نشرت مجلة «ذا دبلومات» تقريرًا أعدَّه مايكل شارف، عميد كلية الحقوق في جامعة «كيس وسترن ريسرف»، وباول وليامز، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في كلية «الخدمة الدولية» بالجامعة الأمريكية، وميلينا ستيريو، أستاذة القانون في كلية «كليفلاند مارشال للقانون»، تناولوا فيه عزوف الولايات المتحدة عن وَصْم الجرائم التي ارتكبتها ميانمار ضد أقلية الروهينجا بالإبادة الجماعية، وأنه آن الأوان حتى تتراجع واشنطن عن هذا الموقف، لا سيما بعد أن وصمت إدارة بايدن الجرائم التي ارتُكِبَت ضد الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية بأنها إبادة جماعية.

أمريكا والعدالة المتأخرة

يستهل الكتَّاب تقريرهم بالإشارة إلى أن العدالة المتأخرة بمثابة حرمان من العدالة. وبصفتهم محامين قدَّموا المشورة لكل محكمة جنائية ومختلطة دولية تقريبًا، فضلًا عن قضائهم ما يربو على عشرين عامًا في ميدان إجراء مفاوضات تهدف إلى تحقيق السلام في جميع أنحاء العالم، رأى الكتَّاب تداعيات تجاهل ارتكاب أعمال وحشية باسم الحفاظ على السلام أو التحالفات رأي العين.

دولي

منذ سنتين
مترجم: بوريس جونسون يندد بانقلاب ميانمار.. لكن لماذا لم يتحدث عن الروهينجا؟

ويؤكد التقرير أن إدارة بايدن لديها فرصة تاريخية. ووَصْم الأعمال الوحشية التي ارتُكِبَت ضد الروهينجا في ولاية راخين في ميانمار بأنها إبادة جماعية يُقدِّم فرصة لإدارة بايدن حتى تعيد تأكيد سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية في مجال حقوق الإنسان وتقود المجتمع الدولي في قضايا العدالة والمساءلة. وينبغي أن تُعرب إدارة بايدن عن موقفها بحَزْمٍ ووضوحٍ لصالح تحميل ميانمار والأفراد الجُناة مسؤولية ارتكاب «جريمة الجرائم».

إبادة الروهينجا.. بعثة تحقيق

ويؤكد الكتَّاب أنهم يعلمون تمام العلم خطورة الأعمال الوحشية التي ارتُكِبَت ضد الروهينجا. وفي مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2018، أوفدت مؤسسة المحاماة الخيرية التي يملكها الكُتَّاب، والتي تحمل اسم (مجموعة القانون الدولي العام والسياسة)، بناءً على طلبٍ من وزارة الخارجية الأمريكية، بعثة تحقيق واسعة النطاق وشاملة لتوثيق حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين ومناطق الاستيطان في شرق بنجلاديش.

وتهدف بعثة التحقيق التي أوفَدوها إلى تقديم وصفٍ دقيقٍ لأنماط الانتهاكات وجرائم الأعمال الوحشية التي ارتُكِبَت ضد الروهينجا في ولاية راخين في ميانمار والمساعدة في اتخاذ قرارات السياسة المتعلقة بالخضوع للمساءلة في ميانمار.

وأجرى فريق المحققين الخبراء التابع للكتَّاب مقابلات مع أكثر من ألف لاجئ من الروهينجا في المخيمات التي تقع في مدينة كوكس بازار، ووثَّق الفريق أنماطًا مُروِّعة من العنف والاعتداءات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبَت ضد الروهينجا على نطاق واسع.

Embed from Getty Images

ومن بين هذه الاعتداءات ارتكاب أعمال قتل وتعذيب واضطهاد واغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي التي ارتُكِبَت على نطاق واسع.

وحلَّل الفريق التابع للكُتَّاب، بما في ذلك كثير من المحامين الذين كانوا يعملون لدى وزارة الخارجية الأمريكية في وقتٍ سابق، 1,500 صفحة من الأجوبة على المقابلات المُستخلَصَة من 1,024 استبيانًا. وبعد نظرهم في الأدلة، خلُص الكُتَّاب إلى أن هناك أسبابًا منطقية تقود إلى الاعتقاد بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الروهينجا في ولاية راخين التي تقع شمال البلاد.

إدارة ترامب فضَّلت التزام الصمت

وينوِّه الكُتَّاب أنهم عندما أرسلوا تقرير النتائج الوقائعية والبيانات إلى وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2018، فضَّلت إدارة ترامب عدم وصم أي جريمة من هذه الجرائم بأنها إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية، وبذلك أضحت الولايات المتحدة مُعفاة من أي التزام قانوني أو أخلاقي يهدف إلى اتخاذ إجراءات في هذا الشأن.

وفي أبريل من هذا العام، أبْدَت إدارة بايدن استعدادها للاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية في سياق آخر، وأصبح الرئيس بايدن أول رئيس أمريكي يصف الجرائم التي ارتُكِبَت ضد الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية رسميًّا بأنها إبادة جماعية. ولا ينبغي أن تنتظر الولايات المتحدة 106 أعوام (أو حتى 106 أيام) حتى تصف على نحوٍ مماثلٍ الجرائم التي ارتُكِبَت ضد المدنيين الروهينجا (بأنها إبادة جماعية). ومن خلال اعترافها بالإبادة الجماعية للروهينجا، تمتلك إدارة بايدن الفرصة النادرة لتُصحِّح ارتكاب خطأ سابق وتتولى القيادة على الصعيد الدولي بوضوح أخلاقي.

تداعيات صمت المجتمع الدولي

وفي ظل التزام المجتمع الدولي الصمت إلى حدٍ كبيرٍ إزاء الإبادة الجماعية للروهينجا، بدأ الكُتَّاب بالفعل في مشاهدة تداعيات هذا الصمت، إذ نُقل أكثر من 1,800 من الروهينجا من المخيمات التي تقع في مدينة كوكس بازار إلى جزيرة نائية في بنجلاديش خلال الأشهر الستة الماضية. وواجه الروهينجا الذين ما زالوا يعيشون في كوكس بازار حرائق قاتلة وتدميرًا مستمرًا ومريبًا لمنازِلهم ومصادر رزقهم.

ويشير التقرير إلى أن هذا الصمت والتواطؤ أدَّى إلى تقويض شرعية الحكومة الديمقراطية وتمكين الجيش في ميانمار نفسها.

Embed from Getty Images

ومع أن أون سان سو تشي دافعت عن الإجراءات التي اتخذها الجيش الميانماري ضد سكان الروهينجا أمام محكمة العدل الدولية، إلا أنَّها قوَّضت سلطتها الأخلاقية لتقود ميانمار باعتبارها دولة ديمقراطية وشجَّعت الجيش على إنهاء دورها القيادي على حدٍ سواء، كما حدث في الانقلاب والاضطرابات التي اندلعت خلال هذا العام.

ويختم الكُتَّاب تقريرهم بالقول: حتى تتمكَّن الولايات المتحدة من تحقيق سلام دائم في ميانمار وتوفير العدالة والإنصاف ومستقبل يبعث على الأمل لضحايا الإبادة الجماعية للروهينجا، يجب أن تستخدم واشنطن مركز قوتها على الصعيد الدولي لتقود العالم بقيم حقوق الإنسان وتعترف بالإبادة الجماعية للروهينجا. وباعتبارها قائدًا دوليًّا، ربما «تعود» أمريكا لسابق عهدها، ولكن ينبغي ألا تعود لممارسة أعمالها التجارية كعادتها مع الاعتراف المتأخر بالإبادة الجماعية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد