تردّدت أوليفيا فوستر طويلًا قبل لجوئها للعلاج النفسي بنوعيه الجماعيّ والفردي، وتركت نفسها لتعاني من آثار القلق الشديد ومسائل نفسية أخرى، قبل أن تقرّر أن تغيّر طريقتها بتحمّل كل شيء على عاتقها لتسترشد بصوتِ من لديه الخبرة في هذا المجال. تحكي فوستر ثمار تجربتها لعامٍ كامل وما تعلّمته في مقالٍ منشور ضمن مجلة «ماري كلير» بنسختها الإنجليزية.
اتخاذ القرار
ليس يسيرًا اتخاذ قرار الذهاب إلى معالجٍ نفسي، وقد يكون مخيفًا في بعض الأحيان، وهو سبب تأخر أوليفيا فوستر لفترةٍ طويلة جدًّا عن اتخاذها ذلك القرار رغم معاناتها من القلق، وفي التالي ستسردُ بعض التفاصيل عن تجربتها لتشاركها مع الذين ما يزالون في طورِ التفكير بالأمر.
جرّب العلاج النفسي أكثر من ربع الأشخاص في المملكة المتحدة العام الماضي، ولكن الكاتبة سعت لتجنبه دائمًا، رغم معاناتها من مسائل شتّى في الصحة العقلية منذ فترة المراهقة. تقرّ الكاتبة بخوفها مما قد يعلّمه العلاج إياها وافتقارها للطاقة اللازمة لمواجهة مشكلاتها، وتقول إنها شقّت طريقها وحدها عبر الحياة ببطء، يثقلها القلق الشديد محوّلًا حياتها اليومية لأصعب فأصعب.
أجّلت الكاتبة فكرة العلاج لسنين، وفيما كانت تبدو على ما يرام ظاهريًّا فإن الأصوات السلبية كانت تأكلها من الداخل دون أن تجد في نفسها القدرة على إسكاتها. استمرّ الأمر على هذا المنوال حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018، حين مرّت الكاتبة بفترةٍ صعبة على نحوٍ خاص، لتقرّر حينها أن الأمر لم يعد محتملًا، وأنها ستتحدى معتقداتها الشخصية وتصوّراتها، وأن الحياة لن تغدو أفضل، وأنها أيضًا لا تستحق أن تخوض هذا كله.
طلبت الكاتبة النصح واستشارت فيما عليها فعله في هذه المرحلة الابتدائية، لتُوجّه إلى أمرين: أولهما الانضمام لكورس علاجي جماعي يُركّز على التعاطف مع الذات، ويمتد على 12 أسبوعًا، وثانيهما العلاج النفسي الفردي (التقليدي).
تستذكر الكاتبة يومها الأول في العلاج الجماعي إذ تشاركت الجلسة مع 14 من الغرباء الآخرين، وهي لا تكاد تذكر ما قيل حينها إذ داهمتها المشاعر السلبية الكابحة – رغم جرأتها عادةً وانفتاحها على التحدث مع الآخرين – وأمضت وقت الجلسة تتجنب التقاء نظرها بنظر أحد، شاخصةً بإصرار على اللوح الأبيض البعيد في زاوية الغرفة، وتاركةً ذهنها يشرد قلقًا وهو يفكّر في مدى الضعف الذي سيتوجب عليها أن تُعرّض نفسها له حتى تحقق نتائج إيجابية من هذه الجلسات. تطلّب الأمر جهدًا هائلًا من قوة الإرادة لتقدر على العودة في الأسبوع التالي، ولكنها فعلت، وهذا ما جنته من تقدّم بفضلِ العلاج النفسي وما علّمها إياه:
يتغيّر ما تقوله عن نفسك
تقول الكاتبة إن أول ما يعطيك العلاج النفسي هو التوقف عن تكرارِ الأشياء الخاطئة التي تقولها عن نفسك. إننا نقضي حياتنا في سرد القصص عن أنفسنا، ويحدد ذلك مع سلوكنا تصورات الناس عنا. ماذا يحدث إذن عندما تحكي القصص الخاطئة أو تروي معتقداتك غير الدقيقة وتداوم تكرارها؟ أو حتى القصص التي كانت صحيحة يومًا، لكنها لم تعد صحيحةً الآن؟ تستذكر الكاتبة فترة حياتها قبل تجربة العلاج النفسي، وكيف كانت تكرر القصص الصادمة عن نفسها وسيلةً لتقريب الناس منها وتمهيدًا ليفهموها، معتقدةً أن هذه الطريقة الطبيعية التي يرتبط الناس بعضهم ببعض عبرها. لكن مع تقدّم الكاتبة في العمر وبدئِها بالتغير، وجدت نفسها تُحبط من النسخة التي أوجدتها لنفسها أو التي قدّمت نفسها بها.
إننا نقضي حياتنا في سرد القصص عن أنفسنا، ويحدد ذلك مع سلوكنا تصورات الناس عنا. ماذا يحدث إذن عندما تحكي القصص الخاطئة أو تروي معتقداتك غير الدقيقة وتداوم تكرارها؟
تقول الكاتبة إنها تعلمت التالي: قد تصبح الكلمات التي تقولها عن نفسك حقيقية إذا تركتها تصل لذلك، فالأشياء التي تعتقدها عن نفسك تستمرّ بالحدوث عادة حتى تكسر هذه الحلقة المفرغة. أنت وحدك من يمتلك القدرة على تغيير هذه السردية.
قد تخسر بعض الأصدقاء
تقول الكاتبة إن أحد الأمور الشائعة بين الخاضعين للعلاج النفسي هو رغبة كلّ منهم في أن يكون محبوبًا، وميلهم لاكتساب الصداقات والعلاقات مع الناس بغض النظر عن مدى حبّهم لهؤلاء الأشخاص بالفعل. ساعد العلاج الكاتبة في وضعِ الحدود وإيقاف هذا السلوك لديها، وكان لهذا التطوّر بعض العواقب. عندما تبدأ بتطوير الحدود ومنهجةِ طريقة احتياجك وتوقعاتك من الآخرين، تكتشف أن بعض الأشخاص يقاومون ذلك أو يرفضونه بالكامل لأنه يغيّر من ديناميكية علاقتكم. قد يبدو التالي نمطيًّا مكررًا، ولكن من يستحقوا سيتكيّفوا ويتقبلوك ويدعموك ويبقوا معك بعد هذه التغيرات، أما من يقاوم تغيّرك فتنصحك الكاتبة بتعلّم تركِهم يمضون في حال سبيلهم.
قد لا يكون ما دمّر حياتك هو المسؤول عن ذلك فعلًا
إذا كنت تفكر في البدء بالعلاج النفسي، أو أنك خضعت له بالفعل، فربما يكون ما تتحدث الكاتبة عنه مألوفًا لديك. لدى كل شخص قائمة بالأمور التي أوصلته لهذا المكان من الحياة، أو شكّلت هويته وتسبّبت في حدوث كل ما حدث له. هناك قائمة من الأمور التي فكّرت بها مرارًا وتكرارًا، وربما تعيد التفكير فيها حتى الآن، ربما بكيت بشأنها أو أسررتها لأقرب الناس إليك، ربما هي الأشياء التي تقدّمها عذرًا لنفسك حين تتصرف على غير ما تريد لنفسك. قد تكون علاقتك مع والديك أو مسائلك العائلية إحداها، قد يكون على القائمة شعورك بأنك لم تحقق كل ما تريده أو أنك حققت ما أردته لكنك ما تزال تفتقر للشعور بالانتماء.
لكل شخصٍ قائمته التي يودّ طرحها على معالجه النفسي لأنها سبب وجذر مشكلاته، وسيعالجها مع المختص رويدًا رويدًا وبصورة منهجية للوصول إلى صفاءٍ عقليّ أكبر مع كل جلسة. ويومًا ما ضمن هذه الجلسات قد تذكر شيئًا ما لا يبدو لك مهمًّا، لكن المعالج سيوجّه انتباهك إليه بوصفه شيئًا محتملًا على قائمة ما تسبب لك بالألم في ماضيك، وهنا ستدرك أنه حتى أنت لست مدركًا لكل شيءٍ متعلق بنفسك ودوافعك، وأن أفضل ما يمكنك تقديمه لنفسك هو المحاولة.
لا بأس في الشعور بالغضب
تذكّر الكاتبة بدايةً بالمشهد الشهير من فيلم «Good Will Hunting» حين تقف شخصية روبن وليامز أمام ويل ليخبره مكررًا بإصرار «إنه ليس خطأك»، كل ما سبق الحديث عنه في الفيلم – مرضه العقلي ومشكلاته وتفاصيل حياته – يعيدها روبن على البطل مؤكدًا: «إنه ليس خطأك». حينما تمضي حياتك تدور متقلبًا بين فترات القلق والألم، يسهل أن تكره نفسك وتلومها على كل ما حدث في حياتك. وقد يتعسر التعامل مع هذه المشاعر في مجتمعٍ يعد المشاعر السلبية أمرًا سلبيًّا بحد ذاتها – بالرغم من تزايد الوعي تجاه قضايا الصحة العقلية-
ترى الكاتبة أنها مرّت بنقطةٍ ثورية حين أخبرها معالجها بطبيعيّة وعادية الشعور بالغضب في حالِ تعرض المرء لمعاملةٍ سيئة – بعد سنواتٍ من تعلّم وجوبِ سمو المرء عما يتعرض المرء له من الآخرين وترك الأمور تسير، متكيّفًا مع كل الأمور السيئة – تشدّد الكاتبة على أن استمرار الغضب لفتراتٍ طويلة ليس صحيحًا، ولكن معرفتها بأن مشاعرها – حتى السلبية منها – هي مشاعر طبيعية ووجيهة أمر له أثر يغيّر الحياة بعده.
ملاحظة: في حالِ معاناتك من أيّ من المشكلات التي تحدثت عنها فوستر، يُرجى استشارة الأطباء المختصين، أو الخبراء، أو اللجوء للمنظمات المعنية في بلدك.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».