تتصدر سوريا من جديد العناوين الرئيسية. فبينما يهاجر آلاف السوريين في رحلة خطيرة إلى أوروبا، يواجه القادة السياسيّون في الغرب عواقب غير متوقعة لفشلهم في إنهاء الصراع الذي تسبب في مقتل أكثر من 250 ألف شخص ونزوح 11 مليونا آخرين. في وسط هذه الفوضى، تباشر روسيا عمليتها العسكرية الخارجية الثانية من نوعها خلال 18 شهرًا. خلال ثلاثة أسابيع وضعت موسكو 28 طائرة مقاتلة، 14 هيلكوبتر، مجموعة من الدبابات، أنظمة دفاع جوي و2000 جندي في الشمال الغربي السوري.

يجب ألا يؤخذ الادعاء الروسي، بأن الهدف من تواجد قواته استهداف تنظيم الدولة الإسلامية، يجب ألا يؤخذ بشكل دقيق. فبينما يشير إلى عداء واضح للجهاديين، تُعرف موسكو جيدًا برؤيتها للمعارضة المسلحة كإسلاميين ولكن بشكل غير رسمي وكخطر على الأمن العالمي. بينما تَعتبر القاعدة وتنظيم الدولة وبقية التنظيمات المشابهة لها فكريا أنفُسها قوى فاعلة في سوريا، فإن هذه التقييمات الشاملة تبدو خاطئة. يأتي تدخل روسيا لسوء الحظ بينما تسقط السياسة الأمريكية لأدنى مستوياتها. بعد أن قامت القاعدة باختطاف وقتل وإجبار الدفعة الأولى من المعارضة المدربة والمجهزة أمريكيًّا على الهروب في أواخر يوليو، قامت الدفعة الثانية بتسليم نصف آلياتها و25% من ذخائرها للدخول إلى سوريا قبل بضعة أيام.

سيكون من أقل الأوصاف لُطفًا أن يُقال أن هذه المهمة “كارثة”.

ففي هذه الأثناء تبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون منفصلين عن الحقائق الجارية في سوريا بشكل خطير. فبينما يصبح تهديد نتظيم الدولة الإسلامية هوسًا اعتياديًّا، تجاهل هؤلاء الحلفاء الديناميكيات الأكثر تعقيدًا في بقية سوريا وأساؤوا فهمها.

هذه العزلة أصبحت واضحة في التصريحات الأخيرة التي أدلت بها القيادات السياسية في أمريكا وأوروبا والتي اقترحت عدم اعتبار ترك بشار للسلطة جزءًا من الحل في الأزمة السورية. فبينما لا يكون هذا الاقتراح غير منطقي بالضرورة للمراقب العادي، فهو يتجاهل الحقيقة التي مفادها أن هناك 100 ألف رجل سوري أقسموا على مقاتلة النظام حتى إزاحة بشار عن السلطة.

تظهر حقيقة بسيطة تم نسيانها أو تجاهلها عمدًا أمام هذه المكائد الجيوسياسية: لا يجب أن يُنظر أبدًا إلى بشار الأسد كبديل لتنظيم الدولة وهو ليس كذلك الآن.  منذ اندلاع الثورة، قام جهاز الاستخبارات السوري بتسهيل ظهور الجهاديين. سياسة الدعم والتحريض التي مارسها هذا الجهاز للتلاعب بهم لأجل مصلحة النظام هو من صميم أعمال أسرة الأسد منذ التسعينات على الأقل. بإفراج النظام عن العشرات من سجناء القاعدة في منتصف 2011 يكون الأسد قد ساعد في ولادة تمرّد إسلامي مزدهر تابع للقاعدة. بعدها تبنى النظام عمدًا سياسة عدم استهداف تنظيم الدولة بل ضمنَ لهُ التعافي والتطور إلى حركة خلافة انتقالية يدعيها التنظيم الآن.

كل هذا بينما يمارس نظام الأسد سياسة الاستهداف الكبير للمدنيين عبر الغارات الجوية والصواريخ البالستية أولًا، وثانيًا عبر البراميل المتفجرة والاستخدام الواسع للأسلحة الكيميائية.

احترف بشار الأسد صناعة واستخدام السجن والتعذيب لـ”تطهير” شعبه وفي نفس الوقت يفرض حصارات على طريقة القرون الوسطى على أماكن مأهولة ومكشوفة. استهزأ بشار بالحلول المقدمة من مجلس الأمن الدولي بل هو مسؤول عن وفاة 95% من 111 ألف قتيل منذ 2011 حسب بعض المصادر.

يبقى تنظيم الدولة كقوة فعالة في سوريا تجب مواجهتها لكن هذه القوة لا تخطط في التوجه نحو دمشق قريبًا على عكس المخاوف المغلوطة التي يُروّج لها. يملك تنظيم القاعدة أيضًا قوة وتهديدًا طويل الأمد لم يسبق له أن امتلكه من قبل. في النهاية، السبب الجذري لكامل الأزمة السورية هو بشار الأسد ونظامه.

في ظل هذا التهديد الكارثي، تحتم مسؤوليات المجتمع الدولي الأخلاقية والسياسية إيجاد حل في سوريا لتأمين أفضل فرصة لسلام دائم. يعني هذا الإشراك الحقيقي لكل السوريين من كافة الأطراف بما فيها المعارضة المسلحة لدمج جميع وجهات النظر في صيغة مشتركة ومن ثم الوصول إلى حل ممكن.

على عكس الرأي السائد فإن المعارضة السورية المسلحة غير منقسمة بل إنها ركزت جهودها معظم السنة الماضية على تطوير رؤية سياسية واضحة وموحدة. هذه المعارضة مكونة من فصائل سورية يقودها سوريون وبذلك تكون حدود
أهدافها حدود الدولة السورية المعترف بها دوليًّا (هذه الحدود مختلفة عن الحدود التي يراها تنظيم الدولة ومجموعة من التنظيمات التابعة للقاعدة).

تتكون ببساطة نواة هذه المعارضة من حوالي 100 فصيل. في ظل تهديد استثنائها من تحديد مستقبل دولتها، تقوم مجموعة من أقوى تلك الفصائل المسلحة بالمفاوضات من أجل إنشاء كيان سياسي.

تتجاهل الحكومات الغربية المعارضة المسلحة معرضة إيانا للخطر. قد يبدو استيعاب الغرب مطالبات روسيا وإيران باستمرار الأسد بل حتى في الوصول إلى حل تقسيم الدولة هدفًا قابلًا للتحقيق لكن هذا يطيل ويشعل الصراع وسيثير بالتأكيد حركة انتقال جهاديين لم يشهدها العالم من قبل.

يهرب أغلب المهاجرين إلى أوروبا خوفًا من آلة القتل الأسدية وليس خوفًا من تنظيم الدولة أو القاعدة. كانت ردود فعل الغرب منذ نزول السوريين إلى الشارع في مارس 2011 ضعيفة وغير ملتزمة لكن العالم الآن بحاجة إلى قيادة حقيقية. للأسف يبدو أن قادتنا يتجهون إلى الهاوية بعيونٍ مغمضة.

 

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد