يبدأ بريسكو بتعريف مصطلحٍ يُستخدم أحيانًا لوصف تلك الأزرار، ألا وهو «الأزرار الوهمية»، وهي أزرارٌ سليمةٌ من الناحية الميكانيكية ويُمكن الضغط عليها، لكنَّها لا تُؤدي أي وظيفة. وبالرغم من ذلك، فهي مثل عقاقير البلاسيبو الوهمية، تخدم غرضًا مُحدَّدًا أشارت إليه إلين لانجر، عالمة النفس بجامعة هارفارد، والتي كانت رائدةً في صياغة مفهوم «وهم التَحَكُّم».
قالت إلين في مقابلةٍ تليفونية مع الكاتب: «تمتلك تلك الأزرار تأثيرًا نفسيًّا. فاتخاذ بعض الإجراءات يمنح الناس شعورًا بالتَحَكُّم في الموقف، وهو شعورٌ رائع، أفضل من الوقوف بوصفك متفرجًا سلبيًّا. ففعل شيءٍ، يمنحك شعورًا أفضل من عدم فعل شيء».
لا تمش
يطير بنا كاتب المقال سريعًا إلى مدينة نيويورك، حيث لا يعمل سوى قرابة 100 من أصل ألف زرٍ في إشارات عبور المشاة، حسبما أكَّد المتحدث باسم وزارة النقل في المدينة عن طريق البريد الإلكتروني. انخفض ذلك الرقم باطرادٍ خلال السنوات الأخيرة؛ فحين كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنَّ الغالبية العظمى من أزرار نيويورك لا تعمل عام 2004، كان 750 زرًا منها ما زال يعمل.
ويرى بريسكو أنَّ حركة المرور المتدهورة ربما تكون هي المسؤولة عن هذا التحوُّل؛ إذ ثُبِّتَت إشارات المشاة في العموم قبل وصول الازدحام إلى المستويات التي بلغها اليوم، ومع مرور الوقت، بدأت تتداخل مع التنسيق المعقد لإشارات المرور.
لكن بعد أن سيطرت أنظمةٌ أكثر تطوُّرًا على وظائف الأزرار، مثل إشارات المرور الأوتوماتيكية أو أجهزة استشعار حركة المرور، أُبقِيَ على الأزرار المادية عوضًا عن استبدالها وتَكَبُّدِ المزيد من النفقات.
ويُشير بريسكو في حديثه إلى مُدُنٍ أخرى مَرَّت بتجربةٍ مماثلةٍ تركتها بنصيبها من أزرار عبور المشاة الوهمية، مثل بوسطن ودالاس وسياتل. وفي لندن، التي تحتوي على 6 آلاف إشارة مرور، ينتُج من الضغط على زر عبور المشاة ضوء «انتظارٍ» مُطَمْئِن. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ «الرجل الأخضر»، أو «مرحلة عبور المشاة» حسب مصطلحات تصميم إشارات المرور، سيظهر في وقتٍ أقرب.
وقال جلين بارتون، مدير إدارة الشبكات بهيئة النقل في لندن، في مقابلةٍ تليفونية مع الكاتب: «هناك بعض الممرات التي يعمل فيها الضوء الأخضر تلقائيًّا، لكنَّنا نطلب من الناس الضغط على الزر لأنَّه يُتيح الوصول إلى مميزاتٍ تساعد ذوي الإعاقة».
وأورد التقرير أنَّ تلك المميزات، مثل رصف الطرق بالعلامات البارزة وإشارات المرور الصوتية، تُساعد الناس الذين يُعانون من إعاقاتٍ بصريةٍ على عبور الطريق، وتعمل فقط في حال الضغط على الزر. وبالنسبة للإشارات الضوئية، دُمِجَت أعدادٌ متزايدةٌ منها داخل نظامٍ إلكترونيٍ يستكشف حركة المرور ويُعدِّل الفواصل الزمنية وفقًا لها (مانحًا الأفضلية للحافلات في حال تأخُّرها عن موعدها مثلًا)؛ مما يعني أنَّ الضغط على الزر لا تأثير له.
وفي تلك الأثناء، تستجيب إشاراتٌ أخرى للضغط على الأزرار في أوقاتٍ مُحدَّدةٍ من اليوم فقط. ويوضح بارتون: «في معظم الحالات، يستدعي الضغط على الزر مرحلة عبور المشاة».
أغلِق الباب من فضلك
ويُحوِّل بريسكو مسار الحديث إلى أكثر الأزرار إثارةً للضجيج، ومن بينها: زر «إغلاق الباب» في المصاعد. ويُشير إلى أنَّه إذا كنت تعيش داخل الولايات المتحدة، فهذا الزر لا يعمل بكل تأكيد.
وقال كيفن برينكمان من الاتحاد الوطني لصناعة المصاعد، في رسالة بريدٍ إلكتروني: «لتبسيط الأمر، لن يتمكن الجمهور الذي يرتاد المصاعد من تسريع إغلاق الأبواب عن طريق الضغط على الزر».
لكن هناك سببٌ منطقيٌ لهذا الأمر: قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة لسنة 1990. وأوضح برينكمان: «يُلزم هذا القانون مُصنِّعي المصاعد أن تظل أبواب مصاعدهم مفتوحةً لفترةٍ تكفي أي شخصٍ يُعاني إعاقةً أو صعوبةً في الحركة، مثل استخدام العكازات أو الكرسي المتحرك، للدخول إلى كابينة المصعد بأمان».
لذا، فالضغط على الزر لن يُؤدي إلى غلق الباب ما لم تبلغ نهاية الوقت المُحدَّد للصعود. ويُسمح فقط لرجال الإطفاء وموظفي الطوارئ وعُمَّال الصيانة بتجاوز وقت التأخير عن طريق مفتاحٍ أو رمز.
أما خارج الولايات المتحدة، فتتزايد فرص عَمَلِ الزر، رغم أنَّه ليس أمرًا مُؤكدًا.
وقالت روبين فيالا من شركة «أوتيس»، أكبر مُصنِّعٍ للمصاعد في العالم، في رسالة بريدٍ إلكتروني: «تتحدَّد وظيفة الزر، سواءٌ كان يُغلق الباب أسرع أم لا، بناءً على الكود الذي يطلبه المبنى أو العميل».
أسخن من أن تُمَسّ
ويُشير المقال إلى أنَّ المُنَظِّمات الحرارية في الغرف الفندقية تُعرَف بأنَّها تُحدِّد نطاق درجات الحرارة المتاحة للمستخدمين، مما يُقلِّل تكاليف الطاقة. ولا تقتصر هذه الممارسة على الفنادق، وفقًا لروبرت بين، المسؤول بالجمعية الأمريكية لمهندسي التبريد والتدفئة وتكييف الهواء. لكنَّ هذا ليس أمرًا سيئًا بالضرورة، لأنَّ درجة حرارة الهواء، وهي ما تتحكم فيه مُعظم المُنَظِّمات الحرارية، تُعَدُّ قطعةً واحدةً فقط من الأُحجية الحرارية.
وأضاف: «مع غياب التحكُّم في المقاييس الأخرى، لا تمثل درجة حرارة الهواء عاملًا معبرًا عن الراحة الحرارية». أو بعبارةٍ أخرى: التحكُّم الكامل في درجة حرارة الهواء لا يعني مزيدًا من الراحة. لكن في بعض الأحيان، يُمكن أن تكون المُنَظِّمات الحرارية مُخادعةً في تصميمها، لدرجة أنَّ بعض النماذج تحتوي على خيار «الوظائف الوهمية».
ويُضيف بين: «تُظهِر أبحاث الراحة الحرارية أنَّ الناس حين يعتقدون في تحكمكم بدرجة الحرارة في مساحاتهم، يتقبلون مستويات أعلى من عدم الراحة. وفي حال تثبيت مُنَظِّم حراري لا يعمل (وهمي) أو مُنَظِّم حراري ذي وظائفَ محدودةٍ، فإنَّ مُجرد امتلاك خيار التلاعب به يُؤثر في إدراك الشخص لمحيطه».
ويُمكن العثور على المُنَظِّمات الحرارية الزائفة التي لا تتصل بالنظام مطلقًا في المكاتب أيضًا، وفقًا لدونالد براذر من منظمة «متعهدي تكييف الهواء في أمريكا».
وأوضح في رسالة بريدٍ إلكتروني: «وُضعت تلك المُنَظِّمات هناك للتخلُّص من الأشخاص الذين يشتكون باستمرار عن طريق منحهم إمكانية التحكم. أُرسِلتُ لمعايرة إحداها حين كُنت مُهندسًا مُتدرِّبًا. وعندما سألتُ عن سبب إرسالي لمعايرة مُنَظِّمٍ غير موصولٍ بالنظام، أُصيبوا بالذعر وسألوني عما إذا كنتُ قد أخبرتُ الشخص المقيم بأن المُنَظِّم غير موصول. وبعد طمأنتهم بأنَّني لم أُفشي السر، اعترفوا أنَّهم ظنوا أنني سأُبدو أكثر واقعيةٍ أثناء معايرة المُنظِّم بعدم إخباري أنَّه غير موصول بالنظام».
أزرارٌ جيدة
وفقًا لإلين لانجر، تُؤثِّر الأزرار الوهمية في حياتنا تأثيرًا إيجابيًّا في مجمله، لأنَّها تمنحنا وهم التَحَكُّم، وشيئًا نفعله في المواقف التي يكون البديل فيها هو عدم فعل شيء (وهو ما يفسر ضغط الناس على زر طلب المصعد وهو مُضَاءٌ بالفعل، وفقًا للكاتب).
ويرى بريسكو وفقًا للتقرير أنَّ تلك الأزرار ربما تجعلنا أكثر أمانًا بإجبارنا على الانتباه للبيئة المحيطة في حالة ممرات المشاة. وفي النهاية، لا يتطلَّب الضغط على زرٍ الكثير من الجهد.
ويختتم الكاتب بتعليقٍ لإلين قالت فيه في مقابلتها معه: «حين تُفكِّر في الأمر، فإنَّ الضغط على الزر يعد فعلًا صغيرًا لدرجة أنَّه بالكاد سيكلِّفُكَ أي شيءٍ حتى لو لم يكن له أيُّ تأثير. وأعتقد أنَّه من المخجل أن يُسميه الناس «زرًا وهميًّا»، وأن يفترضوا بسبب هذا الاسم أن الآخرين يتصرفون بجنون. ينطوي هذا الوصف على الاعتقاد بأنَّ الناس مجانين لضغطهم تلك الأزرار، أو أشرار وماكرون لوضع أزرارٍ لا غرض لها منذ البداية. إذ تخدم تلك الأزرار غرضًا نفسيًّا على الأقل، فضلًا عن أنَّها أحيانًا يكون لها تأثيرٌ ما».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».