الزعم أن التنافس بين واشنطن وبكين تنافس جيوسياسي بحت ليس صحيحًا.
استعرض مقال للكاتب أندريه لونجو، رئيس المعهد الروماني لدراسة منطقة آسيا والمحيط الهادئ، نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية كيف أن الصراع المُحتدم بين بكين وواشنطن لا يقتصر على التنافس الجيوسياسي، بل هو بالأساس صراع أيديولوجي.
يبدأ الكاتب الإيطالي مقاله بالتأكيد على انخراط الولايات المتحدة والصين في منافسة محتدمة على المدى الطويل؛ سواء سُمِّيت منافسة بين القوى العظمى أو حرب باردة جديدة. لكن يبدو أن عديدًا من المراقبين، وخاصة المتخصصين في السياسة الخارجية والواقعيين، يعتقدون أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين مدفوع بالجغرافيا السياسية وليس الأيديولوجية.
ويجادل هؤلاء المحللين بأن الصين تبنَّت الرأسمالية، ولا تُصدِّر أيديولوجيتها إلى خارج حدودها، ولا تشكل تهديدًا وجوديًّا للديمقراطية الليبرالية وأسلوب الحياة الغربي على النحو الذي فعله الاتحاد السوفييتي يومًا ما. وفي هذا التفسير، الذي يستحضر أحيانًا «فخ ثيوسيديدس» (مصطلح يشير إلى النزعة الواضحة إلى الحرب عند صعود قوة عالمية جديدة تهدد بإزاحة قوة أخرى موجودة، والمصطلح مقتبس من كلام المؤرخ الأثيني القديم ثوسيديدس، والذي افترض أن الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة كانت حتمية بسبب مخاوف الإسبارطيين من تنامي القوة الأثينية)، تكمن المشكلة ببساطة في صعود قوة الصين، التي تصطدم حتمًا بالقوة العظمى الراسخة، الولايات المتحدة، بصرف النظر عن أنظمتهما السياسية. ولكن في الواقع، لعبت الأيديولوجية دومًا دورًا هائلًا في دفع الصراع إلى الأمام، وكان من الممكن تجنب توترات عديدة لو تعامل الغرب مع صين ديمقراطية (وليست رأسمالية).
صراع أيديولوجي
منطلقًا من الإشارة إلى أن رقصة التانجو تحتاج دائمًا إلى شخصين، أوضح الكاتب أن الولايات المتحدة حتى لو اختارت بطريقة ما تجاهل هذا البُعد الأيديولوجي، فإن عديدًا من زعماء الحزب الشيوعي الصيني لن يفعلوا بالمثل، ذلك لأنهم يرون بالفعل هذا الصراع من خلال عدسة أيديولوجية. ويتجلى هذا التأطير بالفعل في خطاب بكين – وفي أفعالها كذلك. وبفرضها للعقوبات المضادة الأخيرة على الاتحاد الأوروبي، لم تستهدف بكين أعضاء البرلمان الأوروبي وبرلمانات الدول الأعضاء والباحثين ومراكز الأبحاث فحسب، بل امتدت العقوبات إلى لجان البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي. وقد اتَّخذت بكين هذه التدابير على الرغم من حرص زعماء الاتحاد الأوروبي على توقيع اتفاقية استثمار مع الصين، والتي أصبحت الآن موضع شك.
ودعا الكاتب إلى النظر في شكل الصراع الجيوسياسي الحقيقي كالذي يجري بين: الصين والهند. لا يخشى القادة الصينيون من رغبة الهند في تعزيز الديمقراطية وتهديد استقرار النظام الرأسمالي في الصين. وفيما يخص الهند، لن يمثل تحوُّل الصين إلى الديمقراطية أهمية طالما ظل النزاع الحدودي قائمًا، وما دامت الصين أفضل صديق لباكستان، وكذلك طالما استمر نشاط السفن العسكرية الصينية على نحو متزايد في المحيط الهندي. وبالمثل، فإن الصين لا تكترث في حقيقة الأمر لطبيعة النظام الذي تتبناه نيودلهي.
وعلى النقيض من ذلك، كانت المخاوف الأيديولوجية تشكل دومًا أساس وجهات نظر كل من بكين وواشنطن تجاه الآخر. وأدَّى التقارب بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية الذي بدأ في عام 1971 أخيرًا إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية في عام 1979، تلاها علاقات اقتصادية أقوى من أي وقت مضى. ولكن لم يكن من السهل طي صفحة المواجهات التي وقعت في العقود السابقة. وتقبَّل الجناح المحافظ في القيادة الصينية قرار الزعيم الصيني السابق دينج شياو بينج بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، شأنه في ذلك شأن الإصلاحات الاقتصادية في ثمانينيات القرن العشرين، باعتباره أمرًا ضروريًّا، إلا أنه لم يتبنَّ القرار بالكامل.
وكانت قيادة الحزب الشيوعي تنظر إلى الإصلاحات الاقتصادية ذاتها باعتبارها أداةً ضروريةً لتطوير الصين وتطبيق الشيوعية على أرض الواقع في يوم من الأيام، تمامًا كما نفَّذ الثوري الروسي فلاديمير لينين السياسة الاقتصادية الجديدة بعد وقت قصير من توليه السلطة. ولم يكن من المفترض أن تكون هذه الإصلاحات الاقتصادية بمثابة تحوُّلٍ إلى الرأسمالية ولا إلى الديمقراطية بكل تأكيد.
ثم جاءت مذبحة ميدان تيانانمن (مجموعة من المظاهرات الوطنية التي وقعت في الصين من 15 أبريل، 1989 حتى 4 يونيو، 1989، وقام بها طلاب جامعيون صينيون طالبوا بالديمقراطية والإصلاح). ورأى المحافظون والمتشددون الصينيون أنها حيلة لإضفاء الطابع الديمقراطي على الصين وزعزعة استقرارها. حتى أن دينج (رئيس الصين آنذاك) قال: «إن أسباب هذا الحادث تتعلق بالسياق العالمي.
فقد ألقى العالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، بثقل آلته الدعائية بالكامل لتأجيج أعمال التحريض وقدم كثيرًا من التشجيع والمساعدة لمن يُسمُّون أنفسهم بالديمقراطيين أو المعارضة في الصين، وهم في واقع الأمر حثالة الأمة الصينية. وهذا هو أصل الوضع الفوضوي الذي نواجهه اليوم». وقد زعم المتشددون أن الديمقراطية مؤامرة غربية لجلب الفوضى إلى الصين وأن سقوط الاتحاد السوفياتي والبؤس الذي شهدته روسيا في تسعينيات القرن الماضي أكَّد هذه المشاعر.
آخر معاقل الشيوعية
ولفت الكاتب إلى أن جمهورية الصين الشعبية أصبحت فجأة آخر معقل كبير للشيوعية، وأنها من وجهة نظر بكين، باتت الهدف الرئيس للولايات المتحدة والعالم الرأسمالي. ولم تُمثل محاولة واشنطن الحفاظ على العلاقات مع الصين أي أهمية للصين. وفي الواقع، يرى المتشددون في الحزب الشيوعي أن الانخراط الأمريكي مع الصين يمثل استراتيجية لتخريب الحزب الشيوعي من خلال «التطور السلمي»، والاستفادة من الروابط الاقتصادية لتعزيز «القيم الغربية» والديمقراطية.
ومن وجهة نظر عناصر بعينها في الحزب الشيوعي والجيش والحكومة، قدَّم العقد الذي أعقب الانخراط الأمريكي مع الصين مزيدًا من الأدلة على تعامل واشنطن المزدوج المتصور والاحتواء والهدف النهائي المتمثل في تغيير النظام؛ مثل نشر حاملة طائرات أمريكية بالقرب من تايوان، وتفجير سفارة جمهورية الصين الشعبية في بلجراد، وحادث جزيرة هاينان. ولم يكن هؤلاء الأشخاص بالضرورة فصيلًا متماسكًا، ولسنوات عديدة لم يسيطروا على الحزب بأكمله. وهذه النظرة تجاه الولايات المتحدة لم تكن سائدة في بكين، ولكنها أثَّرت في الإجراءات الحكومية، حتى بين غير المتشددين. ولكن الحزب الشيوعي الصيني لم يكن قط كتلة متسقة؛ فهناك أيضًا مسؤولون أعربوا عن إعجابهم بالولايات المتحدة، بل إنهم كانوا يأملون في أن تقترن الإصلاحات الاقتصادية بإصلاحات سياسية.
ومع ذلك، كان المحافظون والمتشدِّدون هم الذين حالفهم الحظ واستغلوا صعود الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السلطة اعتبارًا من عام 2008، وسادت وجهات نظرهم أخيرًا في الحزب ابتداءً من عامي 2012 و2013. وبحلول ذلك الوقت، ومن وجهة نظر بكين، أظهرت الولايات المتحدة مرة أخرى أنها لا يمكن الوثوق بها، فقد أعلنت إدارة أوباما عن سياسة إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ، ومن وجهة نظر عدد قليل في قيادة الحزب الشيوعي، يعني ذلك ببساطة «الاحتواء». لكن شُغلهم الشاغل لم يكن جيوسياسيًّا.
التهديد الأكبر ليس جيوسياسيًّا
وأضاف الكاتب أن مفهومًا جديدًا نسبيًا أصبح شائعًا؛ فقد ركَّز المسؤولون الأمريكيون والمحللون على إمكانية الإشارة إلى أماكن مثل بحر الصين الجنوبي على أنها مصالح أساسية. ولكنهم أغفلوا الرسالة الأكثر أهمية: لم تكن صخور بحر الصين الجنوبي أو حتى تايوان على رأس المصالح الأساسية لجمهورية الصين الشعبية، ولكن الأهم لديها هو حماية نظامها السياسي بقيادة الحزب الشيوعي الصيني. ولم يكن التهديد الأكبر ضد جمهورية الصين الشعبية جيوسياسيًّا بل أيديولوجيًّا. وكان ذلك قبل أن يتولى المحافظون والمتشدِّدون زمام السلطة.
وبمجرد تولِّي المتشددين زمام الأمور، لم يهدروا كثيرًا من الوقت؛ فقد أوضحت وثيقة حزبية داخلية تحمل عنوان «البيان بشأن الحالة الراهنة للمجال الأيديولوجي» أعظم التهديدات التي تواجه جمهورية الصين الشعبية، وهي القيم العالمية والديمقراطية الدستورية والمجتمع المدني والنزعة الليبرالية الجديدة وإنكار الطابع الاشتراكي للبلاد. كذلك حذَّر فيلم وثائقي أعدَّته عناصر في المؤسسة العسكرية الصينية تحت عنوان «السباق الصامت» من الكيفية التي تحاول من خلالها الولايات المتحدة سرًّا تخريب جمهورية الصين الشعبية من خلال تغريبها ودمقرطتها، في حين يجادل الفيلم بأن الصراع الكبير بين البلدين سيكون صراعًا أيديولوجيًّا.
وشدَّد الكاتب على أن المسؤولين العسكريين لم يحذروا من السفن الحربية الأمريكية، بل من الأفكار الغربية. ومنذ ذلك الحين، نمت قوة المتشددين وسيطروا أخيرًا على زعامة الحزب في عام 2017، في الوقت ذاته الذي حاولت فيه مجموعة جديدة من المتشددين في الولايات المتحدة استخدام الإدارة الأمريكية في عام 2017 لتغيير السياسة تجاه الصين في واشنطن.
نظرة أيديولوجية مضادة
وأوضح الكاتب أن العامل الأيديولوجي كان بارزًا أيضًا في واشنطن والغرب، ذلك أن الغرب لا ينظر إلى جمهورية الصين الشعبية على أنها دولة مختلفة أخرى فحسب، بل ينظر إليها من منظور حكومتها الاستبدادية والتهديد الذي تُشكِّله على النظام الليبرالي والديمقراطية. وتُعد التوترات الأيديولوجية مسألة لا مفر منها لأن الحكومات والمجتمعات الغربية لا تستطيع أبدًا، على الأقل في الوقت الحالي، أن تفعل ما تريده بكين، والذي يتمثل في عدم تدخل الغرب في شؤون الصين الداخلية، وهذا يعني عدم توجيه أي نقد أو اتخاذ أي إجراء، مهما كانت انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها. وهذا بدوره يؤدي إلى ردود فعل مضادة من جانب القيادة الصينية، والانزلاق في حلقة مفرغة لا تنتهي تبعًا لذلك.
وفي نظر عديد من الغربيين الذين لم يجربوا نظامًا شيوعيًّا قط، يكاد يكون من المستحيل أن نفهم كيف يفكر المتشددون الصينيون: الاعتقاد بأن الديمقراطية سيئة لأنها تخلق التنوع والفوضى والهوس بالسيطرة، وانعدام الثقة في أي شيء أجنبي، وجنون العظمة المطلق المتمثل في الاحتواء والتطويق والتحالفات الأجنبية ضد الصين، والعقلية التآمرية المتمثلة في «القوى الأجنبية المعادية» و«الأيادي السوداء» التي تقوض النظام السياسي في الخفاء، وعدم الإلمام التام بكيفية عمل المجتمعات الديمقراطية والمفتوحة. وفي الوقت نفسه، يعتنقون النزعة العسكرية ويعتقدون أن السلطة قادرة على حل أي مشكلة بينما لا توجد قيود داخلية تذكر على تلك السلطة.
مصلحة الحزب أولوية
ونوَّه الكاتب إلى أن ما يُشكِّل فكر كثيرين في قيادة الحزب الشيوعي الصيني على نحو أساسي هو الدعاية والأيديولوجية التي تعرَّضوا لها، وكذلك النظام السياسي الذي ليس له أصدقاء ولا يثق في أحد، إذ يمكن أن يُطعَن المرء في ظهره في أي لحظة. وقد أصبح أربعة من المسؤولين الـ 24 الرفيعي المستوى الذين خدموا مع «شي» في المكتب السياسي بين عامي 2007 و2012 أهدافًا لحملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد.
وفي جميع أنحاء الصين، ومنذ عام 2013، عاقب النظام الصيني أكثر من 2 مليون مسؤول. وكل هذه الإحصائيات لا تقارن بمناخ الاقتتال الداخلي والخوف منذ أيام الرئيس ماو تسي تونج. وبفضل مثل هذا النظام، فإن المسؤولين لا يميلون لتصور المخاطر والتهديدات الخارجية التي لا وجود لها فحسب، بل إنهم يرون الصين والعالم من خلال منظور أيديولوجي. فهم يحددون مصالح الصين أولًا وقبل كل شيء باعتبارها دولة يقودها الحزب الشيوعي الصيني، ومن ثُم تُعطي الأولوية لحكم الحزب على المصالح الوطنية، والتي كان من الممكن أن تُحدد على نحو مختلف في ظل نظام سياسي ديمقراطي.
وألمح الكاتب إلى أن هذه المُقتَضَيات الأيديولوجية وجنون العظمة يفرضان تكاليف حقيقية على علاقة الصين بالآخرين. والآن، باتت السويد المسالمة المحايدة الدولة الأوروبية التي لديها أسوأ علاقات دبلوماسية مع الصين، ولديها أيضًا علاقات اقتصادية قوية نسبيًّا مع الصين. والسبب يكمن في مصير رجل واحد فقط: جي مينهاي، وهو بائع كتب في هونج كونج يحمل الجنسية السويدية، والذي أدَّى سجنه في الصين إلى انتقادات وأطلق دوامة من تدهور العلاقات بين البلدين. وقبل 10 أعوام كانت النرويج المسالمة في نفس الموقف، وذلك بسبب شخص واحد فقط: المعارض الصيني ليو شياو بو، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام.
ويتكرر هذا النمط في مختلف أنحاء أوروبا؛ فالدول الأوروبية لديها الكثير لتستفيد منه من خلال التعاون الدبلوماسي أو الاقتصادي مع الصين، ولكن قضايا حقوق الإنسان، سواء كانت متعلقة بإقليم شينجيانج أو هونج كونج، تقف حجر عثرة أمام العلاقات التي قد تفضل النُّخب التجارية الأوروبية أن تكون أكثر هدوءًا. ولنأخذ المملكة المتحدة مثالًا؛ إذ إنها ممزقة بين محاولة إيجاد أسواق جديدة في الصين في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبين مطالب الحزبين بالتحرك بشأن الانتهاكات الصينية في شينجيانج وهونج كونج.
وكل هذا لا يؤدي إلى مواجهة بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية فحسب، مثل الحرب الباردة الأصلية، بل إلى مواجهة بين العالم الديمقراطي وجمهورية الصين، ربما إلى جانب حلفائها الاستبداديين في الغالب مثل روسيا. وحتى وقت قريب، كانت بكين ترغب بوضوح في الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية بالبلدان الديمقراطية المتقدمة، ولكن مع تشكيل الديمقراطيات لجبهة موحدة ضد الصين واختفاء الحوافز الاقتصادية لتعزيز التعاون، بدأت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ترى في الديمقراطية والمجتمع الحر ليس مجرد أعداء يتعين عليها التصدي لهم في الداخل، ولكن ينبغي لها مهاجمتهم في الخارج.
تهديد وجودي أم بارقة أمل؟
ويرى الكاتب أنه في حال احتدام المنافسة الأيديولوجية أكثر، فهناك خطر يتمثل في أن يصبح الحزب الشيوعي الصيني حقًا تهديدًا وجوديًّا للديمقراطية والحرية في مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عما إذا كانت «الصين ليست شيوعية حقًا». وفي الواقع، ومع تزايد ثروة الصين، وفي حين تتعمق التوترات الخارجية والداخلية ويزداد تطرف الحزب الشيوعي الصيني، فمن الممكن أن يتولى بعض أعضاء الحزب الذين يؤمنون بضرورة العودة إلى الملكية الاقتصادية الجماعية السيطرة على زمام الأمور في الحزب، وتحويل الصين إلى دولة شيوعية حقيقية، وتعزيز الثورة العالمية.
ويبدو أن هذا السيناريو بعيد المنال، ولكن لا يمكن رفضه بالكامل في وقت تحكم فيه الصينَ منظمةٌ استبداديةٌ مركزيةٌ لا يثق بعض زعمائها في الرأسمالية إلى حد كبير ويتوقون إلى أيام الزعيم ماو، في حين كان القرار الأولي بتبني الأسواق مُبرَرًا باعتباره إستراتيجية للوصول إلى مرحلة متقدمة من الاشتراكية.
ومن ناحية أخرى، هناك بارقة أمل للغرب تتمثل في حقيقة أن الصراع بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين من أجل التفوق العالمي هو صراع أيديولوجي، ذلك أنه يمثل فرصة للتواصل مع الشعب الصيني ومحاولة أن يظل الصراع بشأن القيادة، وليس بشأن الصين. وقد يصل بنا مثل هذا الصراع إلى خط النهاية: صين ليبرالية مسالمة تعاونية. وقد يظل الأمل قائمًا في أن تتمكن الصين والولايات المتحدة في يوم من الأيام من التعايش معًا على نحو جيد.
ولكن لكي يتحقق مثل هذا الأمل المنشود، يوصي الكاتب بضرورة أن تركز الولايات المتحدة على المجال الأيديولوجي بدلًا من المجال الجيوسياسي، لافتًا إلى أن دعوة الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا أو فيتنام إلى التحالف الجيوسياسي ضد الصين من شأنه أن يشكل خطئًا فادحًا، إذ إنه سيؤكد للشعب الصيني والعالم أن الولايات المتحدة لا تهتم بالديمقراطية وستواجه الصين بغض النظر عن نظامها السياسي.
وأكد الكاتب أن الصراع الأيديولوجي الذي قد ينتهي يومًا ما أفضل من الصراع الجيوسياسي الذي لا ينتهي أبدًا مع الصين، منوهًا إلى ضرورة أن تركز واشنطن على الشعب الصيني، وليس على محاربة الحزب الشيوعي الصيني فحسب، وأن تحاول منع نمو معاداة أمريكا في الصين في المستقبل، وخاصة إذا اشتد هذا الصراع وحاولت قيادة الحزب تأجيج المشاعر القومية.
ويختم الكاتب مقاله فيقول: وعلى الرغم من أن واشنطن وبكين لا يركز أيٌّ منهما حتى الآن على الإطاحة بحكومة الآخر، إلا أن كليهما متشبِّع بالفجوة الأيديولوجية بينهما والخوف من نوايا الطرف الآخر. وهذا ليس مجرد صراع بين الولايات المتحدة والصين، بل هو صراع بين جمهورية الصين الشعبية ومعظم العالم الديمقراطي. وكون هذا الصراع يبدو مختلفًا عن الحرب الباردة لا يعني أن الأيديولوجية قد ماتت؛ فالأيديولوجية في مقعد القيادة، وعلى الجميع ربط الأحزمة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».