هل تساءلت من قبل عن السبب الذي يجعلك تعيد مشاهدة أحد الأفلام أو المسلسلات عشرات المرات، بالرغم من معرفتك بما ستؤول إليه الأحداث مسبقًا؟ وما الذي يختلف بين هذه النوعية من الأعمال الفنية وبين تلك التي – بالرغم من أننا أحببناها – لا نرغب في الرجوع إليها بمجرد أن نعرف أحداثها؟ وكيف أصبحت ظاهرة حرق أحداث الأفلام والمسلسلات ذات تأثير سلبي على السرد الدرامي؟
أسئلة يجيب عليها مقال نشر في مجلة «إيكونوميست»، يستعرض رحلة السرد الدرامي منذ بدايات السينما الأولى إلى وقتنا هذا.
من هيتشكوك حتى تارانتينو.. «لا لمناقشة أحداث الأفلام»
يعود بنا المقال إلى العقود القليلة الأولى للسينما، عندما كان روادها يشترون تذاكر تمنحهم حق الانضمام العام إلى المسرح، حيث عرضت الأفلام بدون توقف، وكان بإمكانك أن تختار منها ما يروق لك، فكان بإمكانك، بحسب المقال، أن تدخل في منتصف الفيلم الرئيس وتشاهده حتى النهاية، وتشاهد أفلام الرسوم المتحركة والنشرات الإخبارية، إلى أن تعود إلى البداية وتشاهد ما فاتك. وفي هذا الصدد، توضح المجلة أن دور العرض في ذلك الوقت اضطلعت بدور التليفزيون العام.
استمر الوضع على هذا الحال إلى أن أصدر أحد المخرجين في عام 1960 مرسومًا يقضي بأنه لن يسمح لأحد بدخول العروض حالما يبدأ فيلمه الجديد؛ فقد كان لقدسية تجربة المشاهدة أهمية قصوى. كان هذا الفيلم هو «Psycho» (مضطرب عقليًا) ، وكان مرسوم ألفريد هيتشكوك – الذي كان جزء منه فنيًا والآخر ترويجيًا – ما أولى أهمية جديدة للحبكات الدرامية غير المتوقعة في المشاهد الأخيرة. (وطلب من النقاد أيضًا عدم مناقشة التفاصيل الأساسية التي وردت في فيلمه).

لقطة من فييلم «Psycho» للمخرج ألفريد هيتشكوك
ويشير المقال إلى أنه أصبح هناك هوس بين الكتاب والمخرجين بظاهرة حرق أحداث الأفلام (سبويلرز). فقد حثت الكاتبة البريطانية جي كي رولينج هؤلاء الذين يشاهدون مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون Harry Potter And The Cursed Child»، أو سلسلة أفلام «وحوش مذهلة Fantastic Beasts» الجديدة، على «كتم الأسرار».
أما أنتوني وجوزيف روسو، مخرجا سلسلة أفلام «مارفل»، فقد أصدرا بيانات طالبا فيها المعجبين ألا يفسدوا الأفلام على الآخرين. وعندما عرض فيلم «Once Upon A time… In Hollywood» (ذات مرة… في هوليوود) في مهرجان كان، أدلي كوينتين تارانتينو بالتماس مماثل للصحافة، وسط صيحات استهجان غاضبة.
لا تتسامح الجماهير أيضًا مع هذه المسألة، فكثير من المشاهدين، وفقًا للمقال، يقطعون اتصالهم بالإنترنت قبيل عرض حلقات أحد المسلسلات التلفزيونية المفضلة لديهم، أو يحجبون كلمات بعينها على مواقع التواصل الاجتماعي تفاديًا لرؤية منشورات محتملة قد تحتوي على حرق للأحداث. أما الكتاب فيتوجب عليهم أن يعلنوا أن مراجعاتهم تحتوي على حرق للأحداث، وإلا فسيواجهون رد فعل عنيف.
فقد تعرض أحد المعجبين، حسبما ورد في المقال، لاعتداء خارج عرض فيلم «Avengers: Endgame» (المنتقمون: نهاية اللعبة) لـ«كشفه بصوت جهوري» عن نهاية الفيلم.
متى بدأ انتشار الـ«بلوت تويست»؟
يؤكد المقال على أن السرد طالما كان له تحولاته وحبكاته الدرامية غير المتوقعة (بلوت تويست)، ويضرب مثالًا على ذلك من خلال فيلم «Citizen Kane» (المواطن كين) الذي عرض عام 1941 ويكشف عن تفاصيل حاسمة في الدقيقة الأخيرة، كعادة أفلام الغموض التي تبقي الجماهير في حالة من الشك والترقب لحين التوصل إلى حل العقدة بشق الأنفس في اللحظات الأخيرة.
بيد أن المخرج مايكل كورتيز، حسبما ورد في المقال، لم يمنع المشاهدين من دخول فيلم «ميلدريد بيرس Mildred Pierce» متأخرين، ولم يفرض كذلك المخرج أورسون ويلز حظرًا على الصحافة بشأن المسائل المتعلقة بفيلم «Rosebud» (البرعم). بالتأكيد كانت هناك مفاجآت في أحداث هذه الأفلام، ولكنها لم تكن ثمينة أو محمية.
وأشار المقال إلى استثناء جدير بالذكر، وهو إنتاج مسرحية «The Mousetrap» (مصيدة الفئران) التي تعرض في الطرف الغربي من لندن، والتي ظلت لعقود تطلب من روادها أن يلتزموا الصمت.
وينتقل المقال إلى بداية تأصل الحبكات الدرامية المفاجئة في التسعينات، ففي أفلام تلك الفترة، مثل فيلم «The Crying Game» (لعبة البكاء)، وفيلم <Seven» (سبعة)، وفيلم «The Usual Suspects» (المشتبه بهم المعتادون)، وفيلم «Fight Club» (نادي القتال)، تطورت الحبكات الدرامية المفاجئة في نهايات الأفلام وأصبحت على قدر من الأهمية؛ فقد أصبح الكاتب والمخرج إم نايت شيامالان أشبه بخبير في هذا النوع من الحبكات.

غلاف فيلم «Se7en»، أحد الأفلام التي تميزت بالمفاجآت في التسعينات
ويسلط المقال الضوء على هيمنة الحبكات الدرامية المفاجئة مع انتشار الإنترنت، لتبدأ هيستيريا حرق أحداث الأفلام والمسلسلات، وبوجود الكثير من التحليلات على شبكة الإنترنت، دشنت قواعد جديدة للنقاش تقتضي ضرورة إعطاء تحذيرات بخصوص حرق الأحداث، أو أن يستوجب ذلك السماح للقراء بالاختيار.
كيف غير حرق الأحداث من أشكال السرد القصصي؟
أوضح المقال أنه بعدما أدرك المخرجون اهتمام الجمهور بعنصر المفاجأة سعوا إلى استرضائه. فأصدر المخرج جوزيف ماجينتي نيكول حرقًا زائفًا لأحداث فيلم «Terminator: Salvation» (المدمر: الخلاص)، وصور مخرجون آخرون نهايات عدة لأفلامهم.
أما في فيلم «The Last Watch» (المشاهدة الأخيرة)، وهو وثائقي عن عملية صناعة الموسم الأخير من مسلسل «Game Of Thrones» (صراع العروش)، يظهر السيناريوهات وهي تمزق بعد جلسة قراءة فريق العمل للنصوص، فضلًا عن نقل الممثلين جوًا إلى مواقع تصوير دون الحاجة إلى ذلك لتضليل الصحافيين والمعجبين على حد سواء.
ترى المجلة أنه بقدر كل السخافة التي يبدو عليها ذلك، وبقدر ما هو مثير للسخرية، تجعل الحبكات الصادمة الناس يتحدثون ويغردون ويتابعون تلك المسلسلات، ففي عالم التلفزيون تسهم هذه الحبكات في ضمان الحصول على نسب مشاهدة عالية في اليوم الذي تعرض فيه هذه المسلسلات، وعليه يشجع كل هذا الصخب الجمهور على حجز تذاكر السينما الخاصة بهم مسبقًا.
ولعل استجداء الأخوين روسو المشاهدين بألا يفسدوا سلسلة أفلام «The Avengers» (المنتقمون) هو ما ساعدهم على تأمين أضخم افتتاحية في تاريخ السينما، وبحسب المقال، بدا من هذا أن الرسالة تقول: شاهده اليوم قبل أن يفسده عليك غيرك.
المفاجآت ليست كل شيء.. أعمال ممتعة رغم نهاياتها المعروفة
يؤكد المقال على أن هذا السلوك يضيق على مناقشات النقاد الملائمة حول القصص بقدر ما يفعل مع المشاهدين، ويلحق الضرر بحرفة السرد القصصي، فمن خلال الترويج لأحد أساليب السرد القصصي، وهو الحبكة الدرامية المفاجئة، وتأثير واحد ممثل في عنصر المفاجأة، تصير القصص أكثر إزعاجًا.

ثلاثية Lord Of The Rings
إذ إنها – في هذه الحالة – تحاول جديًا أن تتصدى للتوقعات وتقاوم القدرة على التنبؤ بأحداثها؛ ومثالٌ على ذلك سلسلة أفلام «The Lord Of The Rings» (سيد الخواتم) التي كانت متوقعة من البداية إلى النهاية، وبالرغم من ذلك لم تعانِ السلسلة من جراء ذلك. أما وليم شكسبير، فقد كشف عن نهايات تراجيدياته بالإعلان عنها على هذا النحو ولم يبدُ أن هناك من يمانع. (في مسرحية «روميو وجولييت»، علِم الجمهور قصتها في التمهيد الذي سبق عرضها).
أما مسلسل الجريمة الكلاسيكي «Columbo» (كولمبو)، فيكشف عمن ارتكب جريمة القتل في بداية كل حلقة، وينجح بالرغم من ذلك في جعل مشاهدة التحقيقات مثيرة.
يرى المقال أن القصص التي تروج إلى عنصر المفاجأة على حساب الشخصية، ينتهي بها المطاف وهي مجرد مسلسل تلفزيوني طويل، أو سلسلة من الصدمات المدهشة. يفسد هذا مصداقية هذه القصص، فبينما يكشف بعضها عن تفاصيل – مثل كانوا جميعهم أمواتًا، أو كان الأمر برمته حلمًا – فإن هذه التفاصيل لا تذهل الأذهان بالدرجة التي تهدر بها الوقت. لكن الأهم من ذلك كله، بحسب المقال، هو حقيقة أن عنصر المفاجأة يبالغ فيه.
وتختتم المجلة عرضها باكتشاف لجوناثان ليفيت ونيكولاس كريستينفيلد في دراسة أجرياها عام 2011، تشير إلى أن معرفة ما ستؤول إليه القصة لا يحول دون الاستمتاع بها، بل يزيد هذه المتعة. وبعبارة أخرى: لا يفسد شيئًا في الواقع بسبب مفسدي الأحداث.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».