تحل الذكرى 99 لمذبحة سباق تولسا التي حدثت عام 1920، حين هاجم حشد من الأمريكيين البيض السكانَ السود ومنازلهم وشركاتهم

مع استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وتصاعد أحداثها، في ردَّة فعلٍ على مقتل جورج فلويد على أيدي شرطة مينيابوليس، تمرُّ أيضًا الذكرى السنوية لواحدة من أسوأ حوادث العنف العنصريِّ في تاريخ البلاد. يشرح تقرير نشره موقع «Vox» الأمريكي كيف جرى التستُّر على هذه المذبحة لعقود متتالية، وكيف ما تزال الكثير من التفاصيل والمعلومات حول أعداد ضحاياها ومواقع جثثهم مجهولة حتى الآن.

Embed from Getty Images

مذبحةٌ طال طمسها

صادف تاريخا 31 مايو (أيار) و1 يونيو (حزيران) الذكرى التاسعة والتسعين لمذبحة سباق تولسا التي حدثت عام 1920، حين هاجم حشد من الأمريكيين البيض السكانَ والمنازل والشركات في حي جرينوود الذي يغلب عليه السود في مدينة تولسا، بولاية أوكلاهوما. دُمِّرت منطقة جرينوود – والتي كانت تعرف باسم «وول ستريت الأسود» دلالةً على غناها – في غضون أيام، وأُحرق ما يقرب من 1200 منزل و35 كتلة سكنية، وقُتل ما يقدَّر بنحو 300 شخص من السود.

رغم أن هذه المذبحة تُعدُّ من ضمن أسوأ حوادث العنف العنصري في تاريخ الولايات المتحدة، فإنها من بين الأقل شهرة. كانت هنالك محاولات لطمس مسألة المذبحة بصورةٍ كبيرة؛ إذ اختفت سجلاتها، وغابت عن الحديث العام في كثير من الأحيان. حين حدثت المذبحة، أُطلق عليها اسم «أعمال الشغب في سباق تولسا» في محاولةٍ لتشويش الحقائق وتضليل ما حدث؛ لإظهار أن كلا الطرفين كانا على خطأ بطريقة ما.

في التسعينيات، شكَّلت أوكلاهوما لجنةً لمحاولة معرفة ما حدث في مذبحة عام 1921، وفي عام 2001 أصدرت تقريرًا عن نتائجها. ينقل التقرير جزءًا من المقدمة التي كتبها النائب آنذاك دون روس:

«دمرت عصابةٌ 35  كتلة سكنية للجالية الأمريكية الأفريقية مساء يوم 31 مايو، حتى بعد ظهر يوم 1 يونيو 1921. كانت لحظة تاريخية مشينة في تاريخ أوكلاهوما والأمة. أسوأ اضطراب مدنيٍّ حدث منذ الحرب الأهلية. في أعقاب الموت والدمار، عانى شعب دولتنا من وهن في الإيمان، وما يزال البعض يبحث عن قانون للتقادم في الأخلاق، محاولين نسيان ديمومة بقايا الظلم، والتي لا تترك مجالًا لشفاء القلب على أحسن الفروض. ربما هذا التقرير، وما يتلوه من أنشطة إنعاشٍ إنسانيٍّ لاحقة من جانب الحكومات وشعب الولاية الطيِّب سيخرجنا من الذنب ويؤكد وصية الإله العادل، مع ترك الأفعال الدمويَّة لعام 1920 مدفونةً في طلب الخلاص والصوابيَّة التاريخية والإصلاح».

وبعد ما يقرب من عقدين من كتابة ذلك التقرير المُقر بالأحداث، ما تزال تولسا حتى الآن تتصدى لحادثة المذبحة، محاولةً معرفة ما قد حدث، وما يزال مكان جثث القتلى خلال الحادث مجهولًا حتى لحظتنا هذه.

Embed from Getty Images

ما نعرفه عن مذبحة سباق تولسا حتى الآن

اجتاحت الولايات المتحدة موجةً من العنف ضد السود بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وقد قابل البيض العنصريون قدامى المحاربين السود ممن خدموا البلاد، بالازدراء، وكانت التوترات العرقية على أشدِّها. ينقل التقرير عن الكاتبة في مجلة «نيويورك تايمز» أوليفيا واكسمان توضيحها للأمر؛ إذ تقول إن الأمريكيين السود ممن انتقلوا آنذاك إلى مدن الشمال قوبلوا بالظلم والمحاباة، وكذلك حال المزارعين السود في الجنوب. في صيف عام 1919 – المعروف باسم الصيف الأحمر – اندلعت أعمال العنف العنصري المستهدف للسود في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

كل ما سبق هو سياقٌ مهم لأخذ فكرةٍ عن المرحلة التاريخية التي حدثت فيها مذبحة تولسا عام 1921، والتي بدأت مع إلقاء القبض على مراهقةٍ سوداء تُدعى ديك رولاند، وذلك بتهمةِ مهاجمة عاملة بيضاء. تجمَّع حشدٌ من البيض خارج المحكمة حيث كانت المراهقة مُحتجزة، وتجمع أيضًا الرجال السود في المكان نفسه لمحاولة حمايتها من الإعدام.

Embed from Getty Images

وفقًا لصحيفة «تولسا ورلد»، بدأت العديد من الأحداث تتصاعد من تلك الحادثة. اقتحم البيض المتاجر لأخذ البنادق والذخائر، وكانت هناك تقارير عن عملياتِ نهبٍ وإطلاق نار عشوائي في وسط المدينة. هبطت حشودٌ من البيض على جرينوود، وفرَّ العديد من سكان المنطقة على إثر ذلك. دُمِّرت المباني وأُحرقت، نُهبت المنازل والشركات، وتشير التقارير إلى مشاركة حتى ضباط من الشرطة في هذه الفوضى. أعلن حاكم أوكلاهوما فرض الأحكام العرفية – وهو حكم عسكري تفرضه السلطات في بلد أو منطقة معينة وقت الطوارئ – واستدعى الحرس الوطني. ألقي القبض على الكثير من السود، لكن لم يُقبض على البيض.

Embed from Getty Images

بعد انتهاء العنف، كانت هناك محاولات لمحوه. اختفت السجلات، وانزوت بصورةٍ تامة من الحديث لعقود، ولم تظهر في كتب التاريخ. استمر البيض في حياتهم، وحاول السود إعادة جمع شتات حيواتهم. وكما تشير جمعية ومتحف تولسا التاريخي، لم يحدث أي مقاضاة أو معاقبة لأيِّ عمل إجرامي من المذبحة من قبل الحكومة على أيِّ مستوى.

يشرح التقرير أن هذا جزء من سبب وجود الكثير من المساحة المجهولة حول الحدث، ولاسيما عدد الأشخاص الذين أصيبوا أو ماتوا، وما حدث للناجين. هناك جهدٌ مستمر لمحاولة معرفة مكان دفن جثث القتلى.

Embed from Getty Images

في العقود الأخيرة، بدأت بعض الجهود تتجه نحو التواصل مع الناجين للحصول على شهاداتهم ورواياتهم لما حدث حينها. في عام 2018، تحدث تشارلز بلو من صحيفة «نيويورك تايمز» مع أوليفا هوكر، وهي من بين آخر الناجين المعروفين من المذبحة – كان عمرها 103 أعوام عند إجراء المقابلة – وصفت هوكر كيف اقتحم الرجال البيض منزل عائلتها، ودمروا بيانو أختها، وصبوا النفط على سرير جدتها، وحشوا الخزانة بالذخيرة، وهو ما تفسِّره هوكر بأنهم ربما كانوا ينوون حرق المنزل أو تدميره. شرحت هوكر الأشياء التي رأتها، والصدمة التي عانت منها على إثر المذبحة، والتي جعلتها تصل إلى مرحلة «صرت أصرخ في الليل. لم أعد أنام، صرت أرى الكوابيس».

ينقل التقرير أيضًا عن القصة التي نشرها برنت ستابلز في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1999، والتي سعت للكشف عن الحقائق المتعلقة بالمذبحة، وتضمنت العديد من التقارير المباشرة بما في ذلك شهادة رجل شهد المذبحة اسمه إلويت ليت. تحكي القصة كيف جاء خمسة رجال بيض إلى منزل عائلته، لكنهم ولمفاجأتهم سمح الرجال البيض للجدِّ بوضع ابنته واثنين من أحفاده في عربة حتى يتمكنوا من مغادرة المدينة.

يتذكر ليت كيف شعر بالسعادة لأنهم لم يطلقوا النار عليه أو يقتلوه هناك في المنزل، وكيف أن هؤلاء الرجال البيض أشخاص لطفاء؛ إذ سمحوا لهم بركوب العربة والذهاب لمتابعة أعمالهم.

لكن، وقبل أن يصلوا إلى بلدة سبيري، سأل الرجل الأبيض: «أين تذهب بحق الحجيم – مستخدمًا مع ذلك وصفًا عنصريًّا بحق السود -» فأجاب جدُّه: «نحن في طريقنا للخروج، نريد الخروج من المدينة»، ليقول الرجل الأبيض: «ليس اليوم، لن تخرج من هذه المدينة في هذا اليوم»، وأطلق النار على الجدُّ. سقط الجدُّ أرضًا وصرخت الابنة (والدة ليت) تحت هول الصدمة: «لقد قتلتم والدي، لقد قتلتموه». يستذكر ليت كيف ظنَّ يومها أنهم سيفعلون الأمر نفسه مع أمه أيضًا.

يذكر التقرير أنه وبمرور العقود بدأت تظهر الدعوات لتعويض ضحايا هذه المذبحة، وجديرٌ بالذكر هنا مقالة تا نيهيسي كوتس المؤثرة عام 2014 تحت عنوان «قضية التعويضات»، والتي ذكر فيها مسألة المذبحة.

Embed from Getty Images

حوادث العنف العنصري في الولايات المتحدة

مرَّت الذكرى السنوية لمذبحة تولسا في عام 2020 لتقابل لحظة مروعة من التاريخ يشعر بها الأمريكيون السود بالاضطهاد الذي يعانونه. قُتل جورج فلويد – وهو رجل أسود يبلغ من العمر 46 عامًا – خلال عملية اعتقاله في 25 مايو؛ وذلك لأن ضابط الشرطة الأبيض ثبَّته من رقبته بواسطة ركبته لمدة تسع دقائقٍ تقريبًا، وفلويد يناشد قائلًا بأنه لا يستطيع التنفس تحت وطأة التثبيت. اشتهر مقطع الفيديو الذي وثَّق حالة جورج فلويد، وهو ليس إلا حادثة من سلسلة طويلة في تاريخ العنف ضد السود على مدى قرون.

في أعقاب مقتل فلويد، خرج المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع للاحتجاج على عنف الشرطة، ولفت الانتباه إلى الطريقة التي يُساء بها معاملة السود والتحيُّز والعنصرية ضدهم. يقول التقرير إن العديد من الاحتجاجات اتسمت بالسلمية، وقد تحوَّل بعضها إلى العنف، وحين تتحول مظاهرة ما إلى العنف يكون المتظاهرون السود الأكثر عرضة للأخطار. تعرضت شركاتٌ للنهب والحرق، وتصادم الشرطة والمتظاهرون، وما تزال الأحداث تتوالى.

بعيدًا عن الاحتجاجات الحالية، يعاني ذوو البشرة الملونة من جائحة فيروس كورونا بصورةٍ غير متكافئة مع البيض؛ إذ ينالهم المرض بصورةٍ أوسع بالإصابات والوفيات. كما تأثروا بالأزمة الاقتصادية أكثر، وفقدوا وظائفهم بمعدلات أعلى. ويستشهد التقرير بقولِ روبرت تورنر للمتظاهرين في حديث له ضمن تظاهرات تولسا يوم السبت الفائت: «قبل فيروس كوفيد-19، كانت العنصرية هي فيروس أمريكا. سئمنا وتعبنا من هذا المرض، نطالب بلقاحٍ له. لا يمكن للتباعد الاجتماعي أن يقتل العنصرية، لا يمكن للأقنعة أن تقتل العنصرية. لا شيء سوى الحقيقة ما يعالجها».

سياسة

منذ سنتين
حتى لا تبدو ديكتاتورية.. هذه هي أساليب أمريكا لقمع مظاهراتها

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد