من بودرة التلك إلى بيض اليشم وأدوات الدشّ المهبلي، صناعةٌ هائلة نمت خصيصًا لبيع منتجاتٍ تزعمُ أنها تُنظّف الأعضاء الأنثوية وتلعب على هاجس النساء بالحيطة الشديدة من القذارة أو الروائح غير الطيبة. ورغم أن الكثير من تلك المنتجات ضارّة ومؤذية، إلا أن التسويق لهذه المنتجات ما يزال قائمًا على قدمٍ وساق.
يتحلّى العضو الأنثوي بقدرةٍ خاصة على تنظيف نفسه، وهو نموذج بيولوجي مذهل على عدّة أصعدة، إذن لماذا توجد تلك الصناعة وتُفرض على شريحة النساء؟ هذا ما ترويه الكاتبة روز جورج في مادتها على صحيفة «الجارديان».
بودرة أطفالٍ مميتة
تسألُ الكاتبة أيّ من الأشياء التالية يجب أن تبقى بعيدةً كل البعد عن المهبل الأنثوي؟ القضيب أم الإصبع أم السدادة القطنية أم بودرة التلك؟ الخيار الأخير هو جواب هيئة المحلّفين في ولاية ميزوري الأمريكية، إذ قضت المحكمة في شهر يوليو (تموز) حكمًا لصالحٍ 22 امرأة ادّعين إصابتهنّ بسرطان المبيض بسبب استخدامهن لبودرة جونسون آند جونسون للأطفال المحتوية على مادة الأسبستُس. وصدر الحكم بتعويض النساء بمبلغ 4.14 مليار دولار ضمن خانة التعويضات الجزائية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تحكم فيها المحاكم لصالح نساء رفعنَ دعاوى قضائية لكون بودرة التلك مادة سرطانية: أصدرت ذلك الحكم محكمة في كاليفورنيا العام الماضي، رغم أن القرار الصادر ضد شركة جونسون آند جونسون نُقض عند الاستئناف ومنح محاكمة جديدة. ووفقًا للمتحدث الرسمي فإن جونسون آند جونسون «ما تزال واثقةً من أن منتجاتها خالية من الأسبستُس ولا تسبب سرطان المبيض، وتعتزم متابعة جميع طرق الاستئناف المتاحة».
أصدرت محكمة في ولاية ميزوري الأمريكية قرارًا يلزم شركة جونسون آند جونسون بدفع 4.14 مليار دولار للنساء المصابات بسرطان المبيض، والمتضررات من بودرة الأطفال التابعة للشركة
يتكون التلك بمعظمه من السيليكا المعدنية، لكن يمكن أن يتلوث بالأسبستُس لأن السيليكا والأسبستُس غالبًا ما يُستخرجان بالقرب من بعضهما البعض. قدّم محامو المدعين في قضية ميزوري أدلة على وجود ألياف الأسبستُس المجهرية في كثير من أنسجة مبايض النساء. عقّب المحامي الرئيسي في القضية مارك لانير بعد صدور الحكم: «تبيع شركة جونسون آند جونسون هذه المساحيق في نفس مجموعة نشاء الذرة الآمنة. إذا أصرت الشركة على الاستمرار في بيع بودرة التلك فعليها إذن أن تميزها بتحذيرٍ جدّي».
قد تبدو بودرة الأطفال القاتلة أمرًا ينتمي لعالم الخيال العلمي أو المسلسلات البوليسية، لكن فكرة ارتباطها بالسرطان ظلّت تتشكل على مدى عقود ولو إن النتائج ما تزال خاضعة للنقاش المحتدم. وجدت بعض الدراسات زيادةً طفيفة في المخاطر، وبعضها لم يصل للنتيجة نفسها. وجد تحليلٌ صادرٌ من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في عام 2016 أنه «احتمالٌ معقول أن يشقّ التلك طريقه صعودًا نحو الجزء الأعلى من الجهاز التناسلي وإحداث نوع ما من التأثير البيولوجي». في المقابل تنفي جمعية «Ovacome» الخيرية المتخصصة بسرطان المبيض وجود أدلة على هذا الارتباط، موضحة: «ما زلنا لا نعرف المسبب الحقيقي لسرطان المبيض، لكن يُرجح أنه مزيجٌ من مختلف العوامل الموروثة والبيئية، بدلًا من مجرد مسبب واحدٍ مثل التلك».
تعود الكاتبة للتساؤل: مع كل هذه التوكيدات والأدلة التي تترافق مع تلك المسألة، لماذا قد تضع المرأة بودرة التلك أساسًا داخل مهبلها أو على فرجها؟ (المهبل هو القناة العضلية الأنبوبية الشكل الرابطة ما بين عنق الرحم والفتحة المهبلية، أما الفرج فهو الجزء الخارجي من الأعضاء التناسلية الأنثوية).
إذا كان شبح السرطان يحوم حول بودرة التلك على مدى عقود، لماذا ما تزال النساء يستخدمنها؟
هواجسٌ مُروّج لها
تُذكّر الكاتبة قرّاءها بمعلومةٍ أساسية: المهبل عضوٌ مذهل، مبطّنٌ بغشاء مخاطي يقي من العدوى (وهو ضروري لأيّ جزء من الجسم مفتوح على العالم الخارجي)، فضلًا عن خليط البكتريا المعقد والمثالي -يعرف أيضًا بالنبيت المهبلي أو الفلورا المهبلية- الذي يعمل درعًا واقيًا بنفس الطريقة (فقط الأمعاء تحتوي على بكتيريا أكثر من المهبل). تحافظ هذه العوامل معًا على صحة المهبل، كما يمتلك المهبل خاصية التنظيف الذاتي إذ يحافظ على نفسه نظيفًا وصحيًا عبر الإفرازات. (تذكر الكاتبة هنا كيف يشير أطباء الأمراض النسائية إلى مهبلها بلقب «فرن التنظيف الذاتي»).
لدى جميع النساء «غسولٌ ذاتي» من المخاط خاص بالمهبل والفرج، والذي يمكن أن يختلف في المظهر والحجم خلال أطوار الدورة الشهرية. هذا الغسول شديد الفعالية، باستثناء حالات العدوى بما في ذلك الأمراض المنقولة جنسيًا، ويمكن الاستدلال عليها بتغيّر اللون أو السماكة أو الرائحة (يمكن أن تصبح الرائحة مسكيّة قليلًا من الرياضة أو الجنس؛ إذا وجدت اختلافًا ملحوظًا أو رافقته الحكّة عليك استشارة الطبيب المختص). لكن أنّى لنا أن نعرف عن قوة الغسولات الطبيعية التي تفرزها أجسادنا مع وجود تلك الصناعة المهوّلة القائمة على فكرة إخبار النساء بأن لهنّ روائح غير طيبة.
المهبل عضوٌ مذهل ذاتيّ التنظيف، بغشائه المخاطي وخليط البكتريا المعقد وإفرازاته التي تعمل جميعها معًا درعًا واقيًا
بالطبع، نحب جميعنا أن نشعر بالانتعاش والنظافة، خاصة أيام النزيف. لكن على مدى عقود، عملت الصناعة المسمّاة بـ«النظافة النسائية» بجدّ على زيادة مخاوف النساء بأنهنّ لسن كذلك. منذ سبعين سنة، تُباع منتجات كوتيكس للنساء التي ستشعرهنّ برائحةٍ منعشة. لا شيء تغيّر منذ ذلك الوقت. تعقّب الكاتبة ساخرةً هنا: «أرني حملة إعلانات عن الفوط الصحية أو السدادات القطنية (تامبون) لا تستخدم كلمة «منعش» وسأبتلع زجاجة من غسول الخلّ المهبليّ حينها». فلكلّ مرة تُستخدم فيها كلمة «منعش» هنالك خوفٌ ما تستهدفه الحملة: الخوف من شمّ رائحة دم الدورة الأنثوية أو من تسرّبها، والخوف من أن يعبق جسد المرأة بأيّ رائحة غير طيبة بشكلٍ عام، الخوف من أن الشركاء الجنسيين سيسخرون من النساء أو يرفضوهنّ بسبب مظهر أو رائحة المهبل أو الفرج. كانت أغنية بودرة التلك للأطفال تقول «رشّة في اليوم تُبقي الرائحة بعيدة». فكرة الرائحة الكريهة هي واحدة من أقوى الحيل التي يمكن اللعب عليها، لأنه أكثر ما نخشاه من اتهام والأكثر استعصاءً على الدفاع والمحاججة. جميعنا نخشى أن نكون برائحةٍ غير طيبة.
تُرجّح الاحتمالات أن يكون مهبلك وفرجك بمنظرٍ ورائحةٍ طبيعيين وعاديين، لأن هذه هي الفئة الأكبر حينما يتعلق الأمر بالأعضاء التناسلية. في ورقةٍ بحثية تدرس مظهر الأعضاء التناسلية الأنثوية، وجد الباحثون في مستشفى إليزابيث غاريت أندرسون في لندن أن «النساء تتباين تباينًا كبيرًا في أبعادها التناسلية» ولكن «التمثيل التفصيلي الدقيق للأعضاء التناسلية الأنثوية نادر.. على الرغم من شيوع تمثيل العريّ الأنثوي». ترتفع معدلات الجراحة التجميلية للأعضاء التناسلية عن معدلات تشخيص الأمراض التناسلية. هناك شيءٌ مشوّه بالفعل، لكنه في أفكار النساء وليس في أعضائهنّ.
لا تقتلي البكتيريا!
من أجل نظافةٍ تامة، لا يحتاج الفرج الأنثوي إلى شيءٍ أكثر من الماء والصابون المعتدل وتربيت لطيف جدًا لتجفيفه (لا تفركيه). لا يحتاج المهبل إلى زينةٍ خاصة من نوع الفاجازل أو الغليتر الداخلي، ولا العلاج بالعلق الذي تصفه بعض عيادات التجميل في أوروبا الشرقية بأنه علاج مزيلٌ للسموم (ليس كذلك بالطبع). أما حصى بيض اليشم الذي تدخله النساء في المهبل، هو أيضًا فكرة سيئة للغاية، وكما يوضّح طبيب الأمراض النسائية جين غونتر: «اليشم مساميّ، ما يمكن أن يتيح للبكتيريا بالوصول إلى الداخل وبالتالي يمكن للبيضة أن تصبح أداة العدوى.. يمكن أن تكون عامل مخاطرة في التهاب المهبل البكتيري أو حتى متلازمة الصدمة السميّة المميتة».
الغشاء المخاطي الذي يبطّن المهبل مسامي جدًا أيضًا، وهو ما يجعل المهبل فعالًا في استيعاب الدواء ومسببات الأمراض كذلك. أما التبخير المهبلي الذي أشهرته الفنانة الأمريكية غوينيث بالترو –تقول إنها تُجلِسُ نفسها فوق قوارير تبخيرٍ عشبي لتحسّن من صحة فرجها ومهبلها- ليس جيدًا أيضًا لصحّة المهبل.
تروّج الفنانة الأمريكية غوينيث بالترو لتبخير المناطق الأنثوية، لكنه ليس جيدًا لصحة مهبلك.
حتى لو وضعنا كل تلك الأشياء السابقة وغيرها من الإجراءات الغريبة جانبًا، فإن الحل البسيط المتمثل برشّ الخلّ والماء إلى أعلى المهبل فكرةٌ سيئة أيضًا كما تشير الكاتبة. يُدعى هذا الإجراء عربيًا بالغسول المهبلي أو الدش المهبلي أو الوابل، وتستخدمه واحدة من كل خمس نساءٍ أمريكيات ما بين عمر 15 و44. يمكن أن تحتوي الغسولات التجارية على مواد مطهرة، بالإضافة إلى المواد المحفوفة بالمخاطر مثل الپارابين، فضلًا عن الروائح المجهولة: إذ تعتبر مستحضرات تجميل، وتطلب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من الشركات فقط ألا تُضمّن أي شيء ضارّ بالصحة في منتجاتها وتثق في امتثال مصنّعيها لهذا القانون – لا يُطلب أي اختبارات للمنتجات قبل إطلاقها. باختصار، المنتجات التي تضعينها في الأماكن القريبة للأجزاء المسامية للغاية في جسمك تخضع لرقابةٍ وتنظيم أقل بكثير من أقراص المصّ الخاصة بالسعال.
في المملكة المتحدة، تُنظّم ضمن المنتجات العامة، وليس ضمن القسم الطبي. الأمر في نهاية المطاف متروكٌ للشركة المصنّعة والبائع لضمان أمنِها.
هنالك مخاطرة بإخلال التوازن الدقيق للبكتريا في المهبل من أيّ شيء يُقرّب منه، خاصة حينما تشتري المرأة المنتجات المعنيّة لأنها تعتقد بوجود شيء خاطئ لديها. وجد الباحثون في جامعة بتسبرغ أنه كلما ازداد عدد المرات التي تطبّق النساء فيها الدش المهبلي، ازداد خطر الإصابة بالتهاب المهبل البكتيري وهو عدوى طفيفة تسبب الحكّة والإفرازات (وبالتالي تدفع النساء إلى تطبيق المزيد من الغسول والأساليب غير الصحية). إذا أقدمت النساء المشمولات بالاستطلاع على استخدام الدش مرة أسبوعيًا، يتضاعف الخطر لديهن.
ارتبط هذا النوع من الدش بمعدلات أكبر من التهاب المهبل البكتيري والولادات المبكرة وسرطان عنق الرحم. وجدت إحدى الدراسات المجراة على 40 ألف امرأة في بورتريكو والولايات المتحدة أن الدش ضاعف من خطر الإصابة بسرطان المبيض، فيما كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أكثر حذرًا من حسم مثل هذه الصلة، فربما تكون النساء اللواتي يعانين من ضعفٍ في صحة المهبل هنّ أكثر عرضة لتطبيق الدش. لم يسأل الباحثون أيضًا عن عوامل الخطر مثل تاريخ العائلة مع سرطان المبيض أو تاريخ المرأة مع التدخين.
هو أمرٌ طبيعي
تنقل الكاتبة عن ڤانيسا مكاي المتحدثة باسم الكلية الملكية لطب النساء والتوليد في المملكة المتحدة قولها: «إنها أسطورة حاجة المهبل إلى تنظيفٍ زائد بالصابون المعطر أو منتجات النظافة النسائية. يُستحسن تجنب الصابون المعطر والجل المهبلي والمطهرات، إذ يمكن أن تؤثر على التوازن الصحي للبكتريا ومستويات الحموضة في المهبل وتسبب التهيج. تُنصح النساء باستخدامِ صوابين عادية غير معطرة لغسل المنطقة المحيطة بالمهبل (الفرج) بلطفٍ كل يوم –وليس داخله-. وخلال فترة الدورة، الغسيل لأكثر من مرة في اليوم قد يكون مفيدًا».
وتختتم الكاتبة مقالها بتساؤل: هل كانت لتوجد حاجة لطرح هذه البيانات لو أن موضوع «الفرج» يُطرح ويناقش كما يُطرح موضوع الجنس. إذا ناقشنا مخاوفنا وهواجسنا بشأن الفرجِ والمهبل بشكلٍ مباشر مع الأطباء والمختصين الصحيين والعاملين في المجال ومع شركائنا بنفس البساطة التي ننتهجها حين نبحث عن حلّ من أجل الصداع. الممرات المليئة بمنتجات ما يسمّى بـ«الصحة النسائية» من غسولات وبخاخات وغيرها؛ كلها قائمة على مخاوفنا وحرجنا وباختفائه تختفي.
لو قصدت الطبيعة أن تجعل رائحة المهبل مثل الورد أو الخزامى، كانت ستجعل رائحته مثل الورد أو الخزامى. *روني لامونت، المتحدث باسم الكلية الملكية لطب النساء والتوليد
إذا أصبحنا أكثر صراحة وطبيعية بشأن المسائل التناسلية، فإن صحة المرأة وثقتها ستتحسنان إلى حدٍ كبير، ولو شممنا رائحة عطرية أقل.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
الجهاز التناسلي, الرحم, بودرة التلك, جونسون, دش, سرطان, صابون, صحة, صحة المرأة, طب, علوم, غسول, مهبل, نساء, نظافة نسائية