جميعنا نعلم أن المستكشف الإيطالي الشهير كريستوفر كولومبوس أبحر عبر المحيط الأطلنطي في عام 1492؛ لكن العالم الجديد الذي اكتشفه لم يُسم باسمه، فلماذا؟ هذا ما ناقشه تقرير الكاتبة لورا جيجل، الذي نشره موقع «Live Science».
أشار التقرير إلى أن الإجابة تتعلق بِصيت كولومبوس وقت تسمية الأوروبيين القارتين المكتشفتين حديثًا، إضافة إلى حملة دعائية ناجحة قادها المستكشف الإيطالي أميريجو فِسبوتشي، وفقًا لما ذكره مات كروفورد، وهو أستاذ مشارك في قسم التاريخ بجامعة كينت في أوهايو.
إضافة إلى ذلك، فإن كولومبوس قد أصر حتى يوم موته على أن الأرض الجديدة التي اكتشفها كانت جزءًا من قارة آسيا، وفقًا لكروفورد. على النقيض، كان أميريجو فِسبوتشي من أوائل المستكشفين –إن لم يكن أوّلهم- الذي يعلن أن العالم المُكتشَف حديثًا هو عالم جديد تمامًا، على الأقل بالنسبة للأوروبيين.
الهند كانت الهدف
وُلد كولومبوس في مدينة جنوة بإيطاليا عام 1451، ثم انتقل إلى البرتغال ليعمل في رسم الخرائط. في ذلك الوقت، الذي يُسمى بعصر الاستكشاف، كانت البرتغال رائدة إذ كانت قد اكتشفت جزر ماديرا وجزر الأزور في المحيط الأطلنطي، وأبحرت جنوبًا نحو الساحل الغربي لقارة أفريقيا.
ومع ذلك، فإن ما أرادته أوروبا فعليًّا هو طريق إلى الهند، إذ كانت الإمبراطورية العثمانية قد منعت مرور الأوروبيين عبر القسطنطينية، وكذلك عبر شمال أفريقيا أو البحر الأحمر. أراد كولومبوس أن يشارك في هذا العمل، واقترح –كما اقترح آخرون- إمكانية الوصول إلى آسيا عن طريق الإبحار غربًا. جدير بالذكر أن الناس في ذلك الوقت كانوا يعلمون أن الأرض كروية.

كريستوفر كولومبوس
رفضت البرتغال فكرة كولومبوس، ليس فقط لأنه لم يكن مقربًا من أصحاب النفوذ، بل لأنهم اعتقدوا أنه لم يُحسن تقدير المسافة بين أوروبا والهند، وكانوا على صواب في ذلك، لذلك انتقل كولومبوس بفكرته إلى إسبانيا. آمن الإسبان بفكرة كولومبوس، ووعدوا بمنحه الكثير إذا ما تمكن من اكتشاف طريق إلى الهند. «وُعِد كولومبوس بالكثير في المقابل: جزء كبير من التجارة والثروة التي قد تأتي من الطريق المباشر إلى قارة آسيا» وفقًا لكروفورد.
ما حدث بعد ذلك غيّر التاريخ، إذ أبحر كولومبوس مباشرة إلى جزيرة جوانهاني، والتي تنتمي لجزر الباهاماس. وخلال الرحلات الأربعة التي قام بها كولومبوس إلى العالم الجديد، وطأت قدماه جزرًا مثل كوبا وهِسبانيولا، وسواحل أمريكا الوسطى والجنوبية. لكن كولومبوس أصرّ إصرارًا شديدًا على أن ما اكتشفه هو قارة آسيا، ربما ليحصل على الثروة والمكانة التي وعدته بها إسبانيا، بحسب ما ذكره كروفورد.
يقول كروفورد إن موقف كولومبوس هذا جعل بعض معاصريه يرونه مخادعًا، وغير موثوق به. في تلك الأثناء، سافر المستكشف البرتغالي ڤاسكو دي جاما من البرتغال إلى الهند، وعاد مرة أخرى عن طريق الإبحار حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا من عام 1497 إلى 1499، وهذا يعني أن البرتغال قد هزمت إسبانيا في سباق الوصول إلى الهند.
يقول كروفورد: «كان التاج الإسباني غاضبًا بشدة لفشل كولومبوس في الوصول إلى آسيا، كما تأثروا بالسمعة التي لحقته بأنه مخادع؛ وكان هذا أحد أسباب إرسالهم عميلًا إلى منطقة الكاريبي للقبض على كولومبوس وإعادته إلى إسبانيا. لاحقًا، تم تجريده من ألقابه».
خطابات كولومبوس وفِسبوتشي
في عام 1493، كتب كولومبوس خطابًا إلى أحد مؤيديه، ويُدعى لويس دي سانت آنجيل، عن اكتشافاته، وتمت إعادة طباعة هذا الخطاب لاحقًا وقرأه العديد من الناس.

خريطة فالدسيمولر، أول خريطة تستخدم اسم أمريكا
لكن خطابات فِسبوتشي كانت أكثر شعبية بكثير. قام فِسبوتشي، الذي أبحر تحت العلم البرتغالي، بأول رحلة له إلى العالم الجديد في عام 1499، وأدرك أن تلك الأراضي لم تكن آسيا، بل قارة جديدة. جدير بالذكر أنه يصعب تمييز تلك الاكتشافات الثورية في خطابات فِسبوتشي، أي أنه من الممكن أن يفهم البعض معنى أكثر مما أراد فِسبوتشي أن ينقله، وفقًا لدراسة نشرت عام 2006. على سبيل المثال، وصف فِسبوتشي الأرض بكلمة «continent»، وقد فُهم أنه يقصد قارة، لكن من المحتمل أنه يقصد البر الرئيسي.
بغض النظر عما قصده فِسبوتشي، فإن خطاباته إلى لورينزو دي ميديشي عن العالم الجديد لاقت رواجًا كبيرًا في أنحاء أوروبا. يقول كروفورد إنه من الممكن أن نقول إن خطابات فِسبوتشي ساعدت الناس للتعرف إلى العالم الجديد، أكثر بكثير من خطاب كولومبوس.
أثرت هذه الخطابات بدورها في رسام خرائط ألماني شهير، يُدعى مارتن فالدسيمولر. في عام 1507 ،رسم فالدسيمولر أول خريطة تستخدم اسم أمريكا؛ لكنه استخدم الاسم فوق أرض البرازيل. بحسب ما يقول كروفورد، فإن فالدسيمولر لم يقصد تسمية المنطقة بأكملها أمريكا. وقد تم تسمية الأرض أمريكا تيمنًا بأميريجو، والذي وصفه فالدسيمولر بأنه مستكشف ذو كفاءة عالية.
في الواقع، كانت البرتغال قد أسمت البرازيل بالفعل «Island of the True Cross»، والتي تعني «جزيرة الصليب الحقيقي»، لكن من المحتمل أن فالدسيمولر لم يعلم بالاسم في ذلك الوقت، وفقًا لما قاله كروفورد.
في خرائط لاحقة صدرت في عام 1513 وعام 1516، توقف فالدسيمولر عن استخدام اسم أمريكا، واستخدم اسم «Terra Incognita» والذي يعني أرضًا مجهولة، أو اسم «Terra Nova» والذي يعني أرضًا جديدة. يقول كروفورد، ربما يكون ذلك بسبب إدراكه أن كولومبوس، وليس فِسبوتشي، هو مكتشف العالم الجديد. ولكن ذلك كان متأخرًا، فقد نقلوا رسامو الخرائط الآخرون الاسم ونشروه. ومع نهاية القرن السادس عشر، كان اسم «أمريكا» متأصلًا بقوة، بحسب ما ذكره كروفورد.
من المؤكد أن تسمية أرض جديدة له رمزية كبيرة، إذ يقول كروفورد: «إن تلك العملية برمتها من صنع الخرائط، ووضع أسماء وعلامات أوروبية إلى أماكن لا تعود للأوروبيين، هي جزء من جهودهم للاستيلاء على هذه الأراضي». تلك هي أيديولوجية الاستعمار: «هذه الأراضي تعود إلينا، وقد أطلقنا أسماءنا عليها».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».