في الأيام القليلة القادمة يزور ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» البيت الأبيض؛ إذ سيتم الاحتفاء به كإصلاحي، يقوم بتوسيع حقوق المرأة في واحدة من أكثر بلدان العالم تقييدًا للحريات، فمنحهن حق قيادة السيارات، وحضور الأحداث الرياضية، إلا أنه، وفي تقريرٍ لهيئة «إن بي سي» الإخبارية الأمريكية، أشير إلى أن هناك امرأةً سعودية واحدة لم تستفد من إصلاحات ابن سلمان، وهي والدته.
وفي تصريحاتٍ لـ14 مسئولًا أمريكيًا للوكالة الإخبارية أشير إلى أن ولي العهد السعودي قد منع والدته من رؤية والده الملك سلمان منذ أكثر من عامين؛ إذ قام الأمير الصغير، والذي تتزايد قوته بسرعة صاروخية في المملكة، بخلق عدة حجج مختلفة لغياب والدته، إحداها كان أنها خارج البلاد تتلقى العلاج الطبي، وطوال هذه المدة لم يكن الملك سلمان على دراية بأن ابنه ولي العهد كان وراء غيابها المستمر.
يعتقد المسؤولون الأمريكيون بناءًا على بعض المعلومات الاستخباراتية أن محمد بن سلمان اتخذ عدة إجراءات ضد والدته؛ إذ كان يخشى معارضتها خططه للاستيلاء على السلطة، واستخدام نفوذها لدى الملك؛ مما يمكن له أن يقسم العائلة المالكة، وأشاروا في تصريحاتهم أن ابن سلمان قد وضع والدته تحت الإقامة الجبرية المؤقتة بأحد قصور المملكة العربية السعودية دون علم الملك.
ترامب ساعد ابن سلمان على تقوية نفوذه
«لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان، وولي العهد السعودي؛ لأنهم يعرفون بالضبط ما يفعلونه» – دونالد ترامب
كان محمد بن سلمان، بحسب التقرير، هو الشخص الذي عقدت الإدارة الأمريكية آمالها عليه، من أجل رؤية تغييرات اقتصادية واجتماعية بالمملكة السعودية، وهو ما ناقض تعامل الإدارة الأمريكية السابقة مع المملكة السعودية؛ إذ – وإبان فترة أوباما الرئاسية – تصادمت الدولتان، خاصةً بعد تواصل أوباما السياسي مع إيران، وهي الخصم الإقليمي الرئيس للمملكة، أما الآن فالمملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا سيما والأمر يتعلق بتفكيك نفوذ إيران في المنطقة، والوصول إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني.
عندما تولي الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب سدة الحكم، كانت أول دولة أجنبية يزورها كرئيس هي المملكة العربية السعودية، وبعد مرور شهرٍ واحد من تلك الزيارة، حلَّ محمد بن سلمان ضيفًا على البيت الأبيض، وكان من الغريب أن يحلَّ بشكلٍ غير متوقع محل الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي حينذاك، وحينها بدأ الأمير الصغير توطيد علاقته مع فريق ترامب الرئاسي؛ إذ أمضى ساعات مع كوشنر، سواء في واشنطن أو في الرياض.
كانت تحركات ولي العهد بعدها، ومنذ يونيو (حزيران) الماضي وحتى الآن، بحسب التقرير، قائمة على إفساح المجال له ليصبح الملك القادم للمملكة؛ فعمل على إزاحة ابن عمه الأمير ابن نايف؛ ليصبح وليًا للعهد بدلًا عنه في المملكة الغنية بالنفط؛ فوضعه تحت الإقامة الجبرية، ونفذ بعض التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، سانده فيها ترامب، وصهره جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، باعتباره شريكًا مهمًا ولازمًا في استراتيجية الإدارة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي بدأت فيه سلطة الأمير ابن سلمان في الاتساع، تزامنت تحركاته مع دعمٍ قوي ومبكر، تلقاه من الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب؛ إذ احتضن الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، سياسات محمد بن سلمان في المنطقة، ودافع عن الحكومة السعودية حتى خلال تعاملها القاسي والمزعج خلال الأشهر الماضية، خاصةً بعدما أشرف ابن سلمان بنفسه على اعتقال أكثر من 200 من المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين، وقد شمل ذلك بعض الأمراء البارزين وأفراد العائلة المالكة السعودية، بما وصفته الحكومة على أنه قمع للفساد.
وينقل التقرير عن الباحث أندرو بوين، وهو باحث متخصص في سياسات المملكة العربية ودول الخليج، قوله إن ترامب وجاريد ينظران إلى ابن سلمان وكأنه رجلهم في المنطقة؛ فساند ترامب حصارًا تقوده المملكة السعودية على قطر بناءًا على نصيحة بعض مستشاريه، وأيد سجن مئات من السعوديين الأثرياء المتهمين بالفساد، قائلًا: «هؤلاء كانوا يحلبون بلادهم لسنواتٍ، ولهذا يعاملونهم بقسوة».
إلا أن بوين قد حذر من أن دعم ترامب القوي لتحركات ابن سلمان، قد يأتي بنتائج عكسية، إذا أخذنا في الحسبان رعونته وتهوره.
وفي 20 مارس (آذار) المقبل ستكون الزيارة المتوقعة لولي العهد السعودي للولايات المتحدة؛ إذ أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي سيجتمع بابن سلمان من أجل مناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية، وتعزيز الأولويات الأمنية والاقتصادية المشتركة بين البلدين، إلا أنه بحسب التقرير يأتي هذا الاجتماع في وقت يشعر فيه المسئولون الأمريكيون بقلقٍ متزايد نحو تحركات ابن سلمان العدوانية، والتي قد تخلق نوعًا من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
البحث عن زوجة الملك سلمان
كما ينقل التقرير عن فاطمة باعشن، المتحدثة باسم السفارة السعودية، أن وضع الأميرة فهدة بنت فلاح تحت الإقامة الجبرية هو خبر غير صحيح على الإطلاق، نافية بشدة أن يكون ولي العهد قد أبقى والدته بعيدًا عن الملك دون علمه، وتضيف في حديثها مع «إن بي سي»: «إن كنت تود سؤالها بنفسك، فسنكون سعداءًا بترتيب تلك المقابلة على الفور».
وعلى الرغم من سعي الوكالة الإخبارية لمقابلة الأميرة فهدة، أو بعض المقربين منها، من أجل التقرير، إلا أن السفارة السعودية قد ودت لهذا اللقاء أن يكون خاصًا، بلا استخدام لأي من مواد تلك المقابلة بشكلٍ صحافي؛ معللين ذلك بأن الأميرة لا ترغب في تسليط الضوء عليها، وهو ما رفضته الوكالة الإخبارية، وتم التعليق عليه من قبل السفارة، بالتصرف المتهور.
إلى جانب النفي الحاد الذي أعلنته سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن بشأن وضع الأميرة فهدة بنت فلاح آل حثلين تحت أي نوعٍ من الإقامة الجبرية، أو الانفصال عن زوجها، فإن تقييم الاستخبارات الأمريكية لأفعال الأمير ابن سلمان ضد والدته، والتي يشير المسؤولون الأمريكيون أنها كانت مخفية عن الملك سلمان والجمهور، مثال واضح على استعداد الأمير التام لإزالة أي عائق محتمل أن يقف في طريقه للسلطة، وتعزيز موقفه كملك محتمل للمملكة السعودية.
في التقرير تحدث المسؤولون الأمريكيون – شريطة عدم الإفصاح عن هوياتهم؛ بسبب الطبيعة الحساسة لموقعهم السياسي – قائلين إن الملك سلمان البالغ من العمر 82 عامًا يبدو أنه لا يعرف المكان الحقيقي لزوجته الثالثة؛ إذ وعلى الرغم من إشارته أكثر من مرة أن الأميرة خارج البلاد تتلقى العلاج إلا أنه قد أفصح للمحيطين به أنه يفتقدها بشدة، وقد بدا عليه عدم معرفته بمكان تواجدها.

الملك سلمان وزوجته الأميرة فهدة بنت فلاح
إن القرار بإبقاء الأميرة فهدة بنت فلاح بعيدًا، ووضعها تحت الإقامة الجبرية دون علم الملك، قد اتُخذ إبان فترة حكم أوباما للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتغير بعد تولي دونالد ترامب منصبه، بحسب التقرير، مُضيفًا أن الملك سلمان وخلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية – إبان إدارة أوباما – في سبتمبر (أيلول) من عام 2015، قد أخبر الرئيس الأمريكي أن زوجته تتلقى العلاج في الولايات المتحدة، وأنه يود لو يستطيع زيارتها خلال تواجده هناك، إلا أن أوباما لم يستطع أن يخبر الملك السعودي حينها أن زوجته ليست في نيويورك، هذا الموقف كان دليلًا بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين على صحة ما جاء في المعلومات الاستخباراتية عن العائلة المالكة، وأضافوا أنهم وفي أوائل عام 2016 قد وصل إليهم بعض الاتصالات التي أجراها محمد بن سلمان، والتي تحدث فيها عن محاولاته لإبقاء والدته بعيدًا عن والده، وذلك دون معرفة الملك.
يشير التقرير إلى رفض العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما الإفصاح عن محادثات الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية بشأن العائلة المالكة السعودية، كما رفضت وكالة المخابرات المركزية التعليق على «الإقامة الجبرية» لزوجة الملك، ورفض المتحدث الرسمى باسم مكتب الاستخبارات الوطنية التعليق على القصة، سواء بالنفي أو التأكيد، أما كوشنر فقد رفض المتحدث الرسمي باسمه التعليق على هذه القصة، وأحالوا الأسئلة إلى مجلس الأمن القومي، والذي امتنع بدوره عن الإجابة عليها.
في حين يشير شخص مقرب من العائلة المالكة السعودية أن علاقة الأمير بأمه قد تزعزعت منذ سنوات؛ إذ كان قلقًا من محاولاتها لتمكين أشقائها، وأضاف أن هذا الدور قد لعبته زوجة الملك سلمان سابقًا، بعد أن حولت أحد أشقائها إلى واحد من أكثر الرجال نفوذًا وثراءًا في المملكة، وهو بالضبط ما أراد الأمير تجنبه.
وفي نهاية التقرير أشار بعض المسئولين الأمريكيين إلى أن الوضع يزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر ببعض أفراد العائلة المالكة السعودية، خاصةً النساء منهم، وأن وضع أميرة تحت الإقامة الجبرية، سواء في قصرها، أو خارجه، هو أمر لن يلاحظه أحد لفترةٍ طويلة بالمجتمع السعودي؛ وذلك لأن زوجات الملك نادرًا ما يظهرن علنًا، ومن الوقاحة أن تسأل ملكًا أو أميرًا سعوديًا عن مكان زوجته.
في حين أشار بريان كوتليز، وهو مسئول بارز للأمن القومي – في نهاية التقرير – أن الملكية المطلقة، والتي تسيطر عليها أسرة حاكمة، مثل السعودية، من الصعب أن تعرف ما الذي يحدث حقًا داخل قصور الحكم، خاصةً في فترة تشهد تحولًا للسلطة، كتلك التي تشهدها المملكة حاليًا.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أمريكا, إقامة جبرية, إن بي سي, احتجاز, اختفاء, السعودية, الملك سلمان, ترامب, محمد بن سلمان, والدة الملك