تناول تقرير نشره موقع «ذي إنترسبت» الأمريكي وثائق إماراتية مسربة ورسائل إلكترونية حصل عليها الموقع للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، تكشف عن نية الإمارات شن حرب اقتصادية على دولة قطر.
بحسب التقرير، تتضمن تلك الخطة إضعاف العملة القطرية من خلال التلاعب بالسندات وتخفيض قيمتها، ما يؤدي لرفع قيمة التأمين عليها، وهو ما يقود بالتبعية لأزمة في العملة الصعبة تستنزف احتياطي الدولة، وبالتالي هدم الاقتصاد القطري بالكامل في نهاية المطاف. وُضِعت تلك الخطة من جانب بنك يُدعى هافيلاند، وهو أحد البنوك الخاصة ويقع في لوكسمبورج، وتملكه عائلة المموِّل البريطاني المثير للجدل ديفيد رولاند.

صورة من البريد الإلكتروني المسرب للعتيبة – بواسطة Global Leaks
ويشير التقرير إلى أن رولاند يحظى بعلاقة قوية بالقيادة الإماراتية، وخاصة بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، كما يؤسس حاليًا مؤسسة مالية تابعة للبنك بالتعاون مع صندوق الثروة السيادي الإماراتي (مبادلة)، بحسب عقود ومراسلات حصل عليها موقع «إنترسبت»، والذي ذكر أنها عملية منفصلة عن استهداف السندات القطرية، ما يعكس قرب العلاقات بين رولاند والإمارات.
يقول الكاتب إن استهداف الاقتصاد من خلال التلاعب المالي هو أمر جديد تمامًا وينافي التقاليد الدبلوماسية المعروفة، بل وحتى الحربية. ومع ذلك، يقول خبراء ماليون ناقشهم «إنترسبت» إن الخطة التي وضعها التقرير -المسرب- تبدو بعيدة المنال، وأن من وضعها يبدو قليل أو منعدم الخبرة في أسواق الائتمان والعملات.
اقرأ أيضًا: مترجم: لأجل تنظيم أفضل لـ«كأس العالم 2022».. كيف استفادت قطر من أزمة الخليج؟
هل بدأ التنفيذ؟
لا يوجد دليل يؤكد بداية تنفيذ تلك الخطة، أو ما إذا كانت ستنفذ من الأساس، وفي المقابل، تواجه العملة القطرية حاليًا بعض الضغوط نتيجة للحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، والذي يبدو أن تأثيره أكثر فاعلية بكثير من تلك الخطط، كما أن نشر تلك الوثائق ينزع عنصر السرية، والذي كان أساسيًا لتنفيذ خطة ضرب العملة القطرية.
وحاول الموقع التواصل مع ممثلين عن البنك، إلا أن الإجابة كانت نفي تعامل البنك أو تداوله لأي سندات قطرية، وأنه لا يخطط لتداولها في المستقبل أيضًا. فيما علق ممثل قانوني عن البنك مجيبًا على سؤال حول نوايا البنك المتعلقة باستهداف العملة القطرية قائلًا: «نحن مؤسسة مالية مرموقة، ولن نُستدرج نحو التعليق على هذه القضية السياسية».

ملخص الخطة الإماراتية لاستهداف الاقتصاد القطري – بواسطة Global Leaks
وتأتي تلك الخطة على خلفية الأزمة الكبرى في المنطقة، والتي تصاعدت في يونيو (حزيران) الماضي ضد قطر، وقادتها الإمارات والسعودية والتي انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر. وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد هاجم دول الحصار متهمًا إياهم بالتعنت ضد قطر، إلا أن الرئيس الأمريكي اتخذ موقفًا مختلفًا، إذ قام بدعم السعودية والإمارات على حساب قطر، والتي تستضيف إحدى كبرى القواعد العسكرية الأمريكية خارج البلاد.
وكان تيلرسون قد وصل إلى المنطقة في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في محاولة لحل الأزمة. بحسب تقرير نشره موقع «American Conservative»، أخبر تيلرسون أشخاصًا مقربين منه أن الرئيس الأمريكي أضعف تأثيره في مقابل السفير الإماراتي يوسف العتيبة، والذي يعد مقربًا بشدة من صهر ترامب، ومن مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر.
بحسب التقرير، يملك ترامب أسبابًا كافية للوقوف في صف العتيبة، خاصة مع صفقاته الناجحة مع الإمارات من قبل، والتي افتخر بها سابقًا، في حين أن محاولاته للحصول على أموال من قطر كانت أقل نجاحًا، إذ سافر إلى قطر في 2010 مع ابنته في محاولة لتأمين مصدري تمويل استثماري، إلا أن التمويل رُفِض من كلا المصدرين.

الريال القطري أمام الدول على مدار الفترة الماضية – XE.com
يشير التقرير إلى أن الحصار الاقتصادي قد أثر بقوة على البلاد، مؤديًا إلى تراجع حركة التجارة والنقل وحركة الأموال داخل وخارج البلاد. وكان صندوق الثروة السيادي للبلاد قد ضخ مؤخرًا 20 مليار دولار في محاولة لدعم النظام المصرفي والعملة المحلية، والتي ما زالت تعاني نتيجة للحصار.
ارتفعت تكلفة تأمين الدين القطري أيضًا بنسبة 70% منذ مايو (أيار) الماضي، في حين تراجعت البورصة بنسبة 24% خلال هذا العام، وهي النسبة المرشحة للزيادة قبل نهاية العام.
اقرأ أيضًا: «ميدل إيست آي»: رسائل جديدة مسربة: السعودية كانت على وشك غزو قطر
من يقف وراء بنك هافيلاند؟
على الجانب الآخر، يشتهر بنك هافيلاند -الذي وضع خطة استهداف العملة القطرية- بدوره السابق في إفلاس أيسلندا، إذ انطلق فرع جديد للبنك الأيسلندي السابق الذي يحمل اسم كاوبثينج، متخذًا من لوكسمبورج مقرًا له، واشتهر بعد ذلك بالعمل مع عملاء مثيرين للجدل، مثل رجل الأعمال النيجيري كولا ألوكو.
وأسس ديفيد رولاند البنك بمساعدة صديقه الأمير أندرو، الابن الثاني للملكة إليزابيث. كما يعد رولاند مقربًا من حزب المحافظين البريطاني، ويقال أيضًا أنه من المقربين لديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق.

المرحلة الأولى من خطة استهداف العملة القطرية – بواسطة Global Leaks
بحسب التقرير، فالخطوة الأولى من الخطة والتي تقضي بإنشاء صندوق استثماري خارجي لإخفاء علاقته بالإمارات، تبدو سهلة التنفيذ على مؤسسة مثل بنك هافيلاند. يقوم ذلك الصندوق بشراء سندات قطرية تملكها الإمارات حاليًا، بالإضافة إلى ديون إضافية يمكن للصندوق شراؤها، كما يقوم الصندوق أيضًا بشراء مقايضة عجز الائتمان، إذ سترتفع قيمتها مع تزايد الديون القطرية.
تقتضي الخطة أيضًا بعد ذلك إنشاء عمليات تجارية وهمية ذهابًا وعودة على الدين القطري، لخلق قيمة وهمية لها من خلال حجم التجارة المتزايد عليها. في حال نجاح تلك الطريقة، ينخفض سعر الدين القطري، ما يؤدي لإرباك المستثمرين الذي سيقومون بالتبعية بمحاولة بيعه أيضًا.

المرحلة الثانية من الخطة – بواسطة Global Leaks
في هذه الحالة، يشعر المستثمرون بالهلع، وأن الآخرين يبيعون ما لديهم من سندات بالفعل، ما يقودهم لمحاولة البيع بسرعة لتجنب الخسارة، وبالتالي البيع بسعر أقل. تراجع سعر الدين سيقود إلى أزمة جديدة في قطر، ومزيد من الضغط على عملتها. يرتبط الريال القطري بالدولار الأمريكي، وتراجع قيمته خارجيًا سيضطر البلاد إلى إنفاق مليارات الدولارات من خزائنها لمحاولة دعم عملتها.
بحسب التقرير، يمكن وصف خطة الإمارات بأنها تستهدف تعجيز قطر واستنفاد أموالها من خلال التلاعب بالسوق العالمي، بينما تقوم في المقابل بجهودها الدبلوماسية لفرض المزيد من النفوذ السياسي على الدوحة. ويضيف التقرير أن فكرة استهداف دولة كاملة ماليًا تعد جديدة من هذا المنظور، وأن هدف الإمارات ليس تحقيق ربح اقتصادي، بل فرض أهدافها السياسية والاقتصادية.
طريقة غامضة
يصف التقرير الطريقة التي كُتِبت بها الوثيقة، ويقول إنها بدلًا من أن تضع نقاطًا مباشرة ومحددة، فهي تتحدث بلغة غامضة، ولا تشمل أي تحليل للسندات القطرية، أو لسوق العملات، أو تحليل للكم الذي تملكه الإمارات من الدين القطري البالغ 86 مليار دولار، كما لم تُراع أيضًا الإجراءات التي ستتخذها قطر لدى تراجع قيمة السندات والخطوات التي ستتخذها لمحاولة إعادة الاستقرار لعملتها، وما إذا كان ذلك الهجوم على العملة القطرية قد يؤثر على العملات الخليجية الأخرى من عدمه.
بدلًا من ذلك، تضع الخطة مجموعة من الخطوات الأولية، مقسمة على عدة مراحل، تتضمن الأولى منها نظرة أكثر قربًا على سوق العملات والائتمان في قطر، من ناحية السيولة المتوافرة، ومصادر التمويل، والتسعير. إذا سارت الأمور وفق الخطة، تكون الخطوة التالية هي إجبار قطر على تبديد مواردها لدعم العملة المحلية.
تبدو الفكرة صحيحة بالأساس، إذ تسبب سعي قطر لدعم عملتها المحلية منذ بداية الحصار إلى تراجع احتياطياتها من العملة الأحنبية من 35 مليار دولار إلى 24 مليار دولار، على الرغم من أنها تمكنت من مضاعفة ذلك الرقم مؤخرًا من خلال مناورة اقتصادية تدور حول سياسة التسعير.
ونظرًا لأن قطر من بين أغنى دول العالم، فهي تخفي ما يكفي لتمكينها من الدفاع عن عملتها بقوة، إذ تملك ثروات مالية كبرى في أسواق مختلفة، بالإضافة إلى صندوقها السيادي الذي تبلغ قيمته 335 مليار دولار، بخلاف ما يملكه مواطنوها. على سبيل المثال، قامت قطر مؤخرًا بنقل 20 مليار دولار من ثرواتها السيادية من بنوك خارجية إلى داخل البلاد، وهو ما كان كافيًا لدعم النظام المالي القطري.
تأثير الآلة الإعلامية
بحسب التقرير، فعلى الرغم من المليارات التي تنفقها قطر للتغلب على الآثار المترتبة على الحصار، إلا أنها تملك مئات المليارات الإضافية، كما تصر البلاد على أن لديها احتياطيًا كافيًا للحفاظ على قيمة عملتها أمام الدولار. كل هذه العوامل تجعل من الخطة الإماراتية محض مقامرة، من الممكن ألا تؤدي لأية نتيجة.

المرحلة الثالثة والتي تتضمن تأثير الآلة الإعلامية – الصورة بواسطة Global Leaks
تتضمن المرحلة الثالثة من الخطة جانب الإعلام والعلاقات العامة للتأثير على قطر على المستوى الدولي، وإظهارها في موقف مالي صعب. في ذلك الجزء، تتضمن الخطة «التركيز إعلاميًا على حالة استقرار البلاد وما تملكه من الدولارات»، أي مواصلة الضغط على البلاد من خلال إقناع المزيد من المستثمرين بأن الأوضاع غير آمنة في قطر.
تتضمن الخطة أيضًا الاستعانة بحلفاء الإمارات كالسعودية ومصر للمساعدة في تحقيق ذلك الهدف. بحسب جاكوب فرينكل، المحامي السابق في هيئة الأوراق المالية والبورصة والخبير في قضايا التلاعب بالسوق، فتلك الخطة التي وضعتها الإمارات تدق ناقوس خطر جديد بقوة، لأن من شأنها أن تتضمن عمليات تجارية في الأسواق الأمريكية، ومن الممكن استنزاف أموال أمريكية ضمن تلك العملية، والتي تخضع للرقابة الأمريكية.
وكان الموقع الأمريكي قد حصل على تلك التسريبات من جانب مجموعة مجهولة تسمي نفسها Global Leaks، إذ بدأت المجموعة في نشر رسائل إلكترونية مسربة من بريد العتيبة خلال الصيف الماضي إلى عدة وسائل إعلامية، من بينها «ذي إنترسبت». ويقول الكاتب إنه من غير المعروف إلى من تنتمي تلك المجموعة، إلا أنها تستخدم بريدًا إلكترونيًا روسيًا، ما يعني أنها إما تنتمي لروسيا، أو تريد أن تُظهر ذلك، في حين تزعم المجموعة أنها غير تابعة للحكومة الروسية أو لأي حكومة أخرى.
وتزعم مجموعة Global Leaks أنها حصل على الوثائق من مصدر على علاقة ببنك هافيلاند، كما ذكرت المجموعة أن تلك الخطة وجدت في بريد العتيبة ضمن مجلد يحمل اسم «To do».
وكان استخدام العتيبة لبريد إلكتروني على موقع «Hotmail» في مراسلات دبلوماسية خاصة موضع الكثير من التساؤلات مع بداية التسريبات هذا العام، إلا أنه واصل استخدام البريد ذاته بعد مرور أشهر من بداية التسريبات. لم يرد العتيبة على طلبات للتعليق من موقع «ذي إنترسبت»، إلا أن صحافيًا من واشنطن نشر بريدًا إلكترونيًا وصله مؤخرًا من العتيبة يُظهر استخدامه لنفس البريد الإلكتروني الذي تتم منه التسريبات.
كأس العالم هو الهدف
بحسب الموقع، فعلى الرغم من أن الخطة طموحة ومعقدة للغاية، إلا أن الهدف النهائي يبدو أقل شأنًا بكثير، وهو كرة القدم. أحد أهم أهداف الخطة المذكورة هو إجبار قطر على تقاسم كأس العالم 2022. وتقضي الاستراتيجية المنصوص عليها في الوثيقة إلى استخدام شركات العلاقات العامة والحملات الإعلامية لتوجيه الفيفا نحو وجود أزمة اقتصادية في قطر، وأنها لن تتحمل تكلفة بناء المنشآت اللازمة لاستضافة الحدث العالمي.

خطة العلاقات العامة – الصورة بواسطة Global Leaks
تسبب الحصار بالفعل في رفع أسعار المواد المستخدمة في تأسيس البنية التحتية والمنشآت اللازمة لاستضافة كأس العالم، كما أصبح من الصعب استقدام بعض الخبرات إلى القطر. وتأمل الخطة في جزئها الأخير أن تجعل الأمور أكثر صعوبة على قطر فيما يتعلق بمواصلة التحضير لكأس العالم، وهنا تدخل الإمارات ومجلس التعاون الخليجي لاستضافة الحدث في الخليج بالكامل، متضمنًا قطر، وليس في قطر وحدها.
في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد عدة أسابيع من وصول الوثيقة التي تتضمن تلك الخطة إلى موقع «ذي إنترسبت»، انتشرت حملة ممولة بقوة على موقع تويتر تهدف إلى سحب تنظيم كأس العالم من قطر، متضمنة مقطع فيديو جرى إنتاجه بشكل احترافي.
تضمن الوثيقة أيضًا ذلك الجزء، إذ عرضت فكرة توجيه نداء إلى الفيفا مطالبة إياها بمنح حق استضافة الحدث لمنطقة الخليج بالكامل، وفي حال رفض قطر لتلك الخطة، سينظر لها باعتبارها غير متعاومة ولا تسعى للتعاون مع جيرانها في الخليج، بحسب الوثيقة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».