يبدو أن دبلوماسية «واتساب» نجحت في تحقيق مصالح إدارة ترامب.
نشرت صحيفة «ذي أتلانتك» الأمريكية مقالًا للكاتب الصحافي، جرايم وود، حول اتفاق التطبيع الرسمي الكامل للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل، والذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بيان ثلاثي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ووصفه بأنه «اتفاق سلام تاريخي».
وفي بداية مقاله ذكر الكاتب أن دونالد ترامب أعلن عن التوصُّل إلى اتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات. وسوف تلتزم إسرائيل بموجب ذلك عدم ضم مناطق محددة من الضفة الغربية.
سيسبب هذا الاتفاق صدمة لأولئك الذين اعتقدوا أن الجزء المكرس للسلام في الشرق الأوسط في جُعْبَة جاريد كوشنر يتكون من ملف واحد موجز مليء بنسخ مطبوعة من مقالات منشورة على موقع «ويكيبيديا» – على حد قول الكاتب – لكن كانت هناك دلالات على أن هذا الاتفاق في طور التكوين، وأن إدارة ترامب ستكون على أتم الاستعداد لتحقيقه.
والمملكة العربية السعودية ليست طرفًا رسميًّا في هذا الاتفاق، لكن علاقتها مع الإمارات ودية لدرجة تتيح لنا أن نفترض أن الرياض وافقت عليه بشغف، وأن الإمارات ستمثل مصالح السعودية في إسرائيل كما لو كانت مصالحها هي. وتتعامل إدارة ترامب مع هذه الدول من خلال القنوات الشخصية نفسها التي تبدو لنا غامضة وفاسدة لأنها كذلك بالفعل، بحسب المقال.
يتابع الكاتب: قبل بضعة أشهر أخبرني أكاديمي سعودي أنه استطاع أن يفهم ترامب على نحو أسهل مما فهمتُه أنا؛ وذلك لأنني أعيش في بلد تُعد فيه المحسوبية جريمة، بينما يعيش هو في بلد تتعامل مع المحسوبية وكأنها النظام الحاكم. وتزعجني فكرة أن الرئيس يُعيِّن صهره لإدارة أكثر الجوانب حساسية في إدارته. وبالنسبة للأكاديمي السعودي، قال: «إن الأمر يتعلق بكيفية إنجاز الأمور فحسب، ولا يوجد شيء غامض بشأن ذلك على الإطلاق».
دبلوماسية غير حكيمة
ولفت الكاتب إلى أن أي سعودي مهتم بالسياسة يعي جيدًا أن لكوشنر خطوط اتصال مباشرة مع محمد بن سلمان (إم بي إس)، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، ومع محمد بن زايد (إم بي زد)، ولي عهد أبوظبي ونظير محمد بن سلمان في الإمارات. ولكن لا توجد شخصية فلسطينية مماثلة يمكن لكوشنر أو ترامب الدردشة أو عقد صفقات معها عن بُعْد. ولذلك، ينبغي ألا تصيبنا الدهشة عندما نجد أن الثمار الأولى لإستراتيجية هذه الإدارة في الشرق الأوسط سيكون اتفاقًا يتجاهل الفلسطينيين تمامًا ويتعامل بدلًا عن ذلك مع أحد هؤلاء الأمراء المليارديرات.
وسيكون ضربًا من الغباء أن نَصِفْ هذه الإستراتيجية التي تُطبَّق عبر دبلوماسية واتس آب الشخصية بأنها حكيمة، لأنها الإستراتيجية الوحيدة المتوفرة أمام إدارةٍ دمَّرت جميع سبل التفاوض الأخرى. لكن هذه الإستراتيجية ليست مجنونة أيضًا.
وكان تَوجُّه المحافظين الجدد أثناء إدارة جورج دبليو بوش متمثلًا في أن «الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد» (بمعنى أنه إذا كنتَ تريد تحقيق السلام في إسرائيل، فأنت بحاجة إلى ديمقراطيات عربية صديقة). ولم ينجح ذلك التوجُّه كما كان مخططًا له، فلماذا لا نَدَع نظام تحديد المواقع (جي بي إس) الدبلوماسي الخاص بنا يعيد توجيه خط سيرنا إلى أبوظبي بدلًا عن ذلك؟
إن دول الخليج على الأقل مستعدة للتعامل، ولديها بعض الثقة في أن ترامب سيقدم لها الدعم اللازم لتحمل الازدراء – الخارجي والمحلي – الذي سيأتي في أعقاب خيانتهم على ما يبدو لقضية تحرير فلسطين. علاوةً على ذلك لدى هؤلاء الأمراء حماس صادق للعمل مع إسرائيل. ولم تكره الإمارات العربية المتحدة إسرائيل كما كرهتها دول عربية أخرى.
يتابع الكاتب: قبل 10 سنوات، كتبتُ قصة عن مزارعين عرب على الجانب الإسرائيلي من الحدود اللبنانية. ونُشِرتْ القصة في إحدى الصحف في أبوظبي، وخَشِيتُ أن تؤدي الأدلة التي تُثبتْ زيارتي لإسرائيل إلى تعقيد الأمور بشأن إمكانية عودتي إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأكد لي الأصدقاء في الإمارات العربية المتحدة أن الحكومة لا تهتم بالختم الإسرائيلي المطبوع في جواز سفري، ولن يكلف أحد نفسه عناء توقيفي واستجوابي إلا إذا كنت أرتدي الكيباه أو الكِبة (غطاء رأس صغير مستدير الشكل يرتديه اليهود الأرثوذكس طيلة الوقت توقيرًا لله) وعليها العلم الإسرائيلي، وأُغنِّي «هَتِكْڤاه (النشيد الوطني الإسرائيلي)» بينما أمر عبر نقطة الجوازات في المطار. (قِيل لي إن القصة أزعجت بعض قُرَّاء الصحيفة – ليس لأنها كانت عن إسرائيل، ولكن لأنها ركَّزت على نحو غير ملائم على الخنازير والحيوانات غير النظيفة الخاصة بالمزارعين، وهي أمور غير مستساغة في صحيفة عائلية).
وفي العام الماضي حضرتُ اجتماع القداس البابوي في أبوظبي، والذي كان الأول من نوعه في تاريخ الخليج الحديث. وكان حكام الإمارات العربية المتحدة، على غرار السعوديين، يرسلون إشارات تدل على رغبتهم في الانفتاح وأن يكونوا أكثر شبهًا بغيرهم من الدول، لكنهم أكثر ثراءً وسخونة واستبدادية فحسب.
بوليصة تأمين
وأشار الكاتب إلى ان التقارب الأخير الذي جمع بين هذه الدول يتمثل في كراهية إيران، التي ستدمر إسرائيل وعديدًا من الدول العربية السنية إذا سنحت لها الفرصة. ويُعد عداء إدارة ترامب تجاه إيران (أو بتعبير أدق، صفقة باراك أوباما مع إيران، التي جمَّدت برنامج إيران النووي لكنها ضمنت استمرار النظام الإيراني) بمثابة الحقيقة المطمئنة للإمارات والسعودية، ونظرًا لتضاؤل احتمالات نجاح ترمب في الفوز بولاية ثانية، يجب أن تدرس القيادة في كلا البلدين سبل ضمان استمرار تساهل إدارة بايدن – هاريس معهما.
وقد دعت كمالا هاريس على وجه الخصوص إلى محاسبة المملكة العربية السعودية بشأن مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جسده في أكتوبر (تشرين الأول) 2018. والصداقة مع ترامب سهلة بالنسبة للإمارات العربية المتحدة. لكن بتحقيق السلام مع إسرائيل (ومقابل تكلفة ما تدفعها بنفسها)، تجبر الإمارات أي رئيس أمريكي على النظر في عواقب انتقادها أو التهديد بالإطاحة بنظامها الحاكم. (وصف جو بايدن الاتفاقية بأنها «خطوة تاريخية»). وهذه الصفقة عبارة عن بوليصة تأمين على الحياة.
شكل السلام في البداية
وأوضح الكاتب أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس البلاد التي أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، أعلن تأييده لهذا الاتفاق على موقع تويتر. ولا شك أن حكام الإمارات يفكرون في مصير سلف السيسي أنور السادات، الذي قُتِل بسبب ما عَدَّهُ كثير من المصريين خيانة عظمى مماثلة. (أصدر بن زايد بالفعل بيانًا تجنَّب فيه قول ما صرَّح به ترامب صراحةً، وهو أن الطرفين اتفقا على «التطبيع»، وليس مجرد وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولًا إلى علاقات ثنائية).
ومن الصعب قياس المشاعر الشعبية في دول الخليج، ناهيك عما إذا كان الرفض الشعبي قد يُنهِي هذه الصفقة ربما قبل أن تبدأ. والإمارات والسعودية ليستا من المجتمعات الحرة التي يمكن فيها للعامة والدهماء الخروج على سياسة الحكومة دون عواقب. وسيكون ضربًا من التفاؤل الزائد أن نتوقع تَجمُّع حشود عربية متحمسة لتقديم آيات الترحيب بالسفير الإسرائيلي القادم. ولن تتلاشى عقود من العداء الرسمي والأوجاع العامة المُطلَقة جرَّاء معاملة العرب في الأراضي الإسرائيلية بسبب تغريدة للرئيس الأمريكي ومصافحة الأمير لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: ومع ذلك نلاحظ تحوُّلًا خلال العقد الماضي أو نحو ذلك، منذ نهاية الانتفاضة الثانية تقريبًا، في عام 2005. والمحادثات مع العرب حول إسرائيل، التي كانت تتسم يومًا ما بالنقد اللاذع، غالبًا ما تبدأ وتنتهي بإيماءات دالة على التسليم بالأمر الواقع. ولم أقابل سعوديًا أو إماراتيًا اعترف – ولو سرًا – برغبته في زيارة إسرائيل وتكوين صداقات مع الإسرائيليين. ولكن لا يبدو أن كثيرين لديهم الرغبة في رمي حجر في وجه رقيب إسرائيلي أيضًا. وعلى أية حال ربما يكون هذا هو شكل السلام في البداية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».