كان عام 2018 مليئًا بالفضائح في مجال التكنولوجيا، وطالت هذه الفضائح كبرى الشركات مثل «جوجل» و«فيسبوك». وتسببت في عددٍ من الدعاوى القضائية. ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) 2018، رفع المدعي العام لولاية واشنطن الأمريكية دعوى قضائية ضد شركة «فيسبوك» بسبب ما كُشِفَ عنه سابقًا في فضيحة شركة البيانات البريطانية «كامبريدج أناليتيكا».

إذ سمحت شركة «فيسبوك» للشركة البريطانية بالوصول إلى المعلومات التي جمعها أليكساندر كوجان، الأستاذ بجامعة كامبريدج، من قرابة 70 مليون مستخدم عبر تطبيق اختباراتٍ على الشبكة الاجتماعية في عام 2014. ووُضِعت الشركة البريطانية تحت وصاية المحكمة في الصيف بعد الكشف عن استخدامها لبيانات المستخدمين.

لكن ترى صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية في تقريرٍ نشرته على موقعها أنَّ تلك الفضائح والدعاوى القانونية أثارت سؤالًا مهمًا يستحق النقاش: ما الذي سيحدث لبيانات المستخدمين التي تجمعها فيسبوك أو أي شركةٍ أخرى حين تُفلِس الشركة وتُغلق أبوابها؟

تشير الصحيفة إلى أنَّ هذه القضية لم تحظَ باهتمامٍ كبيرٍ من العامة نظرًا لقلة عدد شركات التكنولوجيا التي واجهت الإفلاس في الآونة الأخيرة. وتوضح أنَّ المبادئ التوجيهية الموجودة بالفعل، والتي وضعتها هيئاتٌ مثل معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، تميل إلى افتراض أن البيانات الشخصية هذه ستتعرَّض للتجيد.

لكن بحسب تقرير الصحيفة، سُلط الضوء على تلك القضية في يناير (كانون الثاني) الماضي بسبب دعوى قضائية مرفوعة في ضاحية هيندون بلندن. إذ يُقاضي ديفيد كارول، الأستاذ المُقيم بنيويورك، مسؤولي شركة «كامبريدج أناليتيكا» بدعمٍ من مكتب مفوَّض المعلومات البريطاني، متهمين الشركة بالفشل في الالتزام بقوانين الخصوصية الأوروبية والامتثال لقرار مكتب مفوَّض المعلومات، الذي ألزمها بالكشف عن البيانات التي جمعتها بشأن كارول. ويُطالب كارول بتعويضٍ ماديٍ قدره 20 ألف جنيهٍ إسترليني.

صدر قرار مكتب المفوَّض قبل أن تُعلِن الشركة إفلاسها، ما جعل القضية أكثر تعقيدًا حسبما ترى «فاينانشال تايمز»، نظرًا لأنَّ المكتب تحفَّظ على خوادم الشركة، ويُمكنه نظريًا منح كارول البيانات إن أراد. ويُؤكِّد محامو مسؤولي «كامبريدج أناليتيكا» أنَّ الشركة قدَّمت بالفعل الكثير من المعلومات لكارول. لكنَّ الصحيفة توضح أنَّ الكثيرين يتابعون إجراءات المحاكمة، لأنَّ القضية ربما تمثل سابقةً قانونيةً في ما يتعلَّق بحقوق بيانات المستخدمين ومسؤوليات الشركات، المستمرة منها في العمل وكذلك التي تواجه الإفلاس. وبهذا تثير القضية مسائل قانونية وفلسفية.

حين تُفلِس الشركات في الظروف الطبيعية، يُلزَمُ الأوصياء ببيع كافة أصولها بأفضل سعرٍ ممكن لتعويض الدائنين. لكن ماذا يحدث حين تشمل تلك الأصول معلومات المستخدمين التي تحميها قوانين الخصوصية؟

بحسب الصحيفة، يرى كارول أنَّ البيانات التي استحوذت عليها «كامبريدج أناليتيكا» هي في الأصل مملوكةٌ للمستخدمين، ويجب أن تُعاد إليهم، بغض النظر عن الإفلاس. ويقول: «في هذه الحالة تصبح الشركة مدينةً لي أنا أيضًا، بالمعلومات وليس المال، ويجب أن أُعامل معاملة الدائنين الآخرين. إذ تُعتبر تلك البيانات حينها بمثابة التزاماتٍ مُعلَّقة خاصة بي».

علوم

منذ 4 سنوات
بعيدًا عن «الغول» المهيمن على حياتنا.. 6 بدائل لـ«فيسبوك» لا تنتهك الخصوصية

لكن تعتقد «فاينانشال تايمز» أنَّه من غير الواضح ما إن كانت المحاكم مُستعدِّةً لتقبُّل فكرة تحوُّل المستخدمين إلى دائنين. وفي حال تقبَّلت المحاكم الفكرة، ترى الصحيفة أنَّها ستتسبب في الكثير من التداعيات، نظرًا لأنَّ نفس الأسئلة المُتعلِّقة بملكية المعلومات ستُلاحق رُواد الأعمال الذين انتقلوا إلى مجال البيانات الضخمة في السنوات الأخيرة وأعلنوا إفلاسهم. ويسري الأمر نفسه على الشركات خارج مجال التكنولوجيا، التي جمعت كمياتٍ هائلة من المعلومات خلال السنوات الأخيرة، مثل صناديق الاستثمار والبنوك ومتاجر التجزئة وغيرها.

ويضيف التقرير أنَّ قضية كارول تُسلِّط الضوء أيضًا على الطبيعة العابرة للحدود التي تتسم بها البيانات، وكيف تتسبَّب في تعقيد الصراع الدائر حول حقوق البيانات. إذ أثار محامو مسؤولي شركة «كامبريدج أناليتيكا» تساؤلاتٍ حول مُشاركة مكتب مُفوَّض المعلومات البريطاني في القضية، نظرًا لأنَّ كارول أمريكي وليس مواطنًا بريطانيًا.

واعتمدت «فيسبوك» على حُجَجٍ مماثلةٍ للطعن في حكم غرامةٍ فرضها عليها مكتب مفوَّض المعلومات في الماضي بسبب فضيحةٍ مماثلةٍ، وبلغت قيمتها 500 ألف جنيه إسترليني.

لكنَّ كارول والمحامين الذين ينوبون عن مكتب مُفوَّض المعلومات يردون على تلك الحجة بأنَّ الولاية القضائية يُحدِّدها موقع الشركة المسؤولة عن التعامل مع البيانات، ويُشيرون إلى حكمٍ صدر مؤخرًا في دعوى قضائية متعلِّقة بشركة جوجل في إسبانيا لدعم موقفهم.

وتتوقع «فاينانشال تايمز» تزايُد استخدام تلك الحجج خلال السنوات المُقبلة، وخاصةً في حالة تزايد حالات الإفلاس نظرًا لتقلُّبات الوضع الائتماني العالمي. وترى أنَّ هذه المشكلة يفاقمها التنقُّل المستمر لرواد الأعمال الماكرين عبر الحدود الدولية سعيًا لاستغلال الاختلافات بين أنظمة القوانين المحلية، والاتجاه إلى استضافة البيانات في «سحابةٍ معلوماتيةٍ» محفوظة على خوادم في بلادٍ أخرى في بعض الأحيان.

وتشير الصحيفة إلى أنَّ حل تلك المشكلة على المدى الطويل هو السير على نفس خطى القطاع المالي، الذي يبرع فيه أيضًا رُوَّاد الأعمال في استغلال الثغرات القانونية، لهذا لجأ إلى وضع قواعد وأطر عمل عالمية. وتقترح تأسيس لجنةٍ مشابهة للجنة بازل للرقابة المصرفية، التي تُقرِّر الحد الأدنى من المعايير الحاكمة لرأس المال والسيولة، وهي المعايير التي تلتزم بها الحكومات في ما بعد، أو تصميم نسخةٍ من مجلس الاستقرار المالي للإشراف على هيئةٍ تنظيمية عالمية.

لكنَّ التقرير يضيف أنَّ ذلك ربما لا يحدث قريبًا، فليست هناك أي مؤشراتٍ على رغبة أوروبا والولايات المتحدة في توحيد لوائحهما التنظيمية المختلفة في مجال تكنولوجيا المعلومات. ويرى أنَّ الأمل الأفضل والأقرب للمستثمرين ومجالس إدارات الشركات الراغبة في مزيدٍ من الوضوح هو اللجوء إلى المحاكم لإرساء سوابق قانونيةٍ في ما يتعلق بملكية ومسؤوليات البيانات.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد