تتساءل سوزان واتيبورن في بداية مقالها الذي نشر على موقع «PsychologyToday» إذا ما كان هناك أشخاص يشعرونك بعدم الراحة تلقائيًا عندما تكون بالقرب منهم! هل تشعر بأنهم ينظرون إليك؟ وربما يحكمون عليك؟ ما الذي يجعلك تشعر بالغرابة في وجودهم؟ إذا كنت محظوظًا، يمكنك الاختفاء من أعينهم والذهاب بعيدًا، وعدم الاضطرار للتعامل مع نظراتهم غير المرغوب فيها. ومع ذلك قد لا يكون لديك أي خيار إذا كنت عالقًا معهم في اجتماع عمل، أو في منزل صديق ما للقاء اجتماعي صغير. ما يزيد الأمور سوءًا هو أنك لا تعرف بالضبط ما يعطيك هذا الشعور بعدم الارتياح، لكنك تعرف بالتأكيد أنه هناك.

تأثير النظرات التجسيدية الجنسية

تذكر سوزان دراسة جديدة حول شكل معين من أشكال عدم الراحة بين الأشخاص، إذ قامت الباحثة أورلي باريكت وزملاؤها بفحص الارتباطات المتعلقة بالنظرات الجنسية المعهودة من الرجال والموجهة للنساء. إذا كنت هدفًا لمثل هذا الاهتمام غير المرغوب فيه، فأنت تعرف مدى البؤس الذي يجعلك الشعور بأن أجزاء معينة من جسمك يجري فحصها بتفاصيل دقيقة. عندما يأخذ التجسيد الجنسي شكل نظرات غير مرغوب فيها، يمكن للهدف – والذي عادة ما يكون امرأة – أن يعاني من مجموعة من النتائج الضارة، مثل ضعف الأداء الإدراكي، ومشاعر العار الجسدي، والقلق تجاه شكل جسمها. وتقول سوزان: «إذا كنت قد مررت بمثل هذه التجربة، فأنت تعلم أن النظرات الجنسية يمكن أن تشتت الانتباه عن كل ما يُفترض أن تفعله. بدلًا عن التركيز على المهمة المطروحة. تبدأ في التساؤل عما إذا كان هناك شيء قبيح أو عيب في مظهرك».

الرجال الذين يقومون في ممارسة النظرات التجسيدية الجنسية هم أكثر عرضة لارتكاب اعتداءات جنسية.

هناك أبحاث حول الأشخاص الذين ينخرطون في هذا السلوك النظري الجنسي، وكما يتلخّص من قبل المؤلفين، فإن الرجال الذين يقومون في ممارسة النظرات التجسيدية الجنسية هم أكثر عرضة لارتكاب اعتداءات جنسية. وحتى إذا لم يصلوا إلى هذا الحد، فإن ميلهم إلى النظر إلى جسد المرأة، بدلًا عن وجهها، يعني أنهم عندهم قدرة أقل على التواصل بفعالية؛ لأنهم يفقدون العديد من الإشارات غير الشفهية التي يقدمها الوجه. علاوة على ذلك، فمن الممكن أنه من خلال تجسيد النساء، فإن هؤلاء الرجال يحكمون عليهم بأنهم أقل كفاءة ودافئًا وأخلاقًا وملاءمة للقيادة – بحسب البحث المذكور. من ناحية أخرى، كما يقترح المؤلفون، قد تنظر إلى جسم شخص آخر إذا كنت تبحث عن شريك رومانسي وتتواجد هذه النظرات في سياق تصبح فيه أقل حرجًا. ومع ذلك فإنك لن تصدر حكمًا حول من ستشارك حياتك معه بشكل حميمي على أساس جسم ذلك الشخص وحده. قد ترغب أيضًا في تقييم سمات مثل الشخصية والذكاء، والتي تتطلب النظر إلى وجه الشخص والجسم أيضًا – بحسب الكاتبة.

Embed from Getty Images

تشير نظرية التجسيد إلى أن الميل للنظر الى جسم المرأة عوضًا عن النظر إلى وجهها يؤدي إلى رؤيتها ككائن جنسي بحت كما تذكر الكاتبة. ويقول البحث: إن نظر الذكور يخلق إمكانية التعامل مع جسم المرأة، أو أجزاء منه على نحو منفصل عن شخصها، أو كأن جسمها قادر على تمثيلها. بعبارة أخرى: عندما يتم توجيه نظرة رجل إلى جسد امرأة، فسيعاملها على أنها شخص موجود بالكامل لاستخدامه الخاص ومتعته. الأبحاث السابقة التي حاولت إثبات ما إذا كان هذا صحيحًا، كما ذكرت الكاتبة على لسان باريكت، كانت محدودة بسبب أن النتائج تعتمد على التقرير الذاتي، والذي يشير من خلاله  الرجال إلى مدى التحديق الجنسي في النسا. بدلًا عن ذلك، من الضروري استخدام مقياس لا يخضع لتشويه التقرير الذاتي؛ إذ يميل الناس إلى انكار ممارسة أي سلوك غير مرغوب فيه اجتماعيًا.

