قالت إنيس محمود: في تقرير لها على موقع مجلة «جاكوبين» إن شباب تونس يأبى إلا أن تكتمل ثورته التي فجرها قبل سبع سنوات، وما يزال يقاتل ضد حكومة نيوليبرالية تفرض إجراءات تقشف قاسية. وفي ما يلي الترجمة الكاملة للنص:

إن الاحتجاجات تهز تونس مرة أخرى. إذ أثار قانون الموازنة الجديدة، الذي يفرض تدابير تقشفية صارمة على عمال البلد، موجة من الغضب. بدأ سريان هذا القانون في الأول من يناير (كانون الثاني) وهو يلبي متطلبات قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار من خلال زيادة أسعار السلع الأساسية، وتقليل العمالة في القطاع العام، والارتقاء بضريبة القيمة المضافة. وكان رد الحكومة هو قمع الانتفاضة بقسوة: فقد قتلت بالفعل متظاهرًا٬ واعتقلت 800 آخرين.

اقرأ أيضًا: «ذي أتلانتك»: تفوق لبنان على تونس ومصر.. أو كيف نكره بعضنا بديمقراطية

بعد سبع سنوات من الثورة الناجحة ضد الديكتاتور بن علي، تظل أوجه عدم المساواة الاقتصادية في نظامه قائمة. تقدم الحكومة صورة استثنائية لتونس: فهي تعتنق القيم الليبرالية الغربية، وتروج لنفسها على أنها الاستثناء «الحديث والتقدمي والديمقراطي» ضمن الصورة الاستعمارية «للعالم العربي». ويهدف هذا التسويق الذاتي إلى إنكار ثلاثة عقود من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية الهادفة لإرضاء الغرب.

وقد اتبعت كل من حكومات ما قبل الثورة وبعدها تعليمات مؤسسات بريتون وودز. وخصخصت غالبية الأصول المملوكة للدولة والمؤسسات العامة والموارد الطبيعية٬ وقلصت من الإعانات للوقود والغذاء. يرى الغرب أن إطاحة بن علي ثورة ناجحة، وهذا على النقيض مما حدث في سوريا واليمن وليبيا. لكن الطبقة العاملة التونسية لا تزال تكافح ضد الواقع الاقتصادي للبلاد.

قرض إلى الأبد

بعد نهاية الاستعمار الفرنسي لتونس عام 1956، حكم تونس اثنان من الديكتاتوريين: الحبيب بورقيبة٬ وزين العابدين بن علي.

تبنى بورقيبة قيم القوة الاستعمارية الفرنسية لخلق صورة لتونس حديثة وعلمانية. وفي كثير من الأحيان كان يصوره حلفاؤه باعتباره حداثيًا مثقفًا للغاية، لكنه عزز مصالح النخبة الاقتصادية، وتجاهل العمال إلى حد كبير. ووضع سياسة اقتصادية موجهة نحو التصدير تعتمد على عائدات النفط المحلية٬ والاقتراض الأجنبي٬ وتحويلات العاملين.

ولكن جميع القطاعات الثلاثة جفت في عام 1980؛ مما ترك البلاد في أزمة ديون. فقبل بورقيبة قرضًا من صندوق النقد الدولي٬ واعتمد برنامجًا للتكيف الهيكلي. وارتفع سعر الخبز بنسبة تزيد على 100%. وقد اندلعت أعمال الشغب والاضطرابات العمالية بقيادة اتحاد العمال التونسي الذي كان قد خطط لإضراب عام واسع النطاق في عام 1978. أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، ثم نشرت الشرطة والجيش لقمع الاحتجاجات، وقتل أكثر من 100 متظاهر. وأدت المظاهرات إلى إضعاف حكم بورقيبة٬ وفتحت الباب أمام انقلاب بن علي بعدها بثلاث سنوات.

أعاد بن علي تسمية الحزب الدستوري العلماني الذي أسسه بورقيبة ليكون التجمع الدستوري الديمقراطي٬ واستمر في سياسات سلفه الاقتصادية، وقام بخصخصة الأصول العامة. وسرعان ما ارتفع التضخم في البلاد إلى 10%. وبلغت خدمة الدين 21% من إجمالي الناتج المحلي، إذ استهلك الدين الخارجي 46% من اقتصاد البلاد.

كما همّش بن علي، الذي كان ملتزمًا بإصلاحات السوق الحرة وأشاد به المجتمع المالي الدولي، أدوار الدولة التنظيمية والمالية والإنتاجية في الاقتصاد. وخفض الإنفاق العام، وحرر الاستثمارات الأجنبية والتجارة، وخصخص الخدمات العامة ومؤسسات الدولة. وإلى جانب انخفاض الأجور، وارتفاع معدلات البطالة، ونظام الرعاية الاجتماعية الفاشل، سمح نموذجه الاقتصادي بتفشي الفساد. واعتبارًا من عام 2010، كانت عائلة بن علي، عشيرة الطرابلسي، تسيطر على ثلث الاقتصاد التونسي.

كانت الطبقة العاملة في المناطق الريفية بجنوب تونس أكثر المتضررين. في عام 2008، بدأ عمال مناجم الفوسفات في قفصة احتجاجًا مدته ستة أشهر ضد ممارسات التوظيف الفاسدة. كما قاوموا خصخصة الموارد الطبيعية في البلاد٬ والسياسة المفتوحة التي تسمح للشركات متعددة الجنسيات بالحصول على الطاقة بأسعار رخيصة.

اقرأ أيضًا: «ميدل إيست آي»: ثورة تونس تصمد خلف واجهة من «النجاح»

وفي عام 2011، عندما وصلت نسبة البطالة بين الشباب إلى 30%، أحرق محمد بوعزيزي نفسه، صارخًا «الحرية لتونس». أدركت الجماهير طاقاتها في احتجاجه. فقد كان ينتمي إلى الشباب التونسي المتعلم، المحبط من تدمير طموحاته، ورفض العيش في ظل هذه الظروف الاقتصادية الهشة.

طالب المحتجون بـ«العمل والحرية والكرامة»، وثار العمال الشباب ضد النخب الاقتصادية؛ مما أدى إلى إطاحة بن علي. وعلى الرغم من أن الشباب هم من نظموا هذه الاحتجاجات الثورية إلى حد كبير، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل كان حاسمًا في نجاح الثورة. فقد فتح الاتحاد أبواب مكاتبه في جميع أنحاء تونس للاجتماعات السياسية والمقاومة المنسقة.

الثورة المضادة

وبعد إطاحة بن علي، عاد راشد الغنوشي وغيره من زعماء المعارضة المنفيين إلى تونس. فاز حزب النهضة الإسلامي برئاسة الغنوشي بالانتخابات الأولى التي أعقبت الثورة، لكنه سلم الرئاسة إلى الحزب الديمقراطي بقيادة منصف المرزوقي.

تعمق الخلاف بين الطبقة الحاكمة العلمانية٬ والأحزاب الدينية. وقد استفاد الغنوشي من هذا الانقسام، ووعد الناخبين بإعادة الحريات الدينية إلى الطبقة العاملة.

في مواجهة حزب الغنوشي الإسلامي، أطلق رئيس الوزراء السابق في حكومة بن علي، محمد باجي القايد السبسي، حركة نداء تونس. وظل هذا الحزب، المكون من أعضاء سابقين في حزب بن علي، ملتزمًا ببرنامج بن علي الاقتصادي. فاز نداء تونس بأغلبية الأصوات في انتخابات عام 2014. ومنذ ذلك الحين، حكم رجال النظام القديم، وأعيد تنظيمهم تحت راية تحالف بين حركة النهضة٬ ونداء تونس.

اقرأ أيضًا: سمية الغنوشي: تونسيات ضد غطرسة حكام أبوظبي

تشارك التحالف إطارًا نيوليبراليًا ومشروع مصالحة اقتصادية يمنح الحصانة للنخب الفاسدة –ختمه بمشروع قانون العفو الصادر في سبتمبر (أيلول) من عام 2017– وقد تلقى التحالف الثناء من المجتمع الدولي لحكمه السلمي والوحدوي.

سنّ التحالف سياسات اقتصادية للوفاء بمتطلبات قرض حصل عليه من شراكة دوفيل للدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية. كانت هذه الشراكة قد أنشئت في قمة مجموعة الثماني في دوفيل عام 2011، وهي تجمع بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الثماني وتركيا ودول الخليج لتقديم قروض ضخمة لدول الربيع العربي مقابل الإصلاحات النيوليبرالية. وفي عامي 2012 و2016، تلقت حكومة ما بعد الثورة قروضًا إضافية من صندوق النقد الدولي؛ مما أدى إلى المزيد من تدابير التقشف.

وفي الوقت نفسه، شكل اليسار الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة، وهو تحالف انتخابي ضم الحزب الديمقراطي الوطني المتحد، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وحزب العمال، وحركة البعث التونسية، والخضر، وحزب الطليعة الديمقراطي العربي، ومجموعات أخرى.

ومع تعمق الخلاف بين النخب العلمانية والطبقة العاملة الأكثر تدينًا، تخلى اليسار التونسي عن مبادئه. قبل الثورة، عندما مُنعت النساء من ارتداء الحجاب بموجب التعميم 108، قاتل اليساريون من أجل حق المرأة في ارتدائه. أما الآن، يهتم اليسار المنظم بالحفاظ على الهوية العلمانية أكثر من تقوية قاعدة الدعم الاجتماعية له على المدى الطويل. وقد أصبحت هذه الهوية شرطًا مسبقًا لدخول بعض الأماكن اليسارية. إذ يجري تصنيف الأفراد على أساس الملابس والرموز، واستبدل اليسار مصطلح «المتدينين» بـ«الإسلاميين».

يتبع الاتحاد العام التونسي للشغل أجندة علمانية، لكنه تمكن من سد هذا الانقسام في حالات تنظيم العمال بشكل مباشر.

درع ليبرالي

تحافظ الحكومة من جانبها على صورتها الاستثنائية التونسية من خلال دعم حقوق المرأة نظريًا.

ففي حقبتي بورقيبة وبن علي، صدر تشريع يتعلق بحقوق المرأة، لكن المرأة ممثلة تمثيلًا ناقصًا في الحياة العامة. والنساء الوحيدات اللواتي مارسن نفوذًا كبيرًا ينتمين إلى الأسر الرئاسية.

وقد تعرضت منظمات حقوق المرأة المستقلة التي عارضت السيدة الأولى ليلى بن علي٬ أو رفضت إخضاع نفسها لخط الحزب الحاكم للقمع والاضطهاد والرقابة بشكل منهجي. ويقتصر دور المرأة إلى حد كبير على المجال الخاص، مما يترك المجال العام بأكمله تقريبًا للذكور.

اقرأ أيضًا: «الجارديان»: ليس بسبب الفقر أو الظلم فقط.. لماذا سينفجر الربيع العربي مرة أخرى؟

ومع ذلك، لعبت النساء أدوارًا حاسمة في الكفاح ضد الاستعمار، والإضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل في عام 1978، وأعمال الشغب في عام 1984، وثورة قفصة عام 2008.

تستخدم حكومة ما بعد الثورة الآن المساواة بين الجنسين لإخفاء الإفلاس الاقتصادي في البلاد٬ وانتهاكات حقوق الإنسان. إذ ينص الدستور الجديد على المساواة بين الجنسين في المجالس المنتخبة. ولكنها تظل وعودًا غامضة بعيدة عن الواقع. وفي الوقت نفسه، ثمة مجموعات نسوية منظمة ذاتيًّا تتعامل مع الحكومة مثل «شمل» أو «شوف»، فضلًا عن حركات مثل «الحركة النسائية في منزل بوزيان»، التي تحتج فيها النساء في سيدي بوزيد –إحدى أفقر المناطق في تونس– ضد البطالة٬ وتشكل المشهد السياسي الجديد بعد الثورة.

اليسار التونسي الجديد

على مدى السنوات السبع الماضية، أعاد تنظيم اليسار التونسي هيكلة نفسه. وقد استخدم الشباب اليساريون، الذين وقفوا في صدارة النضال من أجل الحقوق السياسية والديمقراطية، سلطتهم الجديدة للقتال من أجل الثورة، وخلق أشكال جديدة من التنظيم٬ والوصول إلى ما وراء السياقات اليسارية في فترة ما قبل الثورة.

وقد ساهم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يبلغ عدد أعضائه 900 ألف عامل، في إنجاح الثورة. ولكن، بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام في عام 2015، أصبح قوة حفظ سلام أكثر من كونه منظمة.

ولا تزال قيادته موالية للنظام. وعندما ظهر قانون التمويل الجديد لأول مرة في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017، عارض الاتحاد العام التونسي للشغل تجميد الأجور٬ وهدد بإضراب عام. وبعد أن وعد الرئيس السبسي بزيادات في الأجور اعتبارًا من عام 2017، رفض الاتحاد الاحتجاج ووافق على الصفقة. وسرعان ما أدان الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، الاحتجاجات المستمرة بوصفها مجرد تخريب٬ وهذا خطاب ينسجم مع وجهة نظر الحكومة٬ ويقوي من قمع الاحتجاجات.

وقد فتحت مهادنة الاتحاد العام التونسي للشغل مجالًا لمعركة واضحة حول الطلبات الاجتماعية والاقتصادية للثورة. شغل اليسار هذه الثغرات بتدشين حركات اجتماعية جديدة، وإنشاء مجتمعات ذاتية التنظيم، والرفض التام لتبعية حكومة الثورة المضادة لمؤسسات بريتون وودز.

فالعمال هم أبطال هذه الحركات الاجتماعية، والشباب يلعبون مرة أخرى دورًا حاسمًا. ووفقًا للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فقد ظهرت أكثر من 12 حركة من الحركات الاحتجاجية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017. وقد اتخذت أنشطتها ثلاثة أشكال أساسية: الإضرابات، والمجتمعات ذاتية التنظيم، والحركات الاجتماعية المعارضة للتشريعات المضادة للثورة.

التصدي لقطاع الطاقة

ظلت المقاومة لشركات الطاقة متعددة الجنسيات قائمة طوال العقد الماضي. وعلى الرغم من أن الدستور التونسي الجديد يكرس سيادة الدولة على الموارد الطبيعية، إلا أن هذه الشركات تستمر في تحقيق أرباح كبيرة للغاية، وتستعين بمصادر خارجية للعمالة الرخيصة، وتنخرط في الفساد مع إفلاتها من العقاب. في العام الماضي، وصلت الاحتجاجات إلى ذروتها بتنظيم إضرابات حول تطاوين، حيث تعمل شركتا إيني الإيطالية٬ وأومف النمساوية.

احتج العمال على البطالة وظروف العمل الفظيعة في قطاع الطاقة٬ ودعوا الحكومة إلى تأميم 20% على الأقل من عائدات الموارد الطبيعية. وأنشأ الناشطون معسكرًا للاحتجاج في كامور٬ وسدوا خطوط الأنابيب وطرق الوصول إليها. وقد أجبرت مثل هذه الصور من العصيان المدني شركة بيرينكو البريطانية وشركة سيرينوس للطاقة الكندية على وقف إنتاجهما في تونس.

وفي عام 2016 وحده، كلفت الاحتجاجات في قطاع الفوسفات البلد أكثر من ملياري دولار. إن إنتاج النفط في تونس أقل منه في البلدان المجاورة، ولكنه يصل إلى 40 ألف برميل يوميًّا.

وقد واجهت الحكومة الإضرابات بقمع شديد، وكثيرًا ما وصفت المتظاهرين بالإسلاميين. وفي عام 2017، فكرت الحكومة في نشر الجيش لحماية الشركات الأجنبية من الحصار. واستهدفت المقاومة المستمرة في قطاع الطاقة البطالة، وظروف العمل، وخصخصة الموارد الطبيعية، والتلوث الذي دمر المنطقة، وفي أماكن مثل قرقنة تقلص المخزون السمكي.

بناء مجتمعات جديدة

كما قال فانون: «بالنسبة إلى الشعب الخاضع للاستعمار، فإن الأهم قيمة وقبل كل شيء هو الأرض: الأرض التي سوف تجلب لهم الخبز، وقبل كل شيء الكرامة». يردد الاشتراكيون في واحة جمنه وبعض القرى المحيطة هذه الكلمات.

أثناء الاستعمار الفرنسي لتونس، اشتغل السكان في جمنه بزراعة التمور للتصدير إلى فرنسا٬ وبعد الاستقلال، استأجرت الدولة أراضيهم لصالح القطاع الخاص، لذلك عمل المزارعون لصالحهم. ولكن قبل يومين من إطاحة بن علي، قرر الشباب المحلي احتلال المزارع.

أسس المجتمع جمعية حماية واحة جمنه. وتستخدم الجمعية إيراداتها لزراعة بساتين جديدة، وتغطية فواتير المياه والكهرباء، والحفاظ على أشجار النخيل، ودفع رواتب 133 عاملًا. كما نفذت مشاريع إنمائية؛ إذ اشترت سيارة إسعاف، وأقامت بنية دائمة للسوق، ومرفقًا رياضيًّا جديدًا، ومؤسسات تعليمية جديدة. وتذهب الضرائب من التجار مباشرة إلى المجتمع.

اقرأ أيضًا: «فايننشال تايمز»: الاضطرابات التونسية هي أعراض صحيّة للتطور الديمقراطي

وتنظم الجمعية عملية صنع القرار السياسي من خلال اجتماعات عامة منتظمة في ساحة المدينة المركزية. وبعد مرور خمس سنوات، جمع مجتمع الواحات أكثر من 700 ألف دولار. ومنذ الثورة، جرى الاستيلاء على 60 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المملوكة للدولة بطرق مماثلة من التنظيم الذاتي.

حركات ضد الثورة المضادة

تتشكل الحركات الاجتماعية للدفاع عن مبادئ الثورة ضد سياسات الحكومة. وقد قرر العديد من قادة الشباب مغادرة الأحزاب اليسارية بسبب خنقهم في بعض الأحيان هياكل الحزب، والتحالفات مع نداء تونس والطبقة الحاكمة، والتغييرات المتصورة في الحكم بعد الانضمام إلى المؤسسة السياسية. وقد وجد العديد منهم متنفسًا جديدًا في الحركات الاجتماعية٬ والحملات التي تهدف إلى الدفاع عن أهداف الثورة.

تجمع هذه المجموعات المنظمة أفقيًّا نشطاء من الأحزاب اليسارية والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الطلاب ومنظمات المجتمع المدني. وفي السنوات السبع الماضية، بنى الشباب اليساري شبكات وطنية، وطوروا الثقة السياسية، وشكلوا مواقف أكثر راديكالية. وباستخدام حقوق حرية التعبير والصحافة التي اكتسبت حديثًا، ازدادت ثقة المجموعات في مواجهة الحكومة في المناقشات العامة ووسائل الإعلام.

تجسد حركة «مانيش مسامح» هذه الحركات الاجتماعية الناشئة. بدأ ظهورها في عام 2014 لمعارضة مشروع قانون المصالحة الذي منح العفو للبيروقراطيين الذين استفادوا من الفساد في عهد بن علي. تضم الحركة نشطاء من مجموعة واسعة من الخلفيات، مثل: النقابات الطلابية، والأحزاب اليسارية، وأعضاء المجتمع المدني الملتحقين بالسياسة حديثًا.

