تناول تقرير في صحيفة «واشنطن بوست» بالتحليل أسباب حرص كوريا الشمالية على المشاركة في المنافسات الرياضية الدولية، لا سيما الأولمبياد.
وأوضح التقرير أنه بعد أن شغلت التجارب النووية لبيونج يانج العالم، تتجه أنظار المهتمين بشأن الدولة المثيرة للجدل نحو شيء مغاير؛ مشاركة فريق التزلج على الجليد من كوريا الشمالية في أولمبياد 2018 الذي سيقام في كوريا الجنوبية الشهر المقبل.
ويؤكد التقرير أن كوريا الشمالية تمتلك سجلًا حافلًا بالإنجازات على الصعيد الرياضي الدولي، ولطالما اتهمها الغرب بأنها تستغل المناسبات الرياضية لأغراض سياسية. وفي سبيل إلقاء مزيد من الضوء على هذا الأمر، أجرى القسم العالمي في صحيفة واشنطن بوست حوارًا مع كريستوفر جرين، خبير الشؤون الرياضية في شبه الجزيرة الكورية الذي التقى مع مئات المنشقين من كوريا الشمالية، لمعرفة المزيد عن الأمر.
سألت الصحيفة جرين عما إذا كانت الأحداث الرياضية الدولية تحظى بمتابعة كبيرة داخل كوريا الشمالية، فقال إن الأمر ليس هكذا بالضبط. فخدمة البث التلفزيوني هناك لا تعمل طوال اليوم، وعدد القنوات محدود للغاية. لكنهم يعرضون ملخصات حول أبرز الأحداث الرياضية الدولية.
يشير جرين إلى أن قنوات البث التلفزيوني أحيانًا تذيع أحداثًا رياضية مباشرة، لكنّ ثمة اعتقادًا سائدًا لدى النظام السياسي هناك بأنه لا يجب أن يحصل الرياضيون على شهرة كبيرة مثل السياسيين.
ماذا لو فاز لاعب كوري شمالي بميدالية ذهبية، هل يجري الاحتفاء به؟ يتساءل التقرير. يرد جرين بالقول إن المطبوعات الرسمية التابعة للدولة تحتفي بهم. وبعد أولمبياد 2012 في لندن، جرى تخصيص حافلة للفائزين بالميداليات جابت شوارع بيونج يانج، واصطف المواطنون لتحيتهم، وجرى تكريمهم، والتقوا بزعيم البلاد.
وعند سؤاله عما إذا كانت كوريا الشمالية تتباهى بماضيها الرياضي، نفى جرين ذلك، قائلًا إنهم لا يذكرون المفاجأة التي أحدثها منتخب كوريا الشمالية في كأس العالم عام 1966 عندما بلغ أدوارًا متقدمة. لكن الإنجازات الحديثة يجري استغلالها ضمن الدعاية السياسية للبلاد.
اقرأ أيضًا: لو قامت الحرب المنتظرة بين أمريكا وكوريا الشمالية.. من سينتصر عسكريًّا؟

مباراة كوريا الشمالية والبرازيل في كأس العالم عام 2010.
كيف إذن تحقق كوريا الشمالية نجاحات كبيرة في دورة الألعاب الصيفية؟ يتساءل التقرير. فيقول جرين إن بيونج يانج تستثمر المال والوقت في رياضات بعينها منذ عدة سنوات. تنظر كوريا الشمالية إلى الرياضة بوصفها أداة لبناء مجتمع صحي ودولة قوية، لكنها لا تضع التنافسَ عالميًا أولويةً. لم تتباهَ الدولة كثيرًا بإنجاز عام 1966، لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تتفاخر بالإنجازات الرياضية التي تحققها.
في السنوات الأخيرة أنشأت كوريا الشمالية منشآت رياضية مدهشة مثل مدرسة كرة القدم. كما استقدموا مدربين عالميين لتدريب فرقهم الوطنية، وهذا يظهر حجم طموحهم.
ولدى سؤاله عن سبب تفوق بيونج يانج في رياضتي رفع الأثقال والمصارعة تحديدًا، أشار جرين إلى أن لاعبي رفع الأثقال الكوريين الشماليين استفادوا من التدريب في الاتحاد السوفيتي.
ولكن على الرغم من نوعية الطقس والتضاريس في كوريا الشمالية إلا أنها لم تحقق نجاحات تذكر في دورات الألعاب الشتوية، فما السبب؟ يستفسر التقرير. قال جرين إن بعض المنشقين أخبروه أن الأمر يحتاج إلى أفراد يعيشون في منطقة الجبال، حيث ثمة الكثير من الثلوج. ولكن يبدو أن النظام لا يولي اهتمامًا كبيرًا بالأمر.
سأل معد التقرير جرين عن مقال كتبه قبل سنوات عن أن افتتاح منشآت للتزلج في بيونج يانج كان بغرض سياسي، فقال الأخير إن الأمر كان مجرد تخمين. لكنه أكد أن الأمر في جانب كبير منه لا يزال يتعلق بالسياسة. سعت كوريا الشمالية إلى التعاون في استضافة أحداث رياضية. وهي ترى أنها قادرة على منافسة جارتها الجنوبية في استضافة الأولمبياد الشتوية، على افتراض أنها ستجني عائدات كبيرة من السياحة.
اقرأ أيضًا: «ذي أتلانتك»: تهديدات ينتظرها العالم في 2018.. تعرف عليها وعلى دور أمريكا فيها
هل لدى كوريا الشمالية أي نية لإفساد الأولمبياد المقبلة في كوريا الجنوبية مثلما فعلت عام 1987 بتفجيرها طائرة مدنية؟ يستفسر التقرير. قال جرين إنه لا يظن ذلك، لأن كيم جونج إل نبذ الإرهاب. كما أن استضافة كوريا الجنوبية لكأس العالم عام 2002 مع اليابان مرت بسلام. لقد استضافت سيول العديد من الفعاليات الرياضية الدولية منذ مطلع القرن الحالي، ولم تشهد أي منها أحداثًا إرهابية.

مباراة في المصارعة الرومانية بين كوريا الشمالية وروسيا.
وعند سؤاله عن محاولات كوريا الشمالية إرسال إشارات عن رغبتها في التصالح مع شقيقتها الجنوبية – مثل الظهور تحت علم واحد في عدة مناسبات أولمبية – هل يمكن أن تتكرر؟ يرى جرين أن هذه ليست سوى محاولات لزعزعة استقرار العلاقة بين واشنطن وسيول. تحاول بيونج يانج إحداث استقطاب في كوريا الجنوبية. لأن وحدة الشعب الكوري الجنوبي تمثل تحديًا لكوريا الشمالية. ويؤكد جرين أن كوريا الجنوبية لا تأخذ تلك المحاولات على محمل الجد.
بالنظر إلى ما سبق، ما الهدف الذي تسعى إليه كوريا الشمالية من وراء المشاركة في الأولمبياد المقبلة في جارتها الجنوبية؟ يتساءل التقرير. يقول جرين إنه نفس الهدف الذي شاركت من أجله في جميع الفعاليات السابقة؛ ترْك انطباعٍ جيد لدى شعب الجارة الجنوبية وجلب التعاطف. وسيكون هذا مناقضًا لسنوات من التجارب النووية والصاروخية التي يعتبرها الغرب استفزازية، مما سيسبب شقًا في المجتمع الكوري الجنوبي.
اقرأ أيضًا: ما لا يخبرك به الإعلام.. رئيس كوريا الشمالية ليس أحمقَ بل ذكي جدًا على الأرجح
بينما يؤكد جرين أن هدف كوريا الجنوبية هو إظهار أنها قوة يعتد بها، وأنها عضو فاعل اقتصاديًا في المجتمع الدولي. وبسماحها بمشاركة بيونج يانج، تظهر سيول نفسَها دولةً متسامحةً. كما تسعى سيول إلى نزع فتيل التوتر وإحياء عمليات لم شمل العائلات الكورية المقسمة بين الجارتين بسبب الحرب. كل هذا سيعود بالنفع على الاقتصاد الكوري.
ويرى جرين أنه من الإجحاف أن يفترض البعض أن كوريا الشمالية تستغل الجارة الجنوبية. فهؤلاء يغفلون الضغوط التي يمارسها شعب كوريا الجنوبية على قادة بلاده. ومن الجيد رؤية محاولات من جانب سيول لتهدئة الأجواء مع بيونج يانج في أوقات كهذه.
أخيرًا، سأل معد التقرير جرين عن رأيه فيما صرح به رئيس كوريا الجنوبية من أن أسلوب ترامب في التعامل مع كوريا الشمالية خلق البيئة المناسبة للمحادثات بين الكوريتين. فقال جرين إن كوريا الشمالية كانت تنوي الجلوس للتفاوض على أي حال. وليس من الواضح ما إذا كان لترامب أي تأثير في ذلك.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».