تجربة تتبع حركة العين

الحل الواضح لمشكلة التقرير الذاتي هو مراقبة النظرات الفعلية للمشاركين في تجربة لتتبع حركة العين. يمكن للباحث استخدام هذه التقنية لمعرفة أين تقع نظرات عيون الرجال عندما ينظرون إلى النساء. وقد استفاد الباحثون من هذه التقنية في تجربة بلغ عدد المشاركين فيها 61 شخصًا، ومعظمهم من طلاب الكليات، تراوحت أعمارهم من حوالي 20 سنة إلى أكثر من 40 عامًا. (كان متوسط العمر 26 عامًا). وُضع المشاركون أمام جهاز تتبع العين، بينما كانوا ينظرون إلى مجموعتين من المحفزات البصرية، وكلها صور فوتوغرافية لنساء. في المجموعة الأولى، كان لدى النساء شكل جسم غربي مثالي، وكانوا يرتدون ملابس بيضاء مع جينز أو بنطال رمادي، وكان لديهن جميعًا نفس وضعية الجسد وتعبير الوجه. في المجموعة الثانية من الصور، ارتدت النساء ملابسهن الخاصة، وكان جميعهن مبتسمات. اعتقد المشاركون الذكور أنهم كانوا في دراسة تشكيل الانطباع، وأشارت التعليمات إلى أنه يجب عليهم تقديم حكم إيجابي أو سلبي سريع للنساء في الصورة.

طلب مقياس الاستبيان الخاص بالتجسيد الجنسي للنساء من المشاركين أن يذكروا مواقفهم تجاه بنود مثل «إذا كانت المرأة جذابة، فهي لا تحتاج إلى أن تقول أي شيء مثير للاهتمام»، «عادة ما تشعر النساء بالإطراء عندما تنظر إليهن»، «قد أستمتع بمشاهدة راقصة متعرية»، و«التعليق على السمات الجسدية للمرأة أمر طبيعي للغاية».

كانت المتغيرات الرئيسة المحورية في جزئية تتبع حركة العين من الدراسة هي «أوقات الإمعان» في حركات العين الموجهة إلى الوجه والصدر والحوض للنساء في الصور. قام الباحثون بقياس التجسيد الجنسي للإناث في الصور عن طريق طرح الوقت الذي أمضاه الذكور بالنظر إلى وجه المرأة من الوقت الذي قضوه في النظر إلى صدرها أو الوركين. وكما تنبأ الباحثون، فإن الرجال الذين لديهم أوقات نظر أطول في الأجزاء الجنسية من أجساد النساء حصلوا أيضًا على درجات أعلى في الاستبيان الخاص بالتجسيد الجنسي. النتائج، وخلصت باريكت إلى أن النتائج تدعم الفكرة القائلة بأن «الرجال الذين يُحتمل أن ينظروا إلى أجساد النساء على حساب وجوههم، يؤيدون المواقف التي تبرر وتطبع التجسيد الجنسي للمرأة».

الخلاصة

تختم الكاتبة قائلة: إن نتائج الدراسة تشير إلى أن هذه واحدة من الأسباب التي قد تجعل بعض الأشخاص يشعروننا بعدم الارتياح. من الصعب الانتباه للشكل الخفي من التمييز الجنسي الذي يمثله تحديق الرجل. قد تعلم أن شيئًا ما ليس كما يجب، ولكنك لا تعرف بالضبط ما هو، وستقل احتمالية مقاومتك للنظرة غير المرغوب فيها. على الرغم من أن هذه الدراسة درست المواقف المتحيزة جنسيًا، يشير المؤلفون أيضًا إلى أن مثل هذه المواقف التي تنطوي على تمييز تجاه مجموعة من الناس يمكن أن يشارك أصحابها في أشكال أخرى من التحيز والتمييز. ربما تشعر أن شخصًا من لون بشرة أو عرق أو جنسية مختلفة ينظر إليك ويحكم عليك، ولكن ليس لديك دليل ملموس على وجود أي توجه سلبي موجه إليك. إذا كنت شخصًا كبيرًا في السن، فقد تشعر أن الشباب ينظرون إليك بطريقة انتقادية، ولكن لا يمكنك أن تكون متأكدًا تمامًا ما لم يقولوا شيئًا.

باختصار – وبحسب الكاتبة – قد يكون السبب الذي يجعلك تشعر بعدم الارتياح لبعض الأشخاص متعلقًا بهم أكثر من ما هو متعلق بك. إذا تمكنت من التحرك بعيدًا، جسديًا أو عقليًا، فستتمكن من تجنب تأثير النظرة غير المرغوبة على قدرتك على الإنجاز.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد