كتب الصحافي البريطاني الشهير، ديفيد هيرست، مقالًا في موقع «ميدل إيست آي»، يتحدث فيه عن إقالة المسؤول العسكري السعودي، فهد بن تركي، وفيما يلي الترجمة الكاملة لنص المقال، كما ترجمه «عربي 21»:
تعدُّ إقالة القائد العسكري، الأمير فهد بن تركي، الأخيرة في سلسلة من إجراءات التطهير التي يمارسها ولي العهد المصاب بالذعر. منذ أن وصل محمد بن سلمان إلى السلطة باحتلاله منصب ولي العهد، جرت في المملكة العربية السعودية خمس حملات تطهير على الأقل، وعملية إعدام واحدة.
كانت تلك على النحو التالي: حملة اعتقال العلماء المسلمين، ثم احتجاز 300 شخص، سواء من رجال الأعمال أو أفراد العائلة الملكية، في فندق ريتز كارلتون، والحملة ضد النساء الناشطات وضد المحامين المتخصصين في قضايا حقوق الإنسان، واعتقال كبار الشخصيات في هيئة البيعة و300 من موظفي الحكومة، ثم في الأسبوع الماضي إقالة الأمير فهد بن تركي، القائد العام لقوات التحالف السعودي ونجله.
أضحت عمليات التطهير سمة دائمة من سمات حكم الأمير المصاب بالذعر.
بالطبع، لديه ما يكفي من الأسباب لكي يصاب بالذعر، لأنه صنع لنفسه من الأعداء عددًا كبيرًا ممن كانوا ذات يوم أعمامًا وأبناء عمومة متنفذين. كما أنه ارتكب كثيرًا من الأخطاء وهو على رأس هرم السلطة، حتى باتت المملكة اليوم أضعف، عسكريًّا واقتصاديًّا، من أي وقت مضى في تاريخها المعاصر، وذهبت مكانتها، وتلاشت هيبتها داخل الإقليم.
لقد أضحت صناعة القرار السياسي في مهب الريح، حتى إن إمام الحرم المكي، عبد الرحمن السديس، وعظ الناس في خطبة الجمعة بكلام فسره المراقبون على أنه تمهيد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويوم الأحد، أخبر الملك سلمان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأنه لا تطبيع من دون دولة فلسطينية.
قد يكون لدى ولي العهد من الأسباب ما يجعله يعتقد أن هناك من يضمر له ضررًا. ولكن ثمة منهجية في جنون المراسيم التي تصدر في الليل البهيم.
أبناء وأشقاء
ركز محمد بن سلمان اهتمامه بشكل خاص على أولئك المنافسين الذين يشكلون عليه تهديدًا حقيقيًّا لسلطانه؛ فيما لو وقع انقلاب داخل القصر يستهدف إطاحته. والفرعان الأكثر إزعاجًا بالنسبة له هما: أبناء السديرية السبعة، أي أبناء إخوان والده، الملك سلمان، الأشقاء (أبناء الملك عبد العزيز من زوجته حصة السديري)، وأبناء الملك عبد الله، الذين يقبع ثلاثة منهم الآن رهن الاعتقال.
يعدُّ فهد بن تركي آخر أبناء السديرية السبعة ممن يحملون رتبة عسكرية بارزة، وجرى فصله من عمله. والاثنان الآخران هما: شقيق سلمان الأمير أحمد، وابن أخيه محمد بن نايف، وكلاهما الآن رهن الاعتقال، بعد أن نالتهما حملة التطهير، وكانا أبرز المستهدفين بها.
وتركي هذا متزوج من عبير، التي هي ابنة الملك الراحل عبد الله. وعبير هي والدة الأمير عبد العزيز بن فهد بن تركي، الذي أقيل أيضًا من منصبه نائبًا لحاكم منطقة الجوف. كانت عبير نشطة في وسائل التواصل الاجتماعي، وتترأس المنظمة العربية للسلامة المرورية، وكانت قد أطلقت جائزة للشراكة المجتمعية تحمل اسمها.
إلا أن بعض السديريين جرى الإبقاء عليهم، ومنهم عبد العزيز بن سعود بن نايف، حفيد الأمير نايف، الذي عين وزيرًا للداخلية. تقول بعض المصادر إنه ربما كان من بين من اعتقلوا خلال حملة التطهير. كما أبقى على بعض النفوذ لأبناء وأحفاد شقيق سلمان الأمير سلطان. احتفظ كل من فيصل بن خالد بن سلطان، وفهد بن سلطان بإمارتين، بينما عينت ريما ابنة بندر بن سلطان، سفيرة في واشنطن، وعين شقيقها خالد بن بندر بن سلطان سفيرًا في لندن.
ولكن بشكل عام لا يكاد يبقى من عشيرة السديريين سوى ظلهم، بعد أن كان هذا الفرع من العائلة الملكية في عهد الملك فهد يهيمن على كل المواقع العسكرية والأمنية.
وليست عشيرة عبد الله أحسن حالًا. يكاد تركي بن عبد الله يكون المتهم الوحيد من كبار الشخصيات التي احتجزت في فندق ريتز كارلتون، الذي ما زال رهن الاعتقال بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام. كما أعيد اعتقال شقيقيه فيصل ومشعل حسبما تشير بعض المصادر. ما زال تركي بن عبد الله يحتفظ ببعض النفوذ، ولعل ذلك ما يفسر الحملات التي أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق سراحه.
تداعيات حرب اليمن
لدى محمد بن سلمان سبب آخر يجعله يخشى من فهد بن تركي، فقد كان جنديًّا محترفًا وقائدًا للقوات البرية، يتمتع بالشعبية، واشتهر عنه التواضع، ولربما عبر عن امتعاض الجيش بسبب الطريقة التي أدار بها وزير الدفاع، وهو نفسه ولي العهد، الحملة الحربية في اليمن.
بدأت الحملة التي استهدفت إخراج الحوثيين من صنعاء مباشرة بعد ارتقاء الملك سلمان إلى العرش في يناير (كانون الثاني) 2015م. كان من المقرر أن يكون الهجوم السريع بمثابة إشارة الانطلاق لسياسة خارجية أعظم نشاطًا من قبل المملكة.
ولكن بعد مرور خمسة أعوام، ما زال مشروع ولي العهد عالقًا في مستنقع اليمن، ويكلف المملكة مليار دولار شهريًّا. ما زال الحوثيون في صنعاء، وما زالوا قادرين على إطلاق الصواريخ، التي بإمكانها الوصول إلى الرياض ومكة وأماكن شاسعة من الأراضي السعودية. في تلك الأثناء، تعرض جنوب اليمن للتقسيم على أيدي قوات موالية لأبوظبي.
من المعروف أن فهد كان قد اصطدم مع محمد بن سلمان؛ بسبب استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وسقوط عدن في أيدي قوات موالية للإمارات. يتوجه محمد بن سلمان وشقيقه خالد نحو إيجاد مخرج دبلوماسي دون الاعتراف بالهزيمة، إلا أن استمرار سيطرة الحوثيين على العاصمة ومركز الحكم في اليمن ينبئ بشيء مختلف تمامًا.
لو كان ثمة حاجة إلى دليل يثبت أن لدى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، نفوذًا على وزير الدفاع السعودي أكبر بكثير مما لدى كبار الجنرالات في الجيش السعودي، فلا يوجد إشارة أقوى من إقالة فهد. كما أن فهد بدأ يتحدث مع الجنرالات المتقاعدين حول عدم رضاه، بحسب ما علمته من مصادر سعودية. يستحيل معرفة إلى أي مدى وصل الأمر، أو ما إذا تمكن محمد بن سلمان من رصد ذلك النشاط عبر شبكة الرقابة الشاملة التي لديه.
الإشارة الخطأ
ترسل حملات التطهير هذه الرسالة الخطأ إلى المنطقة. يحتاج ولي العهد إلى تقديم صورة للمملكة وهي في حالة استقرار تحت سيطرته، خاصة في وقت تتعرض فيه المملكة العربية السعودية لضغط من قبل شركائها، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره ومستشاره الخاص، جاريد كوشنر؛ حتى تطبِّع علاقاتها مع إسرائيل.
يريد محمد بن سلمان تجنب إعطاء انطباع بالضعف والفوضى؛ لأنه لو سادت الفوضى فإن الصفقة التي توقعها إسرائيل معه وحده (علمًا بأنه كان قد التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيًّا عدة مرات) لن تساوي الورق الذي كتبت عليه؛ لأنها لن تكون قد حازت مباركة بقية العشيرة الملكية.
لا بد أن نتنياهو يعلم أنه فيما لو أُسقط محمد بن سلمان، فسوف تسقط معه جميع جهود إسرائيل لكسب المملكة إلى صفها بشأن القضية الفلسطينية. ومن المؤكد أن السياسة السعودية تجاه إسرائيل ستعود إلى الوضع القائم القديم الملتزم بمبادرة السلام العربية لعام 2002م، التي كانت منتجًا سعوديًّا وإنجازًا للملك عبد الله، بدأ به حينما كان وليًّا للعهد.
لا يوجد فرق كبير بين أن يمثل فهد بالفعل تهديدًا حقيقيًّا، أو أن يكون الجنرال مجرد ضحية لهجمة أخرى من هجمات الذعر الليلية لولي العهد. المهم في الأمر أن ما فعله ولي العهد يرسل إشارة تنبئ بانعدام الأمن الدائم على أعلى المستويات داخل العائلة الملكية.
انعدام الأمن الدائم يعكسه سلوك محمد بن سلمان ذاته؛ إذ يعمل طوال الليل، يمكر ويرتاب ويضرب، دون أدنى مراعاة للعواقب المحتملة. ما زالت حملة التطهير التي أعلنها الأسبوع الماضي مستمرة. ويستمر اعتقال العلماء المسلمين، بمن فيهم الدكتور عبد الله بصفر، الداعية والمقرئ الشهير، وذلك على الرغم من أنه لا يعرف عنه أي انتماء سياسي.
ليس باستطاعة محمد بن سلمان النوم بسلام، وتلك هي مشكلته. أما مشكلة المملكة، فهي أنها لن تعرف الاستقرار في عهده.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».