يردد البعض أحيانًا عبارة «ينام وعينه مفتوحة» للتعبير عن تحلّي المرء بحالة من التيقظ والانتباه، وفي أحيان أخرى يستخدم الاصطلاح نفسه للتعبير عن حالة القلق التي تجعل المرء ينام نومًا مضطربًا أو خفيفًا لا ينعم فيه بالقسط الكافي من الراحة.
إذا نحينا تعبيرات الاستعارة جانبًا، سنجد أن الأبحاث العلمية تشير إلى أنه من بين كل خمسة أفراد ينامون بشكل طبيعي مغمضي الجفون، هناك شخص ينام وعيناه مفتوحتان رغمًا عنه. تلك الحالة تستدعي منا طرح عديد من التساؤلات: لماذا نغلق أعيننا عند النوم؟ ولماذا ينام بعضنا بعيون مفتوحة؟ وماذا يحدث جراء ذلك؟
كتب العالم النفسي دكتور مايكل ج. بريوس* مقالًا في مجلة «سيكولوجي توداي» يجيب فيه على كل هذه التساؤلات وأكثر.
يقول الكاتب: إن النوم بعين مفتوحة ليست مجرد استعارة، بل إنها حالة نوم فعلية – تُعرف طبيًا باسم «lagophthalmos» أو مرض العين الأرنبية «العين المفتوحة» الليلي – وهي أكثر شيوعًا مما تعتقد.
وتقدر المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم (NSF) أن ما يصل إلى 20 في المائة من الناس ينامون وعيونهم مفتوحة. وقد يبدو هذا الأمر غريبًا. لكن مرض العين الأرنبية الليلي يمكن أن يسبب مشاكل تتجاوز تعكير صفو النوم لتؤثر على صحة العين، وغالبا ما يكون علامة على وجود حالة مرضية.
لماذا نغلق أعيننا عند النوم؟
يذكر الكاتب أن هناك عدد من الأسباب التي تجعلنا نغلق أعيننا عند النوم. فالأجفان المغلقة تحجب الضوء وتمنع العينين من امتصاصه، لأن امتصاص الضوء يحفز الدماغ على اليقظة. ونذكر هنا أن الضوء يُمتصّ من خلال الخلايا المتخصصة، المعروفة باسم خلايا العقدة الموجودة في شبكية العين.
وتحتوي هذه الخلايا على بروتين الميلانوبسين الصبغيّ، وهو بروتين حساس للضوء، ينقل المعلومات إلى نواة المخ. وهذه المنطقة الصغيرة هي مركز الدماغ الذي يتحكم في إيقاعات الساعة البيولوجية للجسم، وهي موطن للساعة الحيوية الرئيسية للجسم، التي تنظم دورات النوم والاستيقاظ وجميع عمليات الجسم إلى حد كبير.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر إغلاق العينين أثناء النوم وسيلة يحمي بها الجسم العينين ويرطبها أثناء الراحة.
ويوضح الكاتب أننا أثناء النوم، لا يمكننا أن نرمش. فعملية الرمش هي التي تجعل عيوننا زلقة، وتوفر الحماية للعين من الأضرار البيئية، سواء كان ذلك عبارة عن ضوء ساطع بشدة (فكر في عدد المرات التي ترمش فيها عينك عندما تنتقل من غرفة مظلمة إلى غرفة ساطعة الضوء) أو غبار وركام وشوائب في الهواء.
ويصل معدل تكرار الوميض حوالي 15–20 مرة في الدقيقة. ووفقًا لهذا البحث العلمي، يعتبر الومض نوعًا من التأمل الدقيق.
ويشير البحث إلى أن العيون المغلقة، في الليل، تكون بمثابة عازل يمنع تحفيز المخ والتسبب في الأضرار للعينين، ويمنع جفافهما. وتسقط كل هذه الحمايات وتتلاشى إذا لم تكن تنام فعلًا مغلق العينين.
ما أسباب العين المفتوحة أثناء النوم؟
يجيب الكاتب قائلًا: نظرًا لعدم تمكن واحد من كل خمسة منا من إغلاق عينيه تمامًا عند النوم، بسبب إصابته بمرض العين الأرنبية، لذلك يعتبر الإضطراب الليلي اضطرابًا كبيرًا للغاية في النوم والعين. وهناك أسباب عديدة قد تجعلك تنام وعيونك مفتوحة، دون أن تغلق، وأهمها:
مشكلات الأعصاب والعضلات
يمكن للمشكلات المتعلقة بأعصاب وعضلات الوجه حول الجفن أن تمنع الجفن من الإنغلاق أثناء النوم. ويمكن أن يحدث ضعف في أعصاب الوجه لعدة أسباب، منها:
- الإصابات والصدمات
- السكتة الدماغية
- الإصابة بمرض شلل الوجه النصفي*، وهي حالة تؤدي إلى شلل مؤقت أو ضعف في عضلات الوجه.
- أمراض المناعة الذاتية والالتهابات، بما في ذلك مرض لايم*، والجدري المائي، ومتلازمة غيلان باريه، والنكاف، وغيرها.
- اضطراب نادر يعرف باسم متلازمة موبيوس، يسبب مشاكل في الأعصاب القحفية أو القرنية.
تلف الجفن
كما يمكن أن يؤدي تلف الجفن، الناجم عن جراحة أو إصابة أو مرض، إلى صعوبة إغلاق العين تمامًا أثناء النوم. ومن بين أنواع تلف الجفون التي تتداخل مع إغلاق العين حالة تعرف باسم متلازمة الجفن المرنة، والتي ترتبط بمرض انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA)*. ويرتبط بهذا المرض العديد من اضطرابات العين، بما في ذلك الجلوكوما والاعتلال العصبي البصري، مما قد يسبب مشكلات مع العينين، الأمر الذي يمكن أن يزيد من مشكلات النوم.
أعراض العين المرتبطة بالغدة الدرقية
العيون المنتفخة أو الجاحظة هي أحد الأعراض الشائعة لمرض جريفز، وهو شكل من أشكال فرط نشاط الغدة الدرقية. والعيون الجاحظة أو البارزة المرتبطة بمرض جريفز هي حالة تعرف باسم اعتلال العين بسبب مرض جريفز، ويمكن أن تتداخل مع قدرة الفرد على إغلاق العينين أثناء النوم.
هذه هي الأسباب الأكثر شيوعا لمرض العين الأرنبية الليلية. ولكن من الممكن أيضًا أن يواجه المرء مشكلة في إغلاق العينين أثناء النوم دون سبب أساسي محدد.
وأيا كان السبب، فإن أعراض اضطراب النوم الليلي غير مريحة ويمكن أن تُشكل العواقب مشكلة، سواء بالنسبة للنوم أو لعينيك. وهناك عنصر وراثي في مرض العين الأرنبية الليلي (المفتوحة ليلًا أثناء النوم)؛ إذ يميل المرض إلى الظهور بوتيرة أكبر في العائلات التي يصاب بعض أفرادها به.
ماذا يحدث عندما تنام بعين مفتوحة؟
عندما يكون هذا المرض موجودًا، تفقد العين حماية الجفن المغلق وتصبح جافة وعرضة لمحفزات خارجية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى:
- التهاب العين
- الإصابة، وتشمل حدوث خدوش في العين
- تلف القرنية، وما تشمله من حدوث تقرحات
وسوف يتداخل مرض اضطراب النوم الليلي (lagophthalmos) أيضًا مع النوم مباشرة. ويمكن أن يساهم تسرب الضوء إلى العينين، وعدم راحة العين، وجفاف العين في تدني مستوى جودة النوم.
قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كنت تنام بعين مفتوحة أم لا. لكن الأعراض الخاصة بمرض اضطراب النوم الليلي تقدم بعض القرائن الهامة.
وهناك قضية واحدة رئيسية مرتبطة بمرض (lagophthalmos) وتتمثل في أن الناس لا يعرفون أن لديهم هذا المرض في كثير من الأحيان. ومن المفهوم أنه قد يكون من الصعب على المرء أن يعرف ما إذا كانت عيناه تغلقان أثناء النوم أم لا. لكن الأعراض الخاصة بمرض اضطراب النوم الليلي تقدم بعض القرائن الهامة. وتشمل هذه الأعراض الاستيقاظ مع:
- شعور العيون بالخدش والتهيج والجفاف
- وجود رؤية ضبابية
- احمرار في العيون
- الشعور بألم في العين
- الشعور بتعب أو إجهاد في العيون
وإذا تركت مرض العين الأرنبية المفتوحة ليلًا أثناء النوم دون علاج، فهذا من شأنه أن يضعف البصر، كما يؤدي إلى التهاب العين وتلف القرنية. لذلك، من المهم معالجة هذه الأعراض مع طبيبك.
وينصحنا الكاتب قائلًا: إذا كنت تنام مع شريك، فيمكنك أن تطلب منه متابعة عينيك أثناء النوم.
ما هو علاج مرض العين الأرنبية المفتوحة ليلًا أثناء النوم؟
يجيب الكاتب في الختام: اعتمادًا على طبيعة الحالة الموجودة، وشدة الأعراض، هناك عدة خيارات مختلفة لعلاج مرض العين الأرنبية المفتوحة ليلًا أو مرض اضطراب النوم الليلي، على النحو التالي:
- يساعد استخدام الدموع الاصطناعية طوال اليوم على توفير بيئة أكثر رطوبة حول العينين، الأمر الذي يحمي العينين أثناء الليل.
- يمكن لأقنعة العين (الماسك) حماية العينين من التلف والتحفيز. وهناك أيضًا نظارات واقية مصممة خصيصًا لتوليد رطوبة للعينين أثناء النوم.
- سيساعدك استخدام المرطب أيضًا على النوم في بيئة غنية بالرطوبة، حيث تقل احتمالية جفاف عينيك.
- ينصح الأطباء في بعض الأحيان باستخدام ما يسمى بثقالات الجفون – التي تضع على السطح الخارجي للجفن العلوي. وبدلًا من استخدام الثقالات، يوصى أحيانًا بإغلاق العينين بشريط طبي لاصق.
- وفي الحالات الحرجة للغاية، تصبح الجراحة أحد الخيارات المطروحة، ولكن معظم الحالات لا تتطلب اتخاذ هذه الخطوة.
والخلاصة، في رأي الكاتب، أنه إذا كانت لديك عيون متعبة أو حمراء أو فيها حكة أو عيون متألمة عند الاستيقاظ – أو إذا كنت تعتقد أنك قد تواجه مشكلة في إغلاق عينيك أثناء النوم– استشر طبيبك على الفور. ولا تدع شعورك بأعراض عينيك غير المريحة أثناء النوم تمر دون علاج، وستحصل في النهاية على العين المريحة المغلقة أثناء النوم التي تستحقها.. مع تمنياتنا لكم بأحلام جميلة وسعيدة.
- مايكل ج. بريوس، حاصل على درجة الدكتوراه، وهو عالم نفساني مُعالج، حاصل على درجة الإجازة من المجلس الأمريكي لطب النوم (وهي منظمة مستقلة غير ربحية يتم الاعتراف بشهاداتها في جميع أنحاء العالم باعتبارها مؤهلات تشير إلى مستوى عال من الكفاءة لأطباء النوم وطب النوم وأخصائيي طب النوم). وهو مؤلف كتاب (النوم الجميل) (Beauty Sleep)، ولديه كتاب آخر قيد الطبع بعنوان: (ليلة سعيدة: برنامج طبيب النوم لمدة 4 أسابيع للتمتع بنوم طيب وصحة أفضل (Good Night: The Sleep Doctor’s 4–Week Program to Better Sleep and Better Health).
- شلل الوجه النصفي (Bell’s Palsy) (أو شَلَلُ بِيلْ، وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى الطبيب الاسكتلندي تشالرز بيل الذي درس ووصف واكتشف علاقة هذه الإصابة بالعصب الوجهي، وكان ذلك في القرن التاسع عشر الميلادي. وهو عبارة عن شلل أو ضعف يصيب أكثر من نصف عضلات الوجه السفلى نتيجة إصابة العصب القحفي السابع ويكون السبب في أغلب الحالات مجهولاً.)
- مرض لايم (Lyme disease) (وهو مرض معدٍ يصيب أجهزة عديدة في الجسم، ناجم عن بكتيريا تنتقل لجسم الإنسان بواسطة قرصة قرادة مصابة. وينتشر المرض في مناطق غابية في الولايات المتحدة، وأوروبا وآسيا. ويقتصر مرض لايم في المرحلة الأولى على الجلد بشكل عام في مكان القرصة، وخلال أيام أو أسابيع يصل العديد من الأعضاء عن طريق جهاز الدم، ومن بينها الأعصاب، خصوصًا أعصاب الجمجمة، ما يسبب شلل عصب الوجه.)
- مرض انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA). يَحدُث هذا النوع من انقطاع النفس عندما تسترخي عضلات الحلق بشكل متقطِّع وتُغْلِق مجرى الهواء أثناء النوم. ويُعَدُّ الشَّخير من العلامات الملحوظة على انقطاع النفس الانسدادي النومي. ومن ضمن مضاعفات المرض الإجهاد، والشعور بالنعاس أثناء النهار، والاستيقاظ المتكرِّر.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».