كيف تمكنت إيطاليا من تجنب الهجمات المسلحة التي ضربت معظم حلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، على الرغم من دورها الدولي النشط ومشاركتها في الحرب ضد «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»؟
هذا هو السؤال الذي يجيب عنه المقال الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية للكاتبين ستيفانو بونينو الباحث الإيطالي، وزميل الجمعية الملكية للفنون، ومؤلف كتاب «المسلمون في أسكتلندا: صناعة المجتمع في عالم ما بعد 11 سبتمبر»، وأندريا بيكارو الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الأمنية بجامعة تورينو بإيطاليا، ومؤلف «الحرب غير النظامية الحديثة: دراسة حالة (داعش)».
وبدأ الكاتبان مقالهما بالتذكير بأن جسر لندن في بريطانيا كان موقعًا لهجوم إرهابي في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. فعثمان خان، البالغ من العمر 28 عامًا، والذي أدين بتهمة الإرهاب عام 2012، ثم أطلق سراحه من السجن العام الماضي، طعن شخصين حتى الموت، وجرح ثلاثة آخرين. أطلقت الشرطة البريطانية النار على خان وقتلته، وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم في اليوم التالي.
وأضاف الكاتبان أنه بعد أسبوع من هذا الحادث، قتل متدرب سعودي ثلاثة بحارة، في قاعدة بحرية في بينساكولا بولاية فلوريدا الأمريكية، قبل أن يرديه الأمن العسكري قتيلًا. وأوقفت البحرية حوالي 300 متدرب سعودي، بينما حقق مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في الحادث باعتباره هجومًا إرهابيًا مفترضًا.
وتابعا بالقول: إن هذين الحادثين صدما الحكومات الغربية والهيئات الأمنية التي تيقظت أكثر لخطر الإرهاب الجهادي. وفي الواقع ازدادت الهجمات الإرهابية زيادة كبيرة في أوروبا العام الماضي، وبين عامي 2015 و2019 كانت كل من بلجيكا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وإسبانيا، والسويد، وهولندا، والمملكة المتحدة، أهدافًا لهجمات إرهابية.
إذًا كيف أصبحت إيطاليا استثناءً؟
لم تتعرض إيطاليا لهجوم جهادي ناجح على مستوى واسع النطاق، على الرغم من أنها عضو في التحالف الدولي ضد «داعش»، وتشارك في الحرب ضد التنظيم، وهُددت بشن هجمات إرهابية عليها.
وأوضح الكاتبان أن كون إيطاليا مهد الحضارة الغربية، ومقر مدينة الفاتيكان، وعضوًا قويًا في الاتحاد الأوروبي، وحليفًا وثيقًا للولايات المتحدة، يجعلها بلا شك هدفًا لإرهاب تنظيمي «القاعدة» و«داعش».
وأشارا إلى أن بحثهما المنشور مؤخرًا في مجلة «دراسات في الصراع والإرهاب» الأكاديمية يبين أن عدة أسباب تقف وراء هذا الاستثناء الإيطالي. وفيما يلي أربعة أشياء ينبغي معرفتها:
1- فعالية عمليات الترحيل
أشار المقال إلى أن حجر الزاوية في برنامج مكافحة الإرهاب الإيطالي – وهو عمليات الترحيل الإداري للمواطنين الأجانب المشتبه بتورطهم في الإرهاب – من المرجح أن يقدم تفسيرًا جزئيًا لسبب عدم نجاح الجهاديين في استهداف إيطاليا.
وذكر التحليل أنه منذ عام 2015 طردت إيطاليا حوالي 400 شخص، وأعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. هذا النهج مثير للجدل لتجنبه الإجراءات القانونية، لكن يبدو أنه كان فعالًا في منع الأشخاص الخطرين من تجنيد أعضاء جدد، وشن هجمات ضد إيطاليا.
وخلافًا للسيناريوهات التي حدثت في فرنسا، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، وهي دول لديها جهاديون محليون، أثبت النهج الإيطالي فعاليته بشكل خاص؛ لأن معظم الأشخاص الذين تعتبرهم قوات الأمن تهديدات محتملة ليسوا مواطنين إيطاليين.
2- إيطاليا تؤسس تعاونًا شديد المركزية
قال الكاتبان: إن الحكومة الإيطالية عرضت «لجنة التحليل الإستراتيجي لمكافحة الإرهاب (CASA)» في شهر مايو (أيار) الماضي على 30 جهاز أمن عالميًا مختلفًا. وأوضحا أن هذه اللجنة تأسست داخل وزارة الداخلية في أواخر عام 2003، وتعمل كمنصة مشتركة؛ إذ تتبادل قوات الأمن الإيطالية معلومات حول الجماعات الإرهابية، والاستخبارات، والأفراد، والتهديدات.
والهدف من ذلك هو إضفاء الطابع المركزي على المعلومات والاستخبارات من مختلف المصادر، وقوات الأمن، لتحسين أنشطة منع الإرهاب، وتنسيق العمليات ضد الجماعات، أو الأشخاص المشتبه في صلتهم بالحركات الجهادية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
3- قوات الأمن الإيطالية لديها عقود من الخبرة
العنصر الرئيس الثالث هو تجربة إيطاليا العميقة في محاربة الإرهاب الدولي والمحلي لعدة عقود، إذ طورت قوات الأمن الإيطالية إجراءات لمكافحة الإرهاب خلال «سنوات الرصاص»، وهي فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية تميزت بموجة من الهجمات الإرهابية اليسارية واليمينية، منذ أواخر الستينات وحتى الثمانينات. وخلال هذه الفترة كانت «الألوية الحمراء» وهي منظمة إرهابية يسارية مسؤولة عن العديد من حوادث العنف، بما في ذلك الاغتيالات والخطف والسرقة.
وأوضح الكاتبان أن الحكومة تمكنت من تفكيك هذه المنظمة في الثمانينات، ثم عادت خلايا جديدة إلى الظهور بعد عقد من الزمان، وأصابت قلب المؤسسات الإيطالية. وقتلت المجموعة التي تجدد ظهورها ماسيمو دانتونا، أستاذ قانون العمل بجامعة سابينزا في روما والمستشار الحكومي عام 1999، ثم قتلت عام 2002 البروفيسور ماركو بياجي، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء آنذاك سيلفيو بيرلسكوني. ونتيجة العمل المشترك بين وكالات الاستخبارات ومؤسسات إنفاذ القانون اعتقلت الشرطة هذه الخلايا الإرهابية. ومنذ ذلك الحين أحسنت قوات الأمن الإيطالية توظيف خبرتها ومرونتها في مكافحة الإرهاب الجهادي.
4- وقعت أنشطة إرهابية جهادية.. لكن ليس هناك عمليات ناجحة
قال الكاتبان: إنه سيكون من الخاطئ تصوير إيطاليا كأرض لا يقع فيها الإرهاب الجهادي. ففي الواقع كما أوضحا في دراستيهما، شهدت إيطاليا هجمات إرهابية صغيرة النطاق، وإن لم تكن ناجحة، أو دموية، أو منظمة تنظيمًا جيدًا كما في البلدان الأوروبية الأخرى. وشهدت البلاد أيضًا أنشطة إرهابية؛ لأن بعض مرتكبي الهجمات في أوروبا لهم صلات عائلية، أو إجرامية بإيطاليا.
وأوضح الكاتبان أن هناك حالتين جديرتين بالذكر:
الحالة الأولى وقعت عام 2009، عندما حاول شخص ليبي – يدعى محمد جامع – قيادة سيارة إلى ثكنات سانتا باربرا بالقرب من ميلان. وحمّل سيارته بأربعة كيلوجرامات من «بيروكسيد الأسيتون»، لكنه لم يتمكن من تفجيرها.
والحالة الثانية وقعت عام 2013 عندما زُعم أن شخصًا إيطاليًا اعتنق الإسلام اسمه جوليانو ديلنيفو قتل في سوريا وهو يحارب لصالح «جبهة النصرة»، وهي جماعة تابعة لتنظيم «القاعدة».
لكن إيطاليا تشبه دولًا مثل أسكتلندا، حيث لم تتطرف الجالية المسلمة إلى الحد الذي بلغته في دول أوروبية أخرى. والواقع أن ما يزيد قليلًا عن 120 مقاتلًا أجنبيًا غادروا إيطاليا للقتال في مناطق الصراع في سوريا والعراق، وهذه الأرقام أقل بكثير من المملكة المتحدة أو ألمانيا.
ومثل أسكتلندا لم يوجد في إيطاليا ما يعرف بـ«الأحياء المعزولة» مثل تلك التي تشكلت في ضواحي فرنسا، أو مولينبيك في بلجيكا. وساعد ذلك في تجنب وقوع صدامات بين المسلمين وغير المسلمين في إيطاليا.
وبحسب المقال يبدو أن إيطاليا تفتقر أيضًا إلى وجود جيل ثان وثالث كبير من المسلمين، ويبدو أن هناك القليل من الاستياء بين مجتمعات المهاجرين، سواء فيما يتعلق بالتاريخ الاستعماري الإيطالي، أو السياسة الخارجية. ولا شك أن هذه العوامل تسهم بدورٍ في غياب موطئ قدم جهادي كبير.
واختتم الكاتبان مقالهما بالقول: على الرغم من أنه ليست جميع جوانب النموذج الإيطالي تنطبق على الدول الأوروبية الأخرى، فمن المؤكد أن بعض العناصر مثل «لجنة التحليل الإستراتيجي لمكافحة الإرهاب»، يمكن اعتبارها مثالًا على التبادل الاستخباراتي «الذكي».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».