قد تبدو لك الصور الرمزية (الإيموجي) للوهلة الأولى أمرًا بسيطًا وصغير الشأن، لكن مجموعة الرموز هذه المتطورة باستمرار وضعت أثرها على الطريقة التي نتواصل بها، ووراء الوجوه الضاحكة ورموز النساء الراقصات بحيوية، هنالك عملية طويلة لإحضارهم إلى مساحة التواصل، يتناولها تقريرٌ حديثٌ لصحيفة «الجارديان» البريطانية بالتفصيل.
الإيموجي.. في كل مكان
أصبح مألوفًا في السنوات الأخيرة رؤية صور الخوخ والباذنجان مع تشكيلةٍ من الوجوه المبتسمة والقلوب وشرائح البيتزا ضمن محادثاتنا النصية. صور الإيموجي الأصيلة في حياتنا الآن، انطلقت من كونها مجموعة غريبة من الصور في الجوّالات اليابانية في التسعينات – كانت بعدد 176 صورة آنذاك – إلى طريقة رئيسة في التواصل الآن، إذ تتناثر الإيموجي عبر رسائلنا في «واتس آب» و«تويتر» والرسائل النصية وغيرها. لخّص آندي موراي، لاعب التنس الإسكتلنديّ، مشاعر الفرح والضغوط التي يشعر بها في يوم زفافه بتغريدةٍ مكوّنة فقط من «الإيموجيز» في عام 2015:
?☔???????????????????????????????????????❤?????????
— Andy Murray (@andy_murray) April 11, 2015
فيما لجأت المفوضية الأوروبية إلى صور الإيموجي عند قيامها بمسحٍ للمستخدمين حول مستقبل أوروبا وسيناريوهاته المحتملة:
ويورد التقرير تعليق سيلينا جين ساتون، طالبة دكتوراه في جامعة نورثمبريا قامت بتحقيقٍ يتعلق بتصميم رموز الإيموجي، إذ تقول: «ربما يقول الناس: إنها مجرد صور صغيرة، لِمَ نعطيها أي اهتمام؟ لكن الناس يستخدمون الرموز التعبيرية بشكل منتظم الآن. إنها جزء واسعٌ الانتشار من ذخيرة الأشخاص اللغوية»، تستخدم الإيموجي بشكل متزايد في تعزيز الكلمة المكتوبة وحتى استبدالها. تُقدّر الإحصائيات أن قرابة 84% من مستخدمي الهواتف الذكية يرسلون الإيموجي لبعضهم البعض، مع نسبة استخدام أكبر من قبل النساء.
ويشرح خبير الإيموجي كيث بروني، والذي يعمل في «ترجمة» الرموز التعبيرية للشركات الراغبة في استخدامها في حملاتها التسويقية، أن «الرموز التعبيرية تمكننا من تركيز الجزء غير اللفظيّ في محادثتنا المباشرة ضمن كبسولة لنقلِها إلى تواصلِنا الرقميّ». يبقى رمز الوجه بدموع الفرح هو الأكثر شعبية بين رموز الإيموجي، ويليه عن قرب تشكيلةٌ من الرموز المتضمنة القلوب بطريقة ما؛ ما يشير إلى كوننا مجموعةً محبة وداعمة من الناس.

إيموجي السعادة، أو الوجه الضاحك، أو دموع الفرح الأكثر استخدامًا في العالم
من يختار الرموز الجديدة؟
ليست مجموعة الرموز التعبيرية منقوشةً على حجر، فكما يوضّح التقرير كل عام تُضاف رموز إيموجي جديدة جاهزة للاستعمال. كُشِف النقابُ الشهر الماضي عن آخر تشكيلةٍ قابلة للإضافة إلى هواتفنا الذكية في عام 2019، وستحدد بصيغتها النهائية أواخر هذا الشهر. وتشمل في أجزائها الدنيوية رموزًا للسراويل الداخلية وأحذية الباليه والزبدة، فضلًا عن المقترحات الأكثر تقدمًا اجتماعيًا. من بين التصاميم المطروحة على بساط البحث من قِبل شركة «آبل»، أذنٌ مزوّدة بالجهاز المساعِدِ على السمع، وكذلك ساقان وذراعان اصطناعيّان.
لا يصوّت الجمهور لهذهِ الرموز، إذ تُحدد الرموز التي ستُستَخدم في النهاية من قِبَل لجنةٍ فرعية تابعةٍ للـ Unicode (يونيكود)، في اجتماعٍ ضمن مكاتبهم الواقعة في مدينة ماونتِن ڤيو في كاليفورنيا، علمًا أن منظمة «يونيكود» تُشرِف على إدارة وإنشاء الرموز الموحدة. يضم أعضاء اللجنة شركات تقنية كبيرة من وادي السيليكون، وأكبر مصنعي الهواتف الذكية، وممثل عن حكومة عمان لتمثيل مصالح الشرق الأوسط واللغة العربية.
مع ذلك يمكن للجمهور أن يساهمَ بطرقٍ أخرى. تقول جينيفر لي، وهي صحفيّة سابقة تعمل حاليًا ضمن لجنة «يونيكود» الفرعيّة للإيموجي:
الشيء الجميل في رموز الإيموجي أن أيّ شخص يمكنه اقتراح واحدٍ جديد، فقط يتوجب إعداد وثيقة مقترح توفي معايير القالب القياسي المنصوص عليها من قبل يونيكود.
لـ«جينيفر لي» خبرةٌ في هذا الشأن، فقد نجحت سابقًا في إدراج إيموجي فطائر العجين (dumpling) في لوحة المفاتيح الدولية بعد القيام بحملة ضغط وجمع التبرعات عبر موقع «كيك ستارتر»، تمكنت فيه من جمع مبلغ 12 ألف و478 دولارًا، إضافة إلى دعمِها مقترحًا لإدراج رمز إيموجي للحجاب حتى النهاية، وذلك لتمثيلٍ أفضل لنصف مليار امرأةٍ ترتديه في جميع أنحاء العالم.

قامت الطالبة السعودية ريوف الحميضي عام 2016 بمراسلة يونيكود بغية إدراج إيموجي الحجاب، المصدر: CNN
«جاستن باي» واحدٌ ممن رأوا مقترحاتهم تصل إلى شاشات الهواتف أيضًا. يدرس جاستن طالبًا في قسم اللغويات ضمن جامعة براون في الولايات المتحدة. التقى جاستن قبل عامين مع جينيفر لي في مؤتمر «Emojicon» المتخصص برموز الإيموجي، والتي شجعته على طرح أفكاره. اُنتخِبَ جاستن ليتولى قضية الساندويتش. يقول جاستن: «اخترنا الساندويتش لأنه شيء شائع للغاية، فهنالك سندويشات من كل الأنواع في أنحاء العالم. حقيقةٌ عدمِ وجود رمز إيموجي للساندويتش بدا لنا نقصًا».
قد يبدو بديهيًا أن تشمل رموز الإيموجي واحدًا من المواد الغذائية المستهلكة الأكثر شيوعًا في العالم، لكن الأمر ليس بهذي البساطة.
ما مواصفات الإيموجي الجيد
يفصّل التقرير العواملَ التي تتحكم بنجاح الإيموجي أو فشله، إذ ينظر اتحاد يونيكود المشرف على إدراج الرموز التعبيرية الجديدة إلى عوامل عدّة. توضّح «جينيفر لي»: «ننظر إلى مدى تميّز العنصر بصريًا، ومدى الحاجة إليه، وهل سيكون له صلاحية بقاء طويلة» . ينظر الاتحاد أيضًا إلى كون المقترحات ملائمة لمجموعة متنوعة من الثقافات أم لا؛ ففي عام 2016، تمت الموافقة على مقترحٍ من الحكومة الفنلندية يتمثّل بإيموجي خاصّ بـ«الساونا»، شريطة الحفاظ على الحشمة عبر إضافة منشفةٍ لرمزِ مستعملِ الساونا المتجرّد من الثياب.
مميزة بصريًا: رموز الإيموجي تندرج ضمن اللغة البصرية، لذلك فعلى المقترحات أن تبدو جذابة بصريّا أو مميزة. لم يُحوّل «الحُمّص» إلى رمز إيموجي، على الرغم من شعبيته غذاءً رئيسًا في الشرق الأوسط فضلًا عن ثلاجات محلات السوبرماركت البريطانية. تعلّق «جينيفر»: «إنه بلون البيج بشكل أساسي». رُفضت المقترحات المتعلقة بإبرة الخياطة أيضا – رغم احتجاجات جينيفر لي – لكونها تُرى رتيبة.
الديمومة: غالبًا ما تُرفَض الرموز المُستلهَمة من روح العصر والثقافات الحاضرة؛ لأنها قد تكون قصيرة العمر؛ فكلّ من الطائرات دون طيار، ونظّارات الواقع الافتراضي قوبلت بالرفض. يعقّب «جاستن باي» في ذلك: «أذكرُ ما قاله مارك ديفيس مؤسس يونيكود: ما أن يتحوّل إلى إيموجي، فإنه سيبقى دائمًا إيموجي».
وجود تقنيّات قديمة عفا عليها الزمن مثل القرص المرن وجهاز الفاكس ضمن لوحات الإيموجي في عام 2018 هو حالةٌ شاذة وفقًا لجينيفر لي، ملقيةً باللائمة على «الإرث القديم» للجنة يونيكود الفرعيّة: «لقد تم تمريرها قبل أن تتضح إلى أي مدى ستصل شعبية رموز الإيموجي».
ملائم للثقافات: تدقق اللجنة الفرعية بحرصٍ شديد الآن للتأكد من أنها لا تسيء إلى أيّ أمةٍ أو قسمٍ ما من المجتمع. يأتي تضمينُ عددٍ كبير من الصور الممثّلة للمعوّقين بمثابةِ قرارٍ تصحيحيّ لسنواتٍ من انعدام التمثيل لهم. إدراج رموز الإيموجي في القائمة الطويلة الموجودة لم يكن مثيرًا للجدل يومًا بقدرِ رموز الأسلحة، فالإيموجي الذي كان يمثّل رسمًا لمسدّسٍ واقعي أصبح أشبه ما يكون لمسدسات ألعاب الأطفال بعد شكاوى أتت تزعمُ أنه يمجّد العنف، في حين سحبت اللجنة الفرعيّة إيموجي البندقية منذ عام 2016 بعد إثارة شركة «آبل» للمخاوف بأنه قابلٌ للاستخدام في نشر العنف المسلّح.
يمكن لرموز الإيموجي أن تدعم النصوص المكتوبة، أو أن تستبدل بها في بعض الحالات
هل لديك إيموجي ما تريدُ اقتراحه؟
ينبّه التقرير إلى أن اتخاذ القرارات في مجال إضافة رموز الإيموجي الجديدة أمرٌ جلل، إذ إن منظمة «يونيكود» توافق سنويا على 50-70 رمزًا فقط. تقول جينيفر:
«الأمر ليس بتلك الأهمية إذا ما كنتَ في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة؛ لأننا نمتلك هواتف فاخرة وفخمة، لكن إذا كان لديك هاتفٌ بسعرِ 15 دولارًا في أوغندا فإن استنزاف الموارد مسألة أكبر بكثير» ، فاستدعاء وتخزين كمية كبيرة من الإيموجي يمكن أن يستنزفَ ذاكرة الهواتف التي تعمل بطاقةٍ أضعف.
نتيجة لذلك، تطلب وثيقة الاقتراح برهانًا على أن رموز الإيموجي المُقترحَة أكثر شيوعًا من الرموز الموجودة مسبقًا بناءً على نتائج بحث «جوجل». في حالة إيموجي «الساندويتش» طُلب من «جاستن باي» دليلًا على مدى شعبية الساندويش مقارنةً بأمثال «الهوت دوغ». استغرق كتابة المقترح بالمجمل خمس إلى ست ساعات، لكن ذلك لم يكن سوى الخطوة الأولى من الأمر. جاء تاليًا أشهرٌ من حملات كسب التأييد والجدال وإعادة الكتابة لتلبية متطلبات اللجنة الفرعية للإيموجي.
في النهاية أتى عمل جاستن الشاق بثماره إذ ضُمت الساندويتش إلى مجموعة الإيموجي العالمية بعد عامٍ ونصف من تقديمه لاقتراحه أوّل مرة، وعن تلك الأيام يقول جاستن: «كان مذهلًا حقًا رؤية شيء عملتُ عليه أنا ينتشر الآن في جوّالات جميع الناس»، يمكن لكل جهة أن تعدّل في حدود المعقول على الإيموجي الذي يقدمه اتحاد يونيكود، وذلك ليتوافق بشكل أفضل مع الجماليات والمعايير الخاصة بأجهزتهم أو تطبيقاتهم. وفي هذا المجال، يفضّل جاستن إصدار «آبل» من إيموجي الساندويتشح لأن نسخة مايكروسوفت «تبدو موجهة للنباتيين أكثر» كما يقول. يُذكر أن جاستين قام أيضًا بحملةِ دعم لإدراج إيموجي الكعك المملح (البريتزل)، وهو بصدد الترويج لإيموجي ثالث ليضاف لقائمة الرموز.
في الختام، ينقلُ التقرير نصيحة جاستن لكلّ من يفتقد لإيموجي معين ويشعر بضرورة وجوده أن يخوض غمار الأمر، فكل ما يتوجب فعله هو إكمال استمارة، التفاصيل موجودة على موقع يونيكود، وإرسالها بالبريد الإلكتروني إلى اللجنة الفرعية. لكن افعل ذلك بأسرع ما يمكنك، لأن عملية الموافقة تجري ببطء. ضع باعتبارك المنافسة الشديدة التي ستواجهها أيضًا.
الأمر لا يستحق كل هذا العمل الشاق والعناء بالنسبة للبعض. تقول ساتون: «يمكن لأي شخص تقديم اقتراح، لكن العملية معقدة نسبيًا لذا لستُ متأكدة من أن الجميع مستعد لخوض هذا الأمر. زيادة الحوارات مع المستخدمين بشأن رموز الإيموجي التعبيرية أمرٌ مهم وغاية البدء به».
حين تنضمّ للمجلس، يتوجب عليك أن تصبحَ أكثر صرامة. كما سيكتشف الكثير من مؤيدي قائمة الإيموجي لعام 2019، كونك عضو في مجلس الإدارة أمرٌ يتضمن اتخاذ قراراتٍ صعبة واتخاذ موقفٍ رافض لمشاريع أناسٍ شغوفين من الهواة المخلصين والشركات ذات المليارات وحتى الحكومات أحيانًا، مثل إخبار فنلندا بوجوب ارتداء قطعة من الثياب.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».