اقرأ أيضًا: مظاهرات أثلجت الإمارات.. قصة الاحتجاجات المشتعلة في تونس الآن

ومنذ تأسيسها، نظمت الحركة عشرات المظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص، وقد واجه الشباب ممثلي الحكومة على التلفزيون الحكومي، مشددين على تعرض الثورة للخيانة. أسقطت الحركة بنجاح عدة مواد من قانون المصالحة –على الرغم من تمريره في سبتمبر 2017– وأنشأت شبكة وطنية من الناشطين مع إجراءات شفافة لصنع القرار.

وقد وضعت خططًا واضحة وأصبحت قطبًا معارضًا؛ مما يسمح للناشطين الشباب بتعزيز مهاراتهم السياسية في المواجهات المباشرة مع الحكومة. وعملت أيضًا عن كثب مع الحركات الاجتماعية الأخرى والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نظم مسيرات من مقره.

هذه الأشكال من التنظيم تتقاطع بطرق مختلفة. حمل المتظاهرون في كامور لافتات الحركة، بينما رُددت شعاراتها ضد الشركات متعددة الجنسيات في تطاوين في مظاهرات ضد قانون العفو. وهذا ما نراه في احتجاجات اليوم.

ما الذي ننتظره؟

تتشارك الاحتجاجات الأخيرة في هيكل حركات الشباب. بدؤوا تحت شعار «فيش نستانو». وقد دعا أعضاء الجبهة الشعبية، واتحاد الطلاب، ومانيش مسامح، وحاسبهوم، والحركات الاجتماعية الأخرى إلى مظاهرات ردًّا على قانون الموازنة الصادر في 1 يناير (كانون الثاني).

وإلى جانب الزيادات في الأسعار، وزيادة الضرائب، وانخفاض العمالة في القطاع العام، تعاني تونس أيضًا من التضخم والإهمال. سجل الدينار التونسي انخفاضًا قياسيًّا في 8 يناير، ليتداول عند مستوى 3.011 دينار مقابل اليورو.

اقرأ أيضًا: سمية الغنوشي: التونسيون متمسكون بثورتهم رغم الصعوبات

أطلق نشطاء «فيش نستانو» مجموعة على موقع فيسبوك، إذ نشروا أول بيان رسمي لهم في 3 يناير، وهي الذكرى السنوية لأعمال الشغب في عام 1984. وطالبوا بتخفيض أسعار السلع الأساسية، ووضع حد لخصخصة المؤسسات العامة، والتعليم المجاني، وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية للعاطلين عن العمل، وأيضًا توفير الرعاية الاجتماعية والإسكان للأسر ذات الدخل المنخفض. وأوضح البيان كذلك:

كرست كافة الحكومات المتعاقبة في تونس بعد 14 يناير نفسها لنفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لنظام بن علي، فالأغنياء يزدادون ثراءً، والفقراء يزدادون فقرًا. لقد سئمنا الوعود الكاذبة ولم يعد بإمكاننا الانتظار٬ ولم يعد بوسعنا أن نعيش بدون رعاية اجتماعية، ودون الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني والسكن الاجتماعي٬ ولم يعد بوسعنا أن نعيش دون أمل في التغيير.

انتشرت الحركة بسرعة في جميع أنحاء البلاد، مع اندلاع احتجاجات في جميع المناطق. وقد شهدت أكثر المناطق تضررًا من الفقر، مثل سيدي بوزيد، أكبر المظاهرات. لكن الحكومة سارعت بقمع واعتقال المئات وقتلت متظاهرًا. ومع ذلك، فإنها تركز على الشغب الذي يقع ليلًا، وتتجاهل الاحتجاجات السلمية في النهار.

يكمن خلف صور السيارات المحطمة وحاويات القمامة المحترقة شيء أكبر من الشغب العفوي ضد ارتفاع الأسعار؛ إذ تشتعل الاحتجاجات في نفس المناطق التي شهدتها الثورة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد