أعد ستيفن كوك، كاتب العمود البارز في مجلة «فورين بوليسي»، مقالًا نشرته المجلة الأمريكية، يناقش فيه الدور الذي تضطلع به تركيا في ملف الأزمة الأوكرانية، والفوائد المحتملة العائدة على تركيا منه. وأوضح كوك أن غزو روسيا لأوكرانيا قدم فرصة لتركيا، وذلك ليس لأن أنقرة تريد أن تكون حصنًا ضد روسيا كما كانت خلال الحرب الباردة، فهذه رواية نُسجت لصالح أعضاء الكونجرس المشغولين، بحسب كوك، لكن تركيا ببساطة لا تريد أن يتم تكليفها بدور الحارس، مرة أخرى، في الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

بدلًا من ذلك، يرى كوك أن الفرصة المتاحة لتركيا في الأزمة الحالية هي نتاج واقع فوضوي مرتبط بتصور الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم لتركيا كقوة في حد ذاتها، وخطر الانفصال الكردي في الداخل والحرب في سوريا، وخيبات الأمل التي تراكمت ضد أولئك الذين من المفترض أن يكونوا أهم حلفاء تركيا – الولايات المتحدة وأوروبا.

دولي

منذ سنة واحدة
«فورين بوليسي»: ماذا يمكن أن تخسر تركيا من الصراع بين روسيا وأوكرانيا؟

أجبر مزيج التطلعات والصدمات أردوغان على التحول نحو نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في وقت مبكر نسبيًا من الأزمة. أدى الحوار الناتج عن ذلك وتوسيع العلاقات الثنائية – على الرغم من الخلافات بين تركيا وروسيا في سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ وأوكرانيا – إلى زيادة انعدام الثقة بين أنقرة وشركائها الغربيين. كما أجبر شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي إس-400 الولايات المتحدة على تطبيق عقوبات على قطاع الدفاع التركي.

وقد عادت الدعوات لطرد تركيا من الناتو – وهو أمر لا تسمح به الوثائق التأسيسية للحلف – مرة أخرى، جنبًا إلى جنب مع أسئلة أكثر جدية حول توجهات السياسة الخارجية لأنقرة. هل ما تزال تركيا جزءًا من الغرب؟ هل باتت تتحرك شرقًا؟ هل كانت تركيا تقدم عرضًا للقيادة في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط؟ والعالم الإسلامي؟ الجواب على كل هذه الأسئلة هو نعم، بحسب كوك.

أين تقف تركيا من الصراع الأوكراني الروسي؟

يؤكد كوك أن أردوغان كان محظوظًا دومًا بقدر ما كان مُحنَّكًا. لقد كان ينعم بمعارضة غير كفؤة وحليف أمريكي على استعداد لغض الطرف عن تجاوزاته المحلية لأسباب جيوإستراتيجية واهية (بعد ثلاثة عقود من الحرب الباردة)، والحنين للعصر الذي وقف فيه الأمريكيون والأتراك جنبًا إلى جنب ضد السوفييت. قد تكون الدوامة الأوكرانية واحدة من فرص أردوغان لإحياء دور تركيا كمحلل إقليمي للمشكلات، وفي هذه العملية، تعزيز فكرة أن تركيا رائدة عالمية، حيث تحتل مرتبة مع لاعبين مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

Embed from Getty Images

قبل بضعة أشهر فقط، كانت تركيا معزولة دوليًا، بحسب كوك. واتسمت علاقات أنقرة مع أوروبا بالتوتر بعد أن أمضت عامين في تهديد قبرص واليونان، والتهديد بإطلاق العنان للاجئين على الأوروبيين، والاشتباك مع الفرنسيين بشأن ليبيا. وفي الشرق الأوسط، كانت كبرى دول المنطقة تعادي أنقرة، وتدهورت علاقات تركيا مع السعوديين والإماراتيين والمصريين والإسرائيليين لدرجة أن هذه الدول كانت متحدة على معارضة أنقرة في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.

وقد تجاهلت إدارة بايدن في الغالب تركيا وأردوغان، باستثناء الانتقادات العرضية من وزارة الخارجية. بحلول أواخر عام 2021، مع عزلة تركيا ومعاناتها من أزمة عملة حادة، سعت أنقرة إلى إصلاح الضرر الذي أحدثته على نفسها، ومع ذلك، كان هناك جو من اليأس يحيط بذلك.

ثم غزت روسيا أوكرانيا، وعلى الفور تقريبًا، ظهرت روايتان متعارضتان عن رد تركيا على الحرب، إذ زعمت أطراف أن أردوغان يدعم استقلال أوكرانيا، وأن أنقرة على استعداد لتزويد كييف بطائرات بدون طيار فتاكة، بالإضافة إلى إغلاق مضيق البوسفور، وكان ذلك دليلًا إيجابيًا على الحجة التي كانوا يطرحونها طوال الوقت: تركيا كانت ولا تزال عنصرًا حاسمًا في الأمن الغربي. فيما جادل الرأي الآخر بأن موقف تركيا المزعوم المؤيد لأوكرانيا أقل مما رجحه مشجعو أنقرة.

سلط النقاد الضوء على حقيقة أن الحكومة التركية لم تفرض عقوبات على روسيا، وأن المجال الجوي التركي لا يزال مفتوحًا أمام الطائرات الروسية، وأن اليخوت العملاقة للأوليغارشية الروسية كانت تظهر في بودروم ومارماريس بموافقة واضحة من الحكومة التركية. قد يكون لهذا علاقة أقل بالسياسة الموالية لروسيا في أنقرة بقدر ما يتعلق بالروابط بين الأوليغارشية الروسية والتركية، وارتباط الأخيرة المزعوم بأردوغان، بحسب كوك.

Embed from Getty Images

وبغض النظر عن حرب المعلومات بين الجماعات المؤيدة لأردوغان والمناهضة له، فإن حقيقة أن تركيا لا يمكن أن تكون موالية بالكامل لأوكرانيا ولا معادية تمامًا لبوتين توفر فرصة لأردوغان لاستئناف الدور الذي لعبه في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع تعزيز فكرة القوة التركية والاستقلال بطريقة لا تقتصر على استفزاز الغرب.

فرص تركيا من الصراع الحالي

قلة هم الذين يتذكرون ذلك، ولكن بين عامي 2005 و2011 تقريبًا، سعت الحكومة التركية إلى لعب دور بنَّاء في الشرق الأوسط: بالإشراف على المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين، ونشر قوات حفظ السلام في لبنان، وسعت إلى التفوق على إيران في سوريا، والاستفادة من ثقلها الاقتصادي لدفع العلاقات الجيدة بين أنقرة ومجموعة متنوعة من البلدان في المنطقة.

ولكن يرى كوك أن هناك فرصة في أزمة أوكرانيا لاستعادة هذا الدور. وصف المنتقدون الوساطة التركية على أنها مجرد محاولة لمطابقة أو مواجهة وسطاء محتملين آخرين (خاصة الإسرائيليين) أو كغطاء لموقف أنقرة الموالي لروسيا، بحسب كوك. وهناك منطق مقنع لكلا النقدين، فأردوغان لا يحب أن يتفوق أحد عليه، خاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتركيا بحاجة إلى صبر روسي حتى تتمكن من القيام بعملية عسكرية في سوريا.

مع ذلك، يتجاهل النقاد ما يمكن لأردوغان وضعه على طاولة المفاوضات – ولا سيما في ظل علاقته الوثيقة ببوتين، وقلة من القادة – ربما باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو- أمضوا وقتًا مع الزعيم الروسي أكثر من أردوغان.

Embed from Getty Images

هل يستطيع أردوغان التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار؟

ليس معروفًا عن بوتين قبول مشورة الآخرين، لكن أردوغان في وضع أفضل من غيره للعب هذا الدور. إنه شخصية كاريزمية، ورجل قوي، وشخص يبدو أن التعاون معه – حتى في مواجهة الاختلافات السياسية العميقة – ممكنًا، إذ قام الرجلان بأعمال تجارية من قبل، ويعد أردوغان زعيم دولة مهمة في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي يمثل جسرًا إلى واشنطن وبروكسل.

هل سيؤدي هذا إلى إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؟ يتساءل كوك. يصعب على بوتين إعلان النصر والعودة إلى الوطن الآن، لكن يمكن أن يكون أردوغان مفيدًا في الجهود المبذولة لإنشاء ممرات إنسانية وتقديم الإغاثة الأساسية إلى الأوكرانيين المحتاجين. وهذه أشياء يسهل قولها أكثر من فعلها، لكن لا يبدو أن هناك بلدًا في وضع أفضل من تركيا لمحاولة ذلك. حملت جولة المحادثات التي انتهت في إسطنبول يوم الثلاثاء الماضي الأمل في وقف إطلاق النار، مما قد يوفر الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها للأوكرانيين المحاصرين.

يختتم كوك بالقول إنه سواء تحقق وقف إطلاق النار هذا أم لا، فإن الخبر السار بالنسبة لأردوغان هو أنه لا يحتاج أن ينجح في هذا الدور ليؤكد على استعادة وتعزيز فكرة أن تركيا يمكن أن تكون لاعبًا بناءً في أوروبا والشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، كما أنه سيعزز سردية أنقرة بأنها رائدة في هذه المناطق. وعلى الرغم من كون هذا غريبًا، لكن قد يكون قرار تركيا بشراء صواريخ إس-400 وما يعنيه ذلك للعلاقات بين أنقرة وموسكو – إذا لعب أردوغان ذلك بشكل صحيح – عاملاً حاسمًا في عودة قوة تركيا وهيبتها. لذا، من الأفضل أحيانًا أن تكون محظوظًا على أن تكون ذكيًا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد