ما الذي يتوجب عليك فعله عندما يصيبك الملل من العمل؟ بعضنا يتصفح شبكة الإنترنت للبحث عن صور لصغار حيوان «البنجول»، وبعضنا يراسل أصدقاءه، إضافة إلى أن البعض الآخر – ما يقرب من 37% من الأمريكيين، وفقًا لدراسة استقصائية أجرتها شركة «نتفلكس» نشرت عام 2017- يشاهد التلفاز أثناء الدوام.

يعني هذا أن موظفًا سابقًا في شركة «كنال» لإنتاج الأفلام التابعة لروبرت دي نيرو شاهد 55 حلقة، ويا للعجب، من مسلسل «فريندز» خلال أربعة أيام، وكل ذلك أثناء الوقت المخصص للشركة، وفقًا للاتهامات الصادمة المرفوعة ضد الموظف في دعوى قضائية أقيمت مؤخرًا، بلغت قيمتها 6 ملايين دولار.

تستعرض الكاتبة سارة تود في مقالها المنشور في مجلة «كوارتز»، مختلف الأسباب التي تشعرنا بالملل أثناء العمل، وتعرض بعضًا من الحلول التي قد تمكنا من أن نكون أكثر إنتاجية، وأكثر سعادة على المدى الطويل.

كي لا تحرق فأرًا بسبب الملل من العمل

يشير المقال إلى أن ذلك ربما يكون نتيجة حتمية للعيش في العصر الذهبي الثاني للتلفزيون (وإلا كيف سيتسنى للناس مشاهدة أحدث موسم من مسلسل «مايندهنتر» في وقت محدود؟)، ومن المحتمل أيضًا، كما يبدو، أن كثيرًا من العاملين ممن يشاهدون نتفلكس يلجأون إلى الترفيه الذي تتيحه الشاشة؛ لأنهم بكل بساطة يشعرون بالملل في وظائفهم.

أظهرت الدراسات، حسبما ورد في المقال، أن الملل يؤدي إلى فتور الهمة، وإلى ارتكاب أخطاء لا داعي لها، وإلى الشعور العام بالإحباط، وكان الملل من العمل – على ما يبدو- السبب في حريق اندلع في متجر لبيع الدراجات في المملكة المتحدة، الذي بدأه سهوًا اثنان من العمال الضجرين، اللذين حاولا أن يخرجا أنفسهما من الرتابة بإحراق جثة أحد الفئران.

لذا يطرح المقال سؤالًا حول ما يتوجب عليك فعله إذا كنت، ككثير من الناس، تجد عقلك يدخل في حالة من ملل العمل، بيد أنك، ككثير من الناس أيضًا، تفضل ألا تشعل النيران في مجموعة من القوارض الميتة لكي تشعر أنك على قيد الحياة.

أفاد المقال بأن نسخة أولية من أحد البحوث المرتقبة في موضوع «التوجهات الحالية في علم النفس»، تشير إلى حل إيجابي وغير منطقي بعض الشيء؛ يتمثل في أنه عوضًا عن اللجوء إلى نشاط أكثر إمتاعًا، كالبحث عن تخفيضات على الأحذية أو مشاهدة نتفلكس، ركز على إيجاد طريقة لجعل عملك أكثر متعة.

الملل من العمل نوعان

يوضح البحث الذي أجرته إيرين ويستجيت، وهي طبيبة نفسية في جامعة فلوريدا، وجود سببين رئيسيين للملل: «نشعر بالملل عندما نعجز عن الانتباه، أو عندما نعجز عن إيجاد مغزى لما نفعله».

Embed from Getty Images

يشير المقال إلى أنه ربما نجد صعوبة في الانتباه إلى عملنا، إما لأنه سهل للغاية، وإما لأنه صعب للغاية، فقد يشعر الواحد منا بالملل أثناء إدخاله البيانات، على سبيل المثال، ولكن قد يشعر بذلك أيضًا أثناء محاولته حل مسألة حسابية في غاية الصعوبة.

ومن ناحية أخرى، أوضح المقال أن الملل من العمل قد يصيبنا عندما نشعر بكل بساطة أن عملنا لا أهمية له، وهي مشكلة خاصة بما يسميه عالم الإنسانيات ديفيد جريبر «الوظائف التافهة»، التي يكون العمل فيها غير مرض وبلا معنى.

عندما نتعامل مع الملل الذي لا معنى له نشعر أننا وحيدون وحزينون ومنعزلون، كأننا في فيلم ثقافي فرنسي ولكن بدون الجماليات الرقيقة، أو القدرة على أن نبدو رائعين عند ارتداء القبعات.

بيد أن الخبر السار، وفقًا للمقال، هو أن هناك الكثير من الأشياء التي بإمكاننا فعلها للتخفيف من حدة الملل، لكن إيرين تحذرنا من أنه يجدر بنا اختيار حلولنا لمكافحة ملل العمل بحكمة.

إضفاء المعنى على عملك

تشير الكاتبة إلى أنه في حال كانت المشكلة التي أنت بصددها، هي أن عملك يبدو غير مجد، قد تتمكن من الاندماج فيه مجددًا، بأن توجد لنفسك هدفًا ما خارج التوصيف الوظيفي المباشر الخاص بك.

لايف ستايل

منذ 4 سنوات
تكره إنجاز بعض المهام الضرورية؟ هذه الحيل قد تسهل عليك الأمر

تسمي إيمي جيجنيافسكي، أستاذة الشؤون الإدارية في جامعة «ييل»، ذلك النهج بـ«صياغة الوظيفة». فهي، على سبيل المثال، وجدت في إحدى الدراسات أن عمال النظافة في المستشفيات كانوا راضين للغاية عن عملهم؛ لأنهم فهموا أن غايتهم الأساسية هي التفاعل مع المرضى الذين نظفوا غرفهم، وتصرفوا بما يتفق مع ذلك.

قد تساعد، وفقًا للمقال، إعادة صياغة المهمة المطلوبة في ذلك أيضًا.

وفي هذا الصدد كتبت إفرات ليفني، وهي إحدى الصحافيات بمجلة «كوارتز»، عن أهمية التعامل مع العمل بصفته لعبة نهدف فيها إلى إيجاد طرق للامتنان وتقدير ما نتقاضى أجرًا على فعله، أيًّا كانت طبيعته.

وكتبت إفرات، التي عملت محامية قبل أن تصبح صحافية: «العمل في الخدمة هو بمثابة ميدان تدريب دبلوماسي يساعدك في الوظائف المكتبية وغيرها»، وأضافت أن «القيام بمشاريع المراجعة المؤقتة للوثائق القانونية في نيويورك – التي يعدها كثيرون أتعس أعمال المحاماة الشاقة- قاد في نهاية المطاف إلى العمل في وظيفة في المقر الرئيسي لشركة «جوجل» في ولاية كاليفورنيا».

وتشير إيرين أيضًا إلى أنه بإمكاننا أن نجعل مهمة بعينها أقل مللًا، بأن نضيف إليها درجة من التحدي، بأن نضبط مثلًا أحد أجهزة ضبط الوقت لإنجاز الكثير من الأعمال المكتبية سريعًا، أو أن نقرر أن نكتب، بخلاف ذلك، مذكرة عادية في هيئة قصيدة.

افعل المثير للاهتمام.. بدلًا من الممتع

أوضح المقال أن النقطة الأهم في البحث تتعلق بالاختيارات التي نتخذها عندما نتصدى لمللنا، بأن نغير المهام كلية، فغالبًا ما تقودنا غريزتنا، حسبما ورد في المقال، إلى الانتقال إلى شيء يجلب إلينا المتعة بشكل أسرع، مثل أن نتصفح إنستجرام، أو نلعب لعبة على هواتفنا، أو بالطبع، نشاهد 55 حلقة من مسلسل «Friends» دفعة واحدة.

Embed from Getty Images

لكن إيرين تقول إن اختيار النشاطات الممتعة التي تتسم بالسهولة من الناحية الذهنية للتصدي للملل، تعمل فقط على زيادة إمكانية الشعور بالملل بشكل أكبر.

فهي ترى أن السعي وراء الأنشطة الممتعة بدلًا من تلك المثيرة للاهتمام، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الملل على المدى الطويل، فالعمل المعرفي الذي تستدعيه المصلحة العامة يتولى تكوين أنماط ومعارف جديدة، وهي الأشياء اللازمة بالتحديد لفهم المغزى من الموضوعات المعقدة و(الشعور بالاهتمام تجاهها).

وبذلك تجلب الأنشطة الممتعة – مثل الوجبات السريعة- شعورًا قصير الأجل بالرضا على حساب العافية على المدى الطويل، بحسب إيرين.

بعبارة أخرى، يشير المقال إلى أنه عندما نختار نشاطًا جديدًا يجدر به أن يكون نشاطًا يطالب أدمغتنا بمزيد من العمل، وليس بالقليل منه.

تضرب إيرين مثالًا على ذلك بهؤلاء الذين يختارون مشاهدة فيلم وثائقي عن الهولوكوست (محرقة اليهود) – وهو ليس ممتعًا بالتأكيد ولكن من المحتمل جدًّا أن يكون أخاذًا- عوضًا عن لعب «كاندي كراش».

وبتوسيع نطاق هذا المنطق ليشمل سياق الملل من العمل، قد تقرر الأستاذة الجامعية التي يتنامى شعورها بالملل أثناء كتابتها خطابات توصية لطلابها، أن تأخذ قسطًا من الراحة تراجع فيه ورقة بحثية جديدة في مجالها، وهذا بدوره قد يعزز من جهودها لمساعدة إحدى المواهب الجديدة على النجاح في التخرج في الجامعة، ويغير من النهج الذي تعتمده في كتابة هذه التوصيات؛ فالخريج الجامعي الحديث الذي لديه القليل من العمل لإنجازه في عمله المكتبي، قد يضيع الوقت بكل سهولة في تصفح الإنترنت.

بيد أنه سيكون من الأفضل له في نهاية المطاف، حسبما ورد في المقال، التطوع بشيء آخر في هذه الوظيفة، وأن يستغل، على سبيل المثال، شهادته الجامعية في مجال الفنون الجميلة في إعادة تصميم شعار الشركة، وهي محاولة قد تساعد على تنمية مهارات جديدة لديه، ولديها ميزة إضافية تتمثل في إعداده للبحث في المستقبل عن عمل يتوافق بشكل أكبر مع اهتماماته.

وتشدد الكاتبة على أن المشكلة تكمن بالطبع في أن شركات التكنولوجيا والترفيه قضت وقتًا طويلًا، وبذلت الكثير من الأموال في تصميم منتجاتها، لجعلها جذابة، ولافتة للانتباه، ومحفزة للدوبامين بأكبر قدر ممكن؛ وهذا يعني أن التحرر من غريزة التوجه إلى تويتر في أوقات الملل، قد يكون بمثابة عادة من الصعب التخلي عنها.

لا يتصدى بحث إيرين إلى هذا الجانب من المشكلة. غير أن التحكم في الوقت المخصص لتطبيقات الشاشة المهدرة للوقت ربما يمثل نقطة انطلاق جيدة لتحقيق ذلك.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد