإجابة ستعتمد على قرارين يجب على الرئيس الأمريكي اتخاذهما: الأول، هو أنَّه يجب عليه أن يُعطي الأولوية لطموحه الشخصي في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بدلًا من صداقته مع نتنياهو.
والثاني، أنَّه سيكون عليه أن يستعد لعرض صفقةٍ لن يرفضها الفلسطينيون تلقائيًا، حتى وإن كانت تلك الصفقة لن تلقى ترحيبًا على الأرجح من جانب أهم مُكوِّنات القاعدة السياسية للرئيس: وهي الطائفة المسيحية الإنجيلية، والتي يتراوح عدد أفرادها بين 22 مليون و25 مليون فرد.
ورجَّح فيلدمان أنَّ الرئيس لن يُخاطر إلى هذه الدرجة ونحن على مشارف الانتخابات الأمريكية المُقبلة. ولكنه عاد ليتساءل: من كان يتوقَّع أن يكون دونالد ترامب أوّل رئيسٍ أمريكي يطأ أرض كوريا الشمالية بقدميه؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».