على مدى العقد الماضي، كان لمسيرة الاستبداد أسماء مختلفة في جميع أنحاء العالم: «العثمانية الجديدة»، و«البوتينية»، و«إجماع بكين». كانت الفرضية المشتركة هنا هي أن النظم الديمقراطية الهشَّة لم تكن ملائمة للحكام الأقوياء الذين بإمكانهم أن يفرضوا حلولًا من أعلى لأسفل.
فكرة الطاغية الكفء قُوبلت برفض حاد مؤخرًا في الانتخابات البرلمانية في تركيا. وسط حضور جماهيري تخطى 86%، رفض الناخبون إعطاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأغلبية التي يريدها لإعادة كتابة الدستور ومنح نفسه سلطة تنفيذية أكثر. أكدت نتيجة الانتخابات قوة استقرار الديمقراطية وحكمة الناخبين المستنيرة.
المعلقون الأتراك عبروا عن سعادتهم حيال النتيجة التي انتهت بها الانتخابات البرلمانية. أوزجور أونلوايساركيلي، ممثل في أنقرة لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، قال لصحيفة «نيويورك تايمز»: «أثبتت تركيا أنها ديمقراطية التصحيح الذاتي». بولنت أليريزا، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، شبَّه الانتخابات التركية بأنها «انفجار نووي في السياسة التركية».
لماذا يرفض الناخبون الأتراك الاستبداد في الوقت الذي ما زال يبدو مرغوبًا فيه وبشدة في أماكن أخرى؟ الجواب يبدأ بالتأكيد مع القوة النسبية للمؤسسات السياسية في تركيا. فالديمقراطية العلمانية تمتد لما يقرب من قرن هناك: وقد نجت من الحروب الساخنة والحروب الباردة والانقلابات العسكرية والمتطرفين الدينيين. الأتراك يعرفون بأن لديهم ما يخسرونه إذا تم اختطاف النظام الخاص بهم.
لتركيا أيضًا ثقافة مدنية يمكن أن تدعم المؤسسات الديمقراطية. ولديها اقتصاد السوق الحر النابض بالحياة، وحرية الصحافة، وجيش قوي ونظام قانوني مستقل. كانت هذه هي أجزاء المجتمع التركي ذاتها التي كان يحاول أردوغان تخويفها أو قمعها في مسعاه لقدر أكبر من السلطة. الصحفيون والجنرالات والقضاة لا يمكن أن يقاتلوا مرة أخرى على نحو فعال من تلقاء أنفسهم، ولكن الناخبين معًا يمكنهم أن يفعلوا ذلك.
أردوغان نفسه، ومن المفارقات، ساعد على تشجيع النشاط الكردي الذي كان عاملًا قويًّا في انتخابات الأحد. كزعيم لحزب العدالة والتنمية، قال بأنه كسب أصوات الكرديين عبر توفير المزيد من الحقوق – وحتى صنع السلام، لبعض الوقت، مع مجموعة متطرفة تعرف باسم حزب العمال الكردستاني.
ولكن في يوم الانتخابات، تحولت وسيلة التعبير عن الذات الكردية لدعم الحزب الليبرالي الديمقراطي الشعبي، برئاسة صلاح الدين دميرتاز. الحزب حصل على أكثر من 13% ليصبح أول حزب برلماني كردي بشكل واضح في تاريخ تركيا. قد يكون هذا الاحتضان للتعددية في الحياة التركية مهمًا، كما هو الحال مع رفض استيلاء أردوغان على السلطة التنفيذية.
للانتخابات التركية أهمية عالمية لأنها تتحدى، ما بدا حتى وقت قريب، الصعود المتواصل للقوميين الأقوياء والأحزاب السلطوية. أنصار ما يسمى بإجماع بكين يقولون بأن الميزة الكبيرة للنموذج الصيني هي أنه نجح؛ سلطة الدولة المركزية يمكن أن تحقق النتائج التي كانت مستحيلة في أكثر الديمقراطيات فوضوية.
فلاديمير بوتين في روسيا هو نموذج آخر من الاستبداد الحديث. الأمر المقلق في حالة بوتين هو أن فساده، ونظامه العسكري يحظيان بشعبية لدى الشعب الروسي. شركة الاقتراع الروسية، مركز ليفادا، ذكرت مؤخرًا أن شعبية الرئيس الروسي تبلغ 86%، على الرغم من العقوبات، وتدهور الاقتصاد وقمع المعارضة. شعبية الرئيس أوباما، على النقيض من ذلك، تبلغ نحو 45%. يؤخذ في الاعتبار هنا صفات التعقل وضبط النفس التي تساعد على تعريف أوباما كقائد ديمقراطي، في حالته، كما إشارات الضعف.
يبدو بوتين انعكاسًا لشغف الشعب الروسي نحو العظمة والإمبراطورية. ولكن كلمات مماثلة كانت تستخدم قبل بضعة أشهر فقط لوصف نداء أردوغان بـ«العثمانية الجديدة»، زعيم تركي يتمتع (مع القصور) بسلطة السلطان.
فريد زكريا كان قد كتب على مدى العقد الماضي عن صعود ما أسماه «الديمقراطية غير الليبرالية» – القوة المتنامية لزعماء مثل أردوغان وبوتين الذين يحكمون مع قشرة من الشرعية الشعبية ولكنها مجموعة أساسية من سيطرة الدولة. يمكن إضافة رجل مصر القوي المنتخب شعبيًّا، الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتلك القائمة.
وبينما يربط الأمريكيون بين الديمقراطية والانتخابات، فإن الأمر الذي أفضى إلى النتائج الديمقراطية الحقيقية في انتخابات الأحد في تركيا كان شيئًا أعمق من أن عددًا كبيرًا من الناس ذهبوا إلى صناديق الاقتراع. أردوغان فشل في الحصول على ولايته لأنه تحدى ثقافة الضوابط والتوازنات والمؤسسات التي تعطي الديمقراطية التركية مرونتها.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».