أعد راغب صويلو، مراسل موقع «ميدل إيست آي» في تركيا، تقريرًا استعرض فيه ما وصفه بـ«القصة الملحمية لانهيار الليرة التركية»، منذ كان الاقتصاد التركي القويُّ مَحَطَّ أنظار دول العالم قبل عشر سنوات، وصولًا إلى حالته الراهنة التي لا يُحسَد عليها، متتبعًا أسباب هذا التدهور.
يبدأ التقرير قبل عَقْدٍ من الزمان، حينما كان الاقتصاد التركي موضع ترحيبٍ عالميٍّ بوصفه يمثل قصة نجاحٍ مُعترفًا بها دوليًّا؛ جذبت المستثمرين الذين توافدوا بأموالهم واستثماراتهم المباشرة، و«نمور الأناضول» (مصطلح اقتصادي أطلق على المدن ورجال الأعمال في تركيا منذ حقبة الثمانينيات) الذين حفَّزوا النمو السنوي إلى معدل مكون من رقمين.
في تلك الفترة، كان البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يضخان الأموال في الأسواق للتخفيف من الآثار السلبية الناتجة من الأزمة المالية عام 2008. وفي غضون ذلك، كانت الليرة مستقرة إلى حدٍ كبير، ونمت القوة الشرائية للمواطنين الأتراك، مع تجاوز دخل الفرد عتبة 10 آلاف دولار سنويًّا.
لكن بعد مرور عشر سنوات، وصولًا إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، سجلت الليرة انخفاضات قياسية متكررة مقابل الدولار الأمريكي، وفقدت العملة التركية 30% من قيمتها هذا العام وحده، تحت وطأة جائحة كوفيد-19. ويقدر بعض الاقتصاديين معدل البطالة الفعلي بنسبة 25%، فيما يقدَّر صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي بـ50 مليار دولار، بحسب التقرير.
ماذا فعل أردوغان لوقف التدهور الاقتصادي؟
أولًا، أقال محافظ البنك المركزي مراد أويسال، الذي لم يفعل شيئًا سوى تنفيذ قرارات الحكومة، حسبما يشير المراسل. ثم عزل أردوغان صهره، بيرات البيرق، الذي دُفِع دفعًا إلى تقديم استقاله.
ويعتقد مراقبون في أنقرة أن أردوغان، الذي أحاط نفسه برجالٍ لم يعتادوا مخالفته (لا يعرفون إلا قول: نعم)، خلال السنوات الأخيرة، تلقى أخيرًا دعوة للاستيقاظ كان في أَمَسِّ الحاجة إليها؛ حين وقعت حادثة خاطفة لكنها غير متوقعة في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر (تشرين الأول). فأثناء زيارته إلى مدينة ملاطية، اقترب من أردوغان رجل ليخبره بما يعاني منه ملايين المواطنين الأتراك، الذين يخوضون صراعًا يبدو أن الرئيس لم يكن على دراية بتفاصيله، وقال: «نحن عاطلون عن العمل. لا يمكننا شراء الخبز لبيوتنا».
حاول أردوغان المذهول بما سمعه تهدئة الحوار، ونصح الرجل بالتوقف عن تضخيم الموقف. بيد أن أشخاصًا مقربين من الرئيس التركي قالوا لموقع «ميدل إيست آي» إن هذا الموقف دفع أردوغان إلى إمعان النظر فيما يجري، خاصة بعد سماع شكاوى مماثلة من أطراف أخرى.
أصدر أردوغان أوامره إلى ناجي إقبال، رئيس إدارة الميزانية في الرئاسة التركية، بإعداد تقرير عن الوضع الاقتصادي. وينقل التقرير عن عدة مصادر أن أردوغان فقد ثقته في الإدارة الاقتصادية بمجرد أن علم من إقبال أن احتياطيات البنك المركزي استُنفِدَت بالفعل لدعم الليرة المتعثرة.
من وجهة نظر المحللين والمسؤولين السابقين في البنك المركزي والاقتصاديين، فإن القصة المؤسفة لانخفاض قيمة الليرة تتعلق في الأساس بقضيتين رئيسيتين: تآكل استقلال البنك المركزي، وفقدان الثقة في القيادة السياسية. وكلاهما مشكلتان من صنع أردوغان، حسبما يخلُص التقرير.
المعادلة الصعبة: إرضاء أردوغان وتلبية متطلبات السوق
تعود القصة إلى عام 2012، عندما بدأ محافظ البنك المركزي آنذاك، إردم باستشي، في استخدام ما يسمى «ممر أسعار الفائدة»، عن طريق وضع أسعار فائدة متعددة. لقد كانت هذه طريقته السريَّة لإرضاء معارضة أردوغان لرفع أسعار الفائدة، وفي الوقت نفسه تلبية متطلبات السوق.
يقول تيموثي آش، وهو مستثمر أجنبي يعمل في تركيا منذ أمد، لموقع «ميدل إيست آي»: «بدأت الأمور تسوء مع تحركه نحو سياسة نقدية غير تقليدية». وأضاف: «في البداية، كان هناك بعض المنطق في أن يكون هناك أسعار فائدة متعددة لوقف الإفراط في تخصيص الليرة بسبب تدفقات الأموال الساخنة التي يقودها التيسير الكَمِّيُّ بعد الأزمة المالية العالمية. لكنه استمر في تطبيق هذه السياسة لفترة أطول من اللازم».
ولهذه القصة خلفية، يسردها التقرير، تعود إلى محاولة باستشي وغيره من كبار المسؤولين إقناع أردوغان، مستعينين برسوم بيانية مُعَدَّة بعناية، بأنه كان مخطئًا بشأن نظريته غير التقليدية التي تزعم أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
معارضة أردوغان لارتفاع أسعار الفائدة.. معتقد ديني أم رؤية اقتصادية؟
يستدرك التقرير: بغض النظر عن الوقت والجهود المبذولة، لم يتزحزح أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، عن موقفه. ويعتقد الكثيرون أن معارضة أردوغان لارتفاع أسعار الفائدة تنبع من معتقداته الدينية بوصفه مسلمًا ملتزمًا بتعاليم دينه. بيد أن آخرين يشيرون إلى أنه بصفته رجل أعمال يعتقد أن انخفاض أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة النمو وتوفير فرص العمل.
ويدعم التقرير هذا الرأي الأخير بقول إبراهيم تورهان، نائب محافظ البنك المركزي السابق: «هذا الاعتقاد الذي يتبناه (أردوغان) مستوحى من كتب الاقتصاد القديمة التي تعود إلى القرن التاسع عشر».
عند هذه النقطة، يتطرق التقرير إلى أربكان، الذي يصفه بأنه شخصية مثيرة للجدل، بسبب أفكاره المستوحاة من الإسلام؛ إذ دافع عن رؤية دينية يمكن أن تتبناها الدولة والمجتمع، تسمى «النظام الاقتصادي والسياسي العادل». أصدر أربكان كتابًا يحمل الاسم نفسه في عام 1991، أوضح فيه بجلاء قناعته بأن أسعار الفائدة تخلق التضخم عن طريق إجبار الشركات على زيادة الأسعار لدفع القروض التي حصلوا عليها.
لفترة من الوقت، تحقق التوازن مع معارضة أردوغان للسياسات النقدية التقليدية بفضل عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، مثل الاقتصاديين المعروفين علي باباجان، الذي قاد دفة الاقتصاد التركي من عام 2003 إلى عام 2015، ومحمد سيمسك، الذي جرى تهميشه في البداية، ثم أقيل في عام 2018.
لكن مع رسوخ أقدام أردوغان، وتزايد سلطته بوصفه رئيسًا في أغسطس (آب) 2014، شرع أيضًا في شن هجمات أكثر عدوانية على البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة، على حد وصف التقرير. ويقول تورهان عن ذلك: «ما تزال الأسواق والمستثمرون لا يأخذون أردوغان على محمل الجد؛ لأنهم يثقون في البنك المركزي».
اقتصاديًّا وسياسيًّا.. الليرة التركية تحت القصف
بحلول ذلك الوقت، كان الدولار الواحد ما يزال يعادل ليرتين. أي إن العملة التركية كانت ما تزال مستقرة نسبيًّا. لكن في ذلك العام، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي قرارات بسحب الأموال من الأسواق، مما زاد الضغط على تركيا لرفع أسعار الفائدة.
كما أسهمت المخاطر السياسية بدورٍ في تلك الاضطرابات؛ فبعدما نجا أردوغان من محاولة انقلاب عام 2016، اضطرت تركيا إلى الدخول في حالة طوارئ، بينما اشتعل الصراع مع الانفصاليين الأكراد، وامتد إلى سوريا. وفي غضون ذلك، شُنَّت عدة هجمات إرهابية دموية على الأراضي التركية.
ومع ذلك، فإن الإشارة الرئيسية التي أثارت القلق في الأسواق، وفقًا لما يقوله تورهان، كانت أن البنك المركزي، بقيادة محافظه الجديد، مراد سيتينكايا، لم يعد قادرًا على اتخاذ قرارات نقدية مستقلة، اعتبارًا من خريف عام 2016.
يتابع مراسل «ميدل إيست آي» من أنقرة: بدأ البنك في استخدام تكتيكات الباب الخلفي لزيادة أسعار الفائدة، مثل: تمويل الأسواق في الغالب عن طريق استخدام نافذة السيولة المتأخرة، وهو أمر يفترض استخدامه استثناءً وليس قاعدة.
يضيف تورهان: «كانت تلك هي المرة الأولى التي بدأنا نرى فيها أن مخاطر الائتمان، المعروفة باسم مقايضة مخاطر الائتمان، تتجاوز 300 نقطة». وفي غضون بضعة أشهر تجاوز سعر صرف الدولار مقابل الليرة 3.80.
عاودت مخاوف المستثمرين بشأن الإدارة الاقتصادية مرة أخرى في مارس (آذار) 2018، حين أُعلِنت انتخابات مبكرة تمخض عنها تطبيق النظام الرئاسي الجديد، الذي يمنح سلطات واسعة لرئيس الدولة. فارتفع الدولار أكثر، ووصل إلى أكثر من أربعة ليرات.
في تلك المرحلة، كانت تركيا تعاني من عجز ضخم في الحساب الجاري، استمر على مدى سنوات، وكان من المتوقع أن يتجاوز العجز السنوي 55 مليار دولار، وكان من المفترض أن يُمَوَّل هذا العجز من خلال التدفقات النقدية التي يجلبها المستثمرون. وكان كاهل البنوك التركية وكذا القطاع الخاص مثقلًا بديون ضخمة، تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، بحاجة إلى إعادة هيكلتها.
هل يؤمن أردوغان باستقلالية البنك المركزي؟
لكن بالنسبة للمستثمرين، جاءت الضربة الأحدث عندما سافر أردوغان إلى لندن في شهر مايو (أيار) 2018 لطمأنة الممولين بشأن الفرص التي يمكنهم العثور عليها في تركيا. ففي حديثه أمام حشدٍ من رؤساء أكبر صناديق الاستثمار في العالم، ألجم الرئيس الحضور في القاعة المكتظة بالذهول عندما أفصح عن عدم إيمانه بأهمية استقلال البنك المركزي.
وقال أردوغان في مقابلة مع بلومبرج: «عندما يواجه الناس مصاعب بسبب السياسات النقدية، فمن سيحاسبون؟ سيحاسبون الرئيس. لأنهم سيحاسبون الرئيس عن ذلك، يتعين علينا التخلي عن صورة الرئيس المؤثر في السياسات النقدية».
في ذلك اليوم، حطمت الليرة رقمًا قياسيًّا آخر من الانخفاض في الأسواق، لتصل إلى 4.39 مقابل الدولار. وفي وقت لاحق، في يونيو (حزيران) 2018، استغل أردوغان خطابات الحملة الانتخابية، ووعد بأنه- مستعينًا بالسلطات التنفيذية الجديدة التي اكتسبتها الرئاسة- سيُظهر للجميع «كيفية مكافحة أسعار الفائدة» إذا أعيد انتخابه. وبعدما أحرز الفوز، ارتفع سعر الصرف إلى 4.70.
الخيانات السياسية دفعت أردوغان إلى تقليص دائرته الداخلية
لم يبدُ أن هبوط الليرة كان يشكل مصدر قلق مباشر لأردوغان، الذي اتخذ خطوة متوقعة، وإن كانت بعيدة كل البعد عن النهج التقليدي، بتعيين صهره البيرق وزيرًا للخزانة والمالية. نظرت الأسواق إلى هذه الخطوة على أنها إشارة أخرى إلى أن التكنوقراط الأكفاء، مثل محمد شيمشك، سيرحلون، وأن السياسة النقدية والمالية منذ ذلك الحين فصاعدًا ستكون مُسَيَّسة كما صرَّح أردوغان بذلك علانية في مايو.
يلفت التقرير إلى أن أردوغان كان يحمل إعجابًا خاصًا بالبيرق، الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بيس في نيويورك، والذي قاد مجموعة البناء والطاقة «كاليك» لسنوات رئيسًا تنفيذيًّا لها. ولم يكن البيرق مجرد صهر للرئيس، ولكنه شخص يتمتع بثقة أردوغان الكاملة، بصفته أحد المطلعين عن قرب على قضايا اقتصادية وسياسية حساسة. وبعد عدد من الخيانات السياسية، ومحاولة الانقلاب الفاشلة، بدأ أردوغان يقلص دائرته، ويحصرها أكثر فأكثر في عائلته.
مهمة البيرق شبه المستحيلة: التوفيق بين متناقضين
من ناحية أخرى، كُلَّف البيرق بمهمة محددة ولكنها شبه مستحيلة، على حد وصف التقرير: إيجاد طريقة لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، مع إبقاء سعر صرف الليرة تحت السيطرة. لكن وزير المالية الجديد لم يحظَ بأي فرصة لإنجاز مهمته؛ ذلك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات على تركيا – بعد شهر واحد فقط على تولي البيرق منصبه – على خلفية سجن قس أمريكي، مما كشف عن التصدعات في جدار الاقتصاد التركي.
هرب المستثمرون، وهرع السكان المحليون إلى الدولار الأمريكي للحفاظ على مدخراتهم. وانخفض سعر الصرف، الذي ارتفع لفترة وجيزة إلى 6.8 ليرة في منتصف أغسطس، تدريجيًّا بعد أن أقنع أويسال أردوغان والبيرق برفع المعدلات بأكثر من ست نقاط مئوية. وبحلول نهاية عام 2018، استقر سعر الصرف عند 5.2 ليرات.
أرجع مستثمر أجنبي، تحدث إلى موقع «ميدل إيست آي» بشرط عدم الكشف عن هويته، الفضل إلى البيرق شخصيًّا في رفع أسعار الفائدة، واكتساب نوع من الثقة في سياساته المالية. ومع ذلك، كان الحل الذي قدمه البيرق لانكماش الاقتصاد بينما كان التضخم يرتفع هو: ضخ المزيد من الائتمان في الأسواق، وهو إجراءٌ كان من المؤكد أن يؤدي إلى إضعاف الليرة.
وينقل التقرير عن نسرين ناس، وهي سياسية واقتصادية مخضرمة، قولها: «رفضت البنوك الخاصة في النهاية فعل ذلك، لكن البيرق استخدم البنوك العامة، وضغط لاحقًا على البنوك الخاصة أيضًا».
نهاية الاستقلال الذاتي المحدود للبنك المركزي
اندلعت الأزمة التالية عندما أقال أردوغان محافظ البنك المركزي جيتينكايا في يوليو (تموز) 2019 لمقاومته خفض أسعار الفائدة. واختار البيرق أويسال ليحل محله، وأنهى فعليًّا الاستقلال الذاتي المحدود الذي كان يتمتع به محافظ البنك المركزي منذ عام 2015.
يعود التقرير إلى المستثمر الأجنبي، آش، الذي قال: «كانت النتيجة أن الناس- السكان المحليين والأجانب- لم يحصلوا ببساطة على حوافز كافية للاحتفاظ بالليرة، من أجل تعويض التضخم الذي أدى إلى تآكل القيمة الحقيقية لليرة».
يضيف آش: «رأينا السكان المحليين والمستثمرين الأجانب يُقدِمون على عمليات بيع جماعية لليرة. ومنذ عام 2015، بلغ إجمالي تدفقات الحافظة الخارجة ما يقارب 40 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي المشتريات المحلية من الدولارات أكثر من 120 مليار دولار، بالنظر إلى الدولرة (استبدال الدولار بعملة محلية كليًّا أو جزئيًّا)».
واصلت العملة التركية انخفاضها بعد إقالة جيتينكايا، وأثار هجوم تركي جديد في شمال شرق سوريا إدانة دولية وعقوبات أمريكية وجيزة. وبحلول يناير (كانون الثاني) 2020، كان المعدل يقارب ستة ليرات للدولار مرة أخرى.
في تلك المرحلة، سرى اعتقاد بأن الأزمة وضعت أوزارها، وأن الاقتصاد تعافى من أزمة العملة التي اندلعت عام 2018. ومن أجل دعم النمو، أنفقت الخزانة مبالغ ضخمة، وفي خطوة غير مسبوقة، استُخدِمَت احتياطيات الطوارئ لدى البنك المركزي البالغة 50 مليار ليرة لتغطية الإنفاق الحكومي غير المحدود.
لكن مع عدم القدرة على حل مشكلة التضخم (المتصاعدة)، زادت الدولرة، وانزلقت تركيا إلى دوامة هبوط مع زيادة الديون الخارجية، على حد قول هاكان كارا، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي سابقًا.
تراجع الليرة التركية ما بين عامي 2012 و2020
بدأت الخطة تترنح تحت وطأة جائحة فيروس كورونا التي ضربت تركيا، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد، وهو ما أفرز بدوره ارتفاعًا في معدلات البطالة وانخفاضًا في قيمة الليرة؛ لأن أردوغان رفض وقف خفض أسعار الفائدة حتى شهر مايو. وما تلا ذلك كان صادمًا للجميع، على حد قول مراسل «ميدل إيست آي».
من أجل تشجيع قطاع البناء المثقل بالديون والإفلاس، وزيادة مبيعات السيارات، أعلن البيرق في يونيو (حزيران) عن أحد أكبر معدلات النمو الائتماني في تاريخ الجمهورية التركية، مع انخفاض معدلات الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة. ومع ضخ البنوك المزيد من الأموال في الأسواق، بدأ سعر الصرف يرتفع مرة أخرى.
لكن الانهيار تكرر مرة أخرى في أغسطس، لأن رهان البيرق على أن التعافي بعد جائحة كوفيد-19 ودخل السياحة سيحدثان فرقًا لم يسِر كما كان مخططًا له. وبحلول نوفمبر – في ظل المخاوف من أن يفرض جو بايدن عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية – تراجعت الليرة أكثر إلى 8.58 مقابل الدولار.
ترى الخبيرة الاقتصادية نسرين ناس، أنه كان بالإمكان أن يكون الهبوط طفيفًا؛ لو كان البنك المركزي مستقلًّا. وحتى بعد ترحيب المستثمرين برفع البنك المركزي المعدلات إلى 15% بزيادة قدرها 475 نقطة، تلبية لتوقعات السوق، تصرُّ الاقتصادية على أن «الثقة، مثل الروح، لا تعود أبدًا إذا ذهبت. ورفع أسعار الفائدة يشبه الأسبرين الذي قد يسكن الألم ولكنه لن يعالج المرض».
ومن أجل إصلاح الاقتصاد التركي، تنصح الخبيرة الاقتصادية أردوغان بإصلاح علاقاته الدولية، وانتهاج الشفافية وتطبيق المساءلة، ومنح الاستقلال للبنك المركزي، ووضع الميزانية الوطنية على طاولة الفحص، وإجراء إصلاحات هيكلية جوهرية، مثل إصلاح قانون المناقصات العامة، وصياغة خطة اقتصادية قوية. أما تورهان فيعتقد أن الليرة، في ظل الارتفاع الجديد، يمكن أن تستقر حتى بداية العام الجديد. ويختم التقرير بقول تورهان: «من يدري، ربما يعود أردوغان إلى رُشده، ويتبَع سياسة نقدية عقلانية».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».