أصدرت مصر أحكامًا بالإعدام بحق 16 شخصًا. في الأيام التسعة الأولى من عام 2018، جرى إعدام ما يقرب من نصف هذا العدد.
انتقدت منى الطحاوي، وهي كاتبة عمود مصرية-أمريكية في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تزايد حالات تنفيذ الإعدام وحالات القتل خارج نطاق القانون بمصر خلال العامين الماضيين، ورصدت تنفيذ السلطات المصرية أحكام إعدام بالبلاد في يوم الثلاثاء على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية.
وقالت الكاتبة في مقال نشرته الصحيفة الأمريكية: «في يوم الثلاثاء وعلى مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، أعدمت مصر مدنيين حكمت عليهم بالإعدام محاكم عسكرية»:
- 9 يناير (كانون الثاني): تم إعدام ثلاثة رجال كانوا قد أدينوا بتهمة الاغتصاب وحكمت عليهم بالإعدام محكمة عسكرية في عام 2011.
- 2 يناير: تم إعدام أربعة رجال متهمين بانتمائهم لمنظمات إسلامية مسلحة. وقد حكم عليهم بالإعدام من قبل محكمة عسكرية لاتهامهم بارتكاب هجوم أسفر عن مقتل ثلاثة طلاب من طلاب الأكاديمية العسكرية أمام أحد الاستادات.
- 26 ديسمبر (كانون الأول): تم إعدام 15 رجلًا متهمين بانتمائهم لتنظيمات مسلحة. وقد أدانتهم محكمة عسكرية في نوفمبر (تشرين الثاني) وحكمت عليهم بالإعدام بسبب هجوم على نقطة تفتيش عسكرية في شبه جزيرة سيناء في عام 2013 قتل فيه ضابط وثمانية جنود.
وأضافت الكاتبة أن هجوم سيناء في عام 2013 كان قد وقع وسط أعمال عنف اندلعت في مصر بعد وقت قصير من إطاحة الجيش بمحمد مرسي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، والذي انتخب رئيسًا. وفي اليوم السابق للهجوم، قتلت قوات الأمن ما يقرب من ألف شخص بينما كانت تقوم بفض اعتصامين للتنظيم في القاهرة. ولم يتعرض أي فرد من أفراد قوات الأمن للمساءلة عن عمليات القتل الجماعي هذه، التي تعتقد جماعات حقوق الإنسان أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أشرف عليها عندما كان وزيرًا للدفاع.
اقرأ أيضًا: المخابرات المصرية.. أذرع السيسي الناجحة في 5 دول عربية
تزايد حالات الإعدام
وقالت الكاتبة إنه من المثير للأسى والجزع محاولة استيعاب ضخامة عقوبة القتل التي أقرتها الدولة. إننا نتحدث عن وجود قضاء مستقل في مصر، لكنه بعيد عن الحياد. سواء كان في قاعة المحكمة العسكرية أو المحكمة المدنية، فإن «قوس (الكون الأخلاقي) المصري لا يتجه صوب العدالة، ولكن بدلًا من ذلك نحو الرغبة السياسية لكل من لديه السلطة»، في إشارة للجملة الشهيرة التي قالها مارتن لوثر كينج «قوس الكون الأخلاقي طويل، لكنه ينثني نحو العدالة». وتضيف الطحاوي أن هذا الأمر واضح بشكل خاص في المحاكم العسكرية.
تظاهرة مناهضة لعقوبة الإعدام في مصر – لندن.
منذ أن تولى السيسي السلطة، تزايدت معدلات أحكام الإعدام وحالات القتل خارج نطاق القانون بشكل ملحوظ. ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية في مصر، فقد أصدرت المحاكم في عام 2017 نحو 186 حكمًا بالإعدام، أي ثلاثة أضعاف حالات الحكم بالإعدام التي صدرت في عام 2016، والتي بلغت 60 حكمًا. وتضاعفت حالات القتل خارج نطاق القانون إلى 44 في عام 2016 مقارنة بـ22 حالة في عام 2015. وفي العام الماضي، أصدرت مصر أحكامًا بالإعدام بحق 16 شخصًا. في الأيام التسعة الأولى من عام 2018، جرى إعدام ما يقرب من نصف هذا العدد، بحسب الأرقام التي رصدتها الكاتبة.
وقالت الكاتبة: «عندما لا تقوم السلطات المصرية بإعدام الناس من خلال المحاكم بالبلاد، فإنها تفعل ذلك خارج نطاق القانون. في أبريل (نيسان) الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن القوات العسكرية في شبه جزيرة سيناء قد أعدمت اثنين على الأقل، بالإضافة إلى قتل ثمانية آخرين من المعتقلين غير المسلحين، وأعلنت عن عمليات القتل وكأن الضحايا كانوا إرهابيين مسلحين قتلوا بالرصاص في حملة عسكرية».
وفي حالة الأشخاص الخمسة عشر الذين تم إعدامهم في 26 ديسمبر (كانون الأول)، قالت منظمات مصرية لحقوق الإنسان إن الإجراءات القانونية كانت معيبة، ويبدو أن واحدًا على الأقل من الأشخاص الخمسة عشر قد تعرض للتعذيب. وقال محام، كان على اتصال بأسر ومحامي من نفذت بحقهم عمليات الإعدام، إن المحامين لم يُتَح لهم الوقت لتقديم استئناف على الحكم قبل توقيع وزير الدفاع على تنفيذ أحكام الإعدام. ولم يكن لدى العائلات فرصة لتوديع أبنائهم قبل تنفيذ عمليات الإعدام.
اقرأ أيضًا: «ميدل إيست آي»: لهذه الأسباب مصر قد تكون على أعتاب حرب مع السودان
دوافع النظام
وفي نفس السياق، نقلت الكاتبة ما ذكرته شقيقة أحد الرجال الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم يوم الثلاثاء الماضي لموقع «مدى مصر» الإخباري المصري المستقل، من أن عائلاتهم لا تعرف أين نفذت عمليات الإعدام. وكانت المحكمة العسكرية قد قررت أن يتم تقديم الاستئناف في يوم 25 فبراير (شباط)، أي بعد ستة أسابيع من تنفيذ حكم الإعدام.
وتساءلت الكاتبة بقولها: لماذا يتم تنفيذ 22 عملية إعدام على مدى ثلاثة أيام متتالية من أيام الثلاثاء؟
وأجابت الكاتبة بقولها إن تنفيذ أحكام الإعدام بهذه الطريقة يبدو أنه رسالة واضحة من حكومة مصممة على إظهار أنها تحت السيطرة. وعادة ما تكون هناك حملة أمنية في الفترة التي تسبق 25 يناير، وهي الذكرى السنوية للثورة التي اندلعت في عام 2011، والتي خرجت خلالها احتجاجات ثورية ضد ديكتاتورية حسني مبارك في أرجاء مصر.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ولكن هل السيسي يمسك بزمام الأمور حقًا؟ فقد أمر أيضًا قوات الأمن باستخدام «القوة الغاشمة» ضد التنظيمات المسلحة في شمال سيناء، على الرغم من فشل قوة مثلها على مدار سنوات عديدة في وقف العنف. ففي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على سبيل المثال، قتل مسلحون أكثر من 300 شخص أثناء صلاة الجمعة في هجوم بالقنابل والبنادق، وفقًا لما أوردته الكاتبة.
وقد يكون هناك عامل آخر – بحسب الكاتبة – وهو أن مصر قد أعلنت هذا الشهر عن عقد انتخابات رئاسية في مارس (آذار) المقبل. وقد أُعلن السيسي، وهو جنرال ورئيس سابق للمخابرات العسكرية، فائزًا في الانتخابات الأخيرة في عام 2014، مع تحقيق نتيجة بلغت 96% من الأصوات.
اقرأ أيضًا: «مصر والدنيا».. أين تقع في أبرز المؤشرات العالمية لعام 2017؟
وحتى لا يكون هناك شك حول النتيجة قبل شهرين من الآن، قالت الكاتبة إن ثمة أمورًا يجب أن تؤخذ في الاعتبار: يجب على المرشحين التسجيل بحلول نهاية يناير. وهناك مرشح محتمل في السجن. وكان مرشح آخر قد احتجز قيد الإقامة الجبرية الفعلية إلى أن أعلن انسحابه. وثمة شخص ثالث يخضع لمحاكمة وسيتم استبعاده إذا تم تأييد إدانته. ويجب أن يحاول شخص رابع الحصول على الآلاف من التوقيعات قبل أن يتمكن من التأهل للترشيح. (يجب أن يحصل المرشحون على دعم ما لا يقل عن 20 عضوًا في البرلمان أو أن يحصلوا على دعم من 25 ألف ناخب مؤهل على الأقل في 15 محافظة على الأقل من المحافظات الإدارية السبع والعشرين في مصر).
ولم يعلن السيسي ترشيحه بعد، لكن أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان قد أعربوا عن تأييدهم له بعد يوم واحد من إعلان موعد الانتخابات.
ثلاثاء الإعدامات
وسط كل هذه الأنباء السيئة، فإن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر تمر في واشنطن عبر شقوق إدارة ترامب التي تزداد انعزالًا، وعبر مناخ عالمي من التسامح المتزايد مع القمع الذي تحدى حتى أكثر المدافعين عن حقوق الإنسان صلابة. وكان مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، قد ندد بالإعدامات الأخيرة في مصر.
مقر دار القضاء العالي – القاهرة.
وقالت الكاتبة إن لديها القليل من الأمل في أن يدين نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، خلال زيارة له إلى مصر السبت المقبل، العدد المروع لعمليات الإعدام الأخيرة في مصر. وعلى كل حال، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تبد سوى القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان في مصر، حتى إنها أرسلت مليارات الدولارات مساعداتٍ وأسلحةً.
وقالت:«دعونا نكن صادقين: عندما يتعلق الأمر بعقوبة الإعدام، فإن الولايات المتحدة بالكاد في وضع يمكنّها من الوعظ. كان هناك 2832 شخصًا محكومًا عليهم بالإعدام هناك في نهاية عام 2016، وفقًا لمنظمة العفو الدولية. ولا يزال الكثيرون ينتظرون الموت في السجون المصرية. ولن ينسى المصريون القاضي المشهور الذي حكم، بعد محاكمة عاجلة من بضع جلسات دامت دقائق فقط، بإعدام أكثر من 680 شخصًا في أبريل 2014 لقتل ضابط شرطة واحد؟».
ووصفت الكاتبة عقوبة الإعدام بأنها غير عادلة وبربرية، في كل مكان. وهو أمر شنيع بوجه خاص في البلدان التي نادرًا ما تخدم فيها العدالة. وقالت إنه يجب على مصر ألا تجعل من يوم الثلاثاء مرادفًا للشنق الجماعي.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».