قال تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: إن انضمام طبقة الفقراء والكادحين إلى الاحتجاجات التي تشهدها فنزويلا مؤخرًا قد يدفع بالبلاد إلى نقطة تحول، وإن كانت لا تزال هناك تحديات أمام انضمام المعوزين للتظاهرات التي يرى البعض منهم أنها لم تقدم شيئًا حتى الآن.
وعقد التقرير مقارنة بين موقف الأسر في الأحياء الفقيرة في التلال التي شهدت حب الأهالي للرئيس السابق هوغو تشافيز، وموقفها الحالي المناهض للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
شافيز، الرجل الذى وعد بلاده بـ«ثورة» اشتراكية، كان يحب الاختلاط بحشود الفنزويليين الفقراء، ولكن عندما ظهر خليفته في العلن في الأشهر الأخيرة، تم طرده بالبيض من قبل الغوغاء الغاضبين.
مع تصاعد الحركة الاحتجاجية الدموية في البلاد، أصبح ولاء مواطني فنزويلا الفقراء عاملًا متأرجحًا في تحديد ما إذا كان الرئيس سيبقى على قيد الحياة.
نقل التقرير عن إيرين كاستيلو (26 عامًا) التي تعيش في حي لا يبعد كثيرًا عن القصر الرئاسي، قولها: «إن مادورو مختلف جدًا». كاستيلو صوتت لصالح مادورو في عام 2013 عندما توفي شافيز بعد 14 عامًا في السلطة، إلا أنه لم يعد أحد من الكتلة المؤيدة للحكومة من أمثال كاستيلو يدعم الحكومة بعد الآن.
ومع تصاعد الحركة الاحتجاجية الدموية في البلاد التي استمرت شهرًا واحدًا فى مواجهة طويلة الأجل بين المتظاهرين والحكومة، أصبح ولاء مواطني فنزويلا الفقراء مثل كاستيلو عاملًا متأرجحًا في تحديد ما إذا كان الرئيس سيبقى على قيد الحياة.
اقرأ أيضًا: الاحتجاجات في فنزويلا.. هكذا تعلو أصوات الجماهير فوق صوت المعركة
غضب الطبقة الوسطى
تجدر الإشارة إلى أن الآلاف من المتظاهرين الذين ينزلون إلى الشوارع فى الأسابيع الأخيرة هم فى الغالب من الطبقة الوسطى التى استشاطت غضبًا من انهيار فنزويلا الاقتصادى والحكم الاستبدادي المتزايد للحكومة، ولكن الفنزويليين من معاقل الرئيس الفنزويلي السابق تشافيز بدأوا منذ فترة طويلة في الانضمام إلى المسيرات المناهضة للحكومة. احتج سكان حي كاستيلو علنًا ضد مادورو للمرة الأولى الأسبوع الماضي.
واستجاب القادة المؤيدون للحكومة في أحياء مثل جوارتارو بتهديدهم بحجب حصص الإعاشة لأولئك الذين يسيرون مع المعارضة أو يفشلون في الانضمام إلى تجمعات موالية لمادورو. وتنتشر جماعات الميليشيات المسلحة من قبل الحكومة والمعروفة باسم «كولكتيفوس» لتخويف المنشقين المحتملين.
بصرف النظر عن التمرد العسكري، ربما لا يوجد شيء يخشاه مادورو أكثر من مجرد تمرد ينتشر عبر الأحياء التي طالما أيدت تشافيز.
قال التقرير: إنه مع تصاعد المواجهة، لا يزال العديد من الفنزويليين المعوزين الآخرين على الهامش، ويشعرون بخيبة أملهم مع مادورو، ولكن انشغالهم بالبحث عن الطعام يشغلهم عن الانضمام إلى المسيرات.
وبصرف النظر عن التمرد العسكري، ربما لا يوجد شيء يخشاه مادورو أكثر من مجرد تمرد ينتشر عبر الأحياء التي طالما أيدت تشافيز. هناك إشارات على أن هذا يحدث بالفعل، بحسب ما أورده التقرير.
في عدة مناسبات هذا الشهر، ظهر نمط يسود فيه معظم الفنزويليين من الطبقة المتوسطة والنشطاء من الطلاب الطريق السريع الرئيس في العاصمة خلال النهار، في حين أن السكان الأكثر فقرًا يظهرون في احتجاجاتهم الأصغر في أحيائهم في الليل، وقد تحول البعض منها إلى أعمال فوضى ونهب.
وفي جوارتارو، حيث كثيرًا ما يتم قطع الخدمات مثل الكهرباء والماء، قام السكان ببناء حواجز من الحطام المشتعل في الشوارع الأسبوع الماضي، وتزيين الأواني في نوافذهم لإظهار إحباطهم.
ونقل التقرير عن مارغريتا لوبيز مايا، المحللة السياسية فى كاراكاس، قولها: «لا يوجد خبز، لكن الحكومة لا تزال تصر على أن غالبية الفنزويليين يقفون في جانبها، لذلك تبدو منعزلة بشكل متزايد عن واقع حياة الناس».
اقرأ أيضًا: بعد عزل رئيسة البرازيل.. الولايات المتحدة تعود لتدبير الانقلابات في أمريكا اللاتينية
بطون فارغة ومشاكل نفسية
وفقًا للتقرير، يطالب زعماء حزب الوحدة الديمقراطية، وهو التحالف الكبير الذي يضم خصوم مادورو، الحكومة بإطلاق سراح السجناء السياسيين، واستعادة السلطة الكاملة للسلطة التشريعية.
مادورو من جانبه دعا المؤيدين إلى مسيرة في كاراكاس في الأول من مايو (أيار)، يوم العمال العالمى، فى استعراض للقوة. وهو يصور خصومه على أنهم إرهابيون يحاولون زرع الفوضى لتهيئة الأرض لغزو أجنبي.
قال التقرير: إنها – ومع امتلاكها أكبر احتياطي للنفط في العالم، كانت فنزويلا – واحدة من أكثر دول أمريكا اللاتينية ازدهارًا. أما الآن، فقد باتت من بين الأكثر بؤسًا، حيث تعاني البلاد من الجريمة المتفشية والفساد والاختلال الوظيفي الحكومي. وقد أدت ندرة الغذاء والدواء إلى زيادة عدد الفنزويليين الذين يعانون من بطون فارغة أو يعانون من مشاكل في المستشفيات البائسة.
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها ثلاث من الجامعات الرائدة في البلاد أن ثلاثة أرباع الفنزويليين فقدوا الوزن في العام الماضي، بمتوسط 19 باوند.
وأوضح التقرير أنه مع إدراك الحكومة بأن الجوع الجماعي سيعجل بانهيار سياسة مادورو السياسية، فقد بدأت فى العام الماضي بتخصيص حقائب غذائية للفنزويليين فى المناطق الفقيرة، وكلفت نشطاء الحزب المحليين بمسئولية التوزيع. يعرف البرنامج باسم CLAP، وفي أحياء مثل جوارتارو، يعرف السكان أنهم يمكن أن يفقدوا وجبات الطعام إذا انضموا إلى الاحتجاجات أو رفضوا الانضمام إلى المسيرات التي تنظمها الحكومة.
مع امتلاكها أكبر احتياطي للنفط في العالم، كانت فنزويلا واحدة من أكثر دول أمريكا اللاتينية ازدهارًا. أما الآن، فقد باتت من بين الأكثر بؤسًا، حيث تعاني البلاد من الجريمة المتفشية والفساد والاختلال الوظيفي الحكومي.
ونقل التقرير عن ميرلينيس بالاسيوس، 45 عامًا، وهو ناشط في حزب زعيم المعارضة هنريك كابريلز، بريميرو جوستيسيا، الذي منع مؤخرًا من الترشح للرئاسة لمدة 15 عامًا، قوله: «إنهم يخشون فقدان حقيبة CLAP».
وفي مقابلات أجريت مع الصحيفة الأمريكية، قال عدد من سكان أحياء كراكاس الأفقر إنهم تلقوا تحذيرات من المشاركة في أي احتجاجات مناهضة للحكومة. وقال أحدهم، طالبًا عدم الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام: «لقد ابتزونا بحقائب الطعام».
وذكر التقرير أن مسلحي «كولكتيفوس» الموالون للحكومة، يشكلون تهديدًا أكثر خطورة. وقال فيل جونسون، وهو محلل فى فنزويلا تابع لمجموعة الأزمات الدولية، إنهم يعملون كقوة شرطة شبه عسكرية، ويقمعون الاحتجاجات المحتملة، بينما يسمحون للحكومة بانكار المسؤولية عن أعمال عنفهم.
اقرأ أيضًا: «بروكنجز»: 10 معلومات تود معرفتها عن احتجاجات فنزويلا الأخيرة
«لن أخاطر بحياتي»
وقال جونسون إن الحكومة تفقد قلوب وعقول فقراء فنزويلا، لذا فإن سيطرتها هي إلى حد كبير من خلال القوة والتهديد بإنكار مزايا الرعاية الاجتماعية الحكومية بما في ذلك الغذاء.
كما نقل التقرير عن لويس فيسينتى ليون، مدير شركة «داتاناليسيس» لاستطلاعات الرأي التي أظهر استطلاعها الأخير أن 88% من الفنزويليين غير راضين عن الحكومة، نقل عنه قوله إنه لا يزال يشار إلى الأحياء الفقيرة على أنها أحياء «تشافيستا» (نسبة إلى تشافيز)، إلا أن التسمية لم تعد سارية.
إن عدد الفنزويليين الفقراء في الاحتجاجات المعارضة الآن أكثر مما كان عليه الحال في عام 2014 عندما واجهت الحكومة آخر تمرد استمر لشهور، مصحوبًا بالاشتباكات التي قتل فيها أكثر من 40 شخصًا.
وقال ليون: «إن الفنزويليين الذين يعيشون فى تلك الأحياء يريدون التغيير أيضًا، لكنهم ليس لديهم الوقت للذهاب الى المسيرات، وليس لديهم قيادة».
إلا أن ليون لفت إلى أن هناك عدد من الفنزويليين الفقراء في الاحتجاجات المعارضة الآن أكثر مما كان عليه الحال في عام 2014 عندما واجهت الحكومة آخر تمرد استمر لشهور، مصحوبًا بالاشتباكات التي قتل فيها أكثر من 40 شخصًا. وأدى العنف الأمني هذا الشهر إلى مصرع 29 شخصًا من بينهم فنزويليين قتلوا خلال عمليات النهب.
ولا يزال لدى مادورو الجيش الفنزويلي وعائداته النفطية ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة. وربما تكون العقبة الأكبر التي تواجهها المعارضة في مناشدة الفقراء هي التصور بأن الاحتجاجات في الشوارع لن تحدث فرقًا.
وقال زافير هيرنانديز، 23 عامًا، وهو سائق سيارة أجرة دراجة نارية: «إننا نقترب من شهر من الاحتجاجات، ولم يحدث شيء. إنني لن أخاطر بحياتي لذلك».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».