على إثر النزاع الذي شهدته الولايات المتحدة خلال الشهور الماضية بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والكونجرس بشأن عمليات بيع الأسلحة لدول الخليج. يستعرض «أندرو إكزوم»، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لسياسات الشرق الأوسط، في هذا المقال الذي نشرته مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية تاريخًا من الدعم العسكري الأمريكي لدول الخليج، وما استتبعه ذلك من اعتماد خليجي مفرط على الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ما ينتقده مشيرًا إلى أولويات أخرى ينبغي على الولايات المتحدة الاتجاه إليها في المرحلة المقبلة.
يبدأ إكزوم مقاله بالإشارة إلى تداعيات التوترات الأخيرة في مضيق هرمز خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكيف أنها كانت محل انتباه ومصدر قلق بالنسبة لتلك الأجزاء من العالم التي لا تزال تعتمد على الوقود الأحفوري، وهو ما يعني العالم أجمع، إذ إنَّ المضيق هو القناة الضيقة التي تصل بين الخليج العربي الغني بالنفط، وقنوات الشحن عميقة المياه في المحيط الهندي.
وفي خضم هذا تعرض المحطات التلفزيونية صورًا لسفنٍ بحرية أمريكية ترافق ناقلات النفط عبر المضيق، لتأمين وصول النفط والغاز إلى أسواقهما. ويرى إكزوم أن هذا الأمر كان سيفًا ذا حدين، فمن ناحية كان مناسبًا ومشجعًا تمامًا لأن الهدف من البحرية، في النهاية، هو ضمان حرية الحركة للجيوش الصديقة وتجارتها وحرمان الأعداء من القدرة على فعل الأمر نفسه.
أما من ناحية أخرى، فإن حقيقة أن سفن البحرية الأمريكية ترافق الناقلات التجارية من إلى الخليج العربي، تطرح اتهامًا لإحدى مبادرات سياسة الولايات المتحدة كانت ممتدة خلال ست إدارات رئاسية أمريكية على الأقل، وما زالت تحظى حتى وقت قريب بدعمٍ متزايد من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس: الجهود لرفع القدرات العسكرية لشركائنا في الخليج.
الإستراتيجية الأمريكية في الخليج
يرى إكزوم أن الأزمة التي تشهدها المنطقة توفر فرصةً ليس لتقييم مدى وفعالية الجهود الأمريكية فحسب، بل تطرح سبيلًا لتكييف تلك الجهود بحيث تلائم الاحتياجات الاستراتيجية الأمريكية بقدر ملاءمتها احتياجات حلفائها، لأن ما فعلته الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية لا يبدو له، بحسب كلامه، أنه خدم المصالح الأمريكية على الوجه الأمثل.
إذ يقول: «إن الآونة الأخيرة شهدت بدء تساؤلات طرحها ممثلين وأعضاء في مجلس الشيوخ، من كلا الحزبين، عن مبيعات الأسلحة إلى الحلفاء السعوديين والإماراتيين على وجه الخصوص. فقد روّعهم حجم الخسائر في الأرواح بين المدنيين في اليمن، وبلغ الأمر الذروة في حالة ليندسي غراهام، من بين أمور أخرى، مع حادثة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي؛ مما دفعهم إلى اتخاذ خطوات في سبيل امتناع الإدارة الأمريكية عن إمداد حلفائها بأنواع معينة من الأسلحة. وهو ما ردّت عليه الإدارة بإعلان حالة الطوارئ الوطنية لمواصلة دعمها، مشيرةً إلى التهديد الذي تشكله إيران».
يضيف أنه رغم عدم إطلاعه إلى حد كبير على أدوار الجهات التشريعية والتنفيذية في مبيعات الأسلحة، فإن لديه الكثير لقوله بشأن المنفعة الاستراتيجية العائدة من عملية بيع الأسلحة نفسها. فقد تولى خلال الفترة من 2015 إلى 2017، في منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الشرق الأوسط؛ ما يعني إشرافه على برامج التعاون الأمني، بما في ذلك مبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومات الأجنبية في المنطقة.
وأيضًا فقد قاد خلال فترة سابقة من عمله بالبنتاجون، بين عامي 2012 و2013 مشروعًا تضمّن دراسة القدرات العسكرية الحقيقية، على أساسٍ من كل دولة في المنطقة على حدة، التي طوّرها شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، منذ البداية الفعلية لجهود التعاون الأمني الأمريكي، في أعقاب حرب الخليج.
كان هذا المشروع، وفقًا للمقال، مدفوعًا بتصورٍ دؤوب، وقتها، عند ضربٍ من «مراكز التفكير» من جيلٍ معين، وهو ما إذا كان في إمكانهم إنشاء «ناتو عربي» في الخليج، وعن مدى إمكانية تأسيس تحالف عسكري من دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة لتقييد إيران، على نمط التحالف العسكري الأوروبي الذي أقامته الولايات المتحدة لمحاصرة روسيا إبّان الحرب الباردة.
يرى إكزوم أنَّه ليس من الصعب معرفة أسباب دعم بعض الأشخاص لهذه الفكرة. فأولًا هم كانوا – في الغالب – الأشخاص أنفسهم الذين دافعوا عن إزالة أكثر العوائق فعاليّةً ضد طموحات جمهورية إيران الإسلامية: عراق صدام حسين.
وثانيًا على الرغم من كونهم في كثير من الحالات مهندسي أو مؤيدي أكبر أخطاء الولايات المتحدة فداحةً في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فقد كان لديهم الحس الاستراتيجي الكافي لإدراك أن الاحتفاظ بعشرات الآلاف من جنود الخدمة الأمريكية في منطقة الخليج لم يكن بأمر ذي معنى في قرنٍ كانت الصين تتحدى فيه الولايات المتحدة على الهيمنة في المحيط الهادي.
ثم يعود إكزوم إلى فترة مغادرته وظيفته في البنتاجون في يناير (كانون الثاني) 2017، ليقول: إن الولايات المتحدة، بحلول ذلك الوقت، كانت قد أمسى لديها ما يقارب 35 ألف جندي في منطقة الخليج وحدها، وكانت تلك القوات ترتكز في قواعد شبه دائمة. وأنه قد اعتاد مراجعة خطط البناء السنوية التي كانت تقدمها القيادة المركزية الأمريكية، وهو يتعجب من كل هذا الكم من الخرسانة التي أخذت الولايات المتحدة في استخدامها بمنطقةٍ كان الجميع يعرف – حسب رأيه – في عقولهم أنَّها ستكون أقل أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة في القرن التالي.
ومن ثمّ يأمل إكزوم أن يكون الحصار الذي قادت السعودية فرضه على قطر، والتشرذم الذي جنى به مجلس التعاون الخليجي على نفسه قد قضى على فكرة الناتو العربي نهائيًا، لكي لا يعاني موظفو مكاتب البنتاجون في المستقبل مما عانى هو منه.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة تعلمت بعض الأشياء مما حدث، سيسرد السيئ منها أولًا، والتي لم تكن سيئة تمامًا، ثم سينقل إلى الأمور الجيدة، التي هي أيضًا، ليست بجيدة تمامًا، قائلًا إنه في شئون الشرق الأوسط، كما يقول، ينبغي عليك أن تعتاد مثل هذا الغموض.
الإستراتيجية الأمريكية أثبتت فشلها
بدأ إكزوم حديثه عن الدروس السلبية التي تعلمتها الولايات المتحدة من فكرة الناتو العربي، بطرح وجهة نظره بأسلوب ربما يكون فظًا لكنه صريحًا: رغم إنفاق مليارات من الدولارات على المعدات العسكرية، فإن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج لا يمتلكون جيوشًا على قدر عالٍ من الكفاءة. جيوشٌ تتباهى بمجموعات ضخمة من الأسلحة والمعدات، بعضها صدئ، وبعضها لامع، غير أنها لا تتمتع بقدرات حقيقية.
لذلك، يقول إكزوم إنه يندهش حين يستدعي المسؤولون في الإدارة الأمريكية التهديدَ الذي تشكله إيران سببًا لمواصلة تسليح أولئك الشركاء، رغم اعتراضات الكونجرس، ففي حرب حقيقية مع إيران، الأرجح أن غاية ما ستحتاجه الولايات المتحدة من حلفائها الخليجيين فعله هو ألا يكونوا عقبة في طريقها.
فالمسؤولون الأمريكيون – حسب رأيه – لا يثقون في معظم الأحيان بقدرة الخليجيين على المشاركة في ما يفترض أنه سيكون نزاعًا شاقًا، يحتاج إلى تركيزٍ بالغٍ، وإمكانات حركية عالية.
يرى الكاتب أن الحرب في اليمن كانت كابوسًا إنسانيًّا، بيد أنها كانت – من جهة أخرى – كاشفةً على مستوى السياسات الدفاعية؛ إذ إنها مكّنت هذه الحرب الولايات المتحدة من رؤية ما يستطيع حلفاؤها في المنطقة – السعوديون، والكويتيون، والبحرانيون، والإماراتيون – فعله، وما لا يستطيعون القيام به. والنتيجة لم تكن جيدةً، في جزئها الأكبر.
يقول إكزوم إنه خلال فترة عمله الأخيرة في البنتاجون تبيّن له ولزملائه أن معظم الوفيات بين المدنيين في اليمن لم تكن على إثر جرائم تتعمّد القتل، بل جرائم سببها انعدام الكفاءة؛ فالقوات الجوية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية، لم تكن، ببساطةٍ، قادرةً على تخطيط أو تنفيذ حملة جوية مستقلة تتمكن فيها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، أو على الأقل في حالة الفشل في ذلك، أن تتمكن من تقليل حجم الخسائر البشرية بين المدنيين. وقد أدرك السعوديون ذلك في وقت مبكر من الحملة، وتوسّلوا من الولايات المتحدة تقديم المزيد من الدعم، وهو ما أبدت الولايات المتحدة ترددًا تجاهه؛ لأنها لم تكن تريد أن يكون لها يد في حربهم في اليمن أكثر مما كان لديها بالفعل، خاصة وأن الولايات المتحدة كان لديها قتال جارٍ مع «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وكانت في حاجة إلى كل الموارد المتاحة لهزيمته.
اختلال أولويات دول الخليج في التسليح
ومما ضاعف من تلك الإخفاقات، وفقًا للمقال، حقيقة أن حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين استثمروا في تلك المناطق التي لا يمكنهم فيها مضاهاة الولايات المتحدة، وليس في تلك المناطق التي يمكن للولايات المتحدة بالفعل الاستفادة من إمكانات حلفائها. فقد أنفقوا أموالًا كثيرة في إنشاء قوات جوية باهظة الثمن، وهي، على سبيل المثال، لا يمكنها – إلى حد كبير – فعل ما يطلبه منها قادتها.
في الوقت نفسه، فإن تلك الدول التي يعتمد اقتصادها على قدرتها على نقل البترول والغاز إلى السوق عبر البحر لم تنفق ما يكفي من مال على الإطلاق في إنشاء قوات بحرية قادرة على القيام بحراسة الممرات البحرية، أو كاسحات ألغام يمكنها في حالة إغلاقها إعادة فتح الممرات البحرية نفسها التي تمر عبر مضيق هرمز، أو مضيق باب المندب.
ولهذا السبب تحديدًا – وفقًا لإكزوم – فإن الأرجح أن ترى سفينة بحرية أمريكية ترافق ناقلة نفط عبر مضيق هرمز من أن ترى سفينة بحرية خليجية. وهذا ما جعل ضابط بحرية أمريكية يندب له في أسف خلال زيارته إحدى دول الخليج، قائلًا: «من بين القوات الثلاث هنا، سيدي، تحلّ القوات البحرية في المرتبة الرابعة من حيث الأولوية!»
غير أنه يرى أن القوات البرية ليست أفضل حالًا بكثير. فمثله مثل المعارك البحرية، ليس القتال البري ولا الأشياء التي ينبغي على المرء فعلها لإجادته، أمرًا جذابًا. إذ يجب عليك أن تكون لائقًا من الناحية البدنية (وهذا يتضمن الركض كثيرًا)، وقضاء الكثير من الوقت في ساحات التدرب على السلاح (وهو ما يتضمن التعرق كثيرًا)، وتكرار التدريبات العسكرية وغيرها من المهمات الجماعية حتى الغثيان (وهو ما يتضمن الكثير من الركض والتعرق كليهما).
ثم يروي إكزوم أنه أمضى، ذات مرة خمسة أشهر يقوم بكل تلك التدريبات مع فصيلة مشاة خفيفة في صحراء الكويت الحارة. حيث لم يكن الأمر ممتعًا حقًا. فالشمس حادة، والرمال حارقة، في الوقت الذي كان هو يحاول أن يجعل مجموعة من المراهقين محافظين على تركيزهم في درجة حرارة تبلغ المائة فهرنهايت (حوالي 38 درجة سيليزيوس).
ومع ذلك فقد كان مدركًا أن تلقي رصاصة من العدو ليس أقل سوءًا من ذلك. غير أن القوات البرية السعودية على وجه الخصوص أبدت على امتداد الحدود مع اليمن افتقارًا كبيرًا إلى القدرة على المناورة والاشتباك مع قوات عدوها، وهو الهدف الرئيس أصلًا من امتلاك قوات المناورة البرية.
ومن ثمّ ساهم فشل القوات البرية السعودية والقوات المتحالفة معها في الاعتماد المفرط على القوات الجوية التي قضت معظم العقود القليلة الماضية في التدرب على معارك القتال الجوية، والتي لا تزال غير جيدة فيها، إذا لم نكن ندرّج على منحنى، وكانت غير مستعدة إلى حد كبير لتلبية ما طلب منها في اليمن، وهو ما وقع على كثير من الضحايا اليمنيين اكتشافه مع الأسف.
يقول إكزوم: إن النقطة المضيئة الوحيدة في كل تلك الأخبار السيئة هي أن أيًا من حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين لا يبدو مستعدًا لتحدي التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في أي وقتٍ قريب، سواءً فرديًا أو جماعيًا، بالإضافة إلى امتلاك الولايات المتحدة النفوذ على حلفائها طالما ظلوا معتمدين عليها في منظومة الدفاع المشتركة.
عرض إماراتي لا يُرفض للولايات المتحدة
أما الأخبار الجيدة – وفقًا للمقال – فهي أن بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وليس الكثير منهم، بل بعضهم، طوّروا قدرات عسكرية كبيرة وحقيقية. فالحلفاء الإماراتيون – على سبيل المثال – غدا بإمكانهم تنفيذ عمليات عسكرية مستقلة بالفعل، وقواتهم الجوية والخاصة أصبح لديها القدرة على العمل إلى جانب قوات الولايات المتحدة. والواقع أنهم قاموا بالفعل بالعمل إلى جانب تلك القوات على امتداد العقد الماضي، بما في ذلك أفغانستان.
ثم يشير إكزوم إلى أن أحد الأشياء الغائبة عن سلسلة المقالات الأخيرة التي تبدي امتعاضها من التأثير الإماراتي في واشنطن هي القيمة الحقيقية التي أتى بها الإماراتيون إلى طاولة العلاقات مع الولايات المتحدة.
فالسبب الذي جعل ضباط الجيش الأمريكي خاصة يقعون في حب نظرائهم الإماراتيين أن ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، قد استثمر في إمكاناته الفعلية، وأصبح لديه قوات عسكرية يمكن للأمريكيين التعامل معها معاملة الأقران.
ثم يلفت المقال الانتباه إلى أن ثمة خطرًا ينطوي عليه دعم حلفائك في إنشاء قدرات عسكرية مستقلة، وهو أنه في حال نجاحك تكون قد ساعدت حلفاءك في إنشاء إمكانات عسكرية مستقلة عنك. وقد يستخدمون إمكاناتهم الجديدة، من اليمن إلى ليبيا، في تحقيق أهداف استراتيجية مختلفة عن أهدافك. (يقول إكزوم: إن الأصدقاء الإماراتيين، اكتشفوا في اليمن شيئًا كانت الولايات المتحدة قد ذكرتها الحرب في العراق وأفغانستان به: التفوق العملياتي على مستوى الجنود والمعدات وحده لا يكفي غالبًا لتحقيق انتصار استراتيجي).
يطرح إكزوم تساؤلًا عن السبب الذي يجعل الإدارة الأمريكية الحالية تقاتل إلى تلك الدرجة، رغم ما سبق ذكره، لمواصلة تسليح حلفاء الولايات المتحدة في الخليج؟ ويبدي تشككًا في أن يكون السبب، ببساطة، هو مجرد دعم القاعدة الصناعية العسكرية الأمريكية، وهو أمر بالتأكيد في حسبانها، حسب رأيه.
ويقول إنه رغم أن بعض الاستراتيجيين الأمريكيين يكنّون تخوفات حقيقية بأن توقف الولايات المتحدة عن تسليح حلفائها قد يفتح المجال لمنافسين مثل روسيا والصين للقيام بذلك. إلا أنهم لا يستطيعون الاستشهاد بتلك المخاوف لتسويغ إعلان «حالة الطوارئ» التي تسمح بمواصلة تسليح الإماراتيين والسعوديين رغم اعتراضات الكونجرس؛ لأن تلك التخوفات أكبر من مجرد قلق استراتيجي، بل إنها وفقًا لمحادثاته مع مسؤولين أمريكيين وسعوديين وإماراتيين، أحد المحركات الرئيسة للسياسة الأمريكية.
هذا ما تخشاه أمريكا فعلًا
ومع ذلك يرى إكزوم أن هذا السبب ليس سببًا كافيًا. فهو يرى أنه ليس بإمكان روسيا والصين على المدى القريب منافسة عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في المنطقة. كما أن أيًا من حلفاء أمريكا في المنطقة لن يستدعي الجيش الصيني لإنقاذه من البحرية الإيرانية. لذلك يقول إن الولايات المتحدة ينبغي عليها التوقف عن الخوف إلى تلك الدرجة من الأشباح الصينية والروسية، مهما كان من أمر مغازلة بعض حلفاء الولايات المتحدة خصومها علنًا بين الحين والآخر.
فأحد الأسباب وراء قيامهم بذلك، هو أن مصالحهم الاستراتيجية في النهاية تختلف عن مصالح الولايات المتحدة؛ فواشنطن تريد إعادة التوازن إلى مواردها في مواجهة التحديات الأمنية المستقبلية في الوقت الذي تسعى فيه إلى إبقاء أكبر عدد ممكن من القوات الأمريكية مرتكزًا في المنطقة لحمايتهم.
يرى الكاتب أنَّ الولايات المتحدة لا ينبغي عليها في المستقبل أن تتحمل عبء التركيز في بناء قدرات حلفائها، إلا إذا كان ثمة منفعة مباشرة ستجنيها من وراء ذلك. خاصة بعد المبيعات الضخمة الأخيرة من الطائرات القتالية إلى السعودية من نوع «إف-15»، والكويت من نوع «إف-18»، وقطر من نوع «إف-15»؛ فقد قامت الولايات المتحدة – حسب المقال – ببيع ما يكفي من الطائرات القتالية المتقدمة إلى المنطقة.
وقد يقول السعوديون وباقي دول الخليج الآن إنهم في حاجة إلى طائرات من نوع «إف-35» و«إف-22» لردع إيران، بيد أنه لا يوجد أي دليل على أن إيران قد ردعتها مقاتلات الجيل الرابع، لذلك يقول إكزوم إنه لا يرى سببًا يدعوه إلى القول بأن مقاتلات الجيل الخامس ستدفع فجأةً قاسم سليماني ورفاقه إلى تغيير طريقة تعاملهم مع دول الخليج.
بناءً على ذلك يرى إكزوم أن الولايات المتحدة ينبغي عليها مساعدة حلفائها على بناء قدراتهم بحيث تقل الأعباء على كاهلها، وهو ما يعني إلى حد كبير إنشاء قوات بحرية، ودفاعات جوية وصاروخية موحدّة، نقطة مضيئة أخرى نادرة في الجهود التي ساهمت بها الولايات المتحدة في بناء قدرات حلفائها على الأقل حتى توقفت دول الخليج عن التحدث مع قطر، موطن أكبر قاعدة جوية عسكرية أمريكية في المنطقة. فلا بأس إذا أرادت الولايات المتحدة – حسب رأيه – بيع الخليج أسلحة، غير إنها ينبغي أن تبيعها بعض الفرقاطات البحرية والدفاعات الجوية أيضًا.
تخوف أمريكي دون داع
بيد أن ذلك لن يكون سهلًا، وفقًا للمقال، لسببين: أولهما: خلاف مصر أو لبنان أو إسرائيل، فإن الجيوش الخليجية ليست ضمن المستفيدين من الهبات الأمريكية في شكل تمويل عسكري لدول أجنبية، وهي آلية تمنح الولايات المتحدة الدولَ من خلالها أموالًا تقوم بإنفاقها على شراء أسلحة أمريكية وتنفيذ تدريبات عسكرية معها.
أما دول الخليج فلديها دولاراتها الخاصة التي يمكنها أن تنفها كيفما تشاء، كما أنه لا يتعين عليها إنفاق تلك الأموال على شراء أسلحة أمريكية. كذلك فإذا لم تبيعها الولايات المتحدة منظومات أسلحة أمريكية، فستشتري نظيرتها من مكان آخر. لكن دول الخليج، تعرف أنها إذا أقدمت على ذلك، فسيكون على مسؤوليتها الخاصة.
فهي إذا اشترت مجموعة من الطائرات بدون طيار الصينية، وبدأت في السماح للمهندسين الصينيين بالتجول في قواعدها الجوية، فلن يمر وقت طويل قبل أن تجد تلك الطائرات الأمريكية والعسكريون الأمريكيون قاعدة أخرى. والحلفاء الخليجيون، حسب المجلة، لا يريدون ذلك، فهم يفضلون أن تكون الولايات المتحدة قريبة منهم.
السبب الثاني، هو أن الحلفاء الخليجيين أبدوا براعة فائقة في إثارة خوف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من خلال الإشارة إلى خشيتهم من تخلي الولايات المتحدة عنهم. فقد عادت كونداليزا رايس في مرة، على سبيل المثال، من اجتماع مع الملك عبد الله ملك السعودية الراحل، إبّان الولاية الثانية لإدارة الرئيس جورج بوش، وهي متخوفة من قلقٍ أبداه الملك عبد الله لها من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وهذا في وقت كانت الولايات المتحدة لديها 150 ألف جندي في العراق وحدها.
وقد كان هذا الخوف الشعلة التي قادت إلى ما امتد الآن إلى عقد من الزمن من حملات بيع الولايات المتحدة الأسلحة لشركائها الخليجيين، بما في ذلك التوافق في المعدات والتقنيات، وما استتبعه من تعميق العلاقات الثنائية بين الجيش الأمريكي والجيوش الخليجية.
لكن الحلفاء الخليجيين، بحسب المقال، سيزعمون دائمًا تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة، حتى إعادة التموضع الدائمة للفيلق الثامن عشر المحمول جوًا في الكويت لن تغير ذلك. فقد زعموا ذلك خلال إدارة بوش، وزعموه خلال إدارة أوباما، ويقول إكزوم إنه يجزم أنهم يسوقون نفس الزعم إلى اليوم.
فذلك الخوف، حسب رأيه، يرتكز على رؤية واضحة لوجود الولايات المتحدة في المنطقة. وقد يرون في هذا الوجود بعض الوجاهة، لكن ليس بتلك الأعداد الحالية. إذ أنهم يعرفون، في صميم قلوبهم، أن لدى الولايات المتحدة أولويات أكبر في أماكن أخرى. ثم يقول إكزوم موجهًا خطابه إلى الأمريكيين: «ألم يأن للقلوب الأمريكية أن تعرف الحقيقة نفسها».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».