كان نيكولاي ملادينوف، الذي يراه الإسرائيليون أحد أنجح مبعوثي الأمم المتحدة المعنيين بتنسيق عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسيطًا رئيسيًا بين إسرائيل وحماس. فهل يستطيع خليفته الاستفادة من المتغيرات التي ستطرأ على الشرق الأوسط بعد رحيل ترامب من البيت الأبيض لإطلاق عملية تفاوضية تفضي إلى السلام؟
سؤال طرحه الدكتور ليور ليرز، مدير برنامج صناعة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم)، والدكتور نِمرود جورين، مؤسس ورئيس معهد «ميتفيم» والمحاضر عن دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية، في مستهل مقالهما المشترك المنشور في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.
يقول الكاتبان: في المرة القادمة التي سينشب فيها صراع بين إسرائيل وحماس، ويحتاجان إلى شخص ما لنزع فتيل الأزمة بينهما، لن يكون نيكولاي ملادينوف، المبعوث الأممي الخاص لتنسيق عملية السلام في الشرق الأوسط، موجودًا للمساعدة كما سبق وأن فعل كثيرًا منذ اختياره لهذه المهمة في عام 2015.
يشيد الكاتبان الإسرائيليان بـ ملادينوف، ويصفانه بأنه «أحد أنجح المبعوثين الدوليين للتعامل مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني؛ إذ حاز على احترام وثقة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ونال كذلك احترام الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي وثقتهم».
يستشهد الكاتبان على ذلك بنجاح ملادينوف مرارًا وتكرارًا في نزع فتيل التصعيد بين إسرائيل وحماس، وتشخيصه بوضوح العقبات التي تحول دون حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وتقديمه دعمًا ثابتًا ومثمرًا لمنظمات المجتمع المدني الإسرائيلية والفلسطينية المؤيدة للسلام.
عادة ما تشعر إسرائيل بالقلق حيال التدخل الدولي غير الأمريكي في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لكن المقال يؤكد أن فترة عمل ملادينوف مبعوثًا للشرق الأوسط أثبتت أن العكس هو الصحيح في بعض الأحيان. يتابع الكاتبان: في عهد الرئيس ترامب، جعلت السياسة الأمريكية السلام الإسرائيلي – الفلسطيني أبعد منالًا، وخلقت توترات في الساحة الفلسطينية، بينما كانت الأمم المتحدة، التي يميل الإسرائيليون إلى ذَمِّها، هي التي منعت الحرب وشجعت الحوار.
المبعوثون الأمميون لمراقبة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني
عَيَّنَت الأمم المتحدة مبعوثين خاصين في مراحل مختلفة من الصراع الإسرائيلي – العربي للتوسط بين الجانبين ودفع عملية السلام قُدُمًا، كما تفعل في مناطق الصراع الأخرى.
كان أول مبعوث تعينه الأمم المتحدة لمتابعة تطورات الصراع العربي – الإسرائيلي هو: فولك برنادوت، الذي عمل بنشاط وسيطًا خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، لكنه وصل إلى نهاية مأساوية باغتياله على يد عصابة «ليحي» (عصابة شتيرن) السرية قبل إعلان قيام دولة إسرائيل.
ثم جاء خليفته، رالف بانش، ليقود وساطة ناجحة في المفاوضات حول اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وجيرانها العرب، والتي أنهت الحرب في عام 1949، وهو الدور الذي أهل بانش للحصول على جائزة نوبل للسلام.
بعد حرب الأيام الستة (المعروفة عربيًّا باسم نكسة 1967)، عيَّن مجلس الأمن الدولي الدبلوماسي السويدي جونار يارينج لدفع عملية السلام في المنطقة. ورغم الجهود الذي بذلها يارنج متنقلًا بين إسرائيل وعواصم عربية، خاصة القاهرة، لم تكلل تحركاته بالنجاح.
في أعقاب حرب يوم الغفران (المعروفة عربيًّا بحرب 6 أكتوبر/العاشر من رمضان 1973)، كثفت الولايات المتحدة انخراطها في العملية الدبلوماسية، واحتكرت دور الوسيط في الساحة العربية – الإسرائيلية، ثم في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية لاحقًا.
منسقو الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط
في أعقاب اتفاقيات أوسلو (1993)، قررت الأمم المتحدة تعيين منسق خاص لعملية السلام في الشرق الأوسط لمراقبة تنفيذها، والمساعدة في تأسيس السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب شروط الاتفاقية.
كان المنسق الأول الذي اختارته الأمم المتحدة هو: الدبلوماسي النرويجي تيري لارسن، الذي شارك في محادثات أوسلو السرية. واضطلعت الولايات المتحدة بالدور القيادي خلال معظم مراحل عملية السلام التي تلت ذلك، في حين كان مبعوثو الأمم المتحدة، وكذلك المبعوثون الذين عينهم الاتحاد الأوروبي، يقومون بدور ثانوي ويبذلون قصارى جهدهم في حدود الممكن.
لطالما كان دور مبعوث الأمم المتحدة صعبًا ومعقدًا؛ إذ كان المبعوثون يفتقرون إلى نفوذ رسمي قوي، ولم يكونوا يمثلون دولة أو قوة عظمى تمتلك الأدوات والموارد لتحفيز الأطراف أو معاقبتهم. بالإضافة إلى ذلك، كان التفويض والسلطة الممنوحون لشاغل هذا المنصب غير واضحين، وكان على المبعوثين أيضًا التعامل مع الشكوك والعداء العميقين تجاه الأمم المتحدة، ليس فقط من جانب إسرائيل، ولكن أيضًا من جانب الفلسطينيين.
على سبيل المثال، في عام 2014 قررت إسرائيل مقاطعة مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري؛ بعد أن اتهمه وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان بمحاولة تحويل الأموال إلى حماس وطالب بطرده.
إرث ملادينوف.. بعيون إسرائيلية
في ظل هذه الخلفية، وعلى الرغم من الضعف البنيوي المتأصل في هذا المنصب، يرى الكاتبان الإسرائيليان أن ملادينوف تمكن من الاضطلاع بدور مهم في المنطقة؛ حتى أصبح اللاعب الوحيد الذي يحظى بالقبول والاحترام من جميع الأطراف في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية، بدءًا من رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع المتشدد نفتالي بينيت، وحتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقياديان في حركة حماس إسماعيل هنية ويحيى السنوار.
يصف الكاتبان ملادينوف بأنه كان «الشخص المسؤول الوحيد» في مواجهة سياسات ترامب والجهات الفاعلة الدولية الأخرى التي فقدت اهتمامها بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، أو حولت تركيزها إلى ساحات الصراع الأخرى.
وبينما يعمل المبعوثون الدوليون الحاليون الآخرون (مثل الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام) من بلدانهم الأصلية، ويزورون المنطقة على فترات، عمل ملادينوف انطلاقًا من القدس بمساعدة فريق ماهر من الدبلوماسيين المحليين والدوليين، على حد وصف الكاتبين.
أصبح ملادينوف لاعبًا رئيسيًا في عملية التفاوض غير المباشرة بين إسرائيل وحماس في غزة، وتدخل في كثير من الأحيان في اللحظات الحاسمة لوقف التصعيد بين الجانبين. ويلفت المقال إلى أن ملادينوف فعل ذلك بالتعاون مع مصر وقطر، على الرغم من التنافس بين هاتين الدولتين العربيتين.
كما تدخل ملادينوف لملء الفراغ الذي نتج عن تعليق التنسيق الأمني والمدني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية العام الماضي، ليساعد بذلك على تنسيق الاتصالات بين الجانبين بشأن أزمة فيروس كورونا. إلى جانب تراجع الاهتمام الدولي بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، اضطر ملادينوف إلى قرع ناقوس الخطر من خلال إحاطات منتظمة مقدمة لمجلس الأمن، إلى جانب بلورة توصيات والحثّ على اتخاذ إجراء عملي.
ولم تمنعه رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة مع الجانبين من الدفاع بجرأة في كل فرصة عن ضرورة الالتزام برؤية الدولتين، وهو ما أسهم في حشد معارضة واسعة النطاق لخطة الضم، وإظهار تعاطف مع الضحايا من كلا الجانبين، وإدانة تجاوزات مختلف أطراف النزاع.
كما اختار ملادينوف الابتعاد عن الدبلوماسية التقليدية التي تعتمد حصريًا على صناع القرار، وأجرى بدلًا من ذلك حوارًا موسعًا مع منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والإسرائيلية. وشدد مرارًا وتكرارًا على الدور المهم الذي يضطلعون به في دفع عجلة السلام، وشارك في الفعاليات التي نظموها، وأجرى معهم مناقشات ونظم معهم جلسات إحاطة.
هل تساعد رئاسة بايدن على إنجاح مهمة المبعوث الأممي القادم؟
على الرغم من هذا الثناء السخيّ الذي خلعه الكاتبان الإسرائيليان على ملادينوف، وإشادتهما بالإنجازات التي حققها على صعيد قطاع غزة، فإنهما يعترفان بأن السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لم يحرز تقدُّمًا خلال فترة توليه منصب المبعوث الأممي.
يعزو الكاتبان ذلك إلى عدة عوامل، على رأسها: رفض نتنياهو حل الدولتين، إلى جانب سياسات ترامب، والمشكلات التي واجهت السلطة الفلسطينية داخليًا، تضافرت كلها لتشكل عقبات أمام تعزيز السلام، وحصر دور ملادينوف إلى حد كبير في قطاع غزة فقط. لكن الجانب المشرق في المشهد بحسب المقال هو أن خليفته، الدبلوماسي النرويجي ثور وينسلاند، ستتاح له فرصة بداية مهمته بأدوات دعم أفضل مما أتيح لسلفه.
يتوقع الكاتبان- أو يأملان- أن تؤدي رئاسة بايدن إلى إحياء التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، وإعادة ترميم العلاقات الأمريكية مع السلطة الفلسطينية، وإعادة الولايات المتحدة إلى مقعد الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، وفتح الطريق أمام تعاون متعدد الأطراف بين الولايات المتحدة والشركاء الدوليين.
في ختام المقال، يشدد الكاتبان على أن هذه التطورات الإيجابية كفيلة بتمكين المبعوث الجديد ليس فقط من مواصلة ما بدأه ملادينوف فيما يتعلق بقطاع غزة، ولكن أيضًا من الاضطلاع بدور مهم في تنسيق التحركات الدولية وقيادتها، مثل: تدشين آلية دولية متجددة لدفع عجلة السلام (تطوير اللجنة الرباعية، التي لم تعد تنهض بالمهمة الملقاة على عاتقها)، وتقديم حزمة دولية من حوافز السلام لحث الإسرائيلين والفلسطينيين على التوصل لتسوية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».