نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالًا تتناول فيه الظروف التي تسببت في هجرة الناس في الحاضر والأسباب التاريخية لذلك. يتحدث المقال تحديدًا عن الكتلة البشرية التي تعيش في مخيماتٍ مؤقتة على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، والتي لا يعرف الأمريكيون الكثير عن القوى التاريخية المحركة لها.

 

هؤلاء المهاجرون شيطنهم ترامب، ووصفهم بغزاةٍ من المجرمين الذين يجب أن يبقوا في مدن الخيام التي تشبه المعسكرات. لكنَّ هؤلاء المهاجرين، الذين ينتوي الكثير منهم التقدم للجوء في أمريكا، يحملون على ظهرهم عبء تاريخ الولايات المتحدة في بلدانهم، وهو بثقل كل الأعباء الأخرى التي يحملونها.

 

من بين قوافل عديدة سافرت نحو الولايات المتحدة العام الماضي، كانت القافلة التي تحركت من سان بيدرو سولا، عاصمة الهندوراس، في 12 من أكتوبر (تشرين الأول)، هي القافلة التي لفتت انتباه ترامب.

سياسة

منذ 5 سنوات
وصفها بـ«بؤر القذارة».. كيف تنظر أمريكا إلى أفريقيا في عهد ترامب على أرض الواقع؟

تألف أغلبها من مواطني الهندوراس، إلى جانب آخرين من السلفادور وجواتيمالا. وعبرت القافلة مسارًا معروفًا بخطورته؛ إذ يقع الجزء المكسيكي منه في مناطق تحت سيطرة تجار المخدرات. وكان من الواضح أنَّهم يشعرون بالأمان بسبب عددهم الكبير. لكن ماذا قد يدفع الآلاف من الناس لرحلةٍ خطيرة كهذه؟

 

يسرد المقال في البداية تاريخ الولايات المتحدة في الهندوراس، التي خرجت منها القافلة. شهدت البلاد آثارًا مرعبة بسبب عنف العصابات الإجرامية في الشوارع، الذي تفاقم بزيادة عدد تجار المخدرات المكسيكيين في البلاد، وانتهاكات الشرطة، وعمليات قتل نشطاء البيئة وحقوق الإنسان، وأشهرها اغتيال برتا كاسيرس في 2016.

 

أغلب الفوضى الحالية بدأت منذ يونيو (حزيران) 2009، بعد إسقاط الرئيس اليساري «المتقلب» مانويل زيلايا. ورغم إعلان أوباما – الرئيس الأمريكي حينها – أنَّ إسقاطه غير قانوني، إلا أنَّ إدارته قد عملت لاحقًا مع قوى إقليمية لضمان عدم عودة زيلايا إلى منصبه.

مجتمع

منذ 4 سنوات
الأمر ليس صعبًا.. دليلك للهجرة إلى أفضل دول العالم في المعيشة

تبع سقوط زيلايا حكم مجموعة من الزعماء اليمينيين للهندوراس. كان آخرهم، وهو خوان أورلاندو هرناندز، على وشك خسارة انتخابات التجديد العام الماضي، أمام الصحافي السابق سلفادور نصر الله، فردت الحكومة بقمعٍ وصفته منظمة العفو الدولية بأنَّه «انتهاك لكل الأعراف الدولية، وحق الأشخاص في النزاهة والحرية وضمانات المحاكمة العادلة».

 

مات حوالي 31 شخصًا في أحداث العنف هذه، معظمهم من المدنيين، بينما استمر أورلاندو في منصبه، وهنأته وزارة خارجية ترامب على فوزه، مشددةً على «الحاجة لحوارٍ وطني حقيقي».

 

لكنَّ الهندوراس ليست الدولة الوحيدة التي أنهكت الولايات المتحدة مجتمعها بقراراتها السياسية، سواءٌ حديثًا أو قديمًا.

 

إذ يذكر المقال أيضًا دولة جواتيمالا المجاورة، حيثُ وفرت الولايات المتحدة دعمًا مكثفًا لجيش جواتيمالا خلال الحرب الأهلية في البلاد من 1960 حتى 1996، والتي قُتِلَ فيها قرابة 200 ألف شخص، وكانت الحرب نفسها نتيجةً لانقلابٍ دعمته الولايات المتحدة ضد الرئيس المنتخب ديموقراطيًا جاكوبو أربينز عام 1954.

 

Embed from Getty Images

العثور على مقبرةٍ سرية لضحايا الحرب الأهلية في جواتيمالا عام 2001.

 

ومؤخرًا مدت إدارة ترامب يد العون إلى محاولات تقييد اللجنة الدولية لمكافحة التهرب من الجرائم في جواتيمالا، والتي كانت مدعومةً من الأمم المتحدة لتقصي الجرائم المنظمة وارتباطها بالأطراف السياسية المختلفة. وأحد تلك الأطراف هو الرئيس الحالي لجواتيمالا والكوميديان السابق جيمي مورالس، الذي يجري التحقيق معه بدعوى قبول حملته الانتخابية أموالًا غير مشروعة، وكان قد أتى للحكم بدعمٍ من أكثر عناصر جيش البلاد رجعيةً.

 

وكانت حكومة جواتيمالا تحت حكم مورالس من بين دولٍ قليلة تبعت الولايات المتحدة في قرار نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ويعتقد كثيرون أنَّ إضعاف ترامب للجنة الدولية كان ردًا لذلك الجميل.

 

وأيضًا هناك السلفادور، التي يصفها المقال بأنَّها قد تكون أكثر البلاد التي تشهد على دور الولايات المتحدة في خلق هذا الزحف.

 

حكمت السلفادور طغمةٌ من العسكريين بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1979، ودعمتهم حكومة الولايات المتحدة تحت حكم كارتر ثم ريجان، حتى في ظل عنفها المتزايد وانسحاب الأعضاء المدنيين منها.

 

Embed from Getty Images

مذبحة في السلفادور عام 1980 ارتكبتها الطغمة العسكرية.

 

ويتصاعد الاستقطاب السياسي نشأت حركة مسلحة من عدة أطراف، توحدت تحت مسمى جبهة تحرير مارتي فارابوندو الوطنية، وقابلها نشاطٌ متزايد لفرق اغتيالاتٍ يمينية. وكثيرٌ من هذا العنف دبره ضابط المخابرات السابق روبرتو داوبويسون، الذي تدرب في الولايات المتحدة.

 

ويقول المقال إنَّ الولايات المتحدة حاولت جاهدةً لمنع فوز داوبويسون في انتخابات عام 1984، التي شهدت وصول خوسيه نابوليون دوارتي لسدة الحكم. ورغم دور أمريكا في منع انتخاب داوبويسن، استمرت لسنواتٍ في ضخ الأموال لدعم أجزاءً من الجيش السلفادوري، مثل كتيبة أتلاكاتال، والذي يبدو أنَّه كان يتدرب بالأساس على ارتكاب المذابح، وهي نزعة ظهرت في القتل الجماعي في قرى مثل الموزوت والكالبوز، وحتى في العاصمة، حين قتل ستة قساوسة وعاملين عام 1989.

 

وخلال حملته الانتخابية وخلال الرئاسة، هاجم ترامب بشدة المنظمات الإجرامية المرتبطة بالسلفادور وأثرها الضار على الولايات المتحدة. وهنا أيضًا التاريخ معقد، وللولايات المتحدة دورٌ في تشكيله، أكبر مما قد يعترف به العديدون.

 

ففي خضم حرب السلفادور الأهلية، التي استمرت حتى عام 1992 وقتلت نحو 75 ألف سلفادوري، هاجر مئات الآلاف للولايات المتحدة، خاصةً جنوب كاليفورنيا. وهناك وجد السلفادوريون الصغار أنفسهم عرضةً لخطر العصابات المحلية، فشكلوا جماعاتهم الخاصة، بما في ذلك مار سالفاتروخا، والتي تُعرف أيضًا باسم «إم إس 13».

 

وبعد ترحيل أعضاء العصابات الصغار، الذي لم يكونوا مواطنين أمريكيين رغم كونهم أمريكيي الثقافة، عاد هؤلاء إلى السلفادور حاملين معهم ثقافة عصابات كاليفورنيا. بدأت العصابات منذ حينها في الانتشار في أنحاء أمريكا الوسطى. ورغم أنَّ «إم إس 13» هي البعبع الذي يتحدث عنه ترامب وأصدقائه، إلا أنَّ أصولها الأمريكية لا تُذكر في الأنباء غالبًا.

 

ويقول الكاتب في نهاية المقال: «إنَّ الولايات المتحدة تستحق أن توصف بغير المسؤولة لدورها الفاعل في خلق الظروف التي جعلت الناس يهربون من بلدانهم التي تشكل معبر أمريكا الوسطى، ثم تفاجئها لاحقًا عندما يهربون بالفعل. أما عن القوافل، فستظل تتقدم «بعيدًا عن الأرض التي غادرها الأمل»، مثلما يقول روكي دالتون، الشاعر السلفادوري الذي تعرض للاغتيال».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد