ما بدأ بتظاهرات صغيرة اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية، سرعان ما تصاعد؛ ليتحول يوم أمس الجمعة إلى احتجاجات منتشرة ضد الحكومة، واشتباكات مع الشرطة.
هكذا بدأ بورزو داراغي، وهو صحافي مقيم في إسطنبول، تقريره لموقع «BuzzFeed» الإخباري، ويحاول داراغي في تحليله للاحتجاجات الأخيرة في إيران أن يشرح الأسباب الحقيقية وراء هذا التحرك الشعبي.
يقول داراغي: «اجتاح آلاف الإيرانيون الشوارع في تظاهرات مناهضة للحكومة يوم الجمعة، في مشهد استثنائي مذهل للرفض الشعبي الذي يهدد بالتحول إلى مزيد من عدم الاستقرار». يعود بنا الصحافي إلى احتجاجات يوم الخميس التي يقول إنها نظمت غالبًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ بدأت هذه الاحتجاجات لأسباب تتعلق بالمشكلات الاقتصادية التي يواجهها الإيرانيون حاليًا. كما أن الشرطة ألقت القبض على 50 شخصًا على الأقل، في جميع المدن التي شهدت الاحتجاجات.
اقرأ يضًا: «العدو هو طهران».. كيف ستكون استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط عام 2018؟
لكن الهدف الأساسي لتظاهرات اليومين الماضيين سرعان ما تغيرت – يقول التقرير – إذ نادى المتظاهرون – وأغلبيتهم شباب في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم – بحرية المحبوسين على خلفية قضايا سياسية، حتى أنهم نادوا بإسقاط نظام ولاية الفقيه. ورددوا شعارات كانت ظهرت في انتفاضة عام 2009 التي تلت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد – الذي وصفه التقرير بالرئيس المتشدد، وكانت إعادة انتخابه أمرًا أثير حوله الكثير من الجدل – حتى أن بعض الشعارات التي رددها المتظاهرون كانت تحوي اسم المرشد الأعلى علي خامنئي.
«سيد علي (خامنئي) اعذرنا، علينا الآن أن ننتفض»، هكذا جاء أحد الشعارات على لسان المحتجين في مدينة أصفهان، وذلك بحسب ما نقله التقرير عن أحد الفيديوهات ضمن عدد هائل من مقاطع الفيديو التي صورها المتظاهرون ورفعوها على منصات التواصل، مثل «تويتر وفيسبوك وإنستجرام، وتيليجرام».
يقول داراغي: «إن الإعلام مُسيطر عليه بشكل مُحكم في إيران؛ ما جعل من الصعب قياس عمق وانتشار وتعددية المتظاهرين بحلول ليل الجمعة، لكن يمكن القول إن التظاهرات توجه غضبًا عارمًا لخامنئي – المقرب من المتشددين – وللرئيس حسن روحاني، الذي لم يستطع الوفاء بوعوده الاقتصادية، وأخرى إصلاحية اجتماعية». أعلنت الشرطة في طهران الأسبوع الجاري – يضيف داراغي – أنها ستحد من القبض على النساء لعدم ارتدائهن الزي المحتشم، ويرجح التقرير أن ذلك كان من أجل تهدئة التوتر في ظل التظاهرات المتوقعة.
نقل داراغي عن عُميد ميماريان، وهو محلل إيراني مستقل وصحافي مقيم في نيويورك، قوله: «عمومًا إن الإحباط والغضب اللذين نتج عنهما أحداث 2009 ما يزالان حاضرين في المجتمع، ولم تفلح الحملات القمعية في القضاء عليهما». وأضاف ميماريان: «إن أسباب كل هذا الغضب والإحباط لم تعترف بها الحكومة والدولة. إنهم لم يذكروا أبدًا قضايا المساواة، والعنصرية وافتقار الحرية والسياسات الاقتصادية السيئة».
اقرأ أيضًا: مترجم: السعودية وإيران.. صراع غير محسوم.. دليلك لفهم الصراع التاريخي على النفوذ
إن التضخم والبطالة عرقلت آمال الشباب الإيراني والطبقة المتوسطة الدنيا – يستطرد التقرير – وكان ارتفاع أسعار البيض هو القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ إنه كان سببًا في إثارة هذه الجموع المتظاهرة.
كان روحاني قد زعم في عام 2015 أن الاتفاق النووي مع الغرب سيحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لكن النمو كان طفيفًا، ولم يرق إلى التوقعات. يرى التقرير أن كثيرًا من مشكلات إيران الاقتصادية أساسها تحكم الفساد، والمتشددين غير المؤهلين الذين يسيطرون على الاقتصاد، بداية من السياحة والاستيراد، وحتى قطاع النفط العملاق. إن روحاني لم يكن قادرًا على القضاء على الفساد، أو التحكم في الاقتصاد، دون تحدي مناصب المتشددين المحصنة.
تعتبر تظاهرات الجمعة هي أسوأ عدم استقرار سياسي تشهده إيران منذ فترة ما بعد انتخابات 2009، التي تلتها شهور من الاعتقالات والعنف شهدته الكثير من المدن الإيرانية. ينقل التقرير ما جاء في أحد مقاطع الفيديو الذي أظهر محتجين –أحيانًا معهم أطفالهم – يشتبكون مع الشرطة في مدينة رشت الساحلية شمالي البلاد، وآخرين ينادون بإسقاط النظام في مدينة قُم، وهي المدينة التي تعلم فيها معظم القيادات الدينية في البلاد.
«اتركوا سوريا لحالها وفكروا فينا»، كان هذا أحد الشعارات التي رددها المتظاهرون يوم أمس، في إشارة إلى التدخل العسكري الإيراني الطموح في الأزمة السورية.
يضيف التقرير أن عددًا قليلًا من الأخبار أشار إلى تظاهرات في العاصمة طهران، والتي كانت بؤرة انتفاضة 2009. إذ قال نائب الحاكم العام لشؤون الأمن في إفادة لوكالة أنباء العمل الإيرانية (إيلنا): إنه «تم إلقاء القبض على عدد من المتظاهرين» في تظاهرة صغيرة خرجت في أحد ميادين العاصمة.
اقرأ أيضًا: «بلومبرج»: كيف تغسل مليار دولار من أموال النفط الإيراني؟ قضية رضا ضراب تشرح لك
ينقل التقرير تكهنات عدد من المحللين التي تقول بأن المتشددين دعموا التظاهرة الأصلية التي خرجت لأجل الأوضاع الاقتصادية يوم الثلاثاء الماضي؛ لتقويض وإحراج الرئيس روحاني، وهي الخطة التي يبدو أنها جاءت بنتائج عكسية؛ إذ خرج المتظاهرون إلى الشوارع منادين بمطالب أخرى أوسع. وكان إسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس روحاني، قد أشار إلى هذا السيناريو في خطابه يوم أمس.
وأورد التقرير نص ما جاء على لسان جهانجيري في خطابه: «إن الذين أثاروا هذه التحركات السياسية في الشوارع قد لا يكونون هم من سيضع حدًا لها، إذ قد يركب غيرهم الموجة التي بدأوها، ويجب عليهم أن يعلموا أن فعلهم سينقلب عليهم»، كان هذا جزءًا مما قاله جهانجيري في مؤتمر طبي، بحسب ما أوردته وكالة «أنباء الطلاب الإيرانية (إيسنا)».
بحسب داراغي، فإن روحاني نفسه قد يكون أحد المساهمين في إثارة ذلك الغضب؛ إذ إنه – وللمرة الأولى على الإطلاق – حينما أعلن الموازنة الجديدة منذ شهر مضى، فإنه ضمّن تفاصيل لم يفصح عنها من قبل، حول كم الأموال التي ذهبت إلى منظمات دينية، ومراكز أبحاث، ومعاهد أخرى غير مسؤولة مقربة من القيادة.
يقول ميماريان: «الشعب عرف كيف أن الطبقة المتدينة تبتلع الحصة الأكبر من الموازنة دون مسؤولية، بينما حياة الناس اليومية تزداد صعوبة».
يصف التقرير روحاني بأنه مراوغ عالم ببواطن الأمور، وأثبت في الماضي أن لديه مهارة في استخدام مثل هذا الاستياء الشعبي كهراوة ضد سيطرة المتشددين، لكن التظاهرات قد تمكّن المتشددين فيما بعد، إذا ثبت أنها جزء من تدخل أجنبي. وبالفعل فإن عددًا من وكالات الأنباء الإيرانية أشارت إلى السيناتور الأمريكي توم كوتون، المعروف بعدائه للسياسة الخارجية الإيرانية، إذ إنه غرد عبر «تويتر» معبرًا عن دعمه للمتظاهرين. وكانت وكالة أنباء «فارس»، التي ينظر إليها على أنها مقربة من الحرس الثوري الإيراني، قد نددت بالاحتجاجات، ووصفتها بأنها منظمة من قبل «أعداء الثورة».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
: سياسة, أحمدي نجاد, إيران, احتجاجات, اشتباكات, الاتفاق النووي, الاقتصاد, الحرس الثوري, الشرطة, المرشد الأعلى, انتخابات, ترجمات, تظاهرات, حسن روحاني, فساد