استيقظ العالم في 3 سبتمبر (أيلول) الماضي على وقع صدى إجراء كوريا الشمالية تجربة قنبلة نووية صغيرة يمكن تحميلها على صاروخ وقادرة على تدمير مدينة بأكملها. ورصد تقرير نشر عبر موقع «بيزنيس إنسايدر» بالتحليل نتائج هذه التجربة التي جرت داخل أحد مواقع التجارب النووية الواقعة داخل جبل، وهو الموقع ذاته الذي شهد آخر خمس تجارب نووية ووصفها بأنها قد غيرت قواعد اللعبة.
تشير التقديرات الأولية إلى أن الانفجار قد أدى إلى إنتاج ما لا يقل عن 60 كيلوطنًا من مادة TNT، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء كوريا الشمالية، على الرغم من أنه قد يكون قد أنتج أكثر من 100 كيلوطن. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الانفجار أسفر عن 300 كيلوطن أو ربما يصل إلى 500 كيلوطن، على الرغم من أن ذلك أقل احتمالًا.
ويؤكد الموقع أن 100 كيلوطن هي ضعف نتيجة آخر تجارب كوريا الشمالية النووية الأخيرة، وسبعة أضعاف القنبلة الأمريكية التى انفجرت فوق هيروشيما التي تسببت في وقوع حوالي 150 ألف قتيل. ولكن ربما لا تبدو 100 كيلوطن طاقة هائلة اليوم؛ إذ إن كلًا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قد فجرا قنابل نووية حرارية أطلقت الملايين من الأطنان من مادة TNT، ويعتقد الخبراء أن كوريا الشمالية في طريقها لبناء أسلحة فتاكة مشابهة.
ينقل التقرير عن ديف شمرلر – الباحث في مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية – إن «التجربة أظهرت أن كوريا الشمالية قد امتلكت القدرة التقنية لإنتاج سلاح نووي يؤكد عائدها مزاعم قادتها حول تمكنهم من إنتاج أسلحة نووية حرارية».
علاوة على ذلك، يشير الاختبار إلى أن بيونج يانج تقترب من تركيب رأس حربي فوق صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تختبره في نهاية هذا الأسبوع.
اقرأ أيضًا: بعد أسبوع حافل بـ«الجنون».. كم رأسًا نووية في العالم وما الذي يمكنها تدميره؟
كيف يمكن قياس حجم تفجير نووي؟
يقول التقرير إن الانفجارات تحت سطح الأرض قد تؤدي إلى انزلاقات أرضية يمكن رؤيتها من الفضاء، وهو تأثير يتضح من خلال اللقطات التاريخية للتجارب النووية في باطن الأرض. (تقريبًا جميع التجارب النووية أجريت تحت الأرض في الستينيات بسبب المخاوف بشأن الإشعاع). لكن الغازات النادرة الناتجة عن الانفجار يمكن أيضًا أن تتسرب إلى خارج سطح الأرض فتلتقطها أجهزة الاستشعار عن بعد. لكن هذه الإشعاعات لا تفصح عن حجم الانفجار.
يعتمد العلماء على الزلازل الصغيرة التي تسببها الانفجارات النووية لقياس حجم التفجير – يضيف التقرير. فهذه الهزات تنتقل عبر الطبقة الصخرية للأرض، ويمكن اكتشافها في جميع أنحاء العالم، وكذلك التقاطها عن طريق أجهزة قياس قوة الزلازل. لكن هذا لا يعني أن التوصل إلى تقدير محدد لقوة الانفجار عملية سهلة.
إن إحدى المشكلات هي أن القياسات الزلزالية للانفجار تختلف من موقع إلى آخر. فعلى سبيل المثال، رصدت حكومة كوريا الجنوبية زلزالًا بلغت قوته 5.6 درجة من الانفجار، في حين كشفت أجهزة قياس الزلازل التي تديرها وكالة الأرصاد الجوية اليابانية عن زلزال بلغت قوته 6.1 درجة.
وهذا يعني أن اليابان اكتشفت زلزالًا أقوى ثلاث مرات من الزلزال الذي اكتشفته كوريا الجنوبية، على الرغم من أن اليابان تقع على بعد مئات الأميال عن موقع التجربة النووية. وفي الوقت نفسه، كشفت الدراسة الاستقصائية الجيولوجية الأمريكية عن زلزال بقوة 6.3 درجة – أقوى بخمسة أضعاف عما رصدته كوريا الجنوبية – على بعد آلاف الأميال.
تنتقل الزلازل عبر أنواع مختلفة من الصخور بين مصدر الانفجار وبقعة قياس قوتها، مما يعطي تقديرات مختلفة، مثلما هو الحال مع ضجيج عمليات التعدين والزلازل الطبيعية. (تحدث الزلازل الصغيرة مئات المرات في اليوم). كما أن محطات رصد الزلازل تختلف عن بعضها البعض؛ إذ يستخدم بعضها عددًا قليلًا من أجهزة قياس الزلازل، في حين أن البعض الآخر يستخدم العديد منها.
أيضًا، يمكن للباحثين استخدام عدة إشارات للزلزال وتمثيل البيانات بصيغ مختلفة، حيث يعطي كل منها إجابات مختلفة. ونظرًا لسرية نظام كيم جونج أون، فإن المعلومات الدقيقة عن عمق الانفجار وحجم غرفة الصخور التي انفجرت داخلها، والجيولوجيا المحيطة بها ليست متاحة بسهولة. وهذا يؤدي إلى تخمين بعض المتغيرات وفي بعض الأحيان إلى طيف واسع من التقديرات لا يتفق الباحثون حولها دائمًا.
بيد أن دمج العديد من القراءات يؤدي إلى تقديرات أفضل – يؤكد المقال – كما أن منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية تدير شبكة من 170 محطة رصد زلزالي في جميع أنحاء العالم، حيث تراقب خمسون محطة باستمرار الزلازل الناتجة عن الاختبار النووي وتنقل البيانات التي جرى جمعها إلى مقر المنظمة في فيينا.
اقرأ أيضًا: مترجم: هل أصبحت الحرب النووية بين أمريكا وكوريا الشمالية أقرب من أي وقت؟
«إذا قارنا حجم التفجيرات التي تجريها بيونج يانج بقنبلة هيروشيما، لوجدناها أكبر بمقدار 10 إلى 20 مرة»، يقول لاسينا زيربو، الأمين التنفيذي للجنة التحضيرية لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ومن هنا، نستنتج أن حجم الانفجار يتراوح ما بين 150 كيلوطنًا إلى 300 كيلوطن. وأضاف زيربو «هذا مؤشر واضح على أن الأمور تتأزم».
قنابل كوريا الشمالية النووية الخارقة
ولكن هل كان الانفجار النووي «خارقًا» كما ادعت كوريا الشمالية؟ يتساءل التقرير.
هناك أنواع رئيسية قليلة من الأسلحة النووية التي يمكن لأي منها تفسير حجم الانفجار الواسع النطاق: القنبلة الانشطارية، والقنبلة الانشطارية المعززة، والقنابل النووية الحرارية (وتسمى أيضًا الهيدروجينية).
إن القنبلة الانشطارية – كالتي ألقيت على اليابان في عام 1945 – ينتج عنها أصغر انفجارات. ومع ذلك، فإن بناء قنبلة انشطارية كبيرة يمكن أن يؤدي إلى انفجار أكبر، ربما حوالي 500 كيلوطن، كما كان الحال في اختبار القوات المسلحة الأمريكية في عام 1952.
ومع ذلك – يستدرك التقرير – فمن غير المحتمل أن تفجر كوريا الشمالية قنبلة انشطارية خالصة. إذ تسببت العقوبات المفروضة على بيونج يانج في تحديد قدرتها على إنتاج مواد نووية لأغراض عسكرية، لذلك فإن كل أوقية منها ثمينة ومن غير المرجح أن تضيع على اختبار، على الرغم من أن الإنتاج قد ازداد في السنوات الأخيرة. الأكثر احتمالًا بالنسبة إلى الخبراء هو أن كوريا الشمالية فجرت قنبلة الانشطار المعزز في يناير (كانون الثاني) من عام 2016.
وينوه التقرير إلى أن الأسلحة المعززة تزيد من طاقة القنبلة الانشطارية من خلال تعبئتها ببعض الهيدروجين «الثقيل». أثناء الانفجار، يخضع هذا الهيدروجين جزئيًا للانصهار – وهي نفس طريقة عمل الشمس – مما يزيد من كمية الطاقة التي يطلقها البلوتونيوم واليورانيوم المستخدمان في صنع الأسلحة.
ويمكن أيضًا بناء قنابل معززة كبيرة لزيادة الطاقة الناتجة (تصل إلى 720 كيلوطنًا، مثلما حدث مع اختبار «أورانج هيرالد» في بريطانيا العظمى)، ولكن مرة أخرى: تمتلك كوريا الشمالية قدرًا ضئيلًا للغاية من اليورانيوم والبلوتونيوم المستخدميْن في صنع الأسلحة.
يمكن للقنابل الحرارية النووية أن تسفر عن عدة كيلوطنات إلى مئات الميجاطنات من الطاقة – يشدد التقرير – ولكن من الصعب للغاية إنتاجها بهذا الحجم. وذلك لأن تصميمها يعتمد على إنتاج قنبلتين في واحد: قنبلة انشطارية معززة، التي تسبب انفجارًا قويًا أشعة سينية، وقنبلة انصهارية تنطلق من الأشعة السينية الأولى للانفجار.
إن طاقة تتراوح بين 60 و300 كيلوطن تشير على الأقل إلى تفجير قنبلة معززة ولكن ربما يكون رأسًا حربيًا نوويًا صغيرًا جاهزًا للتحميل على الصواريخ كما ادعت كوريا الشمالية وأظهرت الصور المزعومة.
إن تحديد نوع القنبلة التي فجرتها كوريا الشمالية وما نتج عنها مهم، ولكن ما يمثله أحدث اختبار للحكومة يكفي لإثارة قلق العديد من الخبراء.
ينقل التقرير عن جيفري لويس، مدير برنامج الشرق الأوسط لمنع انتشار الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، قوله إن «الأهم هو أن كوريا الشمالية لا تسعى فقط خلف برنامج نووي صرف، بل يريدون الحصول على ترسانة من الأسلحة النووية المتقدمة نسبيًا».
ويرى زيربو أن الجهد الدبلوماسي مثل الجهود التي بذلتها إدارة أوباما مع برنامج إيران النووي تستحق المحاولة.
وقال: «لا يمكن أن نسمح لهذا البرنامج بالاستمرار، إذ سيعرض السيطرة الكاملة على نظام التسلح وعدم الانتشار ككل للانهيار. وحينها سيتساءل الناس: إذا كان بوسع كوريا الشمالية أن تفعل ذلك دون رادع، فما الذي يمنعنا من امتلاك السلاح النووي؟ هذا خطر قد نراه قريبًا، وهو أمر غير مقبول».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».