نشرت مجلة «نيوزويك» مقالًا عن العلاقات التاريخية بين مصر وكوريا الشمالية. تكتب مارجريت سوتر في مقالها -الذي نشر أيضًا على موقع المجلس الأطلنطي– عن الأسباب التي تجعل مصر تستمر في علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع كوريا الشمالية -رغم التهديد العالمي الذي تمثله حاليًا- وعن تأثير ذلك على علاقتها بالولايات المتحدة، التي وصل التوتر بينها وبين كوريا الشمالية لدرجة غير مسبوقة.

تعلق الكاتبة في بداية المقال على زيارة صدقي صبحي، وزير الدفاع المصري، في 12 سبتمبر (أيلول) الجاري لكوريا الجنوبية، والتي أعلن فيها -بحسب التقارير- أن مصر ستقطع علاقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية. يأتي ذلك الإعلان والتكهنات حول مدى حقيقته -إذ لم تؤكده الحكومة المصرية- في وقت تطالب فيه الولايات المتحدة ودول أخرى أن تقطع الحكومة المصرية صلتها بالدولة المعزولة والمنعزلة، بحسب تعبيرها.

نشرت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الجنوبية -يونهاب- خبرًا بأن مصر قطعت علاقاتها مع كوريا الشمالية بالفعل، بحسب وزير الدفاع المصري صدقي صبحي. تقول الكاتبة أن الشكوك بدأت تحوم حول مدى صدق حديثه بعدما لم تؤكده الحكومة المصرية أو تنفيه. وتضيف أن صبحي قال في حديثه للوكالة: «ستتعاون مصر بفاعلية مع كوريا الجنوبية ضد تصرفات كوريا الشمالية التي تهدد السلام».

تشير الكاتبة لمحاولة موقع «إيجبت إندبندنت» الوصول للمتحدث العسكري المصري تامر الرفاعي للتعليق على الأمر، لكنه أجاب بأن كل تفاصيل زيارة صبحي لكوريا الجنوبية مذكورة على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري على موقع فيسبوك.

الفريق أول / صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يعود إلى أرض الوطن بعد زيارته الرسمية…

Geplaatst door ‎الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة‎ op Vrijdag 15 september 2017

لم يتضمن البيان الموجود على فيسبوك أي تفاصيل حول العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية، بحسب الكاتبة، كما نشرت مؤسسات إخبارية مصرية تعليقات صبحي في إطار تغطيتها للرحلة لكنها أزيلت لاحقًا، ونشرت الصحيفة اليومية المصري اليوم تعليقاته في النسخ الأولى من الجريدة وأزالتها أيضًا من النسخ اللاحقة.

اقرأ أيضًا: لو قامت الحرب المنتظرة بين أمريكا وكوريا الشمالية.. من سينتصر عسكريًّا؟

ضغط أمريكي على مصر

تسببت هذه الضبابية حول مدى صحة تعليقات صبحي في زيادة الضغط الأمريكي على الحكومة المصرية، خاصة -كما تضيف الكاتبة- أنها تواجه مؤخرًا مطالب متزايدة من الولايات المتحدة -حليفها الأساسي ومصدر المعونات الأجنبية- لتٌقليص علاقاتها الاقتصادية مع كوريا الشمالية.

أعلنت إدارة ترامب نيتها إلغاء 96 مليون دولار من المساعدات الأمريكية للحكومة المصرية في 22 أغسطس، كما أجلت 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية معللة ذلك بسجل مصر في حقوق الإنسان. لكن الكاتبة تقول أن تقارير أخرى تكهنت بأن هذا جزء من استراتيجية الإدارة الأمريكية للضغط على مصر لقطع علاقتها مع كوريا الشمالية، لتعزلها عن أحد أهم شركائها التجاريين.

عندما سئل أحد مسؤولي وزارة الخارجية عن القرار قال أن الولايات المتحدة عبرت عن قلقها لمصر لكنه رفض تأكيد إن كان لكوريا الشمالية دخل في القرار.

العلاقات التاريخية بين البلدين

تشرح الكاتبة التاريخ الطويل للعلاقات بين مصر وكوريا الشمالية، خاصة في تجارة السلاح، فقد عامل صناع القرار المصريين كوريا الشمالية على أنها مصدر أساسي للتقنية العسكرية منذ السبعينات، حين دعمت كوريا الشمالية مصر في حرب أكتوبر. وتضيف: «وافق الرئيس المصري -وقتها- أنور السادات على بيع صواريخ «سكود-بي» لكوريا الشمالية في الفترة ما بين 1976-1981، وردت كوريا المعروف بأن وفرت لمصر المساعدة التقنية في إنتاج الصواريخ».

رغم تتابع الحكومات وتغيرها، حافظت مصر على تجارة السلاح مع كوريا الشمالية . وتضيف الكاتبة أن الأمم المتحدة قد أصدرت تقريرًا في 2015 تؤكد فيه أن شركة كوريا الشمالية للأعمال البحرية «OMM» قامت بدور رئيسي في ترتيب شحنة غير مشروعة من الأسلحة المخفية وذلك عن طريق أشخاص وكيانات في مصر ودول أخرى.

ذكر التقرير -بحسب الكاتبة- أن ممثلي شركة «OMM» كانوا يعملون من خلال شركة تسمى «صن لايت آجينسي» في بورسعيد حتى عام 2011. وتشير كذلك لما أعلنه محققون بالأمم المتحدة عن عثورهم على أدلة على تجارة كوريا الشمالية في «بضائع لم يعلن عنها حتى الآن مثل أجهزة اتصال عسكرية وأنظمة دفاع جوي محمولة ومنظومات دفاع جوي وصواريخ موجهة» وذلك من دول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، من بين مناطق أخرى. كما أضاف المحققون أن مصر اعترضت سفينة لكوريا الشمالية محملة بـ30 ألف قذيفة «آر بي جي» مخبئين في صناديق خشبية.

لم تكتف مصر بعلاقتها العسكرية مع كوريا الشمالية، تقول الكاتبة أن مصر حافظت أيضًا على علاقتها الاقتصادية بالجمهورية الكورية، وتشير لوجود حوالي 20 اتفاقية عقدت بين البلدين وما زالت سارية، ما بين اقتصادية وأمنية وإعلامية وتقنية وثقافية.

تولت شركة «أوراسكوم» المصرية مهمة مساعدة كوريا الشمالية في إنشاء شبكة الاتصالات الهاتفية الأولى والوحيدة، وأشرف على الصفقة -بحسب الكاتبة- الملياردير المصري نجيب ساويرس مالك الشركة، والذي ينفي أن يكون انتهك الحظر المفروض من الأمم المتحدة ويقول أنه التزم بكل قراراتها. تقول الكاتبة أن الصفقة أضافت لـ«أوراسكوم» 300 ألف عميل جديد في كوريا الشمالية وفتحت الباب للمزيد من الاستثمارات المصرية في الاقتصاد الكوري.

تشير الكاتبة لبيانات الهيئة العامة للاستعلامات، وهي القناة الرسمية للحكومية المصرية، والتي تقول أن «حجم استثمارات شركة «أوراسكوم» المباشرة في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية يتجاوز نصف مليار دولار، وهو ما يضع الاستثمارات المصرية على قمة هرم الاستثمارات الأجنبية في كوريا». تضيف الكاتبة: «من جانبها، تصدر كوريا بضائع متنوعة لمصر منها السيارات والمواد البلاستيكية والمطاط وأشياء أخرى».

بقت أيضًا العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قريبة، بحسب الكاتبة، فمصر واحدة من الثلاث دول العربية -مع سوريا وفلسطين- التي لها سفارة في بيونج يانج، كذلك هي واحدة من بين الخمس دول العربية التي بها سفارة لكوريا الشمالية، مع سوريا والجزائر والكويت وليبيا.

دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون لحضور حفل افتتاح «إعادة تصميم قناة السويس» -بحسب تعبير الكاتبة- فأرسل الزعيم الكوري كيم يونج نام -رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة لمجلس الشعب الاعلى- للحضور بدلًا عنه.

تقول الكاتبة أن الحكومة المصرية أدانت عدة مرات التجارب النووية التي تجريها كوريا الشمالية مؤخرًا، بينما قال متحدث عسكري في مقابلة تلفزيونية أن هذه الإدانة نابعة من دور مصر في مجلس الأمن وضرورة أخذ موقف ضد تزايد الأسلحة النووية.

اقرأ أيضًا: مصر وكوريا الشمالية والإمارات.. تحالف ينمو وراء الستار

سئل المتحدث باسم الخارجية المصرية عن مطالبة الولايات المتحدة لمصر بقطع العلاقات مع الجمهورية الكورية، وتشير الكاتبة هنا لتصريحاته في موقع «المونيتور» التي قال فيها: «تدير مصر علاقاتها مع الدول الأخرى بناء على مصالحها وأولوياتها، دون الأخذ في الاعتبار أي ضغوط تمنع استقلال قرارها الوطني». وتضيف الكاتبة أنه رغم ذلك، صوتت مصر مؤخرًا بنعم على القرار رقم 2371 لمجلس الأمن، والذي يعني أنها تدعم تشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية رغم العلاقات الاقتصادية والعسكرية الممتدة بين البلدين.

تأتي في نفس وقت رحلة وزير الدفاع المصري إلى كوريا الجنوبية والتي تظهر بها مصر التزامها تجاه كوريا الجنوبية وتهدف لتعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، بحسب الكاتبة.

لم تؤكد مصر حتى الآن قطع علاقاتها مع كوريا الشمالية، ويبدو أنها تحاول الاحتفاظ بكل شيء كما تقول الكاتبة، لكن قرار إدارة ترامب بتأجيل وإلغاء المساعدات قد يكون أكثر مما يمكن لاقتصاد مصر الهش تحمله. وتضيف الكاتبة أن مصر ربما تنصاع لضغوط الولايات المتحدة وتعلن رسميًا عن قطع العلاقات مع كوريا الشمالية، خاصة أنها تعتمد على تحالفها المهم والممتد مع الولايات المتحدة وأنها لا تملك القوة للمساومة.

تختم الكاتبة مقالها بالقول: «تبقى احتمالات قطع العلاقات كبيرة، لكن خطر خسارة تحالف مستقر وآمن مع أقرب حلفائها الغربيين ربما يجعل النظام المصري مترددًا في المضي في تلك العلاقة».